ما هو عالم الذر
إن هذا المصطلح استخدم كثيرا خصوصاً عند المتكلمين والمفسرين للقرآن، حيث فرضوا وبرهنوا على صحة نظرياتهم بأن الإنسان يعيش في عوالم عدة أو وجد في مراحل من وجوده إلى فنائه ومن ضمن هذه العوالم ( عالم الذر) الذي عد من المشكلات الكلامية بين رافض وقابل وبين مصحح للكاتب الأول وناقد لنظريته وبين مخطئ له ورافض لنظريته التي وضعها.
إن عالم الذر لم يرد في كلام الأئمة (عليهم السلام) بهذا الاسم بل ورد في أحاديثهم كلمة (الذر) فقط، ولربما لم تكن محمولة على الحقيقة بل محمولة على المجاز كما سيبرهن عليه إن شاء الله .
إن تسمية عالم الذر جاءت من المفسرين والمتكلمين عن طريق أحاديث أهل البيت ويسمى أيضا (عالم الالست) أو (عالم الروح) حيث فرضوا وجود الأرواح قبل الأجساد وبدأت مراحل كثيرة في مرحلة الروح من ناحية مدخليتها بالعلم والإيمان وأخذ العهد ونقضه وغيرها من الأمور.
ويعني باختصار أن عالم الذر هو ( عالم قد عاشه الإنسان حينما كان روحا بلا جسد لفوائد ومصالح جمة لا يدرك كنهها العقل القاصر).
لكن الكلام هنا في وجه تسمية عالم الذر بهذا الاسم. هل الصحيح أنهم كانوا ذرا، أو انه تشبيه مجازي.
من العوامل المساعدة على رفض هذا العلم وعدم الإيمان به إن الإنسان كان بمقدار الذرة فكيف أوجد الله عنده عقلا وكيف أقر لله بالربوبية وحفظ العهد أو نطق به، كل هذا يعتمد على معرفة الإنسان بأي صورة كان أو ما هي حقيقته، الصحيح أن عالم الذر لم يكن الإنسان فيه بحجم الذرة لأنه يلزم كل هذه الأمور لكن تشبيها لهم لكثرتهم بالذر وليس كما توهم أو زعم بعضهم بأنهم كانوا بمقدار الذرة، فهذا مردود لان العالم الذي كانوا يعيشون فيه منزه عن المادة أي انه عالم روحي ليس فيه مادة والذرة من صنف المادة لذلك يحمل على المجاز، وليسوا في الحقيقة كالذر لذلك يرفض تفسير عالم الذر على أساس النظرة المادية.
ولسائل أن يسأل كيف أودع الله فيهم عقولهم ؟ كيف جمعهم وهم كثيرون ؟ ثم مسألة الكلام في كيفية تركيبهم ووجود عقولهم؟
هذا كله غير صحيح لأنهم يعيشون في عالم الروح، وبما أن الروح لا يعلمها إلا الله لذلك لا يمكننا أن نخوض في مسائل بعيدة عن صلب الموضوع، وما دام هذا الشيء ممكن غير مستحيل فأننا نصدق به ولا نرفضه، وهذا ما نجهله لكنه لا يتنافى مع إيماننا به أي إننا نؤمن بالروح ولكننا نجهل تركيبها ونشوؤها، فأعظم الأدلة هو الدليل القرآني وسوف يكون البحث فيه كمقدمة لمرحلة الأدلة.
الدليل القرآني :
هنالك العديد من الآيات الدالة على عالم الذر والتي وردت في القرآن منها:
أولاً: الآية الدالة على هذا العالم بدلالة صريحة وكل الذين أثبتوا هذا العالم استدلوا بها وهي ( آية الميثاق) وهي: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}( ).
أن هذه الآية تعد من الآيات ذات الدلالات الصريحة كما سوف نوضحه بفقرة خاصة وذلك لكثرة الكلام فيها ونحن لو نظرنا لظاهرها لوجدناها تؤكد وجود الأرواح قبل خلق الأجساد وأخذ الميثاق الإلهي من الناس أجمعين.
ثانيا: قوله تعالى: { وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}( ) أن هذه الآية تدل على أن الله قد خلق الأرواح قبل الأجساد ولكل روح اسمها المختص بها وذلك لان هذا الكلام الذي دار مع الملائكة وآدم كان في الجنة وليس في الأرض ونحن نعلم بأن أول خلق إنساني في الأرض هو آدم علما بأن القرآن يصرح بأنه مسبوق بخلق ذكره في قوله تعالى: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
فإن قلتم أنها أسماء موجودات ليس لها أرواح قلنا أن هذا التخصيص باطل وذلك لان اسم الإشارة (هؤلاء) يستخدم للعاقل مما يدل على أن هناك أناس عقلاء كانوا قبل خلق الجسد، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}( ).
يوضح الله جل جلالة بأن خلق الإنسان يكون على مراحل ومن ضمن هذه المراحل هي مرحلة عالم الذر حيث استخدم ضمير الجمع في { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ} الآية، يعني أننا خلقناكم أجمعين في عالم الذر حيث كنتم أرواحا ثم قلنا للملائكة أسجدوا لآدم حيث أن كلمة (ثم) تفيد الترتيب، فيعني ذلك أن مرتبة الخلق متقدمة على مرتبة الصورة وكل من الخلق والصور مقدم على السجود لآدم.
ثالثا: قوله تعالى: {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}( ) حيث ورد في تفسير القمي عن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ ...} الآية (قلت معناه كان هذا ثم ثبت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه فمنهم من أقر بلسانه في عالم الذر ولم يؤمن في قلبه فقال الله تعالى: { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل})( ).
ويؤكد الإمام الصادق (عليه السلام) بأن التكذيب يكون في عالم الذر.
رابعا: قوله تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى}( ) ما ورد عن القمي قال حدثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله عن محمد بن علي عن علي بن أسباط بن علي بن معمر عن أبيه قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} قال: (إن الله تبارك وتعالى لما ذر الخلق في الذر الأول فاقامهم صفوفا وبعث الله محمدا فآمن به قوم و أنكره قوم فقال الله: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى}، يعني محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حيث دعاهم إلى الله عزو جل في الذر الأول)( ).
ومن الآية الثانية من سورة التغابن {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}( ) حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال: (عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر والله بما تعملون بصير)( ).
السنة الشريفة:
أما ما جاء عن طريق السنة الشريفة فلا يمكن حصره هنا وذلك لكثرة الروايات المنقولة عن العامة والخاصة نذكر القليل منها فيما يأتي حيث ان الاستدلال سيكون بجانب اختصاري لان هناك روايات كثيرة نقلتها العامة والخاصة.
ما نقلته الشيعة:
عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} قال: (اخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا وهم كالذر فعرفهم نفسه وأراهم نفسه ولو لا ذلك ما عرف أحد ربه وذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ})( ).
حادثة ابن الكوا مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
ما ورد عن الأصبغ بن نباتة، عن علي (عليه السلام) قال: (أتاه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تبارك وتعالى هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى ؟ فقال علي (عليه السلام): قد كلم الله جميع خلقه برهم وفاجرهم وردوا عليه الجواب ( فثقل ذلك على ابن الكواء) ولم يعرفه، فقال له: كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين ؟ فقال له: أو ما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيه : {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} ؟ فقد أسمعهم كلامه، وردوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله - يا بن الكواء – {قالوا بلى} فقال لهم: إني أنا الله لا إله إلا أنا، وأنا الرحمن، فأقروا له بالطاعة والربوبية، وميز الرسل والأنبياء والأوصياء، وأمر الخلق بطاعتهم، فأقروا بذلك في الميثاق، فقالت الملائكة عند إقرارهم بذلك: شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)( ).
يتبع لطفا
إن هذا المصطلح استخدم كثيرا خصوصاً عند المتكلمين والمفسرين للقرآن، حيث فرضوا وبرهنوا على صحة نظرياتهم بأن الإنسان يعيش في عوالم عدة أو وجد في مراحل من وجوده إلى فنائه ومن ضمن هذه العوالم ( عالم الذر) الذي عد من المشكلات الكلامية بين رافض وقابل وبين مصحح للكاتب الأول وناقد لنظريته وبين مخطئ له ورافض لنظريته التي وضعها.
إن عالم الذر لم يرد في كلام الأئمة (عليهم السلام) بهذا الاسم بل ورد في أحاديثهم كلمة (الذر) فقط، ولربما لم تكن محمولة على الحقيقة بل محمولة على المجاز كما سيبرهن عليه إن شاء الله .
إن تسمية عالم الذر جاءت من المفسرين والمتكلمين عن طريق أحاديث أهل البيت ويسمى أيضا (عالم الالست) أو (عالم الروح) حيث فرضوا وجود الأرواح قبل الأجساد وبدأت مراحل كثيرة في مرحلة الروح من ناحية مدخليتها بالعلم والإيمان وأخذ العهد ونقضه وغيرها من الأمور.
ويعني باختصار أن عالم الذر هو ( عالم قد عاشه الإنسان حينما كان روحا بلا جسد لفوائد ومصالح جمة لا يدرك كنهها العقل القاصر).
لكن الكلام هنا في وجه تسمية عالم الذر بهذا الاسم. هل الصحيح أنهم كانوا ذرا، أو انه تشبيه مجازي.
من العوامل المساعدة على رفض هذا العلم وعدم الإيمان به إن الإنسان كان بمقدار الذرة فكيف أوجد الله عنده عقلا وكيف أقر لله بالربوبية وحفظ العهد أو نطق به، كل هذا يعتمد على معرفة الإنسان بأي صورة كان أو ما هي حقيقته، الصحيح أن عالم الذر لم يكن الإنسان فيه بحجم الذرة لأنه يلزم كل هذه الأمور لكن تشبيها لهم لكثرتهم بالذر وليس كما توهم أو زعم بعضهم بأنهم كانوا بمقدار الذرة، فهذا مردود لان العالم الذي كانوا يعيشون فيه منزه عن المادة أي انه عالم روحي ليس فيه مادة والذرة من صنف المادة لذلك يحمل على المجاز، وليسوا في الحقيقة كالذر لذلك يرفض تفسير عالم الذر على أساس النظرة المادية.
ولسائل أن يسأل كيف أودع الله فيهم عقولهم ؟ كيف جمعهم وهم كثيرون ؟ ثم مسألة الكلام في كيفية تركيبهم ووجود عقولهم؟
هذا كله غير صحيح لأنهم يعيشون في عالم الروح، وبما أن الروح لا يعلمها إلا الله لذلك لا يمكننا أن نخوض في مسائل بعيدة عن صلب الموضوع، وما دام هذا الشيء ممكن غير مستحيل فأننا نصدق به ولا نرفضه، وهذا ما نجهله لكنه لا يتنافى مع إيماننا به أي إننا نؤمن بالروح ولكننا نجهل تركيبها ونشوؤها، فأعظم الأدلة هو الدليل القرآني وسوف يكون البحث فيه كمقدمة لمرحلة الأدلة.
الدليل القرآني :
هنالك العديد من الآيات الدالة على عالم الذر والتي وردت في القرآن منها:
أولاً: الآية الدالة على هذا العالم بدلالة صريحة وكل الذين أثبتوا هذا العالم استدلوا بها وهي ( آية الميثاق) وهي: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}( ).
أن هذه الآية تعد من الآيات ذات الدلالات الصريحة كما سوف نوضحه بفقرة خاصة وذلك لكثرة الكلام فيها ونحن لو نظرنا لظاهرها لوجدناها تؤكد وجود الأرواح قبل خلق الأجساد وأخذ الميثاق الإلهي من الناس أجمعين.
ثانيا: قوله تعالى: { وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}( ) أن هذه الآية تدل على أن الله قد خلق الأرواح قبل الأجساد ولكل روح اسمها المختص بها وذلك لان هذا الكلام الذي دار مع الملائكة وآدم كان في الجنة وليس في الأرض ونحن نعلم بأن أول خلق إنساني في الأرض هو آدم علما بأن القرآن يصرح بأنه مسبوق بخلق ذكره في قوله تعالى: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
فإن قلتم أنها أسماء موجودات ليس لها أرواح قلنا أن هذا التخصيص باطل وذلك لان اسم الإشارة (هؤلاء) يستخدم للعاقل مما يدل على أن هناك أناس عقلاء كانوا قبل خلق الجسد، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}( ).
يوضح الله جل جلالة بأن خلق الإنسان يكون على مراحل ومن ضمن هذه المراحل هي مرحلة عالم الذر حيث استخدم ضمير الجمع في { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ} الآية، يعني أننا خلقناكم أجمعين في عالم الذر حيث كنتم أرواحا ثم قلنا للملائكة أسجدوا لآدم حيث أن كلمة (ثم) تفيد الترتيب، فيعني ذلك أن مرتبة الخلق متقدمة على مرتبة الصورة وكل من الخلق والصور مقدم على السجود لآدم.
ثالثا: قوله تعالى: {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}( ) حيث ورد في تفسير القمي عن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ ...} الآية (قلت معناه كان هذا ثم ثبت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه فمنهم من أقر بلسانه في عالم الذر ولم يؤمن في قلبه فقال الله تعالى: { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل})( ).
ويؤكد الإمام الصادق (عليه السلام) بأن التكذيب يكون في عالم الذر.
رابعا: قوله تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى}( ) ما ورد عن القمي قال حدثنا علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله عن محمد بن علي عن علي بن أسباط بن علي بن معمر عن أبيه قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} قال: (إن الله تبارك وتعالى لما ذر الخلق في الذر الأول فاقامهم صفوفا وبعث الله محمدا فآمن به قوم و أنكره قوم فقال الله: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى}، يعني محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حيث دعاهم إلى الله عزو جل في الذر الأول)( ).
ومن الآية الثانية من سورة التغابن {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}( ) حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال: (عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر والله بما تعملون بصير)( ).
السنة الشريفة:
أما ما جاء عن طريق السنة الشريفة فلا يمكن حصره هنا وذلك لكثرة الروايات المنقولة عن العامة والخاصة نذكر القليل منها فيما يأتي حيث ان الاستدلال سيكون بجانب اختصاري لان هناك روايات كثيرة نقلتها العامة والخاصة.
ما نقلته الشيعة:
عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} قال: (اخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا وهم كالذر فعرفهم نفسه وأراهم نفسه ولو لا ذلك ما عرف أحد ربه وذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ})( ).
حادثة ابن الكوا مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
ما ورد عن الأصبغ بن نباتة، عن علي (عليه السلام) قال: (أتاه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تبارك وتعالى هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى ؟ فقال علي (عليه السلام): قد كلم الله جميع خلقه برهم وفاجرهم وردوا عليه الجواب ( فثقل ذلك على ابن الكواء) ولم يعرفه، فقال له: كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين ؟ فقال له: أو ما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيه : {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} ؟ فقد أسمعهم كلامه، وردوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله - يا بن الكواء – {قالوا بلى} فقال لهم: إني أنا الله لا إله إلا أنا، وأنا الرحمن، فأقروا له بالطاعة والربوبية، وميز الرسل والأنبياء والأوصياء، وأمر الخلق بطاعتهم، فأقروا بذلك في الميثاق، فقالت الملائكة عند إقرارهم بذلك: شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)( ).
يتبع لطفا
تعليق