مفهوم في الرجعة وفق الهندسة الوراثية
يعتبر مفهوم الرجعة من المفاهيم الأسلامية التي يكتنفها الكثير من الغموض وقد اثير حوله الكثير من النقاشات في الساحة الأسلامية ، وسنخوض هنا البحث في مفهوم الرجعة ليس وفق المنظور الديني فحسب لا بل سنتعداه بالبحث من وجهة نظر علمية والذي يستند بشكل كبير على مفهوم الهندسة الوراثية وذلك انطلاقا من المدرسة التي بداها الباحث الأسلامي الكبير السيد ابو عبد الله القحطاني في كتابه الرجعة الروحية حيث اشار في موضوع رجعة اليماني الى مبدا الجينات الوراثية التي تعد المفتاح الأول الذي يكشف النقاب ولو جزئيا عن هذا المفهوم الغامض والذي اعتبره اهل البيت(ع) في اخبارهم مرجئا" الى آخر الزمان حيث مجيء زمان التأويل .
ننطلق بدءا من تعريف الهندسة الوراثية حيث تعرف الهنـدسة الوراثيـة (Genetic Engineering) بأنها علـم يهتـم بدراسة التركيـب الوراثي للمخلوقات الحية, من نبات وحيـوان وإنسـان, بهدف معرفة السُّنن (القـوانين) التي تتحكم بالصفات الوراثية لهذه المخلوقات, على أمل التدخل في تلـك الصفات تدخلاً إيجابياً, وتعديلها أو إصلاح العيوب التي تطرأ عليها.وتعتمد عملية تفسير الرجعة علميا على علم الهندسة الوراثية وعلم الوراثة بشكل اعم ، ان علم الوراثة الحديث الذي حاول فهم آلية توريث الصفات ابتدأ بالعالم غريفور مندل Gregor Mendel في منتصف القرن التاسع عشر، حيث قام مندل بمراقبة الصفات الموروثة للكائنات الحية وكيفية انتقالها من الآباء إلى الأبناء، ولكنه لم يكتشف آلية هذا الانتقال التي تتم عن طريق وحدات مميزة في توريث الصفات وهي المورثات (الجينات) Genes، وهي تمثل مناطق معينة من شريط الـDNA، هذا الشريط هو عبارة عن تتالي وحدات جزيئية تدعي النيكليوتيدات Nucleotides، ترتيب وتسلسل هذه النيكليوتيدات يمثل المعلومات الوراثية لصفات الكائن الحي. ، ان الباحث المسلم اذا ما اراد ان ينطلق في بحر الخوض في مفهوم الرجعة يحتاج ان يبدأ من ساحل هذا العلم او لنقل من زاوية علم الوراثة والجينات والتي اشير اليها في موضوع رجعة عيسى(ع) والحسين(ع) من جهة وشخصية اليماني الحسني من جهة اخرى ، فبعد اثبات ان رجعة كل منهما تتم بشخص السيد اليماني في زمان الظهور ، والتسليم بالشبه الكبير الحاصل بينه وبين عيسى المسيح يبقى السؤال عن الكيفية او الآلية التي من خلالها انتقلت الصفات الوراثية للسيد المسيح من عصره الى عصر الظهور، وكيف انتقلت الشفرة الوراثية لعيسى عبر الأجيال الى اكثر من الفي عام الى الحد الذي وصف بأنه لو وقف الأثنان معا فلا يمكن التمييز بينهما ، والجواب يكون في احتمالات عدة :-
1. الأحتمال الأول : ان يكون انتقال تلك الشفرة من خلال الوراثة الطبيعة نتاج عملية التزاوج البشرية لقرون عديدة تلت عصر ظهور المسيح الأول فبالنتيجة وصلت الى جيل اليماني في زمان الظهور طبيعيا وبشكل نمطي تقليدي مع الترجيح ان تتدخل يد العناية الألهية لجعل الشفرة تظهر بوضوح في شخص المولود اليماني ، الا انه قد يطرح اشكال هنا وهو كيف تنتقل الشفرة مع العلم ان التأريخ لا يذكر ان للسيد المسيح ذرية فهو لم يتزوج فضلا عن ان ينجب. والدليل الرواية والخبر الذي ينقل عن نفي الزواج وهي (عن الصادق (ع) قال قيل لعيسى ابن مريم ما لك لا تتزوج ؟ قال ما أصنع بالتزويج قالوا يولد لك قال و ما أصنع بالأولاد إن عاشوا فتنوا و إن ماتوا أحزنوا..) بحار الأنوار ج14 ص270 ،الا اننا نجد ان النبي الوحيد الموصوف في كتاب الله انه اعتزل النساء ولم يتخذ زوجة هو يحيى بن زكريا (ع) دون عيسى او غيره من انبياء الله ، فضلا على ان الزواج هو من سنن الأنبياء والتي يكره تركها و الأعراض عنها ولهذا نقول ان الاحتمال يميل الى القول بأن عيسى (ع) قد تزوج وله ذرية قد انتقلت فيها الشفرة الوراثية وصولا الى عصر الظهور فكان السيد اليماني مولودا من ابوين يتصل احدهما او كلاهما ربما بنسل المسيح المزعوم والله العالم .
2. الأحتمال الثاني : رجوع نسب الرسول (ص) واهل بيته(ع) الى الأنبياء ومنهم عيسى(ع) وبالتالي يلتقي السيد اليماني مع عيسى من جهة اجداده الطاهرين(ع) وهذا الطرح له وجه اثبات من خلال قوله تعالى(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) آل عمران 34 . وهي اطروحة تتصل من جهة بنظرية الوراثة في القرآن وانتقال العصمة بالوراثة التي طرحها السيد في الموسوعة القرآنية . وعليه نقول ان صفات المسيح الوراثية انتقلت عبر قرون عديدة من خلال سلالة اهل البيت(ع) المتصلة بسلالة عيسى (ع) .
3. الأحتمال الثالث : من خلال النظرية التي طرحت في الموسوعة اعلاه وهي(الكشف عن عملية الأنبات المتواصل في الخلق البشري ) والتي اثبت فيها السيد عملية خلق الأنسان علميا من التراب واستدل بالخبر في آخر النظرية والمنقولة من تفسير النيسابوري قوله ان الملك يأخذ من تربة المكان الذي يدفن فيه الآدمي فيذرها في النطفة) ج5 ص299 ، ومن هذه الرواية ننطلق الى اثبات اطروحة ثالثة من شأنها ان تنير الدرب ولو على نحو نسبي وهي اعتبار ان عملية اخذ الملك الموكل بخلق الآدمي من تربة القبر تكون على نحو موافق لمبدأ الرجعة المدخرة لحركة المهدي(عج) في آخر الزمان ، وذلك من خلال الربط بين نطفة الأنسان المخلوق في عصر الظهور وبين تربة المدخر للرجعة كالأنبياء والصالحين واوصياء الرسل واصحابهم ، وقد اثبت العلم الحديث ان بالأمكان استخراج حامض نووي يحتوي على صفات وراثية معينة من خلال رفات انسان ميت منذ قرون ، حيث تم استخراج حمض نووي من رفات 53 فرد من مقبرة في فرنسا تعود لمجتمع محلي استوطن المنطقة قبل 5000 سنة الحمض النووي كان نسبيا في حالة جيدة مما سمح بالحصول على معطيات جينية للكروموزوم Y وللحمض النووي الميتوكوندري ل 29 من بين 53 فرد. ومن مجموع المعطيات تأسست صلات قرابة أبوية وثيقة داخل المقبرة وسلالات أبوية وأموية محددة. فهذه الدراسة تقدم رؤية متكاملة للماضي الوراثي في جنوب فرنسا في نهاية فترة العصر الحجري الحديث. وعلاوة على ذلك، فإن سلالات Y كروموزوم المميزة (الكل على G2a ما عدا حالتين على I2a) ودراسة انتشارها الحالي بين ساكنة أوروبا . اذن بحسب هذه الفرضية يكون ممكنا ان يأخذ الملك من تربة تحتوي على الحامض النووي لعيسى المسيح (ع) او الحسين(ع) ويضعها في نطفة والد السيد اليماني ولتحدث بعد ذلك عملية التخصيب ورجوع احد الشخصيتين في عصر الظهور حيث ان هذه التربة تحتوي على الشفرة الوراثية الحقيقية للحسين(ع) او عيسى(ع) من خلال الحامض النووي لكليهما ، الا ان الأشكال المطروح على هذا الأحتمال الثالث هو عدم وجود قبر معروف او تربة حقيقية تحوي رفات عيسى المسيح(ع) اذ ان المعلوم ان عيسى لم يدفن او يقبر الا في الأدبيات المسيحية وهي الأخرى تذهب الى القول بأنها قام من قبره بعد ثلاث ايام من صلبه ، الا ان هذا الأشكال مردود ايضا اذ بالأمكان ان يؤخذ الحامض النووي ليس من التراب وحده بل من أي ثوب كان يلبسه الأنسان المعني او من خلال شعرة من رأسه وهي كافية لتحليل الحامض النووي . ومن هذا سيكون اليماني حاملا لصفات متعددة من كلاهما ، فمن ناحية الشكل والمظهر سيكون حاملا لصفات عيسى تماما بحسب الرواية المعروفة ، اما بالنسبة الى الصفات الوراثية الأخرى كالشجاعة والقوة والمتعلق منها بالقتال اضافة الى مكارم الاخلاق فستكون من حصة الصفات الموروثة من الحسين(ع) والله العالم.
4. الكلام في النقاط اعلاه ممكن ان يكون له تطبيقات اخرى في قضية الظهور المقدس على سبيل المثال الأمام المهدي(عج) فهو ايضا يحمل صفات وراثية من كل من الرسول الأكرم(ص) اضافة الى النبي موسى بن عمران(ع) حيث يحمل الأمام المنتظر(ع) كلا الصفات الوراثية من نبينا(ص) من ناحية الشكل او الخلق ومن موسى بن عمران(ع) من ناحية الطول والضخامة واسمرار البشرة ، وهكذا بالنسبة الى بقية اصحاب المهدي او الممهدين له(عج) في حركة الظهور المقدس.
تعليق