منقول من موسوعة القائم
أطروحة معاصرة
رجعة المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)
ليس خفياً على المسلمين رجوع النبي عيسى عليه وعلى نبينا واله أفضل الصلاة والسلام في آخر الزمان مع الإمام المهدي (عليه السلام)، فقد أجمعت على ذلك أحاديث وروايات كلا الفريقين السنة والشيعة.
وليس هناك أدنى شك في ذلك فالكل مجمعون على انه (عليه السلام) يخرج في آخر الزمان ويصلي خلف الإمام المهدي (عليه السلام). كما أن المسيحيين متفقون هم أيضا على رجعة عيسى بن مريم التي يسمونها عندهم بالقيام الثاني، فهم يعتقدون بأن المسيح (عليه السلام) قد قتل وانه قام في اليوم الثالث من قتله واختفى بعد ذلك وانه يقوم في أخر الزمان .
كما أن اليهود أيضا ينتظرون ظهور المسيح الذي وعدهم به موسى (عليه السلام) لأنهم لا يعتقدون بان عيسى بن مريم هو المسيح الموعود وبهذا يتضح إن الديانات السماوية الثلاثة قد أجمعت على ظهور السيد المسيح في أخر الزمان إلا إن الاختلاف بينهم حول ظهور السيد المسيح في أخر الزمان يتركز في ثلاث محاور لا رابع لها.
فالمسلمين يقولون إن عيسى (عليه السلام) لم يقتل بل إن الله عز وجل قد رفعه إلى السماء والقى شبهه على أحد تلاميذه سواء أكان التلميذ يهوذا الاسخريوطي الذي سلمه أم غيره وانه بقي حياً طوال هذه الفترة استناداً إلى قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إنا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَان الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ أتباع الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِـيناً}( ) .
ثم انهم يقولون إن الله تبارك وتعالى سوف ينزله في أخر الزمان عند بيت المقدس أثناء إقامة الإمام المهدي (عليه السلام) لصلاة الظهر أو الصبح على اختلاف الروايات، وعندئذ سوف يصلي خلف المهدي (عليه السلام) وقد استدلوا بأحاديث وروايات كثيرة في ذلك .
ففي الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) انه قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم حكماً مقسطاً وإماما عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض المال)( - بحار الأنوار ج51 ص61) .
وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما):
( فعند ذلك ينزل أخي عيسى بن مريم من السماء على جبل أفيق إماماً هادياً وحكماً عدلاً عليه برنس له مربوع الخلق أصلت سبط الشعر بيده حربه يقتل الدجال )( تاريخ مدينة دمشق ج47 ص505) .
والروايات في هذا الصدد كثيرة جداً نتركها مراعاة للاختصار .
أما المسيحيون فإنهم يعتقدون إن عيسى بن مريم (عليهما السلام) قد قتل وصلب ثم قام بعد ثلاثة أيام من ذلك ورآه تلاميذه ولم يتطرقوا إلى كيفية موته بعد ذلك واكتفوا بالقول انه يقوم مرة أخرى في آخر الزمان ويكون خلاص الناس وصلاحهم على يديه .
فقد ورد في نص الإنجيل:
( فكما بقي يونان ثلاثة أيام بلياليها في بطن الحوت، كذلك يبقى ابن الإنسان ثلاثة أيام بلياليها في جوف الأرض )( - متى 12) .
يريد بيونان النبي يونس (عليه السلام) وانه سيجري على عيسى ما جرى على يونس في بطن الحوت .
وجاء فيه أيضا:
( ولما مضى السبت وطلع فجر الأحد جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لزيارة القبر. وفجأة وقع زلزال عظيم، حين نزل ملاك الرب من السماء ودحرج الحجر عن باب القبر وجلس عليه. وكان منظره كالبرق وثوبه ابيض كالثلج. فأرتعب الحرس لما رأوه وصاروا مثل الأموات.
فقال الملاك للمرأتين: ( لا تخافا أنا أعرف إنكما تطلبان يسوع المصلوب. ما هو هنا لأنه قام كما قال. تقدما وانظرا المكان الذي كان موضوعاً فيه. وأذهبا في الحال إلى تلاميذه وقولا لهم: قام من بين الأموات، وها هو يسبقكم إلى الجليل، وهناك ترونه. ها أنا قلت لكما)( متى 28).
وجاء أيضاً :
( أما التلاميذ الأحد عشر، فذهبوا إلى الجليل، إلى الجبل، مثلما أمرهم يسوع، فلما رأوه سجدوا له، ولكن بعضهم شكوا. فدنا منهم يسوع وقال لهم: نلت كل سلطان في السماء والأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم )( متى 28).
وبهذا يتبين لنا أمران مهمان:
الأمر الأول: هو إن المسيحيين مطلقا يؤمنون بالرجعة أي قيامة الأموات كما يسمونها.
الأمر الثاني: هو إن عيسى بن مريم (عليه السلام) لابد أن يرجع في آخر الزمان أي يقوم كما يقولون القيام الثاني .
أما بالنسبة لليهود فهم ينقسمون إلى فئتين فئة تقول بالرجعة أي قيامة الأموات ورجوعهم إلى الحياة الدنيا، وفئة تنكر ذلك، فالذين يقولون بالرجعة وقيامة الأموات هم الفريسيون، وأما من ينكرون ذلك فهم الصديقيون .
أذن فالقول في رجعة عيسى بن مريم (عليهما السلام) ينقسم إلى قولين:
فالمسلمون يقولون إن رجعة عيسى بن مريم ليست بمعنى انه مات ودفن وسيرجع إلى الحياة الدنيا بعد الموت، لأنهم استدلوا على ذلك بالآيات القرآنية التي تنفي القتل والصلب عن النبي عيسى (عليه السلام) والأحاديث والروايات التي تشير إلى نزول عيسى (عليه السلام) من السماء في آخر الزمان مع الإمام المهدي (عليه السلام) .
أما المسيحيون فإنهم يؤمنون برجعة عيسى أو قيامته كما يسمونها ( القيام الثاني ) وهي رجعة بعد الموت، لأنهم استدلوا ببعض الآيات الواردة في الإنجيل التي تشير إلى أن عيسى (عليه السلام) قتل وصلب وانه قام بعد ثلاثة أيام وسيقوم مرة ثانية في آخر الزمان، وهذا الأمر في الواقع من أهم نقاط الخلاف بين المسلمين والمسيحيين وأستمر هذا الخلاف منذ فجر الإسلام الأول وإلى يومنا هذا .
ماهية هذه الأطروحة
نعتقد إن هذه الأطروحة المعاصرة في مسألة رجعة عيسى بن مريم (عليهما السلام) متكفلة برفع الخلاف بين الديانتين في هذه المسالة، والحقيقة إن هذه الأطروحة قد أوردنا على صحتها أدلة عديدة جعلت منها ممكنة الوقوع والصحة والأطروحة الجديدة تقوم على أساس مناقشة الآيات القرآنية التي تشير على عدم قتل وصلب النبي عيسى (عليه السلام) أو إن ذلك لم يقع إلا انه (عليه السلام) قد توفاه الله عز وجل ومعنى ذلك انه ليس كل ما قاله المسلمون صحيحاً ، فالصحيح إن عيسى بن مريم (عليهما السلام) لم يقتل ولم يصلب ، كما اخبر المولى تبارك وتعالى في القران { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ} إلا إن ذلك لا يعني انه حي وانه ينزل في أخر الزمان من السماء بنفس ذلك الجسد الذي عاش فيه قبل أكثر من ألفي سنة بل انه مات (عليه السلام) ورفع الله روحه إلى السماء .
ابن الله وابن الإنسان
أما بالنسبة لما جاء في الأحاديث والروايات التي ذكرت نزوله في أخر الزمان من السماء في وقت خروج الإمام المهدي (عليه السلام) فانه سيكون بحسب الرجعة الروحية أي نزول روح عيسى بن مريم (عليه السلام) ورجوعها إلى هذه الحياة الدنيا لتسدد شخصاً مؤمناً له شبه كبير بعيسى بن مريم من حيث الخَلق والخُلق، وسوف يكون ذلك الشخص مولود من أم و أب آدميين لذلك فانه يدعى (ابن الإنسان).
وبذلك نفهم السر في إطلاق الإنجيل لهذا اللقب بكثرة حينما يتحدث عن قيامة عيسى (عليه السلام) في أخر الزمان بينما كان يطلق ابن الله على عيسى (عليه السلام) في ذلك الزمان وقد وقع خلاف كبير ولا يزال مستمراً إلى يومنا هذا حول هذا اللقب فالكثير من المسيحيين يعتقدون إن عيسى (عليه السلام) هو ابن الله لأنه لم يولد من أب .
بينما يرفض المسلمون ذلك بشدة إيمانا منهم بان الله سبحانه وتعالى واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له صاحبة أو ولداً، كما ذكرت ذلك الآيات القرآنية الكثيرة.
والحقيقة هناك شبهة قد وقع بها المسيحيون، فالحق إن عيسى (عليه السلام) ابن الله بالتبني وليس بالمعنى المعهود في الأبوة والبنوة أي بالمعنى المادي لأنه (عليه السلام) لم يكن له أب يرعاه فكان المربي له والمتكفل به بصورة مباشرة هو المولى تبارك وتعالى وذلك من خلال تأييده بالروح القدس منذ صغره.
قال تعالى: { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالانجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إن هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }( ).
وبناءاً على هذا فيكون الكلام مقبولاً ولا إشكال فيه فإن الخلق كلهم أبناء الله أو على الأقل إن الأنبياء هم أبناء الله إلا إن هذا اللقب أشتهر به عيسى (عليه السلام) لهذا المعنى المذكور آنفاً.
أما مسألة ابن الإنسان فإننا لو تتبعنا الأناجيل لوجدنا أكثر الآيات التي ذكرت ابن الإنسان تتحدث عن مجيئه في آخر الزمان وهذا اللقب لا يكون منطبقاً انطباقاً تاماً وكاملاً إلا أن يكون الشخص مولود من أب وأم عندها يمكن أن نطلق عليه ابن الإنسان ويكون الإطلاق حينها مناسباً تماماً، نعم يصح أن يطلق هذا اللقب على مولود من أم فقط كما حصل مع عيسى (عليه السلام) إلا أن إطلاقه كاملاً وتاماً لا يستقيم لو كان المولود لام فقط .
وبهذا يتبين إن ابن الإنسان الذي هو عيسى آخر الزمان يكون مولود من أب وأم ويكون مسدداً من قبل روح عيسى (عليه السلام) ومؤيداً بها، والواقع إن إطلاق ابن الله على ابن الإنسان ليس مقبولاً تماماً بل إن ابن الله غير ابن الإنسان كما تبين، ولا ادري كيف يعتقد المسيحيون وفيهم المثقفون والعلماء والباحثون بان النبي عيسى هو ابن الله بالمعنى المتعارف عندهم فكيف قبلوا أن يكون لله ولداً ، كما كان من شان خلقه الذين جعلهم يتزاوجون ويولدون .
ومما يؤكد إن ابن الإنسان الذي يأتي في أخر الزمان هو شخص آخر شبيه لعيسى في الخلق والخلق ويكون مسدداً بروح عيسى (عليه السلام) وليس هو عيسى (عليه السلام) نفسه ما جاء في رؤيا دانيال حيث جاء فيها :
( كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام ، فقربه قدامه )( دانيال 13).
فانه رأى مثل ابن الإنسان ولم ير ابن الإنسان نفسه على فرض إن ابن الإنسان هو عيسى فلو كان ابن الإنسان عيسى (عليه السلام) فمن هو الذي رآه دانيال وقال عنه مثل ابن إنسان.
وهذا النص الموجود في التوراة يثبت عدم صحة من أعتقد من المسلمين إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) لأنه جاء فيه مثل ابن إنسان جاء إلى القديم الأيام )
فلو كان ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) فمن هو قديم الأيام يا ترى ؟!.
وإذا فرضنا إن قديم الأيام شخصاً آخر فكيف يستقيم المعنى إن الإمام المهدي (عليه السلام) على فرض هو ابن الإنسان يأتي ويسلم إلى شخص آخر علماً إن عقيدتنا في الإمام المهدي (عليه السلام) انه هو القائد والمنقذ في آخر الزمان وليس هناك ثمة شخص آخر أعلى مقاماً منه .
وللأسف فقد أخطأ الكثير من المسلمين وخاصة العلماء منهم حينما اعتقدوا إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام)، حيث تسالم عليه عندهم وفي دراساتهم للإنجيل إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) .
وإن هناك الكثير من الأدلة التي تؤكد على إن ابن الإنسان غير الإمام المهدي (عليه السلام) حيث وردت الكثير من النصوص في الإنجيل بلفظ ابن الإنسان وكان فيها دلالة واضحة وأكيدة على انه عيسى (عليه السلام) ولا يمكن أن نحمل ألفاظ تلك النصوص على غيره فقد ورد : ).
يتبع يتبع
أطروحة معاصرة
رجعة المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)
ليس خفياً على المسلمين رجوع النبي عيسى عليه وعلى نبينا واله أفضل الصلاة والسلام في آخر الزمان مع الإمام المهدي (عليه السلام)، فقد أجمعت على ذلك أحاديث وروايات كلا الفريقين السنة والشيعة.
وليس هناك أدنى شك في ذلك فالكل مجمعون على انه (عليه السلام) يخرج في آخر الزمان ويصلي خلف الإمام المهدي (عليه السلام). كما أن المسيحيين متفقون هم أيضا على رجعة عيسى بن مريم التي يسمونها عندهم بالقيام الثاني، فهم يعتقدون بأن المسيح (عليه السلام) قد قتل وانه قام في اليوم الثالث من قتله واختفى بعد ذلك وانه يقوم في أخر الزمان .
كما أن اليهود أيضا ينتظرون ظهور المسيح الذي وعدهم به موسى (عليه السلام) لأنهم لا يعتقدون بان عيسى بن مريم هو المسيح الموعود وبهذا يتضح إن الديانات السماوية الثلاثة قد أجمعت على ظهور السيد المسيح في أخر الزمان إلا إن الاختلاف بينهم حول ظهور السيد المسيح في أخر الزمان يتركز في ثلاث محاور لا رابع لها.
فالمسلمين يقولون إن عيسى (عليه السلام) لم يقتل بل إن الله عز وجل قد رفعه إلى السماء والقى شبهه على أحد تلاميذه سواء أكان التلميذ يهوذا الاسخريوطي الذي سلمه أم غيره وانه بقي حياً طوال هذه الفترة استناداً إلى قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إنا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَان الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ أتباع الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِـيناً}( ) .
ثم انهم يقولون إن الله تبارك وتعالى سوف ينزله في أخر الزمان عند بيت المقدس أثناء إقامة الإمام المهدي (عليه السلام) لصلاة الظهر أو الصبح على اختلاف الروايات، وعندئذ سوف يصلي خلف المهدي (عليه السلام) وقد استدلوا بأحاديث وروايات كثيرة في ذلك .
ففي الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما) انه قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم حكماً مقسطاً وإماما عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض المال)( - بحار الأنوار ج51 ص61) .
وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم تسليما):
( فعند ذلك ينزل أخي عيسى بن مريم من السماء على جبل أفيق إماماً هادياً وحكماً عدلاً عليه برنس له مربوع الخلق أصلت سبط الشعر بيده حربه يقتل الدجال )( تاريخ مدينة دمشق ج47 ص505) .
والروايات في هذا الصدد كثيرة جداً نتركها مراعاة للاختصار .
أما المسيحيون فإنهم يعتقدون إن عيسى بن مريم (عليهما السلام) قد قتل وصلب ثم قام بعد ثلاثة أيام من ذلك ورآه تلاميذه ولم يتطرقوا إلى كيفية موته بعد ذلك واكتفوا بالقول انه يقوم مرة أخرى في آخر الزمان ويكون خلاص الناس وصلاحهم على يديه .
فقد ورد في نص الإنجيل:
( فكما بقي يونان ثلاثة أيام بلياليها في بطن الحوت، كذلك يبقى ابن الإنسان ثلاثة أيام بلياليها في جوف الأرض )( - متى 12) .
يريد بيونان النبي يونس (عليه السلام) وانه سيجري على عيسى ما جرى على يونس في بطن الحوت .
وجاء فيه أيضا:
( ولما مضى السبت وطلع فجر الأحد جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لزيارة القبر. وفجأة وقع زلزال عظيم، حين نزل ملاك الرب من السماء ودحرج الحجر عن باب القبر وجلس عليه. وكان منظره كالبرق وثوبه ابيض كالثلج. فأرتعب الحرس لما رأوه وصاروا مثل الأموات.
فقال الملاك للمرأتين: ( لا تخافا أنا أعرف إنكما تطلبان يسوع المصلوب. ما هو هنا لأنه قام كما قال. تقدما وانظرا المكان الذي كان موضوعاً فيه. وأذهبا في الحال إلى تلاميذه وقولا لهم: قام من بين الأموات، وها هو يسبقكم إلى الجليل، وهناك ترونه. ها أنا قلت لكما)( متى 28).
وجاء أيضاً :
( أما التلاميذ الأحد عشر، فذهبوا إلى الجليل، إلى الجبل، مثلما أمرهم يسوع، فلما رأوه سجدوا له، ولكن بعضهم شكوا. فدنا منهم يسوع وقال لهم: نلت كل سلطان في السماء والأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم )( متى 28).
وبهذا يتبين لنا أمران مهمان:
الأمر الأول: هو إن المسيحيين مطلقا يؤمنون بالرجعة أي قيامة الأموات كما يسمونها.
الأمر الثاني: هو إن عيسى بن مريم (عليه السلام) لابد أن يرجع في آخر الزمان أي يقوم كما يقولون القيام الثاني .
أما بالنسبة لليهود فهم ينقسمون إلى فئتين فئة تقول بالرجعة أي قيامة الأموات ورجوعهم إلى الحياة الدنيا، وفئة تنكر ذلك، فالذين يقولون بالرجعة وقيامة الأموات هم الفريسيون، وأما من ينكرون ذلك فهم الصديقيون .
أذن فالقول في رجعة عيسى بن مريم (عليهما السلام) ينقسم إلى قولين:
فالمسلمون يقولون إن رجعة عيسى بن مريم ليست بمعنى انه مات ودفن وسيرجع إلى الحياة الدنيا بعد الموت، لأنهم استدلوا على ذلك بالآيات القرآنية التي تنفي القتل والصلب عن النبي عيسى (عليه السلام) والأحاديث والروايات التي تشير إلى نزول عيسى (عليه السلام) من السماء في آخر الزمان مع الإمام المهدي (عليه السلام) .
أما المسيحيون فإنهم يؤمنون برجعة عيسى أو قيامته كما يسمونها ( القيام الثاني ) وهي رجعة بعد الموت، لأنهم استدلوا ببعض الآيات الواردة في الإنجيل التي تشير إلى أن عيسى (عليه السلام) قتل وصلب وانه قام بعد ثلاثة أيام وسيقوم مرة ثانية في آخر الزمان، وهذا الأمر في الواقع من أهم نقاط الخلاف بين المسلمين والمسيحيين وأستمر هذا الخلاف منذ فجر الإسلام الأول وإلى يومنا هذا .
ماهية هذه الأطروحة
نعتقد إن هذه الأطروحة المعاصرة في مسألة رجعة عيسى بن مريم (عليهما السلام) متكفلة برفع الخلاف بين الديانتين في هذه المسالة، والحقيقة إن هذه الأطروحة قد أوردنا على صحتها أدلة عديدة جعلت منها ممكنة الوقوع والصحة والأطروحة الجديدة تقوم على أساس مناقشة الآيات القرآنية التي تشير على عدم قتل وصلب النبي عيسى (عليه السلام) أو إن ذلك لم يقع إلا انه (عليه السلام) قد توفاه الله عز وجل ومعنى ذلك انه ليس كل ما قاله المسلمون صحيحاً ، فالصحيح إن عيسى بن مريم (عليهما السلام) لم يقتل ولم يصلب ، كما اخبر المولى تبارك وتعالى في القران { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ} إلا إن ذلك لا يعني انه حي وانه ينزل في أخر الزمان من السماء بنفس ذلك الجسد الذي عاش فيه قبل أكثر من ألفي سنة بل انه مات (عليه السلام) ورفع الله روحه إلى السماء .
ابن الله وابن الإنسان
أما بالنسبة لما جاء في الأحاديث والروايات التي ذكرت نزوله في أخر الزمان من السماء في وقت خروج الإمام المهدي (عليه السلام) فانه سيكون بحسب الرجعة الروحية أي نزول روح عيسى بن مريم (عليه السلام) ورجوعها إلى هذه الحياة الدنيا لتسدد شخصاً مؤمناً له شبه كبير بعيسى بن مريم من حيث الخَلق والخُلق، وسوف يكون ذلك الشخص مولود من أم و أب آدميين لذلك فانه يدعى (ابن الإنسان).
وبذلك نفهم السر في إطلاق الإنجيل لهذا اللقب بكثرة حينما يتحدث عن قيامة عيسى (عليه السلام) في أخر الزمان بينما كان يطلق ابن الله على عيسى (عليه السلام) في ذلك الزمان وقد وقع خلاف كبير ولا يزال مستمراً إلى يومنا هذا حول هذا اللقب فالكثير من المسيحيين يعتقدون إن عيسى (عليه السلام) هو ابن الله لأنه لم يولد من أب .
بينما يرفض المسلمون ذلك بشدة إيمانا منهم بان الله سبحانه وتعالى واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له صاحبة أو ولداً، كما ذكرت ذلك الآيات القرآنية الكثيرة.
والحقيقة هناك شبهة قد وقع بها المسيحيون، فالحق إن عيسى (عليه السلام) ابن الله بالتبني وليس بالمعنى المعهود في الأبوة والبنوة أي بالمعنى المادي لأنه (عليه السلام) لم يكن له أب يرعاه فكان المربي له والمتكفل به بصورة مباشرة هو المولى تبارك وتعالى وذلك من خلال تأييده بالروح القدس منذ صغره.
قال تعالى: { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالانجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إن هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }( ).
وبناءاً على هذا فيكون الكلام مقبولاً ولا إشكال فيه فإن الخلق كلهم أبناء الله أو على الأقل إن الأنبياء هم أبناء الله إلا إن هذا اللقب أشتهر به عيسى (عليه السلام) لهذا المعنى المذكور آنفاً.
أما مسألة ابن الإنسان فإننا لو تتبعنا الأناجيل لوجدنا أكثر الآيات التي ذكرت ابن الإنسان تتحدث عن مجيئه في آخر الزمان وهذا اللقب لا يكون منطبقاً انطباقاً تاماً وكاملاً إلا أن يكون الشخص مولود من أب وأم عندها يمكن أن نطلق عليه ابن الإنسان ويكون الإطلاق حينها مناسباً تماماً، نعم يصح أن يطلق هذا اللقب على مولود من أم فقط كما حصل مع عيسى (عليه السلام) إلا أن إطلاقه كاملاً وتاماً لا يستقيم لو كان المولود لام فقط .
وبهذا يتبين إن ابن الإنسان الذي هو عيسى آخر الزمان يكون مولود من أب وأم ويكون مسدداً من قبل روح عيسى (عليه السلام) ومؤيداً بها، والواقع إن إطلاق ابن الله على ابن الإنسان ليس مقبولاً تماماً بل إن ابن الله غير ابن الإنسان كما تبين، ولا ادري كيف يعتقد المسيحيون وفيهم المثقفون والعلماء والباحثون بان النبي عيسى هو ابن الله بالمعنى المتعارف عندهم فكيف قبلوا أن يكون لله ولداً ، كما كان من شان خلقه الذين جعلهم يتزاوجون ويولدون .
ومما يؤكد إن ابن الإنسان الذي يأتي في أخر الزمان هو شخص آخر شبيه لعيسى في الخلق والخلق ويكون مسدداً بروح عيسى (عليه السلام) وليس هو عيسى (عليه السلام) نفسه ما جاء في رؤيا دانيال حيث جاء فيها :
( كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام ، فقربه قدامه )( دانيال 13).
فانه رأى مثل ابن الإنسان ولم ير ابن الإنسان نفسه على فرض إن ابن الإنسان هو عيسى فلو كان ابن الإنسان عيسى (عليه السلام) فمن هو الذي رآه دانيال وقال عنه مثل ابن إنسان.
وهذا النص الموجود في التوراة يثبت عدم صحة من أعتقد من المسلمين إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) لأنه جاء فيه مثل ابن إنسان جاء إلى القديم الأيام )
فلو كان ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) فمن هو قديم الأيام يا ترى ؟!.
وإذا فرضنا إن قديم الأيام شخصاً آخر فكيف يستقيم المعنى إن الإمام المهدي (عليه السلام) على فرض هو ابن الإنسان يأتي ويسلم إلى شخص آخر علماً إن عقيدتنا في الإمام المهدي (عليه السلام) انه هو القائد والمنقذ في آخر الزمان وليس هناك ثمة شخص آخر أعلى مقاماً منه .
وللأسف فقد أخطأ الكثير من المسلمين وخاصة العلماء منهم حينما اعتقدوا إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام)، حيث تسالم عليه عندهم وفي دراساتهم للإنجيل إن ابن الإنسان هو الإمام المهدي (عليه السلام) .
وإن هناك الكثير من الأدلة التي تؤكد على إن ابن الإنسان غير الإمام المهدي (عليه السلام) حيث وردت الكثير من النصوص في الإنجيل بلفظ ابن الإنسان وكان فيها دلالة واضحة وأكيدة على انه عيسى (عليه السلام) ولا يمكن أن نحمل ألفاظ تلك النصوص على غيره فقد ورد : ).
يتبع يتبع
تعليق