أدلة الرجعة الروحية
منقول من كتاب رجعة الحسين في آخر الزمان \ من فكر السيد القحطاني
أدلة الرجعة الروحية
إن للرجعة الروحية أدلتها الخاصة بها غير ما ذكرنا من الروايات على الرجعة بشكل عام ، وقبل بيان هذه الأدلة نشير إلى أن الرجعة الروحية تكون قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) أو تكون مقارنة لقيامه .
ومن الأدلة على حدوث الرجعة الروحية في وقتها الروايات التالية :
1- ورد في الحديث الشريف الذي رواه أبو الجارود عمن سمع علياً (عليه السلام) يقول : ( العجب كل العجب بين جمادي ورجب .
فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه ؟
فقال : ثكلتك أمك وأي عجب أعجب من أموات يضربون كل عدو لله ولرسوله ولأهل بيته ، وذلك تأويل هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ } فإذا اشتد القتل قلتم مات أو هلك في أي وادٍ سلك وذلك تأويل هذه الآية {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} )( ) .
كذلك ورد في الرواية الشريفة عن أمير المؤمنين وإمام المتقين (عليه السلام) أنه قال : ( يا عجباً كل العجب بين جمادي ورجب . فقام صعصعة بن صوحان العبدي فقال له : يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تكرره في خطبتك كأنك تحب أن تسأل عنه ؟
قال : ويحك يا صعصعة وكيف لا أعجب من أموات يضربون هامات الأحياء من أعداء الله يقتلون المشككين والظانين بالله ظن السوء والمرتابين في فضل أهل البيت (عليهم السلام) .
قال صعصعة يا أمير المؤمنين أموات الدين أم أموات القبور ؟
قال : لا والله يا صعصعة بل أموات القبور يكرون إلى الدنيا معنا لكأني أنظر إليهم في سكك الكوفة كالسباع الضارية شعارهم يا لثارات الحسين )( ) .
وروى القندوزي في ينابيع المودة ص512 عن كتاب صفين للمدائني : ( خطب الإمام علي (عليه السلام) بعد انقضاء أمر النهروان فذكر طرفاً من الملاحم فقال : ذلك أمر الله وهو كائن وقتاً مريحاً ، فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر أبشر بنصر قريب من رب رحيم ، فبأبي وأمي من عدة قليلة أسماؤهم في الأرض مجهولة قد دان حينئذ ظهورهم ؟
يا عجباً كل العجب بين جمادي ورجب من جمع شتات وحصد نبات ومن أصوات بعد أصوات .
ثم قال : سبق القضاء سبق !
وقال : قال رجل من أهل البصرة إلى رجل من أهل الكوفة في جنبه : أشهد أنه كاذب !
قال الكوفي : والله ما نزل علي من المنبر ، حتى فلج الرجل فمات من ليلته )( ) .
من الواضح في الروايات الثلاثة إن أمراً عظيماً يبعث على العجب سيحدث بين جمادي ورجب ، كرر الإمام (عليه السلام) ذكره في خطبته أكثر من مرة ، مما دفع الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان (رحمه الله) أن يسأل مولاه أمير المؤمنين (عليه السلام) عنه .
وهذا الأمر هو رجوع أموات القبور وقتالهم لأعداء القائم (عليه السلام) في سكك الكوفة ، وهذا الحدث عد من العلامات القريبة للإمام (عليه السلام) يحدث قبيل قيامه (عليه السلام).
وفي مختصر البصائر ص32 عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : ( قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : فيا عجباه وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبون زمرة زمرة بالتلبية : لبيك لبيك يا داعي الله ، قد أطلوا بسكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله عز وجل :
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } .
أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً في عبادي ، ليس عندهم تقية ، وان لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبة ، وأنا قرن من حديد ، وأنا عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) )( ) .
وحسب الارتكاز المتشرعي فإن الرجعة المادية تحدث ـ بنظر من يقولون بها ـ بعد نهاية حكم الإمام المهدي (عليه السلام) وليس قبل قيامه . أما الرجعة التي تحدث قبل قيامة (عليه السلام) فهي الرجعة الروحية هذا أولاً .
وثانياً إن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( أنا صاحب الرجعات والكرات ) دليل صريح على أن المقصود هو الرجعة الروحية وليس المادية ، ذلك إن المادية لمن يقول بصحة وقوعها لا تحدث إلا مرة واحدة على عكس الرجعة الروحية التي يمكن أن تحصل أكثر من مرة فتكون ( رجعات ) ترجع فيها روح أمير المؤمنين (عليه السلام) لتسدد من يكون أهلاً لذلك .
2- وروى العلامة المجلسي في بحاره عن معاني الأخبار بإسناده عن عباية الأسدي ، قال :
( سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو متكئ وأنا قائم عليه : لأبنين بمصر منبراً ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ولأخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب ، ولأسوقن العرب بعصاي هذه .
قال : قلت له : يا أمير المؤمنين ، كأنك تخبر أنك تحيى بعدما تموت ؟
فقال (عليه السلام) : هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني )( ) .
وواضح من هذه الرواية أن المستمع إلى كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) فهم انه يرجع في آخر الزمان إلى الحياة الدنيا ليفعل ما ذكره (سلام الله عليه) من أمور وذلك لأن الإمام (عليه السلام) كان يتكلم بضمير المتكلم ، لذلك رد عليه الإمام بالقول (هيهات) للدلالة على استحالة حصول ما ذكرت من الرجعة المادية .
وليس ذلك ما ذهب إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال له : يفعله رجل مني . وهذا يؤكد ما نقول به من الرجعة الروحية وما يلازمها من التسديد والتأييد .
ومن الغريب أن نسمع من مثل الشيخ الصدوق (قدس سره) قوله معلقاً على هذا الحديث : ( إن أمير المؤمنين اتقى عباية في هذا الحديث ) وهذا الكلام منه ( قدس سره ) لا يمكن قبوله :
أولاً : لأن البادي بالكلام هو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلا يعقل أن يتكلم بما لا يتحمله عباية الاسدي ثم يتقيه ، أما كان من الأولى أن لا يتكلم بهذا الكلام أصلاً ؟ وهم الذين علموا شيعتهم إن ( لكل مقام مقال ) و ( ما كل ما يعرف يُقال ولا كل ما يقال آن أوانه ولا كل ما آن أوانه حضر أهله ) .
وثانياً : كثرة الروايات التي وردت عن أمير المؤمنين (عليه السلام) التي تؤكد على رجوع الأموات في آخر الزمان وقتالهم مع القائم لأعداء الله ورسوله والتي كان يذكرها من على المنبر على عامة الناس وفيهم الخاص والعام والمؤمن والمنافق فلم لم يتق في ذلك المورد وهو أولى مما في هذه الرواية ؟
ومن تلك الروايات ، ما ذكرناه في قوله (العجب كل العجب) ثم قوله ( وأي عجب أعجب من أموات يضربون كل عدو لله ولرسوله ولأهل بيته ) .
وعليه فلا وجه لقبول ما ذكره الشيخ الصدوق من أن أمير المؤمنين اتقى من عباية وهو من موالي أهل البيت (عليهم السلام) ولم يتق من المنافقين والمرتابين وأعداء أمير المؤمنين والخوارج وهم كثر في الكوفة .
3- وفي الكافي عن بكير بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (... ثم يسير بتلك الرايات كلها حتى يرد الكوفة وقد جمع بها أكثر أهل الأرض يجعلها له معقلاً ثم يتصل به وبأصحابه خبر المهدي فيقولون له : يا بن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا فيقول الحسين (عليه السلام) أخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو وما يريد وهو يعلم والله انه المهدي (عليه السلام) وانه ليعرفه وانه لم يرد بذلك الأمر إلا الله .
فيخرج الحسين (عليه السلام) وبين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف وعليهم المسوح مقلدين سيوفهم فيقبل الحسين (عليه السلام) حتى ينزل بقرب المهدي (عليه السلام) فيقول : سائلوا عن هذا الرجل من هو وماذا يريد ؟
فيخرج بعض أصحاب الحسين (عليه السلام) إلى عسكر المهدي فيقولون أيها العسكر الجائل من انتم حياكم الله ومن صاحبكم هذا وماذا يريد ؟
فيقول أصحاب المهدي (عليه السلام) هذا مهدي آل محمد (عليه السلام) ونحن أنصاره من الجن والأنس والملائكة ثم يقول الحسين (عليه السلام) خلوا بين وبين هذا ، فيخرج المهدي (عليه السلام) فيقفان بين العسكرين ، فيقول الحسين (عليه السلام) : إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاتمه وبردته ودرعه الفاضل وعمامته السحاب وفرسه وناقته العضباء وبغلته دلدل وحماره يعفور ونجيبه البراق وتاجه والمصحف الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) . . .
ثم يقول الحسين (عليه السلام) يا بن رسول الله أسالك أن تغرس هراوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يطيعوه ويبايعوه : ويأخذ المهدي (عليه السلام) الهراوة فيغرسها فتنبت فتعلوا وتفرع وتورق حتى تظلل عسكر الحسين (عليه السلام) .
فيقول الحسين (عليه السلام) الله اكبر يا بن رسول الله مد يدك حتى أبايعك فيبايعه الحسين (عليه السلام) وسائر العسكر إلا أربعة آلاف . . . ) .
ومن خلال التمعن في مضمون هذه الرواية ودراسة ما ورد فيها نخرج بعدة نتائج مهمة منها :
إن الحسين (عليه السلام) يكون على رأس جيش أو معسكر مكون من عدة رايات يسير بها حتى يرد الكوفة فيتخذها معقلاً له وانه بعد التعرف على الإمام المهدي (عليه السلام) يكون تابعاً له ومطيعاً لأوامره ، بل ويبايعه ويسلمه الأمر ، وهذا مما لا يرضاه المهدي لأبيه الحسين (عليهما السلام) ولا يتفق مع ما ثبت في العقيدة من أن الحسين أفضل من المهدي كيف لا وهو من الخمسة أصحاب الكساء وأهل المباهلة وأهل آية التطهير وغيرها ، فكيف يكون الفاضل تابعاً إلا إذا قلنا بصحة خلافة من سبق أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة رغم التنصيب الإلهي في غدير خم .
كذلك من نتائج دراسة هذه الرواية إن الذين يتبعون الحسين (عليه السلام) وأكيداً هم يعرفون انه الحسين وانه رجع إلى الحياة الدنيا بروحه وبدنه ـ لمن يقول بالرجعة المادية ـ وان قوله وفعله وتقريره حجة عليهم كونه إمام مفترض الطاعة ، بعد كل ذلك كيف يمكن تصور أن يعرف كل ذلك ثم يعصي أمر الحسين (عليه السلام) له بمبايعة المهدي (عليه السلام) ـ كما فعل أربعة آلاف منهم حسب ما جاء في الرواية ـ .
ولو كان هو الحسين ومعروف لأصحابه بهذه الصفة فلا حاجة لأن يطلب من المهدي إظهار المعجزات ومواريث الأنبياء ـ كما في بعض فقرات الحديث ـ فقد كان بإمكانه أن يخبر أصحابه أن صاحب العسكر المقابل هو المهدي وان عليهم بيعته وإتباع أمره وطاعته .
الأمر المهم الآخر في هذه الرواية إن المجموعة التي عصت أمر الحسين (عليه السلام) بمبايعة المهدي (عليه السلام) هم الأربعة آلاف أصحاب المصاحف الذين يمكن أن نسميهم خوارج عصر الظهور .
والحق إن ما ورد في الرواية وما سبقها من الروايات يجعلنا نجزم بأن صاحب الجيش والذي بايع المهدي (عليه السلام) ليس هو الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) بل هو أحد ممهدي الإمام المهدي (عليه السلام) وانه سيد علوي من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك خاطبه أصحابه بالقول :
( يا بن رسول الله ) وانه مسدد بروح الحسين (عليه السلام) لذلك عبر عنه في الرواية بالحسين ولم يقل الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهو شبيه الحسين (عليه السلام) .
يتبع
منقول من كتاب رجعة الحسين في آخر الزمان \ من فكر السيد القحطاني
أدلة الرجعة الروحية
إن للرجعة الروحية أدلتها الخاصة بها غير ما ذكرنا من الروايات على الرجعة بشكل عام ، وقبل بيان هذه الأدلة نشير إلى أن الرجعة الروحية تكون قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) أو تكون مقارنة لقيامه .
ومن الأدلة على حدوث الرجعة الروحية في وقتها الروايات التالية :
1- ورد في الحديث الشريف الذي رواه أبو الجارود عمن سمع علياً (عليه السلام) يقول : ( العجب كل العجب بين جمادي ورجب .
فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه ؟
فقال : ثكلتك أمك وأي عجب أعجب من أموات يضربون كل عدو لله ولرسوله ولأهل بيته ، وذلك تأويل هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ } فإذا اشتد القتل قلتم مات أو هلك في أي وادٍ سلك وذلك تأويل هذه الآية {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} )( ) .
كذلك ورد في الرواية الشريفة عن أمير المؤمنين وإمام المتقين (عليه السلام) أنه قال : ( يا عجباً كل العجب بين جمادي ورجب . فقام صعصعة بن صوحان العبدي فقال له : يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تكرره في خطبتك كأنك تحب أن تسأل عنه ؟
قال : ويحك يا صعصعة وكيف لا أعجب من أموات يضربون هامات الأحياء من أعداء الله يقتلون المشككين والظانين بالله ظن السوء والمرتابين في فضل أهل البيت (عليهم السلام) .
قال صعصعة يا أمير المؤمنين أموات الدين أم أموات القبور ؟
قال : لا والله يا صعصعة بل أموات القبور يكرون إلى الدنيا معنا لكأني أنظر إليهم في سكك الكوفة كالسباع الضارية شعارهم يا لثارات الحسين )( ) .
وروى القندوزي في ينابيع المودة ص512 عن كتاب صفين للمدائني : ( خطب الإمام علي (عليه السلام) بعد انقضاء أمر النهروان فذكر طرفاً من الملاحم فقال : ذلك أمر الله وهو كائن وقتاً مريحاً ، فيا ابن خيرة الإماء متى تنتظر أبشر بنصر قريب من رب رحيم ، فبأبي وأمي من عدة قليلة أسماؤهم في الأرض مجهولة قد دان حينئذ ظهورهم ؟
يا عجباً كل العجب بين جمادي ورجب من جمع شتات وحصد نبات ومن أصوات بعد أصوات .
ثم قال : سبق القضاء سبق !
وقال : قال رجل من أهل البصرة إلى رجل من أهل الكوفة في جنبه : أشهد أنه كاذب !
قال الكوفي : والله ما نزل علي من المنبر ، حتى فلج الرجل فمات من ليلته )( ) .
من الواضح في الروايات الثلاثة إن أمراً عظيماً يبعث على العجب سيحدث بين جمادي ورجب ، كرر الإمام (عليه السلام) ذكره في خطبته أكثر من مرة ، مما دفع الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان (رحمه الله) أن يسأل مولاه أمير المؤمنين (عليه السلام) عنه .
وهذا الأمر هو رجوع أموات القبور وقتالهم لأعداء القائم (عليه السلام) في سكك الكوفة ، وهذا الحدث عد من العلامات القريبة للإمام (عليه السلام) يحدث قبيل قيامه (عليه السلام).
وفي مختصر البصائر ص32 عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : ( قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : فيا عجباه وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبون زمرة زمرة بالتلبية : لبيك لبيك يا داعي الله ، قد أطلوا بسكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله عز وجل :
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } .
أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً في عبادي ، ليس عندهم تقية ، وان لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبة ، وأنا قرن من حديد ، وأنا عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) )( ) .
وحسب الارتكاز المتشرعي فإن الرجعة المادية تحدث ـ بنظر من يقولون بها ـ بعد نهاية حكم الإمام المهدي (عليه السلام) وليس قبل قيامه . أما الرجعة التي تحدث قبل قيامة (عليه السلام) فهي الرجعة الروحية هذا أولاً .
وثانياً إن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( أنا صاحب الرجعات والكرات ) دليل صريح على أن المقصود هو الرجعة الروحية وليس المادية ، ذلك إن المادية لمن يقول بصحة وقوعها لا تحدث إلا مرة واحدة على عكس الرجعة الروحية التي يمكن أن تحصل أكثر من مرة فتكون ( رجعات ) ترجع فيها روح أمير المؤمنين (عليه السلام) لتسدد من يكون أهلاً لذلك .
2- وروى العلامة المجلسي في بحاره عن معاني الأخبار بإسناده عن عباية الأسدي ، قال :
( سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو متكئ وأنا قائم عليه : لأبنين بمصر منبراً ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ولأخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب ، ولأسوقن العرب بعصاي هذه .
قال : قلت له : يا أمير المؤمنين ، كأنك تخبر أنك تحيى بعدما تموت ؟
فقال (عليه السلام) : هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني )( ) .
وواضح من هذه الرواية أن المستمع إلى كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) فهم انه يرجع في آخر الزمان إلى الحياة الدنيا ليفعل ما ذكره (سلام الله عليه) من أمور وذلك لأن الإمام (عليه السلام) كان يتكلم بضمير المتكلم ، لذلك رد عليه الإمام بالقول (هيهات) للدلالة على استحالة حصول ما ذكرت من الرجعة المادية .
وليس ذلك ما ذهب إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال له : يفعله رجل مني . وهذا يؤكد ما نقول به من الرجعة الروحية وما يلازمها من التسديد والتأييد .
ومن الغريب أن نسمع من مثل الشيخ الصدوق (قدس سره) قوله معلقاً على هذا الحديث : ( إن أمير المؤمنين اتقى عباية في هذا الحديث ) وهذا الكلام منه ( قدس سره ) لا يمكن قبوله :
أولاً : لأن البادي بالكلام هو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلا يعقل أن يتكلم بما لا يتحمله عباية الاسدي ثم يتقيه ، أما كان من الأولى أن لا يتكلم بهذا الكلام أصلاً ؟ وهم الذين علموا شيعتهم إن ( لكل مقام مقال ) و ( ما كل ما يعرف يُقال ولا كل ما يقال آن أوانه ولا كل ما آن أوانه حضر أهله ) .
وثانياً : كثرة الروايات التي وردت عن أمير المؤمنين (عليه السلام) التي تؤكد على رجوع الأموات في آخر الزمان وقتالهم مع القائم لأعداء الله ورسوله والتي كان يذكرها من على المنبر على عامة الناس وفيهم الخاص والعام والمؤمن والمنافق فلم لم يتق في ذلك المورد وهو أولى مما في هذه الرواية ؟
ومن تلك الروايات ، ما ذكرناه في قوله (العجب كل العجب) ثم قوله ( وأي عجب أعجب من أموات يضربون كل عدو لله ولرسوله ولأهل بيته ) .
وعليه فلا وجه لقبول ما ذكره الشيخ الصدوق من أن أمير المؤمنين اتقى من عباية وهو من موالي أهل البيت (عليهم السلام) ولم يتق من المنافقين والمرتابين وأعداء أمير المؤمنين والخوارج وهم كثر في الكوفة .
3- وفي الكافي عن بكير بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (... ثم يسير بتلك الرايات كلها حتى يرد الكوفة وقد جمع بها أكثر أهل الأرض يجعلها له معقلاً ثم يتصل به وبأصحابه خبر المهدي فيقولون له : يا بن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا فيقول الحسين (عليه السلام) أخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو وما يريد وهو يعلم والله انه المهدي (عليه السلام) وانه ليعرفه وانه لم يرد بذلك الأمر إلا الله .
فيخرج الحسين (عليه السلام) وبين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف وعليهم المسوح مقلدين سيوفهم فيقبل الحسين (عليه السلام) حتى ينزل بقرب المهدي (عليه السلام) فيقول : سائلوا عن هذا الرجل من هو وماذا يريد ؟
فيخرج بعض أصحاب الحسين (عليه السلام) إلى عسكر المهدي فيقولون أيها العسكر الجائل من انتم حياكم الله ومن صاحبكم هذا وماذا يريد ؟
فيقول أصحاب المهدي (عليه السلام) هذا مهدي آل محمد (عليه السلام) ونحن أنصاره من الجن والأنس والملائكة ثم يقول الحسين (عليه السلام) خلوا بين وبين هذا ، فيخرج المهدي (عليه السلام) فيقفان بين العسكرين ، فيقول الحسين (عليه السلام) : إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاتمه وبردته ودرعه الفاضل وعمامته السحاب وفرسه وناقته العضباء وبغلته دلدل وحماره يعفور ونجيبه البراق وتاجه والمصحف الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) . . .
ثم يقول الحسين (عليه السلام) يا بن رسول الله أسالك أن تغرس هراوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يطيعوه ويبايعوه : ويأخذ المهدي (عليه السلام) الهراوة فيغرسها فتنبت فتعلوا وتفرع وتورق حتى تظلل عسكر الحسين (عليه السلام) .
فيقول الحسين (عليه السلام) الله اكبر يا بن رسول الله مد يدك حتى أبايعك فيبايعه الحسين (عليه السلام) وسائر العسكر إلا أربعة آلاف . . . ) .
ومن خلال التمعن في مضمون هذه الرواية ودراسة ما ورد فيها نخرج بعدة نتائج مهمة منها :
إن الحسين (عليه السلام) يكون على رأس جيش أو معسكر مكون من عدة رايات يسير بها حتى يرد الكوفة فيتخذها معقلاً له وانه بعد التعرف على الإمام المهدي (عليه السلام) يكون تابعاً له ومطيعاً لأوامره ، بل ويبايعه ويسلمه الأمر ، وهذا مما لا يرضاه المهدي لأبيه الحسين (عليهما السلام) ولا يتفق مع ما ثبت في العقيدة من أن الحسين أفضل من المهدي كيف لا وهو من الخمسة أصحاب الكساء وأهل المباهلة وأهل آية التطهير وغيرها ، فكيف يكون الفاضل تابعاً إلا إذا قلنا بصحة خلافة من سبق أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة رغم التنصيب الإلهي في غدير خم .
كذلك من نتائج دراسة هذه الرواية إن الذين يتبعون الحسين (عليه السلام) وأكيداً هم يعرفون انه الحسين وانه رجع إلى الحياة الدنيا بروحه وبدنه ـ لمن يقول بالرجعة المادية ـ وان قوله وفعله وتقريره حجة عليهم كونه إمام مفترض الطاعة ، بعد كل ذلك كيف يمكن تصور أن يعرف كل ذلك ثم يعصي أمر الحسين (عليه السلام) له بمبايعة المهدي (عليه السلام) ـ كما فعل أربعة آلاف منهم حسب ما جاء في الرواية ـ .
ولو كان هو الحسين ومعروف لأصحابه بهذه الصفة فلا حاجة لأن يطلب من المهدي إظهار المعجزات ومواريث الأنبياء ـ كما في بعض فقرات الحديث ـ فقد كان بإمكانه أن يخبر أصحابه أن صاحب العسكر المقابل هو المهدي وان عليهم بيعته وإتباع أمره وطاعته .
الأمر المهم الآخر في هذه الرواية إن المجموعة التي عصت أمر الحسين (عليه السلام) بمبايعة المهدي (عليه السلام) هم الأربعة آلاف أصحاب المصاحف الذين يمكن أن نسميهم خوارج عصر الظهور .
والحق إن ما ورد في الرواية وما سبقها من الروايات يجعلنا نجزم بأن صاحب الجيش والذي بايع المهدي (عليه السلام) ليس هو الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) بل هو أحد ممهدي الإمام المهدي (عليه السلام) وانه سيد علوي من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك خاطبه أصحابه بالقول :
( يا بن رسول الله ) وانه مسدد بروح الحسين (عليه السلام) لذلك عبر عنه في الرواية بالحسين ولم يقل الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهو شبيه الحسين (عليه السلام) .
يتبع
تعليق