(من فكر السيد القحطاني
نظرية المسخ الروحي في القرآن
ذكر المولى عز وجل المسخ والممسوخين في الآيات التالية:
1- قال تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ})البقرة65.
2- قال تعالى {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ)}المائدة60.
3- قال تعالى فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ})الأعراف166.
4- قال تعالى {وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ})يس67.
إن هذه الآيات المباركات التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم تبين لنا بشكل واضح الأمم والأقوام التي عتت عن أمر ربها فلعنها وغضب عليها ومسخها بقدرته إلى أنواع متعددة من الحيوانات ويمكننا تقسيم المسخ إلى نوعين هما : المسخ المادي ، المسخ الروحي.
المسخ المادي
وهو تحول جسم الإنسان من اصله الانساني وتحوله إلى جسم حيواني بري أو بحري أو طائر من الطيور أو غير ذلك ولقد ذكرت لنا الأحاديث الشريفة حصول هذا المسخ لأمم وأقوام سابقة بسبب طغيانها وتجبرها فانحدرت وتحولت من خلقتها الطبيعية إلى خلقة أخرى أدنى درجة وأقل منزلة من الإنسان الذي أكرمه الله تعالى ورزقه من الطيبات وفضله على غيره من المخلوقات . قال تعالى : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70 . إن هذا النوع من المسخ لا يحصل بشكل مفاجئ بل هو نتيجة لعدة مراحل متسلسلة يكون آخرها مسخ الخلقة وتحويلها من إنسان إلى حيوان ، وهناك علاقة وطيدة بين أفعال الإنسان الممسوخ ونوعية الحيوان الذي يمسخ إليه .
ولقد حدث المسخ في عدة أقوام وأمم سابقة ذكرها رسول الله (ص) فقد ورد عن حذيفة بن اليمان عنه (ص) أنه قال : ( إن الله تبارك وتعالى مسخ من بني إسرائيل اثني عشر جزءاً فمسخ منهم القردة والخنازير والسهيل والزهرة والعقرب والفيل والجري وهو سمك لا يؤكل والدعموص والدب والضب والعنكبوت والقنفذ. قال حذيفة بأبي أنت وأمي يا رسول الله فسّر لنا هذا كيف مسخوا ؟ قال (ص) : أما القردة فمسخوا لأنهم اصطادوا الحيتان في السبت على عهد داود النبي (ع) ، وأما الخنازير فمسخوا لأنهم كفروا بالمائدة التي نزلت من السماء على عيسى بن مريم (ع) ، وأما السهيل فمسخ لأنه كان رجلاً عشاراً فمرّ به عابد من عباد ذلك الزمان فقال العشار : دلني على اسم الله الذي يمشى به على وجه الماء ويُصعد به الى السماء فدله على ذلك فقال العشار قد ينبغي لمن عرف هذا الاسم أن لا يكون في الأرض بل يصعد به إلى السماء فمسخه الله فجعله آية للعالمين ، وأما الزهرة فمسخت لأنها هي المرأة التي فتنت هاروت وماروت وأما العقرب فمسخ لأنه كان رجلاً نماماً يسعى بين الناس بالنميمة ويغري بينهم العداوة ، واما الفيل فإنه كان رجلاً جميلاً فمسخ لأنه كان ينكح البهائم البقر والغنم شهوة من دون النساء وأما الجري فمسخ لأنه كان رجلاً من التجار وكان يبخس الناس في المكيال والميزان وأما الدعموص فمسخ لأنه كان رجلاً إذا جامع النساء لم يغتسل من الجنابة ويترك الصلاة فجعل الله قراره في الماء إلى يوم القيامة من جزعه عن البرد وأما الدب فمسخ لأنه كان رجلاً يقطع الطريق لا يرحم غريباً ولا فقيراً إلا صلبه وأما الضب فمسخ لأنه كان رجلاً من الأعراب وكانت خيمته على ظهر الطريق وكان إذا مرّت القافلة تقول له يا عبد الله كيف نأخذ الطريق إلى كذا وكذا فإذا اراد القوم المشرق ردهم إلى المغرب وإذا أرادوا المغرب ردهم إلى المشرق وتركهم يهيمون لم يرشدهم إلى سبيل الخير وأما العنكبوت فإنها مسخت لأنها كانت خائنة للبعل وكانت تمكن فرجها سواه ، وأما القنفذ فإنه كان رجلاً من صناديد العرب فمسخ لأنه إذا نزل به الضيف ردّ الباب في وجهه ويقول لجاريته أخرجي إلى الضيف فقولي له إن مولاي غائب عن المنزل فيبيت الضيف بالباب جوعاً ويبيت أهل البيت شباعاً مخصبين ) بحار الأنوار ج62 ص226 - 227.
وفي حديث آخر عن رسول الله (ص) إنه قال : ( يا عباد الله إن قوم عيسى لما سألوه أن ينزل عليهم مائدة من السماء قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحد من العالمين ، فأنزلها عليهم فمن كفر منهم بعد ، مسخه الله إما خنزيراً وإما قرداً وأما دباً وأما هراً وأما على صورة بعض الطيور والدواب التي في البر والبحر حتى مسخوا على أربعمائة نوع من المسخ ) بحار الأنوار ج14 ص13.
المسخ الروحي
وهو تحول روح الإنسان إلى روح حيوان مع بقاء جسمه الإنساني كما هو ، ويمكننا القول بأن هذا النوع من المسخ هو أحد مراحل المسخ الأول (المادي) لكون الإنسان الذي يمسخه الله تعالى مادياً لابد أن تمسخ روحه ابتداء قبل مسخ جسمه وحسب الحيوان الذي يمسخ إليه ، وهذا يعني أن جميع الأقوام التي مُسخت في السابق قد مرّت بمرحلة المسخ الروحي قبل أن يمسخها المولى سبحانه مسخاًَ مادياً . ولكن هل سيحصل المسخ في أمة محمد (ص)؟لقد وردت أحاديث شريفة تؤكد بأن أمة محمد (ص) قد أمنت من المسخ كرامة له (صلوات الله وسلامه عليه) وقد ورد عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } أي نعمة عليهم ، قال ابن عباس : ( رحمة للبر والفاجر والمؤمن والكافر فهو رحمة للمؤمن في الدنيا والآخرة ورحمة للكافر بأن عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والمسخ ...) البحار ج16 ص306 ،
ولكن هذا الحديث يتعارض مع روايات كثيرة تؤكد وقوع المسخ بعد رسول الله (ص) وقبل قيام القائم (ع) ، فكيف يمكننا أن نوفق بين حديث رسول الله (ص) الذي ينفي فيه حدوث المسخ في أمته وأحاديث عديدة أخرى تؤكد حصول المسخ بعد موته (ص) ، وإن هذا المسخ يكون من العلامات التي تحصل قبل قيام القائم (ع) ؟ إن المقصود من الحديث الشريف الذي يقول بأن المولى نبارك وتعالى قد أمِن أمة محمد (ص) من المسخ كرامة لرسوله ، هو المسخ المادي ،أما المسوخات التي حدثت بعد موت رسول الله (ص) والتي ستحدث قبل قيام القائم (ع) فهي مسوخات روحية وليست مادية ، ولو عرّجنا على الأمم السابقة وما مرت به من أحداث مهمة وخطيرة وبيّنا انعكاس تلك الأحداث على أمة محمد (ص) لتوضح الأمر أكثر ، وقد أكد الرسول الكريم (ص) هذه العلاقة والترابط بين جميع الأحداث التي كانت في الأمم السابقة وبين الذي سيقع في أمة الإسلام ، فقد ورد عن غياث بن إبراهيم عن الصادق (ع) عن آباءه (ع) قال : ( قال رسول الله (ص) كل ما كان في الأمم السابقة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ) البحار ج28 ص8 ، ويعني ذلك أن جميع الذي وقع في الأمم السابقة لابد وقوعه في أمة محمد (ص) ، وكلام رسول الله في هذا الحديث وقوله ( فإنه يكون في هذه الأمة ) هو كلام مستقبلي ، فهو أخبار عن المستقبل وما سيقع فيه ، وهنا قد يتسائل البعض : ما هي الكيفية التي سيتم خلالها وقوع كل هذه الأمور التي وقعت في الأمم السابقة على أمتنا بوصف رسول الله (ص) حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ؟ لنتعرض لبعض هذه الأمور المهمة التي وقعت في تلك الأمم السالفة ، ففي أمة نوح (ع) كان طوفان الماء الذي أغرق الأرض وما عليها إلا القلة القليلة من المؤمنين المصدقين بدعوة نبي الله نوح (ع) ، وفي عدة أمم سبقتنا كانت عبادة الأصنام الحجرية ، وقام بني إسرائيل بعبادة العجل بعد غيبة نبيهم موسى (ع) ، وكان التيه أيضاً في هذه الأمة والذي كانت مدته ( 40 سنة) ، وأيضاً ما وقع من إحياء للأموات في بني إسرائيل ، وكذلك ما حدث في أقوام متعددة في بني إسرائيل من مسخهم إلى أنواعاً مختلفة من المسوخ ، وقد يستغرب البعض من هذا التركيز على بني إسرائيل ، ولكن هذا الاستغراب يتلاشى تماماً حينما نطالع هاتين الروايتين:
الرواية الأولى : قال النبي (ص) : ( يكون في هذه الأمة كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة) الفقيه ج1 ص203.
الرواية الثانية : ( عن سلمان أن أمير المؤمنين (ع) قال : ( سمعت رسول الله (ص) يقول : ( لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباع بباع حتى لو دخلوا جحر لدخلوا فيه معهم . إن التوراة والقرآن كتبته يد واحدة في رق واحد وجرت الأمثال والسنن سواء ) بحار الأنوار ج28 ص14.
لنثبت إبتداءاً إمكانية حصول المسخ في أمة محمد (ص) وبعدها نناقش هذه الأمور المهمة التي وقعت في الأمم السالفة ، فهنالك الكثير من الروايات التي تؤكد حصول المسخ في هذه الأمة..
يتبع
نظرية المسخ الروحي في القرآن
ذكر المولى عز وجل المسخ والممسوخين في الآيات التالية:
1- قال تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ})البقرة65.
2- قال تعالى {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ)}المائدة60.
3- قال تعالى فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ})الأعراف166.
4- قال تعالى {وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ})يس67.
إن هذه الآيات المباركات التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم تبين لنا بشكل واضح الأمم والأقوام التي عتت عن أمر ربها فلعنها وغضب عليها ومسخها بقدرته إلى أنواع متعددة من الحيوانات ويمكننا تقسيم المسخ إلى نوعين هما : المسخ المادي ، المسخ الروحي.
المسخ المادي
وهو تحول جسم الإنسان من اصله الانساني وتحوله إلى جسم حيواني بري أو بحري أو طائر من الطيور أو غير ذلك ولقد ذكرت لنا الأحاديث الشريفة حصول هذا المسخ لأمم وأقوام سابقة بسبب طغيانها وتجبرها فانحدرت وتحولت من خلقتها الطبيعية إلى خلقة أخرى أدنى درجة وأقل منزلة من الإنسان الذي أكرمه الله تعالى ورزقه من الطيبات وفضله على غيره من المخلوقات . قال تعالى : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70 . إن هذا النوع من المسخ لا يحصل بشكل مفاجئ بل هو نتيجة لعدة مراحل متسلسلة يكون آخرها مسخ الخلقة وتحويلها من إنسان إلى حيوان ، وهناك علاقة وطيدة بين أفعال الإنسان الممسوخ ونوعية الحيوان الذي يمسخ إليه .
ولقد حدث المسخ في عدة أقوام وأمم سابقة ذكرها رسول الله (ص) فقد ورد عن حذيفة بن اليمان عنه (ص) أنه قال : ( إن الله تبارك وتعالى مسخ من بني إسرائيل اثني عشر جزءاً فمسخ منهم القردة والخنازير والسهيل والزهرة والعقرب والفيل والجري وهو سمك لا يؤكل والدعموص والدب والضب والعنكبوت والقنفذ. قال حذيفة بأبي أنت وأمي يا رسول الله فسّر لنا هذا كيف مسخوا ؟ قال (ص) : أما القردة فمسخوا لأنهم اصطادوا الحيتان في السبت على عهد داود النبي (ع) ، وأما الخنازير فمسخوا لأنهم كفروا بالمائدة التي نزلت من السماء على عيسى بن مريم (ع) ، وأما السهيل فمسخ لأنه كان رجلاً عشاراً فمرّ به عابد من عباد ذلك الزمان فقال العشار : دلني على اسم الله الذي يمشى به على وجه الماء ويُصعد به الى السماء فدله على ذلك فقال العشار قد ينبغي لمن عرف هذا الاسم أن لا يكون في الأرض بل يصعد به إلى السماء فمسخه الله فجعله آية للعالمين ، وأما الزهرة فمسخت لأنها هي المرأة التي فتنت هاروت وماروت وأما العقرب فمسخ لأنه كان رجلاً نماماً يسعى بين الناس بالنميمة ويغري بينهم العداوة ، واما الفيل فإنه كان رجلاً جميلاً فمسخ لأنه كان ينكح البهائم البقر والغنم شهوة من دون النساء وأما الجري فمسخ لأنه كان رجلاً من التجار وكان يبخس الناس في المكيال والميزان وأما الدعموص فمسخ لأنه كان رجلاً إذا جامع النساء لم يغتسل من الجنابة ويترك الصلاة فجعل الله قراره في الماء إلى يوم القيامة من جزعه عن البرد وأما الدب فمسخ لأنه كان رجلاً يقطع الطريق لا يرحم غريباً ولا فقيراً إلا صلبه وأما الضب فمسخ لأنه كان رجلاً من الأعراب وكانت خيمته على ظهر الطريق وكان إذا مرّت القافلة تقول له يا عبد الله كيف نأخذ الطريق إلى كذا وكذا فإذا اراد القوم المشرق ردهم إلى المغرب وإذا أرادوا المغرب ردهم إلى المشرق وتركهم يهيمون لم يرشدهم إلى سبيل الخير وأما العنكبوت فإنها مسخت لأنها كانت خائنة للبعل وكانت تمكن فرجها سواه ، وأما القنفذ فإنه كان رجلاً من صناديد العرب فمسخ لأنه إذا نزل به الضيف ردّ الباب في وجهه ويقول لجاريته أخرجي إلى الضيف فقولي له إن مولاي غائب عن المنزل فيبيت الضيف بالباب جوعاً ويبيت أهل البيت شباعاً مخصبين ) بحار الأنوار ج62 ص226 - 227.
وفي حديث آخر عن رسول الله (ص) إنه قال : ( يا عباد الله إن قوم عيسى لما سألوه أن ينزل عليهم مائدة من السماء قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحد من العالمين ، فأنزلها عليهم فمن كفر منهم بعد ، مسخه الله إما خنزيراً وإما قرداً وأما دباً وأما هراً وأما على صورة بعض الطيور والدواب التي في البر والبحر حتى مسخوا على أربعمائة نوع من المسخ ) بحار الأنوار ج14 ص13.
المسخ الروحي
وهو تحول روح الإنسان إلى روح حيوان مع بقاء جسمه الإنساني كما هو ، ويمكننا القول بأن هذا النوع من المسخ هو أحد مراحل المسخ الأول (المادي) لكون الإنسان الذي يمسخه الله تعالى مادياً لابد أن تمسخ روحه ابتداء قبل مسخ جسمه وحسب الحيوان الذي يمسخ إليه ، وهذا يعني أن جميع الأقوام التي مُسخت في السابق قد مرّت بمرحلة المسخ الروحي قبل أن يمسخها المولى سبحانه مسخاًَ مادياً . ولكن هل سيحصل المسخ في أمة محمد (ص)؟لقد وردت أحاديث شريفة تؤكد بأن أمة محمد (ص) قد أمنت من المسخ كرامة له (صلوات الله وسلامه عليه) وقد ورد عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } أي نعمة عليهم ، قال ابن عباس : ( رحمة للبر والفاجر والمؤمن والكافر فهو رحمة للمؤمن في الدنيا والآخرة ورحمة للكافر بأن عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والمسخ ...) البحار ج16 ص306 ،
ولكن هذا الحديث يتعارض مع روايات كثيرة تؤكد وقوع المسخ بعد رسول الله (ص) وقبل قيام القائم (ع) ، فكيف يمكننا أن نوفق بين حديث رسول الله (ص) الذي ينفي فيه حدوث المسخ في أمته وأحاديث عديدة أخرى تؤكد حصول المسخ بعد موته (ص) ، وإن هذا المسخ يكون من العلامات التي تحصل قبل قيام القائم (ع) ؟ إن المقصود من الحديث الشريف الذي يقول بأن المولى نبارك وتعالى قد أمِن أمة محمد (ص) من المسخ كرامة لرسوله ، هو المسخ المادي ،أما المسوخات التي حدثت بعد موت رسول الله (ص) والتي ستحدث قبل قيام القائم (ع) فهي مسوخات روحية وليست مادية ، ولو عرّجنا على الأمم السابقة وما مرت به من أحداث مهمة وخطيرة وبيّنا انعكاس تلك الأحداث على أمة محمد (ص) لتوضح الأمر أكثر ، وقد أكد الرسول الكريم (ص) هذه العلاقة والترابط بين جميع الأحداث التي كانت في الأمم السابقة وبين الذي سيقع في أمة الإسلام ، فقد ورد عن غياث بن إبراهيم عن الصادق (ع) عن آباءه (ع) قال : ( قال رسول الله (ص) كل ما كان في الأمم السابقة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ) البحار ج28 ص8 ، ويعني ذلك أن جميع الذي وقع في الأمم السابقة لابد وقوعه في أمة محمد (ص) ، وكلام رسول الله في هذا الحديث وقوله ( فإنه يكون في هذه الأمة ) هو كلام مستقبلي ، فهو أخبار عن المستقبل وما سيقع فيه ، وهنا قد يتسائل البعض : ما هي الكيفية التي سيتم خلالها وقوع كل هذه الأمور التي وقعت في الأمم السابقة على أمتنا بوصف رسول الله (ص) حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ؟ لنتعرض لبعض هذه الأمور المهمة التي وقعت في تلك الأمم السالفة ، ففي أمة نوح (ع) كان طوفان الماء الذي أغرق الأرض وما عليها إلا القلة القليلة من المؤمنين المصدقين بدعوة نبي الله نوح (ع) ، وفي عدة أمم سبقتنا كانت عبادة الأصنام الحجرية ، وقام بني إسرائيل بعبادة العجل بعد غيبة نبيهم موسى (ع) ، وكان التيه أيضاً في هذه الأمة والذي كانت مدته ( 40 سنة) ، وأيضاً ما وقع من إحياء للأموات في بني إسرائيل ، وكذلك ما حدث في أقوام متعددة في بني إسرائيل من مسخهم إلى أنواعاً مختلفة من المسوخ ، وقد يستغرب البعض من هذا التركيز على بني إسرائيل ، ولكن هذا الاستغراب يتلاشى تماماً حينما نطالع هاتين الروايتين:
الرواية الأولى : قال النبي (ص) : ( يكون في هذه الأمة كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة) الفقيه ج1 ص203.
الرواية الثانية : ( عن سلمان أن أمير المؤمنين (ع) قال : ( سمعت رسول الله (ص) يقول : ( لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباع بباع حتى لو دخلوا جحر لدخلوا فيه معهم . إن التوراة والقرآن كتبته يد واحدة في رق واحد وجرت الأمثال والسنن سواء ) بحار الأنوار ج28 ص14.
لنثبت إبتداءاً إمكانية حصول المسخ في أمة محمد (ص) وبعدها نناقش هذه الأمور المهمة التي وقعت في الأمم السالفة ، فهنالك الكثير من الروايات التي تؤكد حصول المسخ في هذه الأمة..
يتبع
تعليق