منقول من الموسوعة القرانية للسيد القحطاني
كتاب المثاني
قال تعالى : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ}( ).
من هذه الآية نخرج بحقيقة ثابتة وهي إن في القرآن كتاباً يسمى كتاب المثاني وهو جزء من المتشابه .
لكن اين هذا الكتاب في القرآن ؟ هذا ما سيتوضح لنا خلال البحث .
كذلك قال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمَ }( ).
وفي هذه الآية قد افرد سبعاً من المثاني : حيث كما نعرف إن من للتبعيض فتكون هذه السبع جزء من كتاب المثاني .
وقد سبق أن بينا آراء المفسرين في هذه الآية - آية الحجر- وكيف إنهم يعتقدون ان القرآن العظيم هو كل القرآن أي إن كتاب الله الذي بين أيدينا هو كله المعني بقوله (والقرآن العظيم) على الرغم من انه سبحانه وتعالى قد قرن السبع من المثاني مع القرآن .
وهنا يرد سؤالان على هذا النوع من التفاسير :-
أولاً :
الثابت إن السبع المثاني هي الفاتحة كما هو وارد عن أهل بيت النبوة (عليه السلام) .
ومما لا يقبل الشك إن الفاتحة (السبع المثاني) هي القرآن ، وعليه يكون العطف في الآية المذكورة من باب عطف الشيء على نفسه وهو باطل ، ومقتضى العطف أن يكون القرآن العظيم غير السبع من المثاني التي هي الفاتحة لأنه قال { سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمَ }.
وبعبارة أخرى إن وجود الواو بين هذين المعنيين يقتضي المغايرة والاثنينية ، أي إن هذا غير ذاك .
ثانياً :
اختلف المفسرون في سبب التسمية السبع المثاني بهذا الاسم على قولين :-
1- سميت الفاتحة بالسبع المثاني لأنها نزلت مرتين الأولى في مكة والثانية في المدينة .
2- سميت بذلك لأنها تثنى في الصلاة مرتين .
وهنا يرد الإشكال على القولين بآية {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ} في سورة الزمر ولا احد من المفسرين يقول إن الكتاب سمي مثاني لأنه نزل مرتين أو لأنه يقرأ في الصلاة مرتين فكيف تفسر آية الحجر؟
وللإجابة على هذين السؤالين نقول إن هناك كتاباً في القرآن اسمه كتاب المثاني ، أخذت منه هذه السبع ، بدليل وجود (من) للتبعيض .
وكما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وذكره في الكافي وأورده الفيض الكاشاني إنه قال : (أعطيت السور الطوال مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت بالمفصل )( ).
فمعنى السور الطوال هي السور السبع الأولى في القرآن ابتداءً بسورة البقرة وانتهاءً بسورة الأنفال . وأما المئين فهي السور التي تتكون من مئة آية فما فوق .
وأما المثاني - وهي محل الكلام- فهي التي تثني هذه السبعة الأولى - السبع الطوال- والتي تبدأ من سورة التوبة وتنتهي بسورة الحجر .
وهذا التقسيم تأويل قوله تعالى {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ }( ).
فسبع بقرات سمان هي السور السبع الطوال الأولى ، وسبع عجاف هي المثاني ، وسبع سنبلات خضر هي المئين والأخر اليابسات هي المفصل . ومحصل الكلام إن كتاب المثاني هو السور السبع ابتداءً بسورة التوبة وانتهاءً بسورة الحجر ، وان الفاتحة التي هي أم الكتاب قد أخذت من هذه السبع ولذا قال { سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمَ}.
والشاهد على هذا الكلام عدة أمور :-
1- إن البسملة في سورة الفاتحة ويقابلها سورة التوبة من المثاني فهي السورة الوحيدة التي سقطت عنها البسملة – أي لم تفتتح بالبسملة – فعوضت عنها هنا .
2- قوله تعالى {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } تقابلها سورة يونس .
فقد ذكرت هذه الآية نصاً في سورة يونس {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}( ).
ومعنى الحمد لله رب العالمين هو الشكر بمختلف أنواعه وقد حث الله تعالى في سورة يونس على الشكر وان قوم يونس هم الوحيدون الذين شكروا الله وآمنوا به قال تعالى {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ الى حِينٍ}( ) .
ومن المعروف إن الإيمان مراده الشكر قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}( ).
فجعل الكفر مقابل الشكر ، والذي يقابل الكفر هو الإيمان ومعناه الشكر . ولقد عاتب الله سبحانه في سورة يونس أقواماً وذمهم لأنهم لا يشكرون قال تعالى {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ}( ).
3- قوله تعالى {الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ} وهذه الآية معناها الرحمة بكل أبعادها (الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية) فهي آية الرحمة وهي في قبال سورة هود .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن وبين وكشف لنا عن العلاقة الوطيدة بين هود والرحمة .
حيث انه جل وعلا ذكر الأنبياء في سورة هود والرحمة في رسالتهم ودعوتهم مثل قوله تعالى :
{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً }( ) .
وقول نوح (عليه السلام) لقومه :{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ }( ).
وقوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ }( ).
وقوله تعالى :{قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}( ).
وقد ذكر الله الأنبياء في سورة الأعراف وبين مواقف أقوامهم من دعواتهم وتكذيبهم لهم وكيف نزل العذاب بالكافرين ، وأنجى الأنبياء والذين امنوا معهم ، وقد أنجا الله تعالى أنبياءه برحمة منه من أعدائهم ولم يذكر هذا الشيء إلا في سورة هود وابتدأ بنبي الله هود (عليه السلام) بقوله {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ }( ) ، ثم ذكر إنجاء نبي الله صالح (عليه السلام) برحمة منه تعالى : {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ }( ) ثم ختم ذلك بإنجاء شعيب (عليه السلام) برحمة منه كذلك بقوله تعالى : {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا}.
وما ذلك إلا لعلاقة سورة هود بالرحمة التي تحدثنا عنها .
4- قوله تعالى {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وهي تعني الملك ، وهي قبال سورة يوسف التي تحدثت عن الملك في عدة آيات منها قوله تعالى {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}( ).
حيث ذكر الملك والدين ، وقوله تعالى {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ }( ).
وكذلك قوله تعالى {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}( ).
وقوله تعالى {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ الى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ }( ).
وقوله تعالى{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي }( ).
وقوله تعالى {قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ}( ).
فسورة يوسف هي السورة التي تتحدث عن الملك.
5- قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وهي تعني العبادة وهي في قبال سورة الرعد ومن مصاديق العبادة التسبيح ، قال تعالى :
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ }( ).
ومن مصاديق العبادة السجود ، قال تعالى {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ }( ).
وقوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}( ) وقد ورد في إنه لا عبادة كالتفكر فالتفكر هو من أفضل مصاديق العبادة .
وقوله تعالى : { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}( ) وقوله تعالى { قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ}( ).
ففي هذه السورة المباركة التأكيد على العبادة وأنواعها .
كتاب المثاني
قال تعالى : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ}( ).
من هذه الآية نخرج بحقيقة ثابتة وهي إن في القرآن كتاباً يسمى كتاب المثاني وهو جزء من المتشابه .
لكن اين هذا الكتاب في القرآن ؟ هذا ما سيتوضح لنا خلال البحث .
كذلك قال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمَ }( ).
وفي هذه الآية قد افرد سبعاً من المثاني : حيث كما نعرف إن من للتبعيض فتكون هذه السبع جزء من كتاب المثاني .
وقد سبق أن بينا آراء المفسرين في هذه الآية - آية الحجر- وكيف إنهم يعتقدون ان القرآن العظيم هو كل القرآن أي إن كتاب الله الذي بين أيدينا هو كله المعني بقوله (والقرآن العظيم) على الرغم من انه سبحانه وتعالى قد قرن السبع من المثاني مع القرآن .
وهنا يرد سؤالان على هذا النوع من التفاسير :-
أولاً :
الثابت إن السبع المثاني هي الفاتحة كما هو وارد عن أهل بيت النبوة (عليه السلام) .
ومما لا يقبل الشك إن الفاتحة (السبع المثاني) هي القرآن ، وعليه يكون العطف في الآية المذكورة من باب عطف الشيء على نفسه وهو باطل ، ومقتضى العطف أن يكون القرآن العظيم غير السبع من المثاني التي هي الفاتحة لأنه قال { سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمَ }.
وبعبارة أخرى إن وجود الواو بين هذين المعنيين يقتضي المغايرة والاثنينية ، أي إن هذا غير ذاك .
ثانياً :
اختلف المفسرون في سبب التسمية السبع المثاني بهذا الاسم على قولين :-
1- سميت الفاتحة بالسبع المثاني لأنها نزلت مرتين الأولى في مكة والثانية في المدينة .
2- سميت بذلك لأنها تثنى في الصلاة مرتين .
وهنا يرد الإشكال على القولين بآية {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ} في سورة الزمر ولا احد من المفسرين يقول إن الكتاب سمي مثاني لأنه نزل مرتين أو لأنه يقرأ في الصلاة مرتين فكيف تفسر آية الحجر؟
وللإجابة على هذين السؤالين نقول إن هناك كتاباً في القرآن اسمه كتاب المثاني ، أخذت منه هذه السبع ، بدليل وجود (من) للتبعيض .
وكما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وذكره في الكافي وأورده الفيض الكاشاني إنه قال : (أعطيت السور الطوال مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت بالمفصل )( ).
فمعنى السور الطوال هي السور السبع الأولى في القرآن ابتداءً بسورة البقرة وانتهاءً بسورة الأنفال . وأما المئين فهي السور التي تتكون من مئة آية فما فوق .
وأما المثاني - وهي محل الكلام- فهي التي تثني هذه السبعة الأولى - السبع الطوال- والتي تبدأ من سورة التوبة وتنتهي بسورة الحجر .
وهذا التقسيم تأويل قوله تعالى {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ }( ).
فسبع بقرات سمان هي السور السبع الطوال الأولى ، وسبع عجاف هي المثاني ، وسبع سنبلات خضر هي المئين والأخر اليابسات هي المفصل . ومحصل الكلام إن كتاب المثاني هو السور السبع ابتداءً بسورة التوبة وانتهاءً بسورة الحجر ، وان الفاتحة التي هي أم الكتاب قد أخذت من هذه السبع ولذا قال { سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمَ}.
والشاهد على هذا الكلام عدة أمور :-
1- إن البسملة في سورة الفاتحة ويقابلها سورة التوبة من المثاني فهي السورة الوحيدة التي سقطت عنها البسملة – أي لم تفتتح بالبسملة – فعوضت عنها هنا .
2- قوله تعالى {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } تقابلها سورة يونس .
فقد ذكرت هذه الآية نصاً في سورة يونس {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}( ).
ومعنى الحمد لله رب العالمين هو الشكر بمختلف أنواعه وقد حث الله تعالى في سورة يونس على الشكر وان قوم يونس هم الوحيدون الذين شكروا الله وآمنوا به قال تعالى {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ الى حِينٍ}( ) .
ومن المعروف إن الإيمان مراده الشكر قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}( ).
فجعل الكفر مقابل الشكر ، والذي يقابل الكفر هو الإيمان ومعناه الشكر . ولقد عاتب الله سبحانه في سورة يونس أقواماً وذمهم لأنهم لا يشكرون قال تعالى {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ}( ).
3- قوله تعالى {الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ} وهذه الآية معناها الرحمة بكل أبعادها (الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية) فهي آية الرحمة وهي في قبال سورة هود .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن وبين وكشف لنا عن العلاقة الوطيدة بين هود والرحمة .
حيث انه جل وعلا ذكر الأنبياء في سورة هود والرحمة في رسالتهم ودعوتهم مثل قوله تعالى :
{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً }( ) .
وقول نوح (عليه السلام) لقومه :{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ }( ).
وقوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ }( ).
وقوله تعالى :{قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}( ).
وقد ذكر الله الأنبياء في سورة الأعراف وبين مواقف أقوامهم من دعواتهم وتكذيبهم لهم وكيف نزل العذاب بالكافرين ، وأنجى الأنبياء والذين امنوا معهم ، وقد أنجا الله تعالى أنبياءه برحمة منه من أعدائهم ولم يذكر هذا الشيء إلا في سورة هود وابتدأ بنبي الله هود (عليه السلام) بقوله {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ }( ) ، ثم ذكر إنجاء نبي الله صالح (عليه السلام) برحمة منه تعالى : {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ }( ) ثم ختم ذلك بإنجاء شعيب (عليه السلام) برحمة منه كذلك بقوله تعالى : {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا}.
وما ذلك إلا لعلاقة سورة هود بالرحمة التي تحدثنا عنها .
4- قوله تعالى {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وهي تعني الملك ، وهي قبال سورة يوسف التي تحدثت عن الملك في عدة آيات منها قوله تعالى {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}( ).
حيث ذكر الملك والدين ، وقوله تعالى {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ }( ).
وكذلك قوله تعالى {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}( ).
وقوله تعالى {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ الى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ }( ).
وقوله تعالى{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي }( ).
وقوله تعالى {قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ}( ).
فسورة يوسف هي السورة التي تتحدث عن الملك.
5- قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وهي تعني العبادة وهي في قبال سورة الرعد ومن مصاديق العبادة التسبيح ، قال تعالى :
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ }( ).
ومن مصاديق العبادة السجود ، قال تعالى {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ }( ).
وقوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}( ) وقد ورد في إنه لا عبادة كالتفكر فالتفكر هو من أفضل مصاديق العبادة .
وقوله تعالى : { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}( ) وقوله تعالى { قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ}( ).
ففي هذه السورة المباركة التأكيد على العبادة وأنواعها .
تعليق