الجهل/من فكر السيد القحطاني /علم المنطق في القرآن
كل انسان إذا سمع بالعلم تبادر له مقابله الجهل فهما كالعدوين أحدهما يريد البطش بالآخر . وبينهما تقابل الملكة وعدمها فالعلم ملكة والجهل عدمها لأن العلم قيوده الجهل :
وجودية و قيوده عدمية ، فإذا عرفنا العلم بأنه حضور صورة الشيء عند العقل ، والجهل عدم حضور صورة الشيء عند العقل وكذلك نحن نعرف أن هذه المصطلحات المنطقية لها اختلاف عن المعاني اللغوية مثل أطلاقات العلم وإطلاقات الجهل باللغة وغيرها حيث أن لنا ضابطا نسير عليه وهو هذا التعريف المنطقي وكذلك نعرف إننا إذا قارنا بين العلم والجهل نلاحظ أنه يجب أن يبادله في تقسيماته وموارده وذلك لأن كل مرحلة هو وجود ملكة فلها عدم وهذا العدم يسمى جهل .
إذ إن الجهل تقسيمات بأعتبار مقابلته للعلم وبالإضافة إلى العلم لأن العدم لا تمايز به إلا بحسب الإضافة والمقابلات فبدأ بتقسيماته قسمنا العلم باعتبار وجود الحكم وعدم وجوده إلى قسمين ( التصور ، والتصديق) .
التصور :
هو حضور صورة الشيء عند العقل مثل تصور علي والتصديق هو حضور صورة الشيء عند العقل مع وجود حكم النفس مثل زيد عالم .
وكذلك الجهل ينقسم إلى قسمين لأن عدم التصور هو جهل تصوري وعدم التصور هو جهل تصديقي ، إذن الجهل التصوري – عدم حضور صورة الشيء عند العقل وذلك إذا أردت أن تتصور العنقاء فلا تستطيع لأن تتصورها هو عدم التصور يعني عدم ملكة التصور .
الجهل التصديقي .
هو حضور صورة الشيء عند العقل لكن مع عدم وجود حكم النفس كما إذا قال أحد الأشخاص بأن عثمان أعلم ، فإننا نشك ولا نحكم بأنه الأعلم فنضل في حالة تصور لكن لا تخلو نفسنا من حكم فذلك عدم ملكة التصديق .
وكذلك قسموا أيضاً الجهل التصديقي إلى قسمين إلى جهل بسيط وجهل مركب .
الجهل البسيط : هو أن تجهل شيئاً وأنت ملتفت لجهلك وتعلم به فإذا سألك أحدهم عن مسألة فقلت له : لا أعلم وأنت واقعاً لا تعلم فهذا يسمى الجهل البسيط .
الجهل المركب : هو أن تجهل شيئاً وأنت غير ملتفت إنك جاهل به بل تظن أنك عالم به فهذا جهل مركب لأنه تركب من جهلين جهل بالواقع وجهل بالنفس أي أن لا تدرك الواقع ولا تعلم بأن نفسك جاهلة لا تعلم وهذا ملازم للإنسان حيث يأتيه من طريق الشيطان الذي لا يدرك .
الجهل واقسامه :
إن الجهل ليس له تعريف قائم بنفسه بل إنه يعتمد على بيان العلم حيث إن الجهل عدم العلم فالأمر العدمي لا يبين إلا بإلإضافة إلى غير وكذلك قيوده تكون عرضية من هذا تععرف أن معنى الجهل هو (عدم حضور صورة الشيء بالعقل ) وكذلك تعرف أن التقابل بينهما تقابل الملكة وعدمها حيث أن الملكة قيودها وجودية وهو (العلم) وعدمها قيودها عدمية وهو عدم العلم ( الجهل) من هذا تنبه المناطقة وقسموا الجهل إلى اقسام متعددة وذلك لأنه يقابل العلم ويبادله في موارده ولعل سائل يسأل كيف يمكن تقسيم الأمر العدمي رغم أن القسمة هي ضم القيود ؟
نقول إن هذه القسمة بالنظر إلى طرف العلم فكلما كان هناك علم يقابله عدم العلم وهو الجهل وبما أن العلم على اقسام متعددة كذلك الجهل يكون على اقسام كثيرة أكثر من الجهل وقسموا الجهل إ‘لى أقسام معروفة كما سوف نوضحها حيث قسموا الجهل إلى تصوري وتصديقي ومن ثم قسموا الجهل التصديقي إلى بسيط ومركب .
أقول الم نقسم العلم إلى أقسام كثيرة مثل ( العلم الحسي والخصالي والوهمي) وكذلك العلم البديهي والنظري فلماذا لم نقسم الجهل إليهما كذلك ؟ نعم يجب ان ينقسم الجهل حسب الأقسام المذكورة والدليل على ذلك هو :
1- إنهم الحجة في تقسيم الجهل إنه يقابل العلم ويبادله بأقسامه – إذن لماذا لا يبادله في الأقسام المذكورة وإليك نص الحجة في تقسيم الشيخ المظفر للجهل : ( والجهل على قسمين كما أن العلم على قسمين لأنه يقابل العلم فيبادله في موارده فتارة يبادل التصور أي يكون في مورده ) ((هامش: المنطق للشيخ المظفر ج1 ص13)).
أقول لماذا أخذنا التقسيم إلى التصوري والتصديقي فقط؟ فهناك قد قسمنا العلم إلى حسي وخيالي ووهمي وإلى نظري وبديهي .
2- إنهم ذكروا في بطون الكتب ما مضمونه أن هناك جهل بديهي لكنهم لم يعطوه عنواناً أو يعترفوا به كقسم – وإليك نص الكلام من كتاب تحرير القواعد الشمسية : ( ليس كل واحد من التصور والتصديق بديهياً فإنه لو كانت جميع التصورات والتصديقات بديهية لما كان شيء من الأشياء مجهولاً لنا وهو باطل وفيه نظر لجواز أن يكون الشيء بديهيا ومجهول لنا فإن البديهي وإن لم يتوقف حصوله على شيء آخر من توجه العقل إليه – أو الإحساس به – أو الحدس أو التجربة ( وغير ذلك ) (( هامش تحرير القواعد ص13))إنتهى .
أقول أنه يثبت الجهل البديهي بعبارته ( لجواز ان يكون السيء بديهياً ومجهولاً لنا ) وكذلك ما قاله الشيخ المظفر (قده)(فإن الشيء قد يكون بديهياً ولكن يجهله الإنسان لفقد اسباب النفس فلا يجب أن يكون الإنسان عالما بجميع البديهيات ولا يضر ببداهة البديهي)((هامش : المنطق للشيخ المظفر ج1 ص15.
إذن حصل مما ذكرنا أن أقسام الجهل كأقسام العلم كلها .
النتيجة : ينقسم الجهل إلى أقسام فينقسم باعتبار أنه يقابل ( العلم الحسي والخيالي والوهمي ) إلى جهل حسي وجهل خيالي وجهل وهمي .
الجهل الحسي :
وهو عدم العلم الحسي ( الذي نحصل عليه عن طريق الحواس ) وذلك مثل فقدان البصر (فالأعمى) يجهل كثير من الأشياء الخارجية لكن جهله يسمى جهلا حسياً لأنه فقد حسا ولعله إلى هذا تشير الحكمة ( من فقد حساً فقد علماً ) وكذلك الأصم يجهل كثيراً من الأشياء التي من شأنها أن تدرك عن طريق السامعة مثل الأصوات ويسمى هذا الجهل بالجهل الحسي كذلك .
الجهل الخيالي :
وهو عدم العلم الخيالي ( الذي نحصل عليه عن طريق قوة الوهم ) وذلك مثل كثير من الناس الذين لا يدركون معاني الحب والبغض حيث نرى بعض الناس يحب البعض الآخر لكنهم لا يدركون هذا المعنى ويسمى هذا الجهل بـ ( الجهل الوهمي ) لأن من شأنه أن يدرك بالوهم .
وكذلك ينقسم الجهل إلى قسمين باعتبار أنه يقابل ( العلم البديهي والنظري ) .
1- الجهل البديهي :
وهو عدم العلم البديهي الذي من شأنه أنه يدرك بالبداهة فبعض الناس مثلا يجهل أموراً بديهية حتى يصل إلى مرحلة أنه يجهل اسمه أو ودوده ( فيقول هل أنا موجود) وذلك يحصل نتيجة فقدان الأشياء التي يحصل بها الإنسان على ذلك العلم مثل الحدس والتجربة أو الإنتباه ، فإننا إذا لاحظنا مثلاً المعتزلة الذين يقولون بشبهة الحال وهي أن هنلك حال وسط بين الوجود والعدم صفة لا هي موجودة ولا هي معدومة فهنا عندهم في هذه المسالة جهل بديهي لأن هذه المسألة من البديهيات التي تحصل بالبداهة وغيرها من الأمور بل حتى تصل إلى مرحلة أن بعض الناس لا يعرف ( 1+1) كم يساوي .
الجهل النظري :
وهو عدم العلم النظري ( الذي نحصل عليه عن طريق الكسب والمعرفة ) فهذا القسم امثلته كثيرة لأنه أكثر سعة واستخداماً من العلوم الأخرى ما عدا ( الحسي) .
فمثلاً إذا سألت أحدهم عن مقدار وزن شيء من الأشياء فقال لا أعرف فذلك جهل نظري لأنه من شأن هذه المسألة أن تدرك بالعلم النظري .
إنتبه : في العلم الحصولي والحضوري أيضاً ينقم الجهل إليهما لكننا أرجئناه إلى بحث اخر لعدة أمور :
1- خوف الإلتباس من طرف القارئ .
2- عدم الدراية الكاملة والمحصلة لي بذلك القسم من أقسام الجهل .
3- لعدم وجود مناسبة للكلام عنه خصوصاًً العلم الحضوري باعتبار أنه مبحث فلسفي كلامي أكثر مما يكون منطقياً .
الجهل التصوري والتصديقي :
إن معنى الجهل التصوري هو عدم ملكة التصور ومعنى الجهل التصديقي هو عدم ملكة التصديق قال الله تعالى : { قالوا أضغاث احلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} .
فهنا حصل لهم تصور بالحلم الذي قصه عليهم العزيز لكنهم لم يحكموا ولم يدركوا معناه ولم يحصل عندهم تثصديقى ، لذلكحصل عندهم جهل تصديقي لأن ملكة الحكم لم توجد عندهم .
قال الله تعالى :{ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } نسب يعقوب (عليه السلام) إلى ابناءه الجهل لكن من أي قسم ذلك الجهل ؟ ذلك الجهل قسم من الجهل التصوري وذلك لأنهم حتى تصور الكثير من الأمور لا يعرفونها حيث أن هذه الآية تحكي عن يعقوب (عليه السلام) بأنه يعلم أن يوسف حي وغائب عنهم وهم يقولون أن يوسف مات فهم يجهلون أن يوسف حي .
الجهل البسط المركب
قد عرفنا أن معنى الجهل عدم العلم وكذلك عرفنا أنه ينقسم إلى أقسام ومنا إنقسامه إلى بسيط وإلى مركب ومعنى البسيط ( أن يجهل الإنسان شيء وهو ملتفت لجهله) ومعنى المركب : (أن يجهل الإنسان شيء وهو غير ملتفت لجهله ) وهذا مما وضحه القرآن في آيات كثيرة فمثلا بالنسبة إلى البسيط قال الله تعالى عن الملائكة : { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } فهنا الملائكة عندهم جهل باسماء هؤلاء الذين عرضهم آدم ولم يعرفوها لأن الله نفى عنهم العلم بل قال على لسانهم { لا علم لنا} فهذا جهل بسيط لأنهم يجهلون وهم يعلمون بأنفسهم أنهم جاهلون بهذه الأسماء وكذلك في قصة يوسف (عليه السلام) ذكر الله تعالى هذا النوع من الجهل وهي حكاية عن العزيز حيث راى رؤيا وقال { يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون } فقالوا له { قالوا أضغاث احلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين } فأعتفوا انهم لا علم لهم بتأويل الأحلام إذن هذا جهل بسيط وهناك الكثير من الآيات التي تثبت ذلك إلا إننا سنكتفي بما ذكر لضيق المقام .
أما الجهل المركب قال الله تعالى : { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون } فهنا هم عندهم جهل مركب من جهلين – الأول يجهلون الإفساد- والثاني – يجهلون بأنفسهم أنهم جاهلون ، لذلك قال الله تعالى : { ولكن لا يشعرون} .
وكذلك في آية آخرى قال الله تعالى : { وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون } فهنا أيضا عندهم جهل مركب لأنهم يجهلون الإيمان وقالوا هؤلاء سفهاء وكذلك لا يعلمون أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون فنفى الله العلم عنهم وهذه دلالة على انهم يجهلون .
وكذلك قوله تعالى حكاية عن الملائكة : { وإذ قال ربك إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } فهنا كان اعتراض الملائكة عن جهل وجهلهم كان مركبا لأنهم لا يعلمون ما هو المغزى والهدف الرئيسي من خلق الإنسان وجعل الخليفة وكذلك لا يعلمون انهم جاهلون بهذه القضية فقالوا : { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } وهذا ناتج من وجود الجهل لديهم لذلك قال الله تعالى { إني أعلم ما لا تعلمون } .
الجهل الحسي والجهل الوهمي
إن معنى الجهل الحسي هو عدم العلم الحسي ومعنى الجهل اخيالي هو عدم العلم الخيالي لأن عدم الملكة هو الجهل فمن شأن بعض الأمور أن تدرك بالحواس لكن في بعض الأحيان يجهلها الإنسان وهناك آية في القرآن تثبت كل أنواع الجهل قال الله تعالى ك { والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار وأفئدة لعلكم تشكرون } فهنا ثبت الله سبحانه الجهل المطلق الذي يثبت كل أنواع الجهل الحسي والوهمي والخيالي وكذلك ملكة الوهم غير موجودة وفي مرحلة الطفولة حيث يتميز الإنسان فيها بجهالة شديدة وتبدأ المدارك تتطور عنده شيئا فشيئاً قال الله تعالى : { وكان الإنسان ظلوما جهولاً} أي أن الإنسان بطبيعته يتميز بالجهل بل أنه في بعض الأحيان تكون الحواس موجودة عند الإنسان لكنه يجهل كثيراً من الأمور دلالة على وجود الجهل الحسي قال الله تعالى : { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج ابويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون } فهنا يقرر الله سبحانه وتعالى أن الإنسان عنده جهل حسي بالشياطين حيث أنهم موجودون ولكن لا نراهم ولكنهم يروننا وكذلك قال الله تعالى : { سحروا أعين الناس واسترهبوهم } فهنا يكثف الله تعالى أن بعض السحر هو جهل حسي حيث يؤثر على العين فلا ترى الحقيقة لذلك قال : { سحروا اعين الناس} . وقال الله تعالى : { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعون وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } يعني عندهم جهل بالشيء المراد منهم عن طريق النبي رغم أن هذا الشيء يدرك بالحس .
الجهل البديهي والنظري
معنى الجهل البديهي هو عدم العلم البديهي يعني عدم ملكة العلم البديهي قال الله تعالى : { وجاء أخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون} .
إننا نعرف أن معرفة الأخ لا تحتاج إلى كسب ونظر وعملية عقلية بل تكون بالبداهة لكن في بعض الأحيان توجد أمور توهم الإنسان فتمنعه عن المعرفة فيفقد البداهة ويحصل عنده جهل بديهي – وهو عدم العلم البديهي – وهذا له أمثلة كثيرة .
وكذلك قال الله تعالى حكاية لقصة سليمان (عليه السلام) مع بلقيس : { قال نكروا لها عرشها ننظر اتهتدي ام تكون من الذين لا يهتدون فإن معرفة الإنسان بالأشياء الخاصة به معرفة بديهية وخصوصاً العرش المشار إليه لأنها كانت تجلس عليه يومياً لكنهم حينما نكروا وغيروا لها عرشها لم تعرف مما يؤكد وجود جهل بديهي لأن ملكة البداهة انتفت لذلك قال الله تعالى : { فلما جاءت قال اهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبل وكنا مسلمين } وكذلك قال الله تعالى : { قيل ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال انه صرح ممرد من قوارير قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } .
إن بلقيس حينما دخلت الصرح ورأته حسبته لجة يعني ماء فهنا معرفة الماء معرفة بديهية لا تحتاج إلى كسب ونظر ولكن حصل عندها جهل بديهي .
أما الجهل النظري : قال الله تعالى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا أحب الآفلين } فالنبي إبراهيم (عليه السلام) يمر هنا بمرحلة جهل نظري وذلك لأن معرفة الرب معرفة نظرية قائمة على البرهان والدليل ألا ترى أنه حينما رأى كوكبا قال جهلا : هذا ربي فلما افل يعني غاب قال أنه ليس ربيوذلك لأن الرب لا يغيب أي أن جهل الأفول دليل على أنه ليس برب وقال الله تعالى : { فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لأن لم يهدني ربي لأكونن من الظالين } .
وكذلك حصل عنده في بداية الأمر جهل نظري ومن ثم حينما أفل وغاب القمر أصبح عنده علم نظري { فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما افلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون } وأخيراً أصبح عنده علم علم نظري بأن ربه الذي فطر السماوات وحصل على ذلك العلم عن طريق الدليل { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين } .
العلم النظري والبديهي
ينقسم العلم باعتبار جديد إلى نظري وبديهي والإعتبار هنا هو باعتبار وجود النظر والعملية العقلية وعدم وجودها فاعتبار وجودها يسمى العلم نظريا وعدم وجودها يسمى العلم بديهياً إذن معنى العلم النظري : هو العلم الذي يحتاج إلى كسب ونظر وفكر أما العلم البديهي هو الذي لا يحتاج في حصوله إلى هذه الأشياء .
من هذا نعرف أن التقابل بين العلمين هو تقابل الملكة وعدمها لأن العلم النظري هو الملكة والبديهي عدمها ، وذلك لأن النظري قيوده وجودية والبديهي قيوده عدمية إذن يكون الفارق بين العلمين كالآتي :
النظري البديهي
1- يحتاج إلى عملية عقلية 1- لا يحتاج إلى عملية عقلية
2- لا يحدث بالبداهة والإضطرار بل يحتاح إلى إرادة التفكر 2- يحدث بالبداهة والإضطرار والمفاجئة
3- يحتاج إلى دليل للبرهنة عليه 3- لا يحتاج إلى دليل للبرهنة عليه لأنه حاصل بالبداهة
4-يحتاج إلى وسائط لكي يحصل مثل المقدمات التي تؤدي إلى النتائج 4-بعض البديهي لا يحتاج إلى وسائط ومقدمات لكي يحصل مثل الأوليات .
5- يتوقف حصوله على العملية الفكرية . 5- لا يتوقف حصوله على العملية الفكرية والنظر بل يحتاج إلى حس أو تجربة أو غير ذلك .
ثم إذا عرفنا ذلك ونعلم أننا قد قسمنا العلم إلى تصور وتصديق إذن العلم النظري والضروري يجب ان يقسم إلى هذه الأقسام فيحصل عندنا تصور نظري وتصور بديهي وكذلك تصديق نظري وتصديق بديهي .
1- التصور النظري :
وهو التصور المتوقف على العملية العقلية مثل تصور حقيقة الأشياء الغامضة مثل الكهرباء وتصور حقيقة الجن فنحن نعرف كلنا أن هذه الأشياء كنهها غائب عنا وعن أذهاننا فإذا أردنا أن نتصورها يجب علينا أن نعمل النظر من أجل الحصول على حقيقة ذلك الشيء بل في بعض الأحيان يحتاج إلى عملية فكرية طويلة ، إذن حقيقة التصور النظري هي ( التصور + الفكر ) .
2-التصور البديهي :
وهو التصور الذي لا يحتاج إلى عملية عقلية وحركة فكرية مثل تصور الحرارة والبرودة وكذلك تصور مفهوم الوجود . وغيرها من الأمور التي لا تحتاج إلى عملية عقلية لكن لربما تحتاج إلى أشياء أخرى مثل ما وصفنا سابقاً مثل الحس والتجربة وغيرها من الأمور فحقيقة التصور البديهي إذن هي ( تصور بلا عملية عقلية ) .
3-التصديق النظري :
وهو التصديق الذي يحتاج في حصوله إلى عملية عقلية وإمعان النظر مثل كثير من الأشياء العلمية وكذلك الأشياء التي تحتاج إلى إثبات وأدلة مثل التصديق بوجود الله سبحانه وتعالى وكذلك التصديق بأن الأرض متحركة أو ساكنة إذن حقيقة التصديق النظري ( التصديق + عملية عقلية ) .
كل انسان إذا سمع بالعلم تبادر له مقابله الجهل فهما كالعدوين أحدهما يريد البطش بالآخر . وبينهما تقابل الملكة وعدمها فالعلم ملكة والجهل عدمها لأن العلم قيوده الجهل :
وجودية و قيوده عدمية ، فإذا عرفنا العلم بأنه حضور صورة الشيء عند العقل ، والجهل عدم حضور صورة الشيء عند العقل وكذلك نحن نعرف أن هذه المصطلحات المنطقية لها اختلاف عن المعاني اللغوية مثل أطلاقات العلم وإطلاقات الجهل باللغة وغيرها حيث أن لنا ضابطا نسير عليه وهو هذا التعريف المنطقي وكذلك نعرف إننا إذا قارنا بين العلم والجهل نلاحظ أنه يجب أن يبادله في تقسيماته وموارده وذلك لأن كل مرحلة هو وجود ملكة فلها عدم وهذا العدم يسمى جهل .
إذ إن الجهل تقسيمات بأعتبار مقابلته للعلم وبالإضافة إلى العلم لأن العدم لا تمايز به إلا بحسب الإضافة والمقابلات فبدأ بتقسيماته قسمنا العلم باعتبار وجود الحكم وعدم وجوده إلى قسمين ( التصور ، والتصديق) .
التصور :
هو حضور صورة الشيء عند العقل مثل تصور علي والتصديق هو حضور صورة الشيء عند العقل مع وجود حكم النفس مثل زيد عالم .
وكذلك الجهل ينقسم إلى قسمين لأن عدم التصور هو جهل تصوري وعدم التصور هو جهل تصديقي ، إذن الجهل التصوري – عدم حضور صورة الشيء عند العقل وذلك إذا أردت أن تتصور العنقاء فلا تستطيع لأن تتصورها هو عدم التصور يعني عدم ملكة التصور .
الجهل التصديقي .
هو حضور صورة الشيء عند العقل لكن مع عدم وجود حكم النفس كما إذا قال أحد الأشخاص بأن عثمان أعلم ، فإننا نشك ولا نحكم بأنه الأعلم فنضل في حالة تصور لكن لا تخلو نفسنا من حكم فذلك عدم ملكة التصديق .
وكذلك قسموا أيضاً الجهل التصديقي إلى قسمين إلى جهل بسيط وجهل مركب .
الجهل البسيط : هو أن تجهل شيئاً وأنت ملتفت لجهلك وتعلم به فإذا سألك أحدهم عن مسألة فقلت له : لا أعلم وأنت واقعاً لا تعلم فهذا يسمى الجهل البسيط .
الجهل المركب : هو أن تجهل شيئاً وأنت غير ملتفت إنك جاهل به بل تظن أنك عالم به فهذا جهل مركب لأنه تركب من جهلين جهل بالواقع وجهل بالنفس أي أن لا تدرك الواقع ولا تعلم بأن نفسك جاهلة لا تعلم وهذا ملازم للإنسان حيث يأتيه من طريق الشيطان الذي لا يدرك .
الجهل واقسامه :
إن الجهل ليس له تعريف قائم بنفسه بل إنه يعتمد على بيان العلم حيث إن الجهل عدم العلم فالأمر العدمي لا يبين إلا بإلإضافة إلى غير وكذلك قيوده تكون عرضية من هذا تععرف أن معنى الجهل هو (عدم حضور صورة الشيء بالعقل ) وكذلك تعرف أن التقابل بينهما تقابل الملكة وعدمها حيث أن الملكة قيودها وجودية وهو (العلم) وعدمها قيودها عدمية وهو عدم العلم ( الجهل) من هذا تنبه المناطقة وقسموا الجهل إلى اقسام متعددة وذلك لأنه يقابل العلم ويبادله في موارده ولعل سائل يسأل كيف يمكن تقسيم الأمر العدمي رغم أن القسمة هي ضم القيود ؟
نقول إن هذه القسمة بالنظر إلى طرف العلم فكلما كان هناك علم يقابله عدم العلم وهو الجهل وبما أن العلم على اقسام متعددة كذلك الجهل يكون على اقسام كثيرة أكثر من الجهل وقسموا الجهل إ‘لى أقسام معروفة كما سوف نوضحها حيث قسموا الجهل إلى تصوري وتصديقي ومن ثم قسموا الجهل التصديقي إلى بسيط ومركب .
أقول الم نقسم العلم إلى أقسام كثيرة مثل ( العلم الحسي والخصالي والوهمي) وكذلك العلم البديهي والنظري فلماذا لم نقسم الجهل إليهما كذلك ؟ نعم يجب ان ينقسم الجهل حسب الأقسام المذكورة والدليل على ذلك هو :
1- إنهم الحجة في تقسيم الجهل إنه يقابل العلم ويبادله بأقسامه – إذن لماذا لا يبادله في الأقسام المذكورة وإليك نص الحجة في تقسيم الشيخ المظفر للجهل : ( والجهل على قسمين كما أن العلم على قسمين لأنه يقابل العلم فيبادله في موارده فتارة يبادل التصور أي يكون في مورده ) ((هامش: المنطق للشيخ المظفر ج1 ص13)).
أقول لماذا أخذنا التقسيم إلى التصوري والتصديقي فقط؟ فهناك قد قسمنا العلم إلى حسي وخيالي ووهمي وإلى نظري وبديهي .
2- إنهم ذكروا في بطون الكتب ما مضمونه أن هناك جهل بديهي لكنهم لم يعطوه عنواناً أو يعترفوا به كقسم – وإليك نص الكلام من كتاب تحرير القواعد الشمسية : ( ليس كل واحد من التصور والتصديق بديهياً فإنه لو كانت جميع التصورات والتصديقات بديهية لما كان شيء من الأشياء مجهولاً لنا وهو باطل وفيه نظر لجواز أن يكون الشيء بديهيا ومجهول لنا فإن البديهي وإن لم يتوقف حصوله على شيء آخر من توجه العقل إليه – أو الإحساس به – أو الحدس أو التجربة ( وغير ذلك ) (( هامش تحرير القواعد ص13))إنتهى .
أقول أنه يثبت الجهل البديهي بعبارته ( لجواز ان يكون السيء بديهياً ومجهولاً لنا ) وكذلك ما قاله الشيخ المظفر (قده)(فإن الشيء قد يكون بديهياً ولكن يجهله الإنسان لفقد اسباب النفس فلا يجب أن يكون الإنسان عالما بجميع البديهيات ولا يضر ببداهة البديهي)((هامش : المنطق للشيخ المظفر ج1 ص15.
إذن حصل مما ذكرنا أن أقسام الجهل كأقسام العلم كلها .
النتيجة : ينقسم الجهل إلى أقسام فينقسم باعتبار أنه يقابل ( العلم الحسي والخيالي والوهمي ) إلى جهل حسي وجهل خيالي وجهل وهمي .
الجهل الحسي :
وهو عدم العلم الحسي ( الذي نحصل عليه عن طريق الحواس ) وذلك مثل فقدان البصر (فالأعمى) يجهل كثير من الأشياء الخارجية لكن جهله يسمى جهلا حسياً لأنه فقد حسا ولعله إلى هذا تشير الحكمة ( من فقد حساً فقد علماً ) وكذلك الأصم يجهل كثيراً من الأشياء التي من شأنها أن تدرك عن طريق السامعة مثل الأصوات ويسمى هذا الجهل بالجهل الحسي كذلك .
الجهل الخيالي :
وهو عدم العلم الخيالي ( الذي نحصل عليه عن طريق قوة الوهم ) وذلك مثل كثير من الناس الذين لا يدركون معاني الحب والبغض حيث نرى بعض الناس يحب البعض الآخر لكنهم لا يدركون هذا المعنى ويسمى هذا الجهل بـ ( الجهل الوهمي ) لأن من شأنه أن يدرك بالوهم .
وكذلك ينقسم الجهل إلى قسمين باعتبار أنه يقابل ( العلم البديهي والنظري ) .
1- الجهل البديهي :
وهو عدم العلم البديهي الذي من شأنه أنه يدرك بالبداهة فبعض الناس مثلا يجهل أموراً بديهية حتى يصل إلى مرحلة أنه يجهل اسمه أو ودوده ( فيقول هل أنا موجود) وذلك يحصل نتيجة فقدان الأشياء التي يحصل بها الإنسان على ذلك العلم مثل الحدس والتجربة أو الإنتباه ، فإننا إذا لاحظنا مثلاً المعتزلة الذين يقولون بشبهة الحال وهي أن هنلك حال وسط بين الوجود والعدم صفة لا هي موجودة ولا هي معدومة فهنا عندهم في هذه المسالة جهل بديهي لأن هذه المسألة من البديهيات التي تحصل بالبداهة وغيرها من الأمور بل حتى تصل إلى مرحلة أن بعض الناس لا يعرف ( 1+1) كم يساوي .
الجهل النظري :
وهو عدم العلم النظري ( الذي نحصل عليه عن طريق الكسب والمعرفة ) فهذا القسم امثلته كثيرة لأنه أكثر سعة واستخداماً من العلوم الأخرى ما عدا ( الحسي) .
فمثلاً إذا سألت أحدهم عن مقدار وزن شيء من الأشياء فقال لا أعرف فذلك جهل نظري لأنه من شأن هذه المسألة أن تدرك بالعلم النظري .
إنتبه : في العلم الحصولي والحضوري أيضاً ينقم الجهل إليهما لكننا أرجئناه إلى بحث اخر لعدة أمور :
1- خوف الإلتباس من طرف القارئ .
2- عدم الدراية الكاملة والمحصلة لي بذلك القسم من أقسام الجهل .
3- لعدم وجود مناسبة للكلام عنه خصوصاًً العلم الحضوري باعتبار أنه مبحث فلسفي كلامي أكثر مما يكون منطقياً .
الجهل التصوري والتصديقي :
إن معنى الجهل التصوري هو عدم ملكة التصور ومعنى الجهل التصديقي هو عدم ملكة التصديق قال الله تعالى : { قالوا أضغاث احلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} .
فهنا حصل لهم تصور بالحلم الذي قصه عليهم العزيز لكنهم لم يحكموا ولم يدركوا معناه ولم يحصل عندهم تثصديقى ، لذلكحصل عندهم جهل تصديقي لأن ملكة الحكم لم توجد عندهم .
قال الله تعالى :{ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } نسب يعقوب (عليه السلام) إلى ابناءه الجهل لكن من أي قسم ذلك الجهل ؟ ذلك الجهل قسم من الجهل التصوري وذلك لأنهم حتى تصور الكثير من الأمور لا يعرفونها حيث أن هذه الآية تحكي عن يعقوب (عليه السلام) بأنه يعلم أن يوسف حي وغائب عنهم وهم يقولون أن يوسف مات فهم يجهلون أن يوسف حي .
الجهل البسط المركب
قد عرفنا أن معنى الجهل عدم العلم وكذلك عرفنا أنه ينقسم إلى أقسام ومنا إنقسامه إلى بسيط وإلى مركب ومعنى البسيط ( أن يجهل الإنسان شيء وهو ملتفت لجهله) ومعنى المركب : (أن يجهل الإنسان شيء وهو غير ملتفت لجهله ) وهذا مما وضحه القرآن في آيات كثيرة فمثلا بالنسبة إلى البسيط قال الله تعالى عن الملائكة : { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } فهنا الملائكة عندهم جهل باسماء هؤلاء الذين عرضهم آدم ولم يعرفوها لأن الله نفى عنهم العلم بل قال على لسانهم { لا علم لنا} فهذا جهل بسيط لأنهم يجهلون وهم يعلمون بأنفسهم أنهم جاهلون بهذه الأسماء وكذلك في قصة يوسف (عليه السلام) ذكر الله تعالى هذا النوع من الجهل وهي حكاية عن العزيز حيث راى رؤيا وقال { يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون } فقالوا له { قالوا أضغاث احلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين } فأعتفوا انهم لا علم لهم بتأويل الأحلام إذن هذا جهل بسيط وهناك الكثير من الآيات التي تثبت ذلك إلا إننا سنكتفي بما ذكر لضيق المقام .
أما الجهل المركب قال الله تعالى : { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون } فهنا هم عندهم جهل مركب من جهلين – الأول يجهلون الإفساد- والثاني – يجهلون بأنفسهم أنهم جاهلون ، لذلك قال الله تعالى : { ولكن لا يشعرون} .
وكذلك في آية آخرى قال الله تعالى : { وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون } فهنا أيضا عندهم جهل مركب لأنهم يجهلون الإيمان وقالوا هؤلاء سفهاء وكذلك لا يعلمون أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون فنفى الله العلم عنهم وهذه دلالة على انهم يجهلون .
وكذلك قوله تعالى حكاية عن الملائكة : { وإذ قال ربك إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } فهنا كان اعتراض الملائكة عن جهل وجهلهم كان مركبا لأنهم لا يعلمون ما هو المغزى والهدف الرئيسي من خلق الإنسان وجعل الخليفة وكذلك لا يعلمون انهم جاهلون بهذه القضية فقالوا : { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } وهذا ناتج من وجود الجهل لديهم لذلك قال الله تعالى { إني أعلم ما لا تعلمون } .
الجهل الحسي والجهل الوهمي
إن معنى الجهل الحسي هو عدم العلم الحسي ومعنى الجهل اخيالي هو عدم العلم الخيالي لأن عدم الملكة هو الجهل فمن شأن بعض الأمور أن تدرك بالحواس لكن في بعض الأحيان يجهلها الإنسان وهناك آية في القرآن تثبت كل أنواع الجهل قال الله تعالى ك { والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار وأفئدة لعلكم تشكرون } فهنا ثبت الله سبحانه الجهل المطلق الذي يثبت كل أنواع الجهل الحسي والوهمي والخيالي وكذلك ملكة الوهم غير موجودة وفي مرحلة الطفولة حيث يتميز الإنسان فيها بجهالة شديدة وتبدأ المدارك تتطور عنده شيئا فشيئاً قال الله تعالى : { وكان الإنسان ظلوما جهولاً} أي أن الإنسان بطبيعته يتميز بالجهل بل أنه في بعض الأحيان تكون الحواس موجودة عند الإنسان لكنه يجهل كثيراً من الأمور دلالة على وجود الجهل الحسي قال الله تعالى : { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج ابويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون } فهنا يقرر الله سبحانه وتعالى أن الإنسان عنده جهل حسي بالشياطين حيث أنهم موجودون ولكن لا نراهم ولكنهم يروننا وكذلك قال الله تعالى : { سحروا أعين الناس واسترهبوهم } فهنا يكثف الله تعالى أن بعض السحر هو جهل حسي حيث يؤثر على العين فلا ترى الحقيقة لذلك قال : { سحروا اعين الناس} . وقال الله تعالى : { وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعون وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } يعني عندهم جهل بالشيء المراد منهم عن طريق النبي رغم أن هذا الشيء يدرك بالحس .
الجهل البديهي والنظري
معنى الجهل البديهي هو عدم العلم البديهي يعني عدم ملكة العلم البديهي قال الله تعالى : { وجاء أخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون} .
إننا نعرف أن معرفة الأخ لا تحتاج إلى كسب ونظر وعملية عقلية بل تكون بالبداهة لكن في بعض الأحيان توجد أمور توهم الإنسان فتمنعه عن المعرفة فيفقد البداهة ويحصل عنده جهل بديهي – وهو عدم العلم البديهي – وهذا له أمثلة كثيرة .
وكذلك قال الله تعالى حكاية لقصة سليمان (عليه السلام) مع بلقيس : { قال نكروا لها عرشها ننظر اتهتدي ام تكون من الذين لا يهتدون فإن معرفة الإنسان بالأشياء الخاصة به معرفة بديهية وخصوصاً العرش المشار إليه لأنها كانت تجلس عليه يومياً لكنهم حينما نكروا وغيروا لها عرشها لم تعرف مما يؤكد وجود جهل بديهي لأن ملكة البداهة انتفت لذلك قال الله تعالى : { فلما جاءت قال اهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبل وكنا مسلمين } وكذلك قال الله تعالى : { قيل ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال انه صرح ممرد من قوارير قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } .
إن بلقيس حينما دخلت الصرح ورأته حسبته لجة يعني ماء فهنا معرفة الماء معرفة بديهية لا تحتاج إلى كسب ونظر ولكن حصل عندها جهل بديهي .
أما الجهل النظري : قال الله تعالى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا أحب الآفلين } فالنبي إبراهيم (عليه السلام) يمر هنا بمرحلة جهل نظري وذلك لأن معرفة الرب معرفة نظرية قائمة على البرهان والدليل ألا ترى أنه حينما رأى كوكبا قال جهلا : هذا ربي فلما افل يعني غاب قال أنه ليس ربيوذلك لأن الرب لا يغيب أي أن جهل الأفول دليل على أنه ليس برب وقال الله تعالى : { فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لأن لم يهدني ربي لأكونن من الظالين } .
وكذلك حصل عنده في بداية الأمر جهل نظري ومن ثم حينما أفل وغاب القمر أصبح عنده علم نظري { فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما افلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون } وأخيراً أصبح عنده علم علم نظري بأن ربه الذي فطر السماوات وحصل على ذلك العلم عن طريق الدليل { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين } .
العلم النظري والبديهي
ينقسم العلم باعتبار جديد إلى نظري وبديهي والإعتبار هنا هو باعتبار وجود النظر والعملية العقلية وعدم وجودها فاعتبار وجودها يسمى العلم نظريا وعدم وجودها يسمى العلم بديهياً إذن معنى العلم النظري : هو العلم الذي يحتاج إلى كسب ونظر وفكر أما العلم البديهي هو الذي لا يحتاج في حصوله إلى هذه الأشياء .
من هذا نعرف أن التقابل بين العلمين هو تقابل الملكة وعدمها لأن العلم النظري هو الملكة والبديهي عدمها ، وذلك لأن النظري قيوده وجودية والبديهي قيوده عدمية إذن يكون الفارق بين العلمين كالآتي :
النظري البديهي
1- يحتاج إلى عملية عقلية 1- لا يحتاج إلى عملية عقلية
2- لا يحدث بالبداهة والإضطرار بل يحتاح إلى إرادة التفكر 2- يحدث بالبداهة والإضطرار والمفاجئة
3- يحتاج إلى دليل للبرهنة عليه 3- لا يحتاج إلى دليل للبرهنة عليه لأنه حاصل بالبداهة
4-يحتاج إلى وسائط لكي يحصل مثل المقدمات التي تؤدي إلى النتائج 4-بعض البديهي لا يحتاج إلى وسائط ومقدمات لكي يحصل مثل الأوليات .
5- يتوقف حصوله على العملية الفكرية . 5- لا يتوقف حصوله على العملية الفكرية والنظر بل يحتاج إلى حس أو تجربة أو غير ذلك .
ثم إذا عرفنا ذلك ونعلم أننا قد قسمنا العلم إلى تصور وتصديق إذن العلم النظري والضروري يجب ان يقسم إلى هذه الأقسام فيحصل عندنا تصور نظري وتصور بديهي وكذلك تصديق نظري وتصديق بديهي .
1- التصور النظري :
وهو التصور المتوقف على العملية العقلية مثل تصور حقيقة الأشياء الغامضة مثل الكهرباء وتصور حقيقة الجن فنحن نعرف كلنا أن هذه الأشياء كنهها غائب عنا وعن أذهاننا فإذا أردنا أن نتصورها يجب علينا أن نعمل النظر من أجل الحصول على حقيقة ذلك الشيء بل في بعض الأحيان يحتاج إلى عملية فكرية طويلة ، إذن حقيقة التصور النظري هي ( التصور + الفكر ) .
2-التصور البديهي :
وهو التصور الذي لا يحتاج إلى عملية عقلية وحركة فكرية مثل تصور الحرارة والبرودة وكذلك تصور مفهوم الوجود . وغيرها من الأمور التي لا تحتاج إلى عملية عقلية لكن لربما تحتاج إلى أشياء أخرى مثل ما وصفنا سابقاً مثل الحس والتجربة وغيرها من الأمور فحقيقة التصور البديهي إذن هي ( تصور بلا عملية عقلية ) .
3-التصديق النظري :
وهو التصديق الذي يحتاج في حصوله إلى عملية عقلية وإمعان النظر مثل كثير من الأشياء العلمية وكذلك الأشياء التي تحتاج إلى إثبات وأدلة مثل التصديق بوجود الله سبحانه وتعالى وكذلك التصديق بأن الأرض متحركة أو ساكنة إذن حقيقة التصديق النظري ( التصديق + عملية عقلية ) .
تعليق