منقول من الموسوعة القرأنية للسيد القحطاني
كـتاب الــذكر
قال الله تعالى {ص وَالقرآن ذِي الذِّكْرِ }( ).
في هذه الآية من سورة (ص) إشارة إلى وجود كتاب مختص بالذكر ضمن كتاب القرآن ، لأن (ذي) تدل على التغاير .
إن كتاب الذكر هو الكتاب الحاوي على قصص وأخبار الأمم السابقة وسير الأنبياء مع أقوامهم وتبليغ رسالاتهم وتلقي الوحي ، وهو مأخوذ من ذكر الشيء بعد مضي زمانه وله علاقة بالتذكر والذاكرة .
وهو من أنباء الغيب التي أشارت إليها الآية : {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إليك}( ).
وإن لهذا الكتاب حمله المكلفون به وهم (أهل الذكر) الذين أمر الله بسؤالهم قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }( ).
وهنا لا بد من التنبيه إلى نقطة بالغة الأهمية وهي إن الذكر قد يراد به من يبلّغ الذكر وهو الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وهو ما تعنيه الآية الشريفة في قوله تعالى{ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ}( ).
فالذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) كما ورد في عيون أخبار الرضا ، وفي الكافي ، والقمي ، والعياشي عنهم (عليهم السلام) إن الذكر هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأهل بيته هم المسؤولون وهم أهل الذكر.
وفي العياشي والبصائر عن الباقر (عليه السلام) : (إن من عندنا يزعمون ان قول الله فاسألوا أهل الذكر إنهم اليهود والنصارى قال: إذن يدعونكم إلى دينهم ثم ضرب بيده إلى صدره وقال نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون ).
والدليل فيما ذهبنا إليه من إن الذكر هو الكتاب الحاوي على قصص وأخبار الأنبياء أمور:-
الأول :
قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }( ).
فإن تحديد الآية بقوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً} ، إشارة إلى الأنبياء والرسل السابقين وتنويه عن عدم معرفة الناس بما انزل إلى الأنبياء من البينات والزبر جعل من اللازم أنزال الذكر لعلة بينها الباري في ذيل الآية وهي {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }( ).
أي ما انزل إلى الأنبياء والرسل بدليل فصلها عن {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} العائدة للناس بالواو . وإلا لو كان يقصد (لتبين للناس ما انزل إليهم) - أي الناس – لما فصلها عما بعدها بالواو .
أي إن الذكر هو الكتاب الذي يبين للناس عن طريق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ما انزل على الأنبياء والرسل .
الثاني :
في سورة (ص) التي تصف القرآن بأنه (ذي الذكر) تمييزاً للجزء الخاص بالذكر عن غيره .
ففي هذه السورة نرى الآيات تؤكد على الرسول بالتذكر والذكر قال تعالى {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ }( ) .
وكذلك {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }( ).
وكذلك {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار}( ).
وكذلك {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ }( ) .
وأخيراً وبعد تعداد موارد ذكر الأنبياء السابقين يقول تعالى {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ }( ).
فهو يشير باسم الإشارة (هذا) الذي يشير إلى القريب ويدل على الذكر الموجود في السور وهذا الذكر خاص .
الثالث :
قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً }( ).
فقد سمى القرآن ما يتلوه من أمر ذي القرنين ذكراً وفيه إشارة إلى إن قصص الأمم الماضية وأخبار الأنبياء والصالحين معناه ذكر .
وفي قصة يوسف بعد ذكر القصة وانتهائها قال الله تعالى {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }( ).
فأنت تلاحظ ترابطاً وتلازماً بين ذكر القصص ولفظ الذكر .
الرابع :
قوله تعالى { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} حيث يأمر الباري بالرجوع إلى اصل الذكر ومستودعه وسؤالهم عن صحة الأخبار والقصص التي وصفها تعالى {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ }( ) .
وهنا سمى القرآن أهل هذه الأخبار بأنهم (أهل الذكر) مما يدل على إن الذكر له علاقة بذكر القصص .
وهذا لا يتعارض مع الروايات الواردة من إن أهل الذكر هم أهل البيت (عليهم السلام) وذلك صحيح لأنه هم الذين ورثوا الذكر بعد الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
وعليه نرى إن أكثر القصص للأنبياء وردت عن طريق أهل البيت (عليه السلام) لان عندهم ذلك الكتاب المحفوظ الذي أوتي عناية خاصة وتعهدته يد الحفظ الإلهي .
قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }( ).
وقال عز وجل { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}( ).
وأما ما ورد من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بأنه هو الذكر فهذا صحيح لأنه ذُكر في الكتب السابقة مثل التوراة والإنجيل قال تعالى { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }( ) .
وقوله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ }( ).
بل إنه قد ورد ذكر أصحابه معه وذلك بقوله تعالى {هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي }( ).
فذكر من قبله هم كل الأمم السابقة التي ذكرت في القرآن من أمة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى .
أما ذكر من معه ، فهم أصحابه الذين ذكروا في التوراة والإنجيل بوصف القرآن :
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }( ).
بل ورد ذكر المهدي وأصحابه من أول كتاب للذكر مروراً بباقي الكتب السماوية قال تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }( ).
فحسب هذه الآية فإن الذكر موجود قبل وجود الزبور بل إن موسى (عليه السلام) كان عنده ذكر أيضاً ، قال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْراً لِّلْمُتَّقِينَ }( ).
خامساً :
وثمة علاقة وثيقة بين (ص) وبين القرآن ذي الذكر حيث كلما ذكر(ص) في أوائل السور وجد معه الذكر فإن السور التي ابتدأت بـ (ص) هي ثلاث ( الأعراف – مريم – ص ) وكلها وجد فيها الذكر .
ففي سورة الأعراف يقول تعالى { المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }( ).
فهذا الكتاب هو ذكراً للمؤمنين كما صرحت الآية وهذه وضيفة الذكر ، ثم ينهى عن إتباع أولياء من دونه معاتباً بقوله {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}.
ثم بعد ذكر قصة عصيان إبليس ورفضه السجود، والتدرج في الإحداث التي أعقبت ذلك ثم تتطرق الآيات إلى الأمم السابقة – {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم }( )– ثم يقول {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }( ).
ثم تبدأ السورة بذكر أخبار الأنبياء السابقين مبتدئة بقصة نوح (عليه السلام) مع قومه قال تعالى :
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً الى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}( ).
ثم ختمت الآيات التي تخص نوحاً بالآية {أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}( ).
ثم تتناول السورة قصة صالح مع ثمود وتشير إلى الذكر الخاص بهم في قوله تعالى {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }( ).
ثم تعرج الآيات على ذكر لوط وقومه وتثني بذكر شعيب مع قومه إذ يخاطبهم بعد نصائح طويلة قائلاً { وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ }( ).
إلى كثير من الموارد التي يأتي الذكر في سورة الأعراف التي هي أحدى سور الذكر .
يتبع لطفا
كـتاب الــذكر
قال الله تعالى {ص وَالقرآن ذِي الذِّكْرِ }( ).
في هذه الآية من سورة (ص) إشارة إلى وجود كتاب مختص بالذكر ضمن كتاب القرآن ، لأن (ذي) تدل على التغاير .
إن كتاب الذكر هو الكتاب الحاوي على قصص وأخبار الأمم السابقة وسير الأنبياء مع أقوامهم وتبليغ رسالاتهم وتلقي الوحي ، وهو مأخوذ من ذكر الشيء بعد مضي زمانه وله علاقة بالتذكر والذاكرة .
وهو من أنباء الغيب التي أشارت إليها الآية : {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إليك}( ).
وإن لهذا الكتاب حمله المكلفون به وهم (أهل الذكر) الذين أمر الله بسؤالهم قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }( ).
وهنا لا بد من التنبيه إلى نقطة بالغة الأهمية وهي إن الذكر قد يراد به من يبلّغ الذكر وهو الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وهو ما تعنيه الآية الشريفة في قوله تعالى{ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ}( ).
فالذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) كما ورد في عيون أخبار الرضا ، وفي الكافي ، والقمي ، والعياشي عنهم (عليهم السلام) إن الذكر هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأهل بيته هم المسؤولون وهم أهل الذكر.
وفي العياشي والبصائر عن الباقر (عليه السلام) : (إن من عندنا يزعمون ان قول الله فاسألوا أهل الذكر إنهم اليهود والنصارى قال: إذن يدعونكم إلى دينهم ثم ضرب بيده إلى صدره وقال نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون ).
والدليل فيما ذهبنا إليه من إن الذكر هو الكتاب الحاوي على قصص وأخبار الأنبياء أمور:-
الأول :
قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }( ).
فإن تحديد الآية بقوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً} ، إشارة إلى الأنبياء والرسل السابقين وتنويه عن عدم معرفة الناس بما انزل إلى الأنبياء من البينات والزبر جعل من اللازم أنزال الذكر لعلة بينها الباري في ذيل الآية وهي {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }( ).
أي ما انزل إلى الأنبياء والرسل بدليل فصلها عن {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} العائدة للناس بالواو . وإلا لو كان يقصد (لتبين للناس ما انزل إليهم) - أي الناس – لما فصلها عما بعدها بالواو .
أي إن الذكر هو الكتاب الذي يبين للناس عن طريق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ما انزل على الأنبياء والرسل .
الثاني :
في سورة (ص) التي تصف القرآن بأنه (ذي الذكر) تمييزاً للجزء الخاص بالذكر عن غيره .
ففي هذه السورة نرى الآيات تؤكد على الرسول بالتذكر والذكر قال تعالى {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ }( ) .
وكذلك {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }( ).
وكذلك {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار}( ).
وكذلك {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ }( ) .
وأخيراً وبعد تعداد موارد ذكر الأنبياء السابقين يقول تعالى {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ }( ).
فهو يشير باسم الإشارة (هذا) الذي يشير إلى القريب ويدل على الذكر الموجود في السور وهذا الذكر خاص .
الثالث :
قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً }( ).
فقد سمى القرآن ما يتلوه من أمر ذي القرنين ذكراً وفيه إشارة إلى إن قصص الأمم الماضية وأخبار الأنبياء والصالحين معناه ذكر .
وفي قصة يوسف بعد ذكر القصة وانتهائها قال الله تعالى {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }( ).
فأنت تلاحظ ترابطاً وتلازماً بين ذكر القصص ولفظ الذكر .
الرابع :
قوله تعالى { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} حيث يأمر الباري بالرجوع إلى اصل الذكر ومستودعه وسؤالهم عن صحة الأخبار والقصص التي وصفها تعالى {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ }( ) .
وهنا سمى القرآن أهل هذه الأخبار بأنهم (أهل الذكر) مما يدل على إن الذكر له علاقة بذكر القصص .
وهذا لا يتعارض مع الروايات الواردة من إن أهل الذكر هم أهل البيت (عليهم السلام) وذلك صحيح لأنه هم الذين ورثوا الذكر بعد الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
وعليه نرى إن أكثر القصص للأنبياء وردت عن طريق أهل البيت (عليه السلام) لان عندهم ذلك الكتاب المحفوظ الذي أوتي عناية خاصة وتعهدته يد الحفظ الإلهي .
قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }( ).
وقال عز وجل { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}( ).
وأما ما ورد من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) بأنه هو الذكر فهذا صحيح لأنه ذُكر في الكتب السابقة مثل التوراة والإنجيل قال تعالى { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }( ) .
وقوله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ }( ).
بل إنه قد ورد ذكر أصحابه معه وذلك بقوله تعالى {هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي }( ).
فذكر من قبله هم كل الأمم السابقة التي ذكرت في القرآن من أمة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى .
أما ذكر من معه ، فهم أصحابه الذين ذكروا في التوراة والإنجيل بوصف القرآن :
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }( ).
بل ورد ذكر المهدي وأصحابه من أول كتاب للذكر مروراً بباقي الكتب السماوية قال تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }( ).
فحسب هذه الآية فإن الذكر موجود قبل وجود الزبور بل إن موسى (عليه السلام) كان عنده ذكر أيضاً ، قال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْراً لِّلْمُتَّقِينَ }( ).
خامساً :
وثمة علاقة وثيقة بين (ص) وبين القرآن ذي الذكر حيث كلما ذكر(ص) في أوائل السور وجد معه الذكر فإن السور التي ابتدأت بـ (ص) هي ثلاث ( الأعراف – مريم – ص ) وكلها وجد فيها الذكر .
ففي سورة الأعراف يقول تعالى { المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }( ).
فهذا الكتاب هو ذكراً للمؤمنين كما صرحت الآية وهذه وضيفة الذكر ، ثم ينهى عن إتباع أولياء من دونه معاتباً بقوله {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}.
ثم بعد ذكر قصة عصيان إبليس ورفضه السجود، والتدرج في الإحداث التي أعقبت ذلك ثم تتطرق الآيات إلى الأمم السابقة – {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم }( )– ثم يقول {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }( ).
ثم تبدأ السورة بذكر أخبار الأنبياء السابقين مبتدئة بقصة نوح (عليه السلام) مع قومه قال تعالى :
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً الى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}( ).
ثم ختمت الآيات التي تخص نوحاً بالآية {أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}( ).
ثم تتناول السورة قصة صالح مع ثمود وتشير إلى الذكر الخاص بهم في قوله تعالى {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }( ).
ثم تعرج الآيات على ذكر لوط وقومه وتثني بذكر شعيب مع قومه إذ يخاطبهم بعد نصائح طويلة قائلاً { وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ }( ).
إلى كثير من الموارد التي يأتي الذكر في سورة الأعراف التي هي أحدى سور الذكر .
يتبع لطفا
تعليق