منقول من الموسوعة القرآنية (الجزء الثاني)
تأويل سورة الجمعة
لا بد من ذكر مقدمة حول معرفة أسماء الله الحسنى إبتداءاً ، وهي ان هذه الأسماء للمولى سبحانه وتعالى انما تنطبق على الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) أو قل ان أهل البيت هم الأسماء الحسنى لله سبحانه وتعالى .
كما جاءت به الرواية الشريفة الصادرة عن الصادق (عليه السلام) :
( نحن والله الأسماء الحسنى) الكافي ج1 ص143 .
وقد قال تعالى في نهاية سورة الحشر : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ *هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَان اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ *هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسماء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات وَالأرض وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحشر22- 24 .
فمحمد هو الله ، وعلي الرحمن ، وفاطمة الرحيم ، والحسن هو الملك ، والحسين القدوس ، والسجاد السلام ، والباقر المؤمن ، والصادق المهيمن ، والكاظم العزيز ، والرضا الجبار ، والجواد المتكبر ، والهادي الخالق ، والعسكري البارئ ، والحجة المهدي المصور ، وهو تجلي المولى عز وجل في أوليائه الصالحين .
وبعد ان أتم الله سبحانه وتعالى ذكر الأسماء قال وله الأسماء الحسنى فهذه إذا هي الأسماء الحسنى وأما ما يخص العزيز الحكيم فهذا الاسم يختلف عن باقي الأسماء فهو مركب من اسمين كما يتضح .
وهذا الاسم المركب هو لصاحب هذا الأمر - المهدي (عليه السلام) - في مرحلة الظهور قبل القيام حيث ان الإمام المهدي (عليه السلام) في مرحلة القيام المقدس ينطبق عليه اسم الله المصور كما بينا .
وهذا المعنى قد ورد في دعاء الافتتاح الوارد عن الإمام المهدي (عليه السلام) حيث انه بدء بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ثم الإمام علي (عليه السلام) ثم فاطمة الزهراء (عليه السلام) ثم الأئمة (عليه السلام) واحدا بعد واحد وأتمها بالصلاة عليه ثم عاد وصلى على القائم بصورة خاصة حيث قال :
(اللهم صلي على محمد عبدك ورسولك وأمينك وصفيك وحبيبك وخيرتك من خلقك وحافظ سرك ومبلغ رسالاتك – إلى ان يقول- ومحمد بن على وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف الهادي المهدي حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة اللهم وصلي على ولي أمرك القائم المؤمل والعدل المنتظر ) .
حيث جعل الاسم مركب من إسمين أو صفتين كما في العزيز الحكيم ومن هنا يرد تساؤلين :
الأول ما علاقة سورة الحشر بتأويل سورة الجمعة وجعل الآيات الأخيرة منها مقدمة لتأويل سورة الجمعة ؟
وقبل طرح التساؤل الآخر لابد من إيضاح السبب في وضع هذه المقدمة وهو :
ان سورة الحشر من المسبحات أي تبدأ بتسبيح الله كما ورد في الروايات الشريفة الصادرة عن أهل بيت العصمة (صلوات الله عليهم ) والجمعة أيضاً من المسبحات والمسبحات مختصة بالإمام المهدي (عليه السلام) لانها ترتبط بمقام الخلافة والاستخلاف في الأرض قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ اني جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ اني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة 30 .
ومن المعلوم والواضح ان الملائكة منزهين عن الخطأ فهم لم يخطئوا في قولهم ولكنهم نظروا إلى آدم وأبنائه كيف يقتل أحدهم الآخر وكيف يسفك الدم ويفسد ، والله جل وعلا ينظر إلى الخلافة الخاتمة التي لا فساد فيها ، ولا سفك دماء سوى التسبيح لله وحده لا شريك له وهي خلافة الإمام المهدي (عليه السلام) في الأرض وقال تعالى :
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأولئِكَ هُمُ ألفاسِقُونَ } النور 55 . .
وقد أجمع المفسرون ان هذه الآية في المهدي (عليه السلام) وخلافته في آخر الزمان في الأرض وأصحابه ، والتسبيح لا يكون تاماً كاملاً إلا في خلافة الإمام المهدي (عليه السلام) .
ان يوم الجمعة هو يوم الإمام المهدي (عليه السلام) كما ورد في الأخبار فعن الصقر بن أبي دلف قال : ( لما حمل المتوكل سيدنا علي بن محمد النقي إلى سر من رأى جئت اسأل عن خبره - إلى ان قال – يا سيدي حديث يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لا اعرف معناه.
قال : وما هو ؟ ، قلت : قوله لا تعادوا الأيام فتعاديكم ما معناه ؟
فقال : نعم الأيام نحن ما قامت السماوات والأرض ، فالسبت اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأحد كناية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والاثنين الحسن والحسين (عليهما السلام) والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم السلام) والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وانا ، والخميس ابني الحسن بن علي (عليهما السلام) والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق .....) كمال الدين وتمام النعمة ص383 .
قال تعالى :
{ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الانهار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ ألفوْزُ الْعَظِيمُ } التغابن 9 .
وهو يوم الإمام المهدي (عليه السلام) حيث يجتمع المؤمنون في صعيد واحد ويجتمع الكافرون في صعيد واحد .
فقد ورد في الرواية الشريفة عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( لا تذهب الدنيا حتى ينادي منادٍ من السماء : (( يا أهل الحق اجتمعوا )) فيصيرون في صعيد واحد ، ثم ينادي مرة أخرى : (( يا أهل الباطل اجتمعوا )) فيصيرون في صعيد واحد .
قلت : فيستطيع هؤلاء ان يدخلوا في هؤلاء ؟ ، قال : لا والله ) غيبة النعماني ، بحار الانوار ج52 ص365 .
وينطبق ذلك على يوم الجمعة يوم الجمع والبيعة لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام) .
{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} الجمعة 1
التسبيح هو تنزيه المولى سبحانه وتعالى وتمجيده عن الباطل كله وينقسم التسبيح إلى قسمين :
القسم الأول وهو التسبيح اللفظي ( الذِكري) والقسم الثاني الفعلي العملي وهنالك فرق بين التسبيحين فالتسبيح اللفظي الذكري يكون في الأقوال العبادية من صلاة ودعاء وذكر وغيرها قال تعالى حكاية عن موسى (عليه السلام) { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً *وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } طه 33- 34 .
فان الفرق بين التسبيح الفعلي أي التسبيح في الأفعال والأعمال وبين التسبيح اللفظي الذكري حيث (ونذكرك كثيراً) وهو تسبيح لكنه ذكري فقط وقال تعالى حكاية عن الملائكة : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} البقرة 30 .
ومن المعلوم ان تسبيح الملائكة ليس تسبيح قولي بل هو تسبيح فعلي عملي فهم يسبحون الله من خلال تنفيذهم لأوامر الله سبحانه وتعالى وطاعتهم له دون سواه .
وبذلك يتضح الفرق بين التسبيحين ( ما في السماوات والأرض ) أي جميع الموجودات في الأرض من مخلوقات سواء أكانت مخلوقات بشرية أو حيوانية أو نباتية أو جمادية : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَان مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ انهُ كَان حَلِيماً غَفُوراً } الإسراء 44 .
فقد ورد في الأخبار المتكاثرة عن أهل البيت (عليهم السلام) بان كل شيء يسبح لله ويذكره حتى الحجر والمدر والحيتان في البحر ، والآية يستفاد منها العموم أي ان الجميع يسبح لله ولا يكون ذلك إلا في زمن الخلافة الخاتمة خلافة الإمام المهدي (عليه السلام) في الأرض ، لانه لم يحصل ان الجميع سبح الله وأطاعه ولم يكن ذلك حتى ولو في نوع واحد من الانواع التي ذكر منها .
فان الانسان يظلم أخيه الانسان وكذلك بالنسبة لباقي المخلوقات والموجودات إلا في زمن الإمام المهدي (عليه السلام) .
حيث جاءت الروايات الشريفة تؤكد هذا المعنى وتنص عليه ففي زمانه سلام الله عليه يصلح كل شيء ويعم العدل ويرتفع الظلم والفساد .
وقد ورد ان الحجر يخاطب المؤمنين في حربهم مع الكافرين واليهود فيقول ( يا مؤمن خلفي كافر أو يهودي فأقتله ) .
كما ورد أيضا عن إبن عباس في قوله تعالى {يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} قال : ( لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا دخل في الاسلام حتى يأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد والانسان والحية وحتى لا تقرض فأرة جراباً ..وذلك عند قيام القائم (عليه السلام) ) بحار الانوار ج51 ص61.
وعندها سيكون الصلاح في كل بقعة من بقاع الأرض .
{ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }
وكما بينا ان الملك هو الحسن والقدوس هو الحسين والعزيز الحكيم هو المهدي صاحب الأمر ، وهنا إشارة إلى ان الخليفة الذي يكون التسبيح في خلافته على أتمه وأكمله هو من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) .
فقد ورد في الرواية الشريفة عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : قال لفاطمة ( منهما مهدي هذه الأمة أي الحسن والحسين ) بحار الانوار ج36 ص291 .
{ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}
قد بينا ان العزيز هو الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وليس المراد الحقيقي هو الإمام الكاظم (عليه السلام) بل ان المقصود من ذلك هو نبي الله موسى (عليه السلام) ولكن كان الإمام الكاظم كحلقة الوصل لما بينه وبين النبي موسى من تشابه في الاسم والدور .
فانه واجه فرعون زمانه حكومة بني العباس وسجن وجرى عليه ما لم يجري على باقي الأئمة الذين عاصروا تلك الحكومة كما ان موسى واجه فرعون .
والحكيم إشارة إلى النبي عيسى (عليه السلام) الذي سوف ينزل ويكون مؤيدا وناصرا للإمام المهدي (عليه السلام) ، والحكيم هو اسم من أسماء الطبيب ، ومن المعلوم ان النبي عيسى (عليه السلام) كان قد أتى بما عجز عنه الأطباء فكان يشفي الأبرص وألاكمه والأعمى ويحيي الموتى وقد وصفه الله بالحكمة وتعاليمها قال تعالى :
{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالانجِيلَ } آل عمران 48 .
.
كما ان كتابه الذي انزله الله عليه الانجيل كان ( حكم ) . أما لماذا هذين النبيين موسى وعيسى عليهما السلام أقول ذلك يرجع لسببين :
يتبع...يتبع
تأويل سورة الجمعة
لا بد من ذكر مقدمة حول معرفة أسماء الله الحسنى إبتداءاً ، وهي ان هذه الأسماء للمولى سبحانه وتعالى انما تنطبق على الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) أو قل ان أهل البيت هم الأسماء الحسنى لله سبحانه وتعالى .
كما جاءت به الرواية الشريفة الصادرة عن الصادق (عليه السلام) :
( نحن والله الأسماء الحسنى) الكافي ج1 ص143 .
وقد قال تعالى في نهاية سورة الحشر : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ *هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَان اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ *هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسماء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات وَالأرض وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحشر22- 24 .
فمحمد هو الله ، وعلي الرحمن ، وفاطمة الرحيم ، والحسن هو الملك ، والحسين القدوس ، والسجاد السلام ، والباقر المؤمن ، والصادق المهيمن ، والكاظم العزيز ، والرضا الجبار ، والجواد المتكبر ، والهادي الخالق ، والعسكري البارئ ، والحجة المهدي المصور ، وهو تجلي المولى عز وجل في أوليائه الصالحين .
وبعد ان أتم الله سبحانه وتعالى ذكر الأسماء قال وله الأسماء الحسنى فهذه إذا هي الأسماء الحسنى وأما ما يخص العزيز الحكيم فهذا الاسم يختلف عن باقي الأسماء فهو مركب من اسمين كما يتضح .
وهذا الاسم المركب هو لصاحب هذا الأمر - المهدي (عليه السلام) - في مرحلة الظهور قبل القيام حيث ان الإمام المهدي (عليه السلام) في مرحلة القيام المقدس ينطبق عليه اسم الله المصور كما بينا .
وهذا المعنى قد ورد في دعاء الافتتاح الوارد عن الإمام المهدي (عليه السلام) حيث انه بدء بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ثم الإمام علي (عليه السلام) ثم فاطمة الزهراء (عليه السلام) ثم الأئمة (عليه السلام) واحدا بعد واحد وأتمها بالصلاة عليه ثم عاد وصلى على القائم بصورة خاصة حيث قال :
(اللهم صلي على محمد عبدك ورسولك وأمينك وصفيك وحبيبك وخيرتك من خلقك وحافظ سرك ومبلغ رسالاتك – إلى ان يقول- ومحمد بن على وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف الهادي المهدي حججك على عبادك وأمنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة اللهم وصلي على ولي أمرك القائم المؤمل والعدل المنتظر ) .
حيث جعل الاسم مركب من إسمين أو صفتين كما في العزيز الحكيم ومن هنا يرد تساؤلين :
الأول ما علاقة سورة الحشر بتأويل سورة الجمعة وجعل الآيات الأخيرة منها مقدمة لتأويل سورة الجمعة ؟
وقبل طرح التساؤل الآخر لابد من إيضاح السبب في وضع هذه المقدمة وهو :
ان سورة الحشر من المسبحات أي تبدأ بتسبيح الله كما ورد في الروايات الشريفة الصادرة عن أهل بيت العصمة (صلوات الله عليهم ) والجمعة أيضاً من المسبحات والمسبحات مختصة بالإمام المهدي (عليه السلام) لانها ترتبط بمقام الخلافة والاستخلاف في الأرض قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ اني جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ اني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة 30 .
ومن المعلوم والواضح ان الملائكة منزهين عن الخطأ فهم لم يخطئوا في قولهم ولكنهم نظروا إلى آدم وأبنائه كيف يقتل أحدهم الآخر وكيف يسفك الدم ويفسد ، والله جل وعلا ينظر إلى الخلافة الخاتمة التي لا فساد فيها ، ولا سفك دماء سوى التسبيح لله وحده لا شريك له وهي خلافة الإمام المهدي (عليه السلام) في الأرض وقال تعالى :
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأولئِكَ هُمُ ألفاسِقُونَ } النور 55 . .
وقد أجمع المفسرون ان هذه الآية في المهدي (عليه السلام) وخلافته في آخر الزمان في الأرض وأصحابه ، والتسبيح لا يكون تاماً كاملاً إلا في خلافة الإمام المهدي (عليه السلام) .
ان يوم الجمعة هو يوم الإمام المهدي (عليه السلام) كما ورد في الأخبار فعن الصقر بن أبي دلف قال : ( لما حمل المتوكل سيدنا علي بن محمد النقي إلى سر من رأى جئت اسأل عن خبره - إلى ان قال – يا سيدي حديث يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لا اعرف معناه.
قال : وما هو ؟ ، قلت : قوله لا تعادوا الأيام فتعاديكم ما معناه ؟
فقال : نعم الأيام نحن ما قامت السماوات والأرض ، فالسبت اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأحد كناية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والاثنين الحسن والحسين (عليهما السلام) والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم السلام) والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وانا ، والخميس ابني الحسن بن علي (عليهما السلام) والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق .....) كمال الدين وتمام النعمة ص383 .
قال تعالى :
{ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الانهار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ ألفوْزُ الْعَظِيمُ } التغابن 9 .
وهو يوم الإمام المهدي (عليه السلام) حيث يجتمع المؤمنون في صعيد واحد ويجتمع الكافرون في صعيد واحد .
فقد ورد في الرواية الشريفة عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ( لا تذهب الدنيا حتى ينادي منادٍ من السماء : (( يا أهل الحق اجتمعوا )) فيصيرون في صعيد واحد ، ثم ينادي مرة أخرى : (( يا أهل الباطل اجتمعوا )) فيصيرون في صعيد واحد .
قلت : فيستطيع هؤلاء ان يدخلوا في هؤلاء ؟ ، قال : لا والله ) غيبة النعماني ، بحار الانوار ج52 ص365 .
وينطبق ذلك على يوم الجمعة يوم الجمع والبيعة لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام) .
{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} الجمعة 1
التسبيح هو تنزيه المولى سبحانه وتعالى وتمجيده عن الباطل كله وينقسم التسبيح إلى قسمين :
القسم الأول وهو التسبيح اللفظي ( الذِكري) والقسم الثاني الفعلي العملي وهنالك فرق بين التسبيحين فالتسبيح اللفظي الذكري يكون في الأقوال العبادية من صلاة ودعاء وذكر وغيرها قال تعالى حكاية عن موسى (عليه السلام) { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً *وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } طه 33- 34 .
فان الفرق بين التسبيح الفعلي أي التسبيح في الأفعال والأعمال وبين التسبيح اللفظي الذكري حيث (ونذكرك كثيراً) وهو تسبيح لكنه ذكري فقط وقال تعالى حكاية عن الملائكة : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} البقرة 30 .
ومن المعلوم ان تسبيح الملائكة ليس تسبيح قولي بل هو تسبيح فعلي عملي فهم يسبحون الله من خلال تنفيذهم لأوامر الله سبحانه وتعالى وطاعتهم له دون سواه .
وبذلك يتضح الفرق بين التسبيحين ( ما في السماوات والأرض ) أي جميع الموجودات في الأرض من مخلوقات سواء أكانت مخلوقات بشرية أو حيوانية أو نباتية أو جمادية : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَان مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ انهُ كَان حَلِيماً غَفُوراً } الإسراء 44 .
فقد ورد في الأخبار المتكاثرة عن أهل البيت (عليهم السلام) بان كل شيء يسبح لله ويذكره حتى الحجر والمدر والحيتان في البحر ، والآية يستفاد منها العموم أي ان الجميع يسبح لله ولا يكون ذلك إلا في زمن الخلافة الخاتمة خلافة الإمام المهدي (عليه السلام) في الأرض ، لانه لم يحصل ان الجميع سبح الله وأطاعه ولم يكن ذلك حتى ولو في نوع واحد من الانواع التي ذكر منها .
فان الانسان يظلم أخيه الانسان وكذلك بالنسبة لباقي المخلوقات والموجودات إلا في زمن الإمام المهدي (عليه السلام) .
حيث جاءت الروايات الشريفة تؤكد هذا المعنى وتنص عليه ففي زمانه سلام الله عليه يصلح كل شيء ويعم العدل ويرتفع الظلم والفساد .
وقد ورد ان الحجر يخاطب المؤمنين في حربهم مع الكافرين واليهود فيقول ( يا مؤمن خلفي كافر أو يهودي فأقتله ) .
كما ورد أيضا عن إبن عباس في قوله تعالى {يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} قال : ( لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا دخل في الاسلام حتى يأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد والانسان والحية وحتى لا تقرض فأرة جراباً ..وذلك عند قيام القائم (عليه السلام) ) بحار الانوار ج51 ص61.
وعندها سيكون الصلاح في كل بقعة من بقاع الأرض .
{ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }
وكما بينا ان الملك هو الحسن والقدوس هو الحسين والعزيز الحكيم هو المهدي صاحب الأمر ، وهنا إشارة إلى ان الخليفة الذي يكون التسبيح في خلافته على أتمه وأكمله هو من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) .
فقد ورد في الرواية الشريفة عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : قال لفاطمة ( منهما مهدي هذه الأمة أي الحسن والحسين ) بحار الانوار ج36 ص291 .
{ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}
قد بينا ان العزيز هو الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وليس المراد الحقيقي هو الإمام الكاظم (عليه السلام) بل ان المقصود من ذلك هو نبي الله موسى (عليه السلام) ولكن كان الإمام الكاظم كحلقة الوصل لما بينه وبين النبي موسى من تشابه في الاسم والدور .
فانه واجه فرعون زمانه حكومة بني العباس وسجن وجرى عليه ما لم يجري على باقي الأئمة الذين عاصروا تلك الحكومة كما ان موسى واجه فرعون .
والحكيم إشارة إلى النبي عيسى (عليه السلام) الذي سوف ينزل ويكون مؤيدا وناصرا للإمام المهدي (عليه السلام) ، والحكيم هو اسم من أسماء الطبيب ، ومن المعلوم ان النبي عيسى (عليه السلام) كان قد أتى بما عجز عنه الأطباء فكان يشفي الأبرص وألاكمه والأعمى ويحيي الموتى وقد وصفه الله بالحكمة وتعاليمها قال تعالى :
{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالانجِيلَ } آل عمران 48 .
.
كما ان كتابه الذي انزله الله عليه الانجيل كان ( حكم ) . أما لماذا هذين النبيين موسى وعيسى عليهما السلام أقول ذلك يرجع لسببين :
يتبع...يتبع
تعليق