إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السيد القحطاني يناقش السيد كمال الحيدري في تأويل القرآن/مهم جدا

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السيد القحطاني يناقش السيد كمال الحيدري في تأويل القرآن/مهم جدا

    اختلف المفسرون والباحثون في مسألة تأويل القرآن وذهبوا في ذلك عدة مذاهب ، واختلفت آرائهم لأي مقولة يرجع التأويل ، كما إنهم اختلفوا أيضاً في موضوع التأويل هل أنه يختص ببعض القرآن كالمتشابه مثلاً ؟ أم أنه يشمل جميع القرآن محكمه ومتشابهه ؟ وهل يتناول الظاهر فقط أم أن التأويل يشمل الظاهر والباطن ؟ وهل أن التأويل موجود أم أنه لم يوجد بعد ؟
    أو بعبارة أخرى هل نزل التأويل كاملاً أم أنه لم ينزل بعد ، وما إلى ذلك من الآراء والمذاهب التي شرق أصحابها وغربوا ولم يفلحوا في الوصول إلى حقيقة علم التأويل .
    ذلك العلم الذي أعطى للقرآن قوة البقاء والديمومة والإعجاز والذي جعل من القرآن كتاباً فيه تبيان كل شيء كما أخبر المولى تبارك وتعالى في الآية الشريفة من قوله تعالى :
    {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}( ) .
    وأصبح القرآن على مرّ الزمان وتعاقب الأجيال الكتاب الإلهي الوحيد الذي نجد فيه علاجاً لكل مسائل الحياة ومتعلقاتها وكل ذلك ما كان لولا اشتمال القرآن على عدة بطون من العلم فقد ورد في الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : ( إن للقرآن ظهراً وبطناً ، ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن )( ) .
    وقد كتب الكثير من العلماء والمفسرين في مسألة تأويل القرآن ومن هؤلاء الذين كتبوا في هذا العلم سماحة السيد كمال الحيدري فقد أصدر كتاباً بعنوان ((تأويل القرآن النظرية والمعطيات)) وقد أورد في هذا الكتاب مجموعة من آراء السيد حيدر الآملي والسيد محمد حسين الطباطبائي صاحب الميزان والتي اعتقد بصحتها في هذه المسألة السيد كمال الحيدري .
    والحقيقة إنا وجدنا هذا الكتاب يحمل بين صفحاته الكثير من الآراء الخاطئة لذا ومن منطلق الواجب الذي أملاه على عاتقنا المولى سبحانه وتعالى في رد الشبهات وتقويم الاعوجاج الذي يطرأ هنا وهناك .
    سنقوم بحول منه وقوة وتوفيق منه سبحانه وتعالى بإظهار الحق ببيان واضح ويسير من دون تكلف أو ما شابه ذلك ، بل إننا سوف نحرص على مراعاة القراء على اختلاف مستوى العلم والثقافة لتعم الفائدة ولتشمل الجميع .


























    الفصل الأول
    مناقشة السيد القحطاني لرأي السيد الحيدري والطباطبائي
    في الراسخون في العلم وتأويل القرآن
















    رأي الطباطبائي والسيد كمال الحيدري
    في الراسخين في العلم
    [ (ذهب بعض القدماء والشافعية ومعظم المفسّرين من الشيعة إلى أن الواو للعطف وأن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه من القرآن ، وذهب معظم القدماء والحنفية من أهل السنة إلى أنه للاستئناف وأنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، وهو ما استأثر الله سبحانه بعلمه .
    وقد استدلت الطائفة الأولى على مذهبها بوجوه كثيرة وببعض الروايات ، والطائفة الثانية بوجوه أُخر وعدة من الروايات الواردة في أن تأويل المتشابهات مما استأثر الله سبحانه بعلمه ، وتمادت كل طائفة في مناقضة صاحبتها والمعارضة مع حججها .
    ما ينبغي للباحث أن يتنبه له في المقام أن المسألة لم تخل عن الخلط والاشتباه من أول ما دارت بينهم ووقعت مورداً للبحث ، فاختلط المعنى المراد من المتشابه بتأويل الآية كما ينبئ بما عنونا به المسألة وقررنا عليه الخلاف وقول كل من الطرفين ، لذلك أغضينا عن نقل حجج الطرفين ؛ لعدم الجدوى في إثباتها أو نفيها بعد ابتنائها على الخلط .
    والذي ينبغي أن يقال : إن القرآن يدلّ على جواز العلم بتأويله لغيره تعالى ، وأما هذه الآية فلا دلالة لها على ذلك .
    أما الجهة الثانية : فإن الآية بقرينة صدرها وذيلها وما تتلوها من الآيات إنما هي في مقام بيان انقسام الكتاب إلى المحكم والمتشابه ، وتفرّق الناس في الأخذ بها ، فهم بين مائل إلى إتباع المتشابه لزيغ في قلبه ، وثابت على إتباع المحكم والإيمان بالمتشابه لرسوخ في علمه .
    فإنما القصد الأول في ذكر الراسخين في العلم بيان حالهم وطريقتهم في الأخذ بالقرآن ومدحهم فيه قبال ما ذكر من حال الزائغين وطريقتهم وذمهم ، والزائد على هذا القدر خارج عن القصد الأول ، ولا دليل على تشركيهم في العلم بالتأويل مع ذلك إلا وجوه غير تامّة ، فيبقى الحصر المدلول عليه بقوله :
    (وما يعلم تأويله) من غير ناقض ينقضه من عطف واستثناء وغير ذلك .
    فالذي تدلّ عليه الآية هو انحصار العلم بالتأويل فيه تعالى واختصاصه به .
    لكنه لا ينافي دلالة دليل منفصل يدلّ على علم غيره تعالى به بإذنه كما في نظائره مثل العلم بالغيب ، قال تعالى : {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}( ) ، وقال تعالى : {إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ}( ) ، وقال تعالى : {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ}( ) ، فدلّ جميع ذلك على الحصر .
    ثم قال تعالى : {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ}( ) ، فأثبت ذلك لبعض من هو غيره وهو من ارتضى من رسول ، ولذلك نظائر في القرآن .
    أما الجهة الأولى وهي جواز العلم بتأويله لغيره تعالى ، فإنه تعالى قال : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}( ) ، ولا شبهة في ظهور الآيات في أن المطهرين من عباد الله يمسّون القرآن الكريم الذي في الكتاب المكنون والمحفوظ من التغيّر ، ومن التغيّر تصرف الأذهان بالورود عليه والصدور منه ، وليس هذا المسّ إلا نيل الفهم والعلم
    ومن المعلوم أيضاً أن الكتاب المكنون هذا هو أم الكتاب المدلول عليه بقوله تعالى : {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}( ) وهو المذكور في قوله تعالى : {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}( ) .
    وهؤلاء قوم نزلت الطهارة في قلوبهم ، وليس ينزلها إلا سبحانه ، فإنه تعالى لم يذكرها إلا كذلك أي منسوبة إلى نفسه كقوله تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( ) .
    وقوله تعالى : {وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ}( ) ، وما في القرآن شيء من الطهارة المعنوية إلا منسوبة إلى الله أو بإذنه ، وليست الطهارة إلا زوال الرجس من القلب ، وليس القلب من الإنسان إلا ما يدرك به ويريد به ، فطهارة القلب طهارة نفس الإنسان في اعتقادها وإرادتها وزوال الرجس عن هاتين الجهتين .
    ويرجع إلى إثبات القلب فيما اعتقده من المعارف الحقة من غير ميلان إلى الشك ونوسان بين الحق والباطل ، وثباته على لوازم ما علمه من الحق من غير تمايل إلى إتباع الهوى ونقض ميثاق العلم .
    وهذا هو الرسوخ في العلم ، فإن الله سبحانه ما وصف الراسخين في العلم إلا بأنهم مهديّون ثابتون على ما علموا غير زائغة قلوبهم إلى ابتغاء الفتنة ، فقد ظهر أن هؤلاء المطهّرين راسخون في العلم .
    هذا ، لكن ينبغي أن لا تشتبه النتيجة التي ينتجها هذا البيان ، فإن المقدار الثابت بذلك أن المطهّرين يعلمون التأويل ، ولازم تطهيرهم أن يكونوا راسخين في علومهم ، لما أن تطهير قلوبهم منسوب إلى الله وهو تعالى سبب غير مغلوب ، إلا أنّ الراسخين في العلم سبب للعلم بالتأويل فإن الآية لا تثبت ذلك ، بل ربما لاح من سياقها جهلهم بالتأويل ، حيث قال تعالى :
    {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} وقد وصف الله رجالاً من أهل الكتاب برسوخ العلم ومدحهم بذلك وشكرهم على الإيمان والعمل الصالح في قوله تعالى : {لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ}( ) ولم يثبت مع ذلك كونهم عالمين بتأويل الكتاب)( ) .
    والحاصل أن الآية ليست بصدد إثبات أن الرسوخ في العلم سبب للعلم بالتأويل كما تصوره القائلون بأن الواو للعطف ، لذا لا يثبت أن كل راسخ في العلم عالم بالتأويل بالضرورة ، وإنما الثابت أن العلم بالتأويل سبب للرسوخ في العلم ]( ) انتهى كلام السيد الطباطبائي والسيد كمال الحيدري .


    نقاش السيد القحطاني مع الطباطبائي والحيدري
    في الراسخين في العلم
    لقد ذكر سماحة السيد الحيدري في الصفحة (81) من كتابه (تأويل القرآن) ما هذا نصه :
    [... إن الراسخين في العلم سبب للعلم بالتأويل فإن الآية لا تثبت ذلك ، بل ربما لاح من سياقها جهلهم بالتأويل حيث قال تعالى : {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} ] .
    ثم قال أيضاً في نفس الصفحة : ( والحاصل ان الآية ليست بصدد إثبات ان الرسوخ في العلم سبب للعلم بالتأويل كما تصوره القائلون بأن الواو للعطف ، لذا لا يثبت ان كل راسخ في العلم عالم بالتأويل بالضرورة ، وإنما الثابت ان العلم بالتأويل سبب للرسوخ في العلم ) انتهى كلام السيد الحيدري
    السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

  • #2
    ويرد على كلام السيد : ان قوله هذا غير صحيح حتى لو ذهبنا إلى القول بأن الواو استئنافية فإن الاستئناف هنا ليس معناه الجهل بالتأويل بل معناه أنهم لا يعلمون التأويل إلا بتعليم من قبل المولى عز وجل وليس من تلقاء أنفسهم ، فالله هو العالم بالتأويل والراسخون في العلم أيضاً عالمين بالتأويل ولكن ليس كعلم الله بل بتعليم منه تعالى .
    كما ان كلام السيد هذا معارض للكثير من الروايات والتي نقل قسماً منها في كتابه والتي تثبت ان الراسخين في العلم يعلمون التأويل حيث نقل في الصفحة (85) بعض تلك الروايات فعن بريد بن معاوية قال :
    ( قلت للباقر (عليه السلام) : قول الله تعالى :{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} .
    قال : يعني تأويل القرآن كله إلاّ الله والراسخون في العلم ، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) قد علمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله مُنزلاً عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله ، فقال الذين لا يعلمون : ما نقول إذا لم نعلم تأويله ؟ فأجابهم الله :
    {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} )( ) .
    ونقل أيضاً في الصفحة التالية من كتابه : [وعن الفضل بن يسار عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : ( {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} : نحن نعلمه )( ) ] .
    وذكر أيضاً في الصفحة ذاتها :[ وعن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : ( نحن الراسخون في العلم ، فنحن نعلم تأويله )( ) ] .
    فهل بعد كلام الأئمة الأطهار (عليهم السلام) كلام خاصة وان هذه الروايات قد ذكرها السيد الحيدري في نفس كتابه فلماذا هذا التناقض يا ترى ؟!
    - لقد ذهب سماحة السيد كمال الحيدري إلى القول بأن العلم بالتأويل ليس من لوازم الرسوخ في العلم بل هو من لوازم التطهير فقد قال في الصفحة (81) ما هذا نصه :
    [ فإن المقدار الثابت بذلك ان المطهّرين يعلمون التأويل ، ولازم تطهيرهم ان يكونوا راسخين في علومهم ، لما ان تطهير قلوبهم منسوب إلى الله وهو تعالى سبب غير مغلوب ، لا أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل بما انهم راسخون في العلم...].
    إشكال مهم : ذكر سماحة السيد ان العلم بالتأويل لا يكون ولا يصل إليه احد ان لم يكن من المطهرين وليس الأمر عائداً للرسوخ في العلم . ثم يبين من هم المطهرون حيث قال في الصفحة (88) ما هذا نصه :
    [ من هنا لابد من الإجابة على هذا التساؤل من هم المطهرون في القرآن ؟ قال تعالى :{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( ) ]، كلمة (إنما) تدل على حصر الإرادة في أذهاب الرجس والتطهير ، وكلمة (أهل البيت) سواء كان لمجرد الاختصاص أو مدحاً أو نداء يدل على اختصاص إذهاب الرجس والتطهير بالمخاطبين بقوله (عنكم) - إلى ان قال- وقد ورد في أسباب النزول ان الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم ] .

    ويرد على كلام السيد هذا إشكالان :
    الإشكال الأول : إن السيد الحيدري ذهب إلى القول بان التأويل من لوازم التطهير فلا يعلم التأويل إلا المطهرون ثم بين ان المطهرين هم الخمسة أصحاب الكساء ولازم هذا الكلام ان التأويل لا يعلمه إلا الخمسة أصحاب الكساء إلا إننا في الواقع نجد ان جميع الأئمة الأطهار (عليهم السلام) عندهم العلم بالتأويل وقد قاموا بتأويل الكثير من آيات القرآن وتاريخنا الإسلامي وكتبنا الروائية شاهدة على ذلك .
    فقد نقلنا مجموعة من الروايات التي تدل على أن الباقر والصادق عليهما السلام يعلمان التأويل والتي قام الحيدري بنقلها في كتابه في الصفحة (85) فالرواية الأولى هي التي وردت عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال : ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) نحن نعلمه ) .
    والرواية الثانية الواردة عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : ( نحن الراسخون في العلم ، فنحن نعلم تأويله ) .
    ومن هاتين الروايتين يخبرنا الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام) بأنهما يعلمان التأويل فكيف يقول السيد بان علم التأويل لا يعلمه إلا الخمسة أصحاب الكساء .
    الإشكال الثاني : ان السيد كمال الحيدري جعل الرسوخ في العلم من لوازم التطهير أي ان الإنسان لا يكون راسخاً بالعلم ما لم يكن من المطهرين إلا انه يفاجئنا بعد عدة سطور بأن يقول :
    [ وإنما الثابت ان العلم بالتأويل سبب للرسوخ في العلم ] فقد جعل بقوله هذا ، المقدمة نتيجة .
    ولا أدري ما معنى هذا التناقض يا ترى ، ثم إننا لو سلمنا بقول السيد : ( ان التأويل من لوازم التطهير ) فما معنى اقتران التأويل بصورة واضحة بالراسخين في العلم ولماذا لم يقرن المولى تبارك وتعالى التأويل بالمطهرين ، قال تعالى :
    {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}( ) .
    وقال تعالى : {لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً}( ) .
    كما ان هناك روايات كثيرة وردت في التأويل اقترنت بالراسخين في العلم كالروايات التي ذكرناها سابقاً .
    وأما استدلاله بقوله تعالى {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} فهذا من أعجب العجب وهو من قبيل الاختلاف في معنى المس حيث ذهب أبناء العامة إلى ان المقصود بذلك لمس كتابة القرآن من دون طهارة فرد عليهم الشيعة بأن هناك الكثير من الناس الغير متطهرين قد لمسوا كتابة القرآن .
    وقال فريق ان المسّ بمعنى التفسير فرد عليهم آخرون بأن هناك الكثير من المفسرين وهم من غير المطهرين .
    وذهب آخرون إلى القول ان المسّ بمعنى التأويل إلا إننا نجد ان هناك من قام بتأويل القرآن وبدليل ما نقله السيد الحيدري في كتابه في الصفحة (158) من رأي السيد الآملي والذي تبناه الحيدري حيث قال ما هذا نصه :
    [ يجيب الآملي على ذلك مؤكداً إمكانية حصول التأويل بالمطلق وقدرة البشر - بلا استثناء - على ممارسته والقيام بأعبائه وتحقيق مضامينه ، بمطابقته بعالمي الآفاق والنفس إجمالاً وتفصيلاً صورة ومعنى ] ، وقال السيد الحيدري بعد ذلك :
    [ فإن المقدار الثابت بذلك ان المطهرين يعلمون التأويل ] وسبق وان ذكرنا ان السيد الحيدري ذهب إلى القول بأن المطهرين هم أهل البيت وبالتحديد هم محمد وعلي وفاطمة والحسنان (عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم) .
    وهذا هو التناقض بعينه فمرة يبين كلام الآملي من ان التأويل ممكن الوصول إليه وتحصيله ومرة يقول ان التأويل لا يكون الا للمطهرين وهم أهل البيت خاصة .
    ثم ان المقصود بالقرآن الكريم الذي لا يمسه إلا المطهرون ، قرآن لا يعلم حقيقته وتأويله إلا المطهرون وبعد البحث وربط القرآن بالقرآن ثبت ان المقصود بالكتاب الكريم الذي لا يمسه إلا المطهرون هو البسملة فقط وليس كل القرآن وذلك بحسب الربط المعادلاتي القائم على ربط القرآن بالقرآن وهو على ثلاث مراحل :
    المرحلة الأولى : ان لفظ القرآن يعني ما يقرأ في كل آن والبسملة اصدق ما يتصف بهذه الصفة ، فقد ورد عن أبي عبد لله (عليه السلام) انه قال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، أحق ما جهر به ، وهي الآية التي قال الله عز وجل :{وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً } )( ) . فأتضح من هذه الرواية ان البسملة هي الآية الموصوفة بأنها القرآن فثبت ان البسملة قرآن .
    المرحلة الثانية : قال تعالى حكاية عن بلقيس : {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}( ) ، حيث وصفت الآية الكتاب بأنه كريم وانه بسم الله الرحمن الرحيم ، إذن فالبسملة هي الكتاب الكريم .
    المرحلة الثالثة : بعد الجمع بين المرحلتين حيث ثبت أولاً ان البسملة قرآن وثبت ثانياً ان البسملة كريم تكون النتيجة ان البسملة قرآن كريم .
    ومن كل هذا يتبين ان المقصود بالكتاب الذي لا يمسه إلا المطهرون البسملة لاشيء غيرها .
    إذن فلا يصح للسيد الحيدري الاستدلال بهذه الآية على عدم مس غير المطهرّين للقرآن كله .
    الإشكال الثالث : ذكر السيد الحيدري في الصفحة (81) من كتابه ، وقد وصف الله رجالاً من أهل الكتاب برسوخ العلم ومدحهم بذلك وشكرهم على الإيمان والعمل الصالح في قوله :
    {لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً}( ) .
    وقد قال السيد الحيدري معلقاً على الآية : [ ولم يثبت مع ذلك كونهم عالمين بتأويل الكتاب ] .
    ويرد على كلام السيد هذا انه قال في الصفحة (81) من كتابه ما هذا نصه : [ لذا لا يثبت كل راسخ في العلم عالم بالتأويل بالضرورة ، وإنما الثابت ان العلم بالتأويل سبب للرسوخ في العلم ] .
    ومعنى كلامه هذا كما هو واضح ومبين في المخطط التوضيحي أدناه .

    ومعنى هذا إننا إذا وصفنا أحداً بكونه راسخ في العلم اقتضى ذلك ان يكون عالم بالتأويل فكيف يرد السيد الحيدري قول الله عز
    السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

    تعليق


    • #3
      وجل حينما يصف أولئك القوم بالرسوخ بالعلم ، ويدعي ان هؤلاء الراسخون ليس لديهم علم بالتأويل .
      وأما استدلال السيد الحيدري بآية التطهير : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( ) ، على ان التطهير سببٌ في التأويل وإن هؤلاء المطهرون بهذه الآية هم من لهم القدرة على التأويل .
      فيرد عليه : إن هذه الآية نزلت في المدينة ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام) قضوا ثلاثة عشر سنة في مكة قبل ان يهاجروا إلى المدينة فهل يعني هذا أنهم قبل حصول التطهير ونزول الآية غير عالمين بالتأويل والسيد الحيدري قد ذكر الروايات التي صرحت بأنه ما من آية نزلت إلا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم تنزيلها وتأويلها .
      فإذا كان هذا هو رأي السيد الحيدري الذي يُعد من فلاسفة الحوزة فما هو حال عامة طلبتها يا ترى ؟! .
      وأخيراً نقول : ان العلم بالتأويل لا يناله إلا الراسخون في العلم والرسوخ في العلم درجات كل بحسب معرفته بربه واعترافه بعجزه ، فكلما كان الإنسان عارفاً بربه مقراً بعجزه معترفاً بتقصيره عن نيل درجات الكمال عالماً بأن العلم بالأشياء أياً كانت لا يتأتى إلا من المولى العليم قال تعالى حكاية عن نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) :
      {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}( ) ، وقال تعالى : {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}( ) ، وقال تعالى : {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ}( ) .
      فكل هذه الآيات دلت على عجز الناس أياً كانوا بما فيهم الأنبياء عن حصول العلم من تلقاء أنفسهم بل إقرارهم بذلك العجز على أنفسهم وتسليمهم في الأمور التي لا يعلمها إلاّ الله عز وجل ، وقد دلت الآية الأخيرة على ان علم التأويل لم يأت كاملاً وسيأتي كاملاً في زمن الإمام المهدي (عليه السلام) .
      فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة في تفسير البرهان ج2 ص558 : {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} فهو من الآيات التي تأويلها بعد تنزيلها . قال : ذلك في قيام القائم (عليه السلام)....) .
      ومن هذه الرواية يتبين ان الكثير من تأويل القرآن لا يأتي إلاّ في زمن القائم (عليه السلام) ، وإلاّ ما معنى ان الملائكة والروح تنزل في كل ليلة قدر على الإمام (عليه السلام) فهل ان نزول هؤلاء الملائكة والروح بقرآن جديد أم ان نزولهم بتأويل القرآن بما يلائم كل عصر وزمان وظروف ومتطلبات .










      كلام السيد الحيدري والسيد الطباطبائي في مفهوم أهل البيت والرجس والتطهير والكتاب المكنون
      ذكر السيد الحيدري في الصفحة (87) ما يلي :
      [ اتضح من الأبحاث السابقة أنّ للقرآن محكمه ومتشابهه تأويلاً ، وأنّ هذا التأويل أمرٌ يقصر عن نيله الافهام وتسقط دون الارتقاء إليه العقول ، إلا نفوسٌ طهّرهم الله وأزال عنهم الرجس فإن لهم قابلية أن يمسّوه ويقفوا على حقائقه وهو في الكتاب المكنون واللوح المحفوظ ، كما دلّ عليه قوله تعالى :
      {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}( ) .
      (( فقوله : {فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} وصف ثان للقرآن أي محفوظ مصون عن التغيير والتبديل وهو اللوح المحفوظ كما قال تعالى : {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}( ) ، وقوله : {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} صفة الكتاب المكنون ، ويمكن أن يكون وصفاً ثالثاً للقرآن ، ومآل الوجهين على تقدير كون لا نافية واحد . أو لا يمسّ القرآن الذي في الكتاب إلاّ المطهّرون .
      والكلام على أي حال مسوق لتعظيم أمر القرآن وتجليله ، فمسّه هو العلم به وهو في الكتاب المكنون كما يشير إليه قوله :
      {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}( ) .
      والمطهّرون - اسم مفعول من التطهير- هم الذين طهّر الله تعالى نفوسهم من أرجاس المعاصي وقذارات الذنوب ، أو ممّا هو أعظم من ذلك وأدقّ وهو تطهير قلوبهم من التعلّق بغيره تعالى ، وهذا المعنى من التطهير هو المناسب للمسّ الذي هو العلم ، دون الطهارة من الخبث أو الحدث كما هو ظاهر )) انتهى كلام صاحب الميزان .
      من هنا لابد من الإجابة على هذا التساؤل : مَنْ هُم المطهّرون في القرآن ؟
      قال تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( ) ، كلمة (إنّما) تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير ، وكلمة ((أهل البيت)) سواء كان لمجرد الاختصاص أو مدحاً أو نداءً يدلّ على اختصاص إذهاب الرجس والتطهير بالمخاطبين بقوله ((عنكم)) . ففي الآية في الحقيقة قصران :
      • قصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير .
      • وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت .
      وقد ورد في أسباب النزول أنّها نزلت في النبي (صلى الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) خاصّة لا يشاركهم فيها غيرهم .
      قال الآلوسي في تفسيره : (( أخرج الترمذي والحاكم وصحّحاه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبهيقي في سننه من طرق أمّ سلمة (رضي الله عنها) قالت : في بيتي نزلت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} وفي البيت فاطمة ، وعليّ ، والحسن ، والحسين .فجلّلهم رسول الله (صلى الله عليه (وآله) وسلم بكساء كان عليه ثمّ قال : ((هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً )) .
      وجاء في بعض الروايات أنه (عليه الصلاة والسلام) أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء وقال : ((اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) ثلاث مرات .
      وفي بعض آخر أنّه (عليه الصلاة والسلام) ألقى عليهم كساءً فدكياً ثمّ وضع يده عليهم ثمّ قال : ((اللهم إن هؤلاء أهل بيتي)) وفي لفظ ((آل محمّد)) ، ((فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد)) .
      وجاء في رواية أخرجها الطبراني عن أم سلمة أنها قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه (صلى الله عليه (وآله) وسلم وقال : ((إنّك على خير)). وفي أخرى رواها ابن مردويه عنها أنها قالت : ألست من أهل البيت ؟ فقال صلى الله عليه (وآله) وسلم : ((إنك إلى خير إنك من أزواج النبي)).
      وفي آخرها رواها الترمذي وجماعة عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبيّ عليه الصلاة والسلام قال : قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبيّ الله ؟ قال : ((أنت على مكانك وإنك على خير)).
      وإخبار إدخاله صلى الله عليه (وآله) وسلم علياً وفاطمة وابنيهما رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء ، قوله عليه الصلاة والسلام : ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) ودعائه لهم وعدم إدخال أمّ سلمة أكثر من أن تحصى ، وهي مخصّصة لعموم أهل البيت بأيّ معنى كان . فالمراد بهم من شملهم الكساء ولا يدخل فيهم أزواجه صلى الله عليه وآله)) .
      وقال الطباطبائي : (( وهي روايات جمّة تزيد على سبعين حديثاً ، ويربو ما ورد منها طرق أهل السنّة على ما ورد منها من طرق الشيعة ، فقد روتها أهل السنّة بطرق كثيرة عن أمّ سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وسعد ووائلة بن الأسقع وأبي الحمراء وابن عباس وثوبان مولى النبيّ وعبد الله بن جعفر وعليّ والحسن بن علي عليهما السلام في قريب من أربعين طريقاً .
      وروت الشيعة عن عليّ والسجاد والباقر والصادق والرضا عليهم السلام ، وأم سلمة وأبي ذر وأبي ليلى وأبي الأسود الدؤلي وعمرو بن ميمون الأودي وسعد بن أي وقاص ، في بضع وثلاثين طريقاً .
      فإن قيل : إن الروايات إنّما تدلّ على شمول الآية لعليّ وفاطمة والحسنين عليهم السلام ، ولا ينافي ذلك شمولها لأزواج النبي صلى الله عليه وآله كما يفيده وقوع الآية في سياق خطابهنّ .
      قلنا : إن كثيراً من هذه الروايات وخصوصاً ما روي عن أم سلمة - وفي بيتها نزلت الآية- تصرّح باختصاصها بهم وعدم شمولها لأزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
      فإن قيل : هذا مدفوع بنصّ الكتاب على شمولها لهنّ كوقوع الآية في سياق خطابهنّ .
      قلنا : إنّما الشأن كل الشأن في اتّصال الآية بما قبلها من الآيات ، فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصّة في نزول الآية وحدها ، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات النساء ، ولا ذكره أحد حتّى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي
      السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

      تعليق


      • #4
        (صلى اله عليه وآله) كما يُنسب إلى عكرمة وعروة ، فالآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها ، وإنما وضعت بينها بأمر من النبي (صلى الله عليه وآله) أو عند التأليف بعد الرحلة .
        ويؤيّده أن آية {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} على انسجامها واتّصالها لو قدر ارتفاع آية التطهير من بين جُملها ، فموقع آية التطهير من آية {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} كموقع آية {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} من آية محرمات الأكل من سورة المائدة .
        وبالبناء على ما تقدّم تصير لفظة (أهل البيت) اسماً خاصّاً في عرف القرآن بهؤلاء الخمسة ، وهم النبيّ وعليّ وفاطمة والحسنان (عليهم الصلاة والسلام) لا يطلق على غيرهم ولو كان من أقربائه الأقربين وإن صحّ بحسب العرف العام إطلاقه عليهم ))( ) .
        لذا لم تدّع واحدة من نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) شمول هذه الآية لها ، مع مسيس حاجة بعضهن إلى ذلك ، تصحيحاً لبعض مواقفهن السياسية ومعارضة الخلافة القائمة آنذاك ، بل على العكس من ذلك فقد اعترفت عائشة وأم سلمة فيما تحدثتا به من حديث الكساء بعدم إذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهما بالدخول تحت الكساء وكنّ يتمنّين ذلك ، إلا أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بقي مصراً على عدم مشاركتهن لهؤلاء ، وقد تقدم بعض ذلك .
        عن مجمع قال : ( دخلت مع أمي على عائشة فسألَتْها أُمّي قال : أرأيت خروجك يوم الجمل ؟
        قالت : إنه كان قدراً من الله . فسألَتْها عن عليّ .
        فقالت : تسأليني عن أحبّ الناس كان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وزوج أحبّ الناس كان إلى رسول الله ، لقد رأيت عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، وجمع رسول الله بثوب عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .
        فقلت : يا رسول الله أنا من أهلك ؟
        قال : تنحّي إنّك على خير ) .
        بهذا يتضح أن الخلاف المتقدم في أن الواو للعطف أو للاستئناف والابتداء لا يؤثّر على الموقف شيئاً ، لأنه حتّى لو كانت الواو للاستئناف فإنها لا تدلّ على عدم علم الراسخين في العلم بالتأويل ، ومن الواضح أنّ عدم دلالة الآية شيء ودلالتها على عدم العلم بالتأويل شيء آخر ، من هنا فإذا دلّ دليل آخر - كما دلّ- على علم البعض بالتأويل فلا منافاة مع الآية محلّ البحث .























        رأي السيد القحطاني حول مفهوم أهل البيت في القرآن
        أهل البيت هذا المفهوم القديم بقدم بيت الله الحرام والمرتبط به ارتباطاً وثيقاً تعارف اليوم إطلاقه على الأربعة عشر المعصومين الخمسة أصحاب الكساء والتسعة من ولد الحسين (عليهم السلام أجمعين) وهذا صحيح وهو الحق .
        إلا أننا لو بحثنا في هذه التسمية لوجدناها مرتبطة ببيت الله الحرام فالبيت هو الكعبة المشرفة وأهله هم الذين قاموا ببنائه وهما إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) وذرية إسماعيل من بعده الذين سكنوا بجواره وقاموا بعمارته وخدمة زواره والتزموا دين الحنيفية دين إبراهيم (عليه السلام) فهؤلاء هم أهل البيت الذين أشارت إليهم الكثير من الآيات القرآنية ، قال تعالى :
        {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}( ) . وقال تعالى : {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}( ) .
        وقال تعالى : {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}( ) .
        فهذه الآيات الكريمة كاشفة عن المعنى الذي ذهبنا إليه وخاصة بالنسبة للآية الشريفة إن أهل البيت هم آل إبراهيم (عليهم السلام) ومن هنا يتضح أن معنى أهل البيت أعم مما يعتقده الكثير من المسلمين بما فيهم العلماء والباحثين .
        إلا أنه قد يعترض علينا معترض فيقول : كيف صح وجاز إطلاق هذا اللقب على ذرية إبراهيم (عليهم السلام) وفيهم الكثير من الظالمين والمنحرفين والمشركين فالكثير من أهل مكة هم من ذرية إبراهيم إلا أنهم من المشركين ومن أشد المحاربين للإسلام فكيف صحّ إطلاق هذا اللقب عليهم ؟
        والحقيقة وقبل ذكر الجواب على هذا التساؤل لابد من ذكر مقدمة وهي أن المولى تبارك وتعالى ذكر في الآية المتقدمة إن رحمته وبركاته تتنزل على أهل البيت ومقتضى هذا التنزيل (أي نزول الرحمة والبركة الإلهية من جناب المولى تبارك وتعالى) أن يكون المشمول بهذه الرحمة والبركة مستحقاً لها لا أنها وقعت من دون استحقاق لها ، حتى يتسنى للبعض الاعتراض على فعله عز وجل .
        أما ما هو السبيل لحصول ذلك الاستحقاق من نزول الرحمة والبركة فقد بين جناب الحق تعالى أن ذلك متوقف على أمرين الأمر الأول حصول الإحسان فلولا إحسان العبد بكل ما تفيده هذه الكلمة من معنى لما استحق العبد نزول الرحمة وقد قال عز من قال :
        {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}( ) .
        فالآية الشريفة تبين لنا أن رحمت الله قريبة من المحسنين .
        {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}( ) .
        وقال تعالى : {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}( ) .فلم يكن يصيبه الله برحمته لولا أن كان من المحسنين . وقال تعالى : {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ}( ) .
        فمن مجموع هذه الآيات يتبين لنا أن المولى تبارك وتعالى يخبرنا بأن نزول الرحمة على قدر الإحسان فكلما ازداد إحسان العبد زادت رحمة الله عليه .
        وإن من أهم دواعي نزول الرحمة هو وقوع الإحسان من العبد فمتى ما كان العبد محسناً كان قريباً من رحمة الله تبارك وتعالى .
        الأمر الثاني : هو حصول الإيمان فهو سبب لنزول البركة على العبد من جناب المولى عز وجل فالبركة لا يمكن أن تصيب العبد إن لم يكن مؤمناً ، قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }( ) .
        يشير المولى جل وعلا في هذه الآية الشريفة إلى أن البركة لا تتأتى إلا بالإيمان والتقوى فهما العاملان والسببان اللذان ما أن توفرا في العبد أو الأمة حتى فتح الله تبارك وتعالى لهما باباً من السماء وآخر من الأرض ، وهذان البابان من بركاته سبحانه وتعالى . وإليك ما يؤكد ذلك ، فقد جاء في الآية الكريمة : {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ}( ) .
        فإن الله تبارك وتعالى يخاطب في هذه الآية نوحاً والذين ركبوا معه في السفينة ، وهؤلاء هم المؤمنون فقط في زمن الطوفان ، ولما كانوا كذلك جعل الله عز وجل بركاته عليهم .
        السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

        تعليق


        • #5
          (صلى اله عليه وآله) كما يُنسب إلى عكرمة وعروة ، فالآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها ، وإنما وضعت بينها بأمر من النبي (صلى الله عليه وآله) أو عند التأليف بعد الرحلة .
          ويؤيّده أن آية {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} على انسجامها واتّصالها لو قدر ارتفاع آية التطهير من بين جُملها ، فموقع آية التطهير من آية {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} كموقع آية {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} من آية محرمات الأكل من سورة المائدة .
          وبالبناء على ما تقدّم تصير لفظة (أهل البيت) اسماً خاصّاً في عرف القرآن بهؤلاء الخمسة ، وهم النبيّ وعليّ وفاطمة والحسنان (عليهم الصلاة والسلام) لا يطلق على غيرهم ولو كان من أقربائه الأقربين وإن صحّ بحسب العرف العام إطلاقه عليهم ))( ) .
          لذا لم تدّع واحدة من نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) شمول هذه الآية لها ، مع مسيس حاجة بعضهن إلى ذلك ، تصحيحاً لبعض مواقفهن السياسية ومعارضة الخلافة القائمة آنذاك ، بل على العكس من ذلك فقد اعترفت عائشة وأم سلمة فيما تحدثتا به من حديث الكساء بعدم إذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهما بالدخول تحت الكساء وكنّ يتمنّين ذلك ، إلا أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بقي مصراً على عدم مشاركتهن لهؤلاء ، وقد تقدم بعض ذلك .
          عن مجمع قال : ( دخلت مع أمي على عائشة فسألَتْها أُمّي قال : أرأيت خروجك يوم الجمل ؟
          قالت : إنه كان قدراً من الله . فسألَتْها عن عليّ .
          فقالت : تسأليني عن أحبّ الناس كان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وزوج أحبّ الناس كان إلى رسول الله ، لقد رأيت عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، وجمع رسول الله بثوب عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .
          فقلت : يا رسول الله أنا من أهلك ؟
          قال : تنحّي إنّك على خير ) .
          بهذا يتضح أن الخلاف المتقدم في أن الواو للعطف أو للاستئناف والابتداء لا يؤثّر على الموقف شيئاً ، لأنه حتّى لو كانت الواو للاستئناف فإنها لا تدلّ على عدم علم الراسخين في العلم بالتأويل ، ومن الواضح أنّ عدم دلالة الآية شيء ودلالتها على عدم العلم بالتأويل شيء آخر ، من هنا فإذا دلّ دليل آخر - كما دلّ- على علم البعض بالتأويل فلا منافاة مع الآية محلّ البحث .























          رأي السيد القحطاني حول مفهوم أهل البيت في القرآن
          أهل البيت هذا المفهوم القديم بقدم بيت الله الحرام والمرتبط به ارتباطاً وثيقاً تعارف اليوم إطلاقه على الأربعة عشر المعصومين الخمسة أصحاب الكساء والتسعة من ولد الحسين (عليهم السلام أجمعين) وهذا صحيح وهو الحق .
          إلا أننا لو بحثنا في هذه التسمية لوجدناها مرتبطة ببيت الله الحرام فالبيت هو الكعبة المشرفة وأهله هم الذين قاموا ببنائه وهما إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) وذرية إسماعيل من بعده الذين سكنوا بجواره وقاموا بعمارته وخدمة زواره والتزموا دين الحنيفية دين إبراهيم (عليه السلام) فهؤلاء هم أهل البيت الذين أشارت إليهم الكثير من الآيات القرآنية ، قال تعالى :
          {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}( ) . وقال تعالى : {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}( ) .
          وقال تعالى : {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}( ) .
          فهذه الآيات الكريمة كاشفة عن المعنى الذي ذهبنا إليه وخاصة بالنسبة للآية الشريفة إن أهل البيت هم آل إبراهيم (عليهم السلام) ومن هنا يتضح أن معنى أهل البيت أعم مما يعتقده الكثير من المسلمين بما فيهم العلماء والباحثين .
          إلا أنه قد يعترض علينا معترض فيقول : كيف صح وجاز إطلاق هذا اللقب على ذرية إبراهيم (عليهم السلام) وفيهم الكثير من الظالمين والمنحرفين والمشركين فالكثير من أهل مكة هم من ذرية إبراهيم إلا أنهم من المشركين ومن أشد المحاربين للإسلام فكيف صحّ إطلاق هذا اللقب عليهم ؟
          والحقيقة وقبل ذكر الجواب على هذا التساؤل لابد من ذكر مقدمة وهي أن المولى تبارك وتعالى ذكر في الآية المتقدمة إن رحمته وبركاته تتنزل على أهل البيت ومقتضى هذا التنزيل (أي نزول الرحمة والبركة الإلهية من جناب المولى تبارك وتعالى) أن يكون المشمول بهذه الرحمة والبركة مستحقاً لها لا أنها وقعت من دون استحقاق لها ، حتى يتسنى للبعض الاعتراض على فعله عز وجل .
          أما ما هو السبيل لحصول ذلك الاستحقاق من نزول الرحمة والبركة فقد بين جناب الحق تعالى أن ذلك متوقف على أمرين الأمر الأول حصول الإحسان فلولا إحسان العبد بكل ما تفيده هذه الكلمة من معنى لما استحق العبد نزول الرحمة وقد قال عز من قال :
          {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}( ) .
          فالآية الشريفة تبين لنا أن رحمت الله قريبة من المحسنين .
          {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}( ) .
          وقال تعالى : {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}( ) .فلم يكن يصيبه الله برحمته لولا أن كان من المحسنين . وقال تعالى : {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ}( ) .
          فمن مجموع هذه الآيات يتبين لنا أن المولى تبارك وتعالى يخبرنا بأن نزول الرحمة على قدر الإحسان فكلما ازداد إحسان العبد زادت رحمة الله عليه .
          وإن من أهم دواعي نزول الرحمة هو وقوع الإحسان من العبد فمتى ما كان العبد محسناً كان قريباً من رحمة الله تبارك وتعالى .
          الأمر الثاني : هو حصول الإيمان فهو سبب لنزول البركة على العبد من جناب المولى عز وجل فالبركة لا يمكن أن تصيب العبد إن لم يكن مؤمناً ، قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }( ) .
          يشير المولى جل وعلا في هذه الآية الشريفة إلى أن البركة لا تتأتى إلا بالإيمان والتقوى فهما العاملان والسببان اللذان ما أن توفرا في العبد أو الأمة حتى فتح الله تبارك وتعالى لهما باباً من السماء وآخر من الأرض ، وهذان البابان من بركاته سبحانه وتعالى . وإليك ما يؤكد ذلك ، فقد جاء في الآية الكريمة : {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ}( ) .
          فإن الله تبارك وتعالى يخاطب في هذه الآية نوحاً والذين ركبوا معه في السفينة ، وهؤلاء هم المؤمنون فقط في زمن الطوفان ، ولما كانوا كذلك جعل الله عز وجل بركاته عليهم .
          السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

          تعليق


          • #6
            وبهذا يتبين لنا أن البركة من لوازم الإيمان فإذا لم يكن العبد مؤمناً لم يكن مستحقاً لنزول البركة من الله عز وجل ، فنزول البركة متوقف على حصول الإيمان .
            وبهذا يتضح لنا السبب في نزول الرحمة والبركة كما تبين آنفاً عائد لكون أهل البيت من شأنهم الإحسان ، فهم يفعلونه ويواضبون عليه حتى عرفوا بكونهم محسنين ، كما إنهم إضافة لكونهم محسنين فهم أيضاً مؤمنين ، وبذلك استحقوا نزول الرحمة والبركة من قبله تعالى .
            ومن هنا فلا يرد الاعتراض المتقدم والذي مفاده : كيف صح إطلاق لقب أهل البيت على ذرية إبراهيم (عليه السلام) علماً أن الكثير منهم ظالمين ومشركين ، ولو تنزلنا جدلاً وقبلنا الاعتراض فقد اتضح أن أهل البيت هم المحسنين المؤمنين فقط لا غيرهم ، فكل من لم يصدق عليه أنه محسن ومؤمن بدين إبراهيم (عليه السلام) فهو ليس من أهل البيت حتماً فإن المصداق الحقيقي لهذا المفهوم في ذلك الزمان هم آل إبراهيم .
            ولا نعني بذلك كل آل إبراهيم بل نعني كل من اتصف بصفة الإحسان والإيمان من آل إبراهيم فهو من أهل البيت الذين ذكرتهم الآية ، وهذا هو المفهوم العام لأهل البيت .
            ومن هنا عرف أهل مكة بأهل البيت ، وكانوا يفتخرون بذلك ، ولما كان بنو هاشم هم سادة قريش وكانت بيدهم مفاتيح البيت وهم ذرية إبراهيم (عليه السلام) شاع وعرف عنهم أنهم أهل البيت ، واستمر هذا الحال من بعد بعثة النبي (صلى اله عليه وآله وسلم) .
            إلا أن المولى تبارك وتعالى قلص المصداق لهذا المفهوم وخصص بعض من الناس بكونهم هم أهل البيت لذلك قام جناب الحق تعالى بتخصيص هذا المفهوم بطائفة معينة من الناس تتصف بالإحسان والإيمان وليس معنى ذلك مجرد إحسان أو إيمان ممكن أن يتحقق في أي فرد مؤمن فالمعنى أعمق من ذلك بكثير ، فإن المقصود باتصافهم بهاتين الخصلتين هي كثرة إحسانهم وقوة إيمانهم بحيث شاع وعرف عنهم أنهم محسنون وأنهم مؤمنون .
            وهؤلاء هم الخمسة أهل الكساء وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فهؤلاء هم أهل البيت وليس أحد سواهم ، ففيهم نزل قوله تعالى :
            {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( ) ، فقد نزلت هذه الآية على أثر حديث الكساء حيث جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة والحسن والحسين وجاء بالكساء فأدخلهم تحته وهو معهم ثم سئل المولى تبارك وتعالى قائلا :
            ( اللهم هؤلاء أهل بيتي - إلى أن قال- فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) ، فنزل جبرائيل بهذه الآية ، وبهذا نتبين أن أهل البيت هم أهل الكساء خاصة ، ومما يؤكد ذلك هو سؤال أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكون معهم فأبى رسول الله وقال لها أنت على خير والمعلوم أن أم سلمة من خيرة أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد خديجة طبعاً ، إلا أنه لم يدخلها ضمن نطاق أهل البيت .
            فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن زيد بن علي عن أبيه (عليهما السلام) قال : ( كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت أم سلمة فأتى بحريرة فدعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فأكلوا منها ثم جلل عليهم كساء خيبرة ، ثم قال :
            {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} .
            فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله ؟
            قال : أنت على خير )( ) .
            وأورد القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى : ((إنما يريد ...)) قال : ( (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وذلك في بيت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ثم ألبسهم كساء له خيبرياً ودخل معهم فيه ، ثم قال :
            ( اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية .
            فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله ؟
            قال : أبشري يا أم سلمة فإنك على خير )( ) .
            وبهذا يتبين لنا واضحاً أن أهل البيت هم الخمسة أهل الكساء لا غير وقد سألت أم سلمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكون منهم فأبى (صلى اله عليه وآله وسلم) عليها ذلك رغم أنه بشرها أنها على خير .
            وهنا لابد من الإشارة إلى أمر مهم وهو أن المتعارف أن أهل البيت هم المعصومون الأربعة عشر وهذا يعني أن هناك تسعة آخرين يعدون من أهل البيت فكيف كان ذلك ؟ وإذا كانوا من أهل البيت (عليهم السلام) فهل هم مشمولون بإذهاب الرجس عنهم والتطهير أم لا ؟! وما هو المقصود بقوله تعالى ((ليذهب عنكم الرجس)) ، فما هو الرجس ، وما هو المقصود بقوله تعالى : ((ويطهركم تطهيرا)) ما هي هذه الطهارة يا ترى ؟!
            كل هذه الأسئلة سوف نجيب عليها في الموضوع التالي إنشاء الله تعالى .






























            رأي السيد القحطاني حول مفهوم الرجس في القرآن
            بعد أن أوضحنا مفهوم أهل البيت وبينا أن هناك مفهوم عام لأهل البيت ومفهوم خاص وقلنا أن المفهوم العام ينطبق على إبراهيم وإسماعيل وذريته المحسنين والمؤمنين خاصة ، وإن المفهوم الخاص ينطبق على أصحاب الكساء (عليهم السلام) ووقع التخصيص بعد حادثة الكساء ونزول قوله تعالى :
            {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} .
            بقي أن نعرف الآن مفهوم الرجس وما هو المقصود بإذهابه عن أهل البيت (عليهم السلام) ، إن الرجس من الأمور المعنوية القلبية ومعناه الشك في الله عز وجل وكل ما يتعلق بالقيامة والمعاد والغيب وصفاته وأسماءه والتوحيد والنبوات وكل ما تعلق بالعلوم الباطنية التي لا يمكن إدراكها إلا برعاية ولطف إلهيين .
            وقد يطلق على الرجس في بعض الأحيان بالمرض وهذا ما نراه بصورة واضحة في القرآن الكريم والمرض يشير إلى نفس المعنى الذي أشار له الرجس وهو الشك الذي هو من أعمال القلوب قال تعالى :
            {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ}( ) وقد ذكر المولى تبارك وتعالى الرجس في آيات عديدة من كتابه منها :
            1. قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}( ) ، وكما هو واضح فإن هذه الأمور لا تسبب في إيجاد النجاسة الظاهرية إذا ما استثنينا الخمر إنما هي من الأمور العقلية والتي تستخدم فيها العمليات الفكرية ، وبهذا يتبين لنا ان الرجس قسمان مادي ومعنوي .
            2. وقال تعالى : {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }( ) .
            3. وقال تعالى : {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ }( ) .
            4. وقال تعالى : {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}( ) .
            5. قال تعالى : {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}( ) .
            وعن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل : {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ} قال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام) - إلى أن قال- ثم صارت من بعد الحسين (عليه السلام) لعلي بن الحسين (عليه السلام) ثم صارت من بعد علي بن الحسين (عليه السلام) إلى محمد بن علي (عليه السلام) وقال : الرجس هو الشك ، والله لا نشك في ربنا أبداً )( ) .
            وعن الغفار الحازي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} قال : الرجس هو الشك )( ) .
            وعن سيف بن عميرة ، عن جعفر (عليه السلام) قال : ( الرجس هو الشك ، ولا نشك في ربنا أبداً )( ) .
            وعن عبد الرحمن بن كثير ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام) قال : ( لما أجمع الحسن بن علي على صلح معاوية خرج حتى لقيه - إلى أن قال- فعوا إنا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام ، واختارنا واصطفانا واجتبانا ، فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيراً ، والرجس هو الشك فلا نشك في الله الحق ودينه أبداً )( ) .
            وقد أكد الكثير من المفسرين أن المرض هو الشك فقد قال السيد الطباطبائي صاحب الميزان في الجزء التاسع منه ص100 ، في تفسير قوله تعالى : {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرّ ...} أي يقول المنافقون وهم الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، والذين في قلوبهم وهم الضعفاء في الإيمان ممن لا يخلو نفسه من الشك والارتياب ) .
            وقال صاحب تفسير التبيان أبو جعفر الطوسي في الجزء الخامس ص136 : (والذين في قلوبهم مرض) : ( الشاكين في الإسلام مع إظهارهم كلمة الإيمان ) .
            وقال صاحب تفسير مجمع البيان الفضل بن الحسن الطبرسي في الجزء الثاني ص550 في الآية السابقة : ( هم الشاكون في الإسلام ) .
            السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

            تعليق


            • #7
              وبهذا يتبين لنا أن البركة من لوازم الإيمان فإذا لم يكن العبد مؤمناً لم يكن مستحقاً لنزول البركة من الله عز وجل ، فنزول البركة متوقف على حصول الإيمان .
              وبهذا يتضح لنا السبب في نزول الرحمة والبركة كما تبين آنفاً عائد لكون أهل البيت من شأنهم الإحسان ، فهم يفعلونه ويواضبون عليه حتى عرفوا بكونهم محسنين ، كما إنهم إضافة لكونهم محسنين فهم أيضاً مؤمنين ، وبذلك استحقوا نزول الرحمة والبركة من قبله تعالى .
              ومن هنا فلا يرد الاعتراض المتقدم والذي مفاده : كيف صح إطلاق لقب أهل البيت على ذرية إبراهيم (عليه السلام) علماً أن الكثير منهم ظالمين ومشركين ، ولو تنزلنا جدلاً وقبلنا الاعتراض فقد اتضح أن أهل البيت هم المحسنين المؤمنين فقط لا غيرهم ، فكل من لم يصدق عليه أنه محسن ومؤمن بدين إبراهيم (عليه السلام) فهو ليس من أهل البيت حتماً فإن المصداق الحقيقي لهذا المفهوم في ذلك الزمان هم آل إبراهيم .
              ولا نعني بذلك كل آل إبراهيم بل نعني كل من اتصف بصفة الإحسان والإيمان من آل إبراهيم فهو من أهل البيت الذين ذكرتهم الآية ، وهذا هو المفهوم العام لأهل البيت .
              ومن هنا عرف أهل مكة بأهل البيت ، وكانوا يفتخرون بذلك ، ولما كان بنو هاشم هم سادة قريش وكانت بيدهم مفاتيح البيت وهم ذرية إبراهيم (عليه السلام) شاع وعرف عنهم أنهم أهل البيت ، واستمر هذا الحال من بعد بعثة النبي (صلى اله عليه وآله وسلم) .
              إلا أن المولى تبارك وتعالى قلص المصداق لهذا المفهوم وخصص بعض من الناس بكونهم هم أهل البيت لذلك قام جناب الحق تعالى بتخصيص هذا المفهوم بطائفة معينة من الناس تتصف بالإحسان والإيمان وليس معنى ذلك مجرد إحسان أو إيمان ممكن أن يتحقق في أي فرد مؤمن فالمعنى أعمق من ذلك بكثير ، فإن المقصود باتصافهم بهاتين الخصلتين هي كثرة إحسانهم وقوة إيمانهم بحيث شاع وعرف عنهم أنهم محسنون وأنهم مؤمنون .
              وهؤلاء هم الخمسة أهل الكساء وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فهؤلاء هم أهل البيت وليس أحد سواهم ، ففيهم نزل قوله تعالى :
              {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( ) ، فقد نزلت هذه الآية على أثر حديث الكساء حيث جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة والحسن والحسين وجاء بالكساء فأدخلهم تحته وهو معهم ثم سئل المولى تبارك وتعالى قائلا :
              ( اللهم هؤلاء أهل بيتي - إلى أن قال- فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) ، فنزل جبرائيل بهذه الآية ، وبهذا نتبين أن أهل البيت هم أهل الكساء خاصة ، ومما يؤكد ذلك هو سؤال أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكون معهم فأبى رسول الله وقال لها أنت على خير والمعلوم أن أم سلمة من خيرة أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد خديجة طبعاً ، إلا أنه لم يدخلها ضمن نطاق أهل البيت .
              فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن زيد بن علي عن أبيه (عليهما السلام) قال : ( كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت أم سلمة فأتى بحريرة فدعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فأكلوا منها ثم جلل عليهم كساء خيبرة ، ثم قال :
              {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} .
              فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله ؟
              قال : أنت على خير )( ) .
              وأورد القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى : ((إنما يريد ...)) قال : ( (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وذلك في بيت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ثم ألبسهم كساء له خيبرياً ودخل معهم فيه ، ثم قال :
              ( اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية .
              فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله ؟
              قال : أبشري يا أم سلمة فإنك على خير )( ) .
              وبهذا يتبين لنا واضحاً أن أهل البيت هم الخمسة أهل الكساء لا غير وقد سألت أم سلمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكون منهم فأبى (صلى اله عليه وآله وسلم) عليها ذلك رغم أنه بشرها أنها على خير .
              وهنا لابد من الإشارة إلى أمر مهم وهو أن المتعارف أن أهل البيت هم المعصومون الأربعة عشر وهذا يعني أن هناك تسعة آخرين يعدون من أهل البيت فكيف كان ذلك ؟ وإذا كانوا من أهل البيت (عليهم السلام) فهل هم مشمولون بإذهاب الرجس عنهم والتطهير أم لا ؟! وما هو المقصود بقوله تعالى ((ليذهب عنكم الرجس)) ، فما هو الرجس ، وما هو المقصود بقوله تعالى : ((ويطهركم تطهيرا)) ما هي هذه الطهارة يا ترى ؟!
              كل هذه الأسئلة سوف نجيب عليها في الموضوع التالي إنشاء الله تعالى .






























              رأي السيد القحطاني حول مفهوم الرجس في القرآن
              بعد أن أوضحنا مفهوم أهل البيت وبينا أن هناك مفهوم عام لأهل البيت ومفهوم خاص وقلنا أن المفهوم العام ينطبق على إبراهيم وإسماعيل وذريته المحسنين والمؤمنين خاصة ، وإن المفهوم الخاص ينطبق على أصحاب الكساء (عليهم السلام) ووقع التخصيص بعد حادثة الكساء ونزول قوله تعالى :
              {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} .
              بقي أن نعرف الآن مفهوم الرجس وما هو المقصود بإذهابه عن أهل البيت (عليهم السلام) ، إن الرجس من الأمور المعنوية القلبية ومعناه الشك في الله عز وجل وكل ما يتعلق بالقيامة والمعاد والغيب وصفاته وأسماءه والتوحيد والنبوات وكل ما تعلق بالعلوم الباطنية التي لا يمكن إدراكها إلا برعاية ولطف إلهيين .
              وقد يطلق على الرجس في بعض الأحيان بالمرض وهذا ما نراه بصورة واضحة في القرآن الكريم والمرض يشير إلى نفس المعنى الذي أشار له الرجس وهو الشك الذي هو من أعمال القلوب قال تعالى :
              {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ}( ) وقد ذكر المولى تبارك وتعالى الرجس في آيات عديدة من كتابه منها :
              1. قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}( ) ، وكما هو واضح فإن هذه الأمور لا تسبب في إيجاد النجاسة الظاهرية إذا ما استثنينا الخمر إنما هي من الأمور العقلية والتي تستخدم فيها العمليات الفكرية ، وبهذا يتبين لنا ان الرجس قسمان مادي ومعنوي .
              2. وقال تعالى : {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }( ) .
              3. وقال تعالى : {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ }( ) .
              4. وقال تعالى : {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}( ) .
              5. قال تعالى : {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}( ) .
              وعن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل : {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ} قال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام) - إلى أن قال- ثم صارت من بعد الحسين (عليه السلام) لعلي بن الحسين (عليه السلام) ثم صارت من بعد علي بن الحسين (عليه السلام) إلى محمد بن علي (عليه السلام) وقال : الرجس هو الشك ، والله لا نشك في ربنا أبداً )( ) .
              وعن الغفار الحازي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} قال : الرجس هو الشك )( ) .
              وعن سيف بن عميرة ، عن جعفر (عليه السلام) قال : ( الرجس هو الشك ، ولا نشك في ربنا أبداً )( ) .
              وعن عبد الرحمن بن كثير ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام) قال : ( لما أجمع الحسن بن علي على صلح معاوية خرج حتى لقيه - إلى أن قال- فعوا إنا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام ، واختارنا واصطفانا واجتبانا ، فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيراً ، والرجس هو الشك فلا نشك في الله الحق ودينه أبداً )( ) .
              وقد أكد الكثير من المفسرين أن المرض هو الشك فقد قال السيد الطباطبائي صاحب الميزان في الجزء التاسع منه ص100 ، في تفسير قوله تعالى : {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرّ ...} أي يقول المنافقون وهم الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، والذين في قلوبهم وهم الضعفاء في الإيمان ممن لا يخلو نفسه من الشك والارتياب ) .
              وقال صاحب تفسير التبيان أبو جعفر الطوسي في الجزء الخامس ص136 : (والذين في قلوبهم مرض) : ( الشاكين في الإسلام مع إظهارهم كلمة الإيمان ) .
              وقال صاحب تفسير مجمع البيان الفضل بن الحسن الطبرسي في الجزء الثاني ص550 في الآية السابقة : ( هم الشاكون في الإسلام ) .
              السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

              تعليق


              • #8
                وجاء عن الفيض الكاشاني صاحب تفسير الصافي في الجزء الثاني منه ص309 في قوله تعالى : {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} : الشاكين في الإسلام غر هؤلاء دينهم ) .
                وقال السيد عبد الله شبّر في الجزء الأول ص183 في تفسير قوله تعالى : {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} : شك في الإسلام مع إظهاره ) .
                وبهذا يتأكد لنا أن الآيات التي ذكرت مرض القلوب إنما تعني الشك كما أن الرجس يعني الشك فالنتيجة أن الرجس هو مرض القلوب الذي بينه المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم ، وبهذا يتبين لنا معنى قوله تعالى :
                {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} إنما عنى الشك الذي أشرنا إلى ماهيته في بداية المطلب ، فالمولى تبارك وتعالى يخبرنا وفقاً لهذا النصّ أن أهل البيت منزهون عن الشك في الله بل كل أنواع الشك لذا وصفهم في مكان آخر راسخون في العلم ، قال تعالى :
                {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}( ) ، فهم ونتيجة رسوخهم في العلم لم يردّوا قول الله عز وجل فيما أخبرهم به من الغيب بل آمنوا به لأنهم علموا انه من غيبه الذي قال عنه :
                ( لا يطلع على غيبه من نبي فآمنوا به ولم يرفضوه ولم يشكوا فيه طرفة عين أبداً ) .
                وبذلك فضلهم المولى تبارك وتعالى على كثير من أنبياءه بل أنهم فاقوا بذلك أولي العزم من الرسل (عليهم السلام) فهذا كتاب الله يخبرنا عن قصة موسى مع الخضر (عليهما السلام) وكيف أن موسى لم يحتمل ما قام به الخضر من أفعال كان وجه الحكمة منها غائباً على موسى (عليه السلام) بل هي غائبة حتى على الخضر نفسه الذي قام بها بدليل قوله تعالى حكاية عنه :
                {وما فعلته عن أمري} ، في حين أن الروايات دلت على أن علم العالم (أي الخضر) كالقطرة في البحر بالنسبة لعلم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) وإلى هنا بقي أن نعرف معنى قوله تعالى : ((ويطهركم تطهيراً)) وهذا ما سوف نأتي علي بيانه .










                رأي السيد القحطاني حول مفهوم التطهير في القرآن
                قال تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}( ) .
                بعد أن عرفنا من هم المقصودين بأهل البيت وما المقصود بالرجس نأتي لبيان مفهوم التطهير ، فالتطهير في الآية يأتي بعد إذهاب الرجس ومعناه هنا إزالة كل آثار الرجس المتبقية بعد إذهابه من ذلك الشخص أو هذا .
                والطهارة طهارتين كما هو حال الرجس فهناك طهارة ظاهرية مادية وهي التي تتعلق بالجسد ، وطهارة باطنية معنوية وهي التي تتعلق بالقلب وما يتعلق به من إدراك وتعقل واعتقاد وما إلى ذلك .
                والطهارة القلبية هي خلوهِ من الشك والارتياب وما يشين النفس من رذائل وما يشين العبد أمام ربه من ميل إلى الباطل والهوى وإتباع النفس الأمارة بالسوء وأكل الحرام والعياذ بالله ، فكل هذه الأفعال هي من الرجس كما هو واضح فكل ما يشين الطهارة الجسدية المادية يعتبر من الرجس مثال ذلك نجاسة الخنزير حيث وصفه المولى تبارك وتعالى بالرجس .
                قال تعالى : {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ}( ) .
                إذن يتضح مما تقدم أن التطهير ينقسم إلى طهارة معنوية وطهارة مادية وكل ذلك مما يدل عليه القرآن الكريم .
                إذن فمعنى التطهير هو الخلوص من هذه الأفعال سواء كانت معنوية أو مادية ، إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذه النقطة بل يتعداه إلى أمر آخر هو في غاية الأهمية ألا وهو المعنى المراد من قوله تعالى (تطهيراً) فالمولى عز وجل قد ذكر التطهير في هذه الآية مرتين ، حيث قال تعالى : (ويطهركم تطهيراً) ، فهو عز وجل قد طهر أهل البيت لكنه لم يكتف بل واصل فعله بأن جعل تلك الطهارة طهارة خاصة تتصف بصفة معينة .
                فالتطهير على مستويين بحسب القاعدة المنطقية مطلق الشيء والشيء المطلق ، فمطلق الشيء يتحقق بتحقق أي فرد من أفراده ، مثال على ذلك قولك أريد قلم فإنه يتحقق بأي قلم سواء كان قلم جاف أو قلم رصاص ، فإحضار أي واحد من هذه الأقلام يفي بالغرض ، لأن المراد هو الحصول على قلم أياً كان نوعه ، وهذا هو الذي يسمى مطلق الشيء .
                أما الشيء المطلق فإنه لا يتحقق إلا بتحقق جميع أفراده ومثال على ذلك لو طلب أحدهم منك قلم ويريد بذلك مطلق القلم فإنه لا يتحقق بتحقق فرداً واحداً من أفراد القلم بل لابد من تحقق جميع أفراد القلم وبمعنى آخر لابد من وجود جميع أنواع القلم لكي يتحقق المطلوب ، فإنه لا يكتفي حينها بوجود نوع واحد من أنواع القلم ، كالجاف مثلاً .
                ومن هنا يتبين لنا أن المراد بمطلق الشيء هو تحقق أي فرد من أفراد الشيء ، أما الشيء المطلق فإنه لا يتحقق إلا بتحقق جميع أفراده ، ومن هنا فإن مطلق التطهير يتحقق بتحقق أي فرد من أفراد الطهارة وهذا يشترك فيه عامة الناس ، أما التطهير المطلق فإنه لا يتحقق إلا بتحقق جميع أفراده أي إن حصول الطهارة المطلقة لا تكون إلا بحصول الطهارتين اقصد المعنوية والمادية وتحقق جميع أفراهما .
                ومعنى هذا أن الطهارة في عامة الناس لا تكون إلا مطلق الطهارة أي أنه لا يوجد من الناس من يتصف بالطهارة المطلقة إلا من سيأتي الكلام عنهم أما عامة الناس فإن طهارتهم محدودة مهما بلغوا ومهما كانت درجة قربهم من جناب المولى تبارك وتعالى .
                ومن هنا يتضح لنا أن الآية الكريمة تحدثت عن الطهارة المطلقة ، فأهل البيت (عليهم السلام) مطهرون بهذا النوع من أنواع الطهارة أي أنهم مطهرون من الرجس بكافة أنواعه فطهارتهم سلام الله عليهم معنوية ومادية بما تحويه هذه الكلمات من معنى .
                ومن هنا تبرز أفضيلتهم على غيرهم وعظمهم وسموهم وعلو مقاماتهم وقربهم من الله عز وجل ، وبهذا نفهم كيف أن الله سبحانه وتعالى عصمهم من كل شيء فالطهارة المطلقة سبب لوجود العصمة .
                فلما أن طهّر المولى عز وجل أهل البيت تطهيراً كان من لوازم ذلك أن يكونوا معصومين منزهين عن كل الرذائل وكل ما من شأنه أن يشينهم ويحط من درجاتهم ومقاماتهم سلام الله عليهم عند المولى تبارك وتعالى .
                فالعصمة إذن متوقفة على حصول الطهارة فبقدر طهارة الإنسان تكون نسبة عصمته والعكس صحيح ، لذا نجد أن الإنسان إذا تردى في الذنوب وراح يتسافل باقترافه المعاصي والموبقات نراه يزداد يوماً بعد آخر تسافلاً وبعداً عن الله عز وجل وذلك لعدم وجود ما يعصمه من ارتكاب المعاصي والذنوب ، وبذلك نفهم ما جاء في دعاء كميل (رضوان الله تعالى عليه) حيث ورد :
                ( اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم ) .
                وبهذا يتبين لنا أن العصمة لا تتأتى للفرد إلا بالاستحقاق فإذا حافظ الإنسان على باطنه وظاهره من الرجس والمرض وكل ما يشوبه ووصل إلى الطهارة المطلقة كان مستحقاً لنيل العصمة والحصول عليها .
                إلا أننا ليس لنا حظ من ذلك بسب ما انطوت عليه ضمائرنا ونفوسنا وأسرارنا من الرجس ولو كان بنسبة بسيطة .
                فإن عدم نيل أحد غير الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ذلك ليس لأن الله عز وجل يأبى لنا ذلك فهو العادل الذي لا يظلم أحداً إلا أننا غير مستحقين لذلك لعجزنا في الحفاظ على أنفسنا من الوقوع في الرذيلة وارتكاب المعاصي والآثام .
                إلا أن هناك عبر التاريخ من حصلوا على شيء من العصمة وهي ما تعارف تسميتها بالعصمة المكتسبة ومثل هؤلاء الذين حصلوا على العصمة بنسبة وقدر معينين لم يكن ليقدّر لهم ذلك لولا صفاء نفوسهم وطهارة بواطنهم وظواهرهم لذا فإن مثل هؤلاء يقع منهم الذنب ، إلا أن وقوعه قليلاً ، فإذا تداركوه بالتوبة حافظوا على طهارتهم .
                وقد تبين أن الطهارة تكون من الرجس والمرض وهما كما بينا يعنيان الشك في الله عز وجل أو الشك في دين الله تبارك وتعالى كما بينت الأحاديث والروايات الشريفة التي سبق وأن ذكرنا طائفة منها .
                وفي الواقع أن هناك ترابط واضح في الكثير من المفاهيم فإن الإنسان كلما زادت معرفته للمولى تبارك وتعالى قلة نسبة شكه فالشك في الله عز وجل نتيجة جهل المخلوق بخالقه ومن هنا تبين لنا معنى الحديث الشريف الوارد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي جاء فيه :
                ( يا علي لا يعرف الله إلا أنا وأنت ، ولا يعرفني إلا الله وأنت ، ولا يعرفك إلا الله وأنا ) .
                السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

                تعليق


                • #9
                  فهذه المعرفة لم تكن لولا انعدام الشك في شخص الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والوصي علي (عليه السلام) حيث لا وجود له فيهما إطلاقاً وليس معنى المعرفة في كل الأحوال الإحاطة بالمولى عز وجل ومعرفة ذاته المقدسة .
                  إلا أن من أهم أفراد المعرفة هو الاعتراف بالعجز عن تلك المعرفة فالمخلوق إذا علم من خالقه بعض ما يتعلق به ولم يدرك البعض الآخر اعترف بذلك وامن أن ذلك من عنده عز وجل إلا أنه لم يحط به علماً ، قال تعالى :
                  {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}( ) .
                  فهناك دائماً غيب من غيب الله وسر من سر الله لا يطلع عليه نبي أو رسول قال تعالى : {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}( ) .
                  وقوله تعالى : {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}( ) .
                  إلا أن هؤلاء الأنبياء والرسل والأوصياء إذا ما عجزوا عن معرفة هذا الغيب أو ذلك السر لم ينكروه أو يردوه بل أنهم يؤمنون أنه من عند الله عز وجل .
                  بقي أن نختم كلامنا بما جاء في الأحاديث والروايات المعصومية الشريفة التي تؤكد ما ذهبنا إليه :
                  1- عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال : ( قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن الله عز وجل فضلنا أهل البيت وكيف لا يكون كذلك والله عز وجل يقول في كتابه إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً فقد طهّرنا الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن فنحن على منهاج الحق )( ) .
                  2- عن أبي عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل (إنما يريد ....) ، قال : ( الرجس هو الشك )( ) .
                  3- وعن عباية بن ربعي عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله عز وجل قسم الخلق قسمين – إلى أن قال – فجعلني في خيرها بيتاً وذلك قوله عز وجل : (إنما يريد الله .....) فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب )( ) .
                  4- وعن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله تعالى : ( إنما يريد الله .....) : فأنا وأهل بيتي مطهرون من الرجس والذنوب )( ) .
                  5- عن شداد بن عبد الله أبو عمار قال سمعت وائلة بن الأسقع يقول : كأني أنظر إليه ، ثم قال : ( إنما يريد الله ....) قلت لوائلة : وما الرجس ؟ قال : الشك في دين الله )( ) .
                  ومن خلال هذه الطائفة من الأحاديث والروايات تبين لنا أن الرجس هو الشك أو أنه الذنوب ، وإن المطهرون هم أهل البيت (عليهم السلام) إلا أنه ينبغي أن نعرف بالتحديد من هم المقصودون بآية التطهير ، فقد تعارف عندنا أن المطهرين أربعة عشر ، بينما بالرجوع إلى أسباب النزول تبين لنا أن آية التطهير نزلت في الخمسة أصحاب الكساء ( محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ) (صلوات الله عليهم أجمعين) .
                  وكان الحسنان حينها صغيرا السن ولم يكونا قد تزوجا وأنجبا بعد ، فكيف جاز تسمية التسعة المعصومين من ذرية الحسين (عليه السلام) بأنهم مطهّرون ؟! وهذا ما سنأتي على بيانه .



                  رأي السيد القحطاني في الكتاب المكنون
                  قال تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}( ) .
                  اختلف المفسرون في معنى الكتاب المكنون الذي في القرآن الكريم كما أنهم اختلفوا في معنى المسّ على ثلاثة أقوال ، فأصحاب القول الأول ذهبوا إلى أن معنى المسّ هو اللمس ، فمسّ القرآن الكريم الذي هو في الكتاب المكنون يعني لمسه ، بعبارة أخرى يعني لمس كتابة القرآن ، هذا هو ما ذهبوا إليه ، وأصحاب هذا الرأي هم أبناء العامة .
                  ويرد عليه : إن الآية الشريفة ليست في مقام النهي عن المسّ بل هي في مقام الإخبار عن أمر ما ، فإن المولى تبارك وتعالى أراد بذلك إعلامنا بأن القرآن الكريم الذي هو في الكتاب المكنون لا يمسّه إلا قوم خاصون اتصفوا بكونهم طاهرين .
                  أما على القول بأن المسّ هنا يعني عدم جواز لمسه إلا للمتطهرين ، فقد بينا ، أن الطهارة طهارتان معنوية ومادية والمادية يمكن أن تحصل بالتطهير وليست كل الطهارة ، فلو كان الإنسان متطهراً بحسب هذه الطهارة لم تكن طهارته مطلقة ، فإنه لابد حينها من حصول جميع أفراد الطهارة بكلا القسمين (المعنوية والمادية) .
                  وهذا الذي يتحدثون عنه من القسم الأخير وهو الطهارة المادية وهذا لا يكفي في المقام فضلاً عن التطهير المادي وبذلك يستطيع لمس القرآن الكريم وبناء على ما تقدم يتبين لنا بطلان ما ذهب إليه القائلون بأن معنى المسّ هو اللمس .
                  أما القول الثاني : فقد ذهب القائلين به إلى أن معنى لا يمسه إلا المطهرون أي لا يعلم تفسيره إلا المطهرون ، فإنهم ذهبوا إلى أن المسّ معناه التفسير بعبارة أخرى لا يدرك تفسير القرآن الكريم ومعرفة كنهه والغوص في بحره والتقاط جواهره وإخراجها من أعماق ذلك البحر ليتلقاها كل ناظر فتكون معلومة لدى الجميع غير خافية عليهم معالمها ، وهذا ما ذهب إليه البعض من مفسري الشيعة .
                  إلا أنه يرد عليه : أن الكثير من العلماء قد قاموا بتفسير القرآن ، فعلى كلامكم يعني أن هؤلاء قد مسّوه إلا أنهم غير مطهرين فثبت عدم صحة ما ذهبوا إليه .
                  القول الثالث : وأصحابه ذهبوا إلى القول بأن معنى المسّ هو تأويل القرآن ، ويرد عليه : إن هناك من قام بتأويل القرآن وهناك من يقول بذلك ، فلما ثبت لنا أن المطهرين هم أهل البيت تبين لنا عدم صحة ما ذهبوا إليه ، إذن فما المراد بالمسّ يا ترى ؟
                  إن القرآن الكريم الموجود في الكتاب المكنون والذي لا يمسه إلا المطهرون هو كتاب خاص وليس مطلق الكتاب ، فالقرآن الكريم بحسب نظرية تجزئة القرآن التي طرحها السيد أبو عبد الله الحسين القحطاني والتي أثبت صحتها بالأدلة والبراهين القطعية هو كتاب خاص داخل القرآن وليس كل القرآن كما يعتقد الآخرون .
                  فهو جزء من القرآن بصورة عامة وهو غير القرآن العظيم والقرآن المجيد وإن كان هناك نقطة اشتراك بين جميع تلك الكتب وهي كون جميعها كلام الله تعالى ، وهذا لا يعني كون وجود كتاب خاص يسمى القرآن الكريم إن باقي كلامه سبحانه وتعالى لا يتصف بالكرم إنما ظهرت هذه الصفة بصورة واضحة وغلبت على باقي الصفات في بعض كلامه عز وجل وليس في الجميع وكذا بالنسبة لبعض آخر من الآيات القرآنية فإننا نجدها تحدثت عن العظمة أكثر من غيرها لذا سميت بالقرآن العظيم .
                  فلما تبين ذلك يتضح لنا أن القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون هو كتاب خاص وليس مجمل القرآن فما هو هذا الكتاب يا ترى ؟ وقبل الإجابة لابد من ذكر مقدمتين مهمتين :
                  المقدمة الأولى : إذا عدنا إلى القرآن نفسه لوجدنا هناك آية وصفت الكتاب بأنه كريم والآية قوله تعالى حكاية عن بلقيس ملكة سبأ : {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}( ) . فمن هذه الآية الشريفة يتبين لنا أن البسملة تسمى كتاب كريم .
                  المقدمة الثانية : ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، أحق ما جهر به ، وهي الآية التي قال الله عز وجل : {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} )( ) .
                  ومن هذه الرواية الشريفة يتبين لنا أن البسملة قرآن ، وبهذا نحصل على نتيجة مفادها أن البسملة كتاب كريم وإنها قرآن ، إذن فقوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} يعني البسملة فهي التي في كتاب مكنون لا يمسها إلا المطهرون أي لا يدرك حقيقتها وتأويلها وكنهها إلا المطهرون ، ومما يؤكد هذه الحقيقة ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :
                  ( إن جميع أسرار الكتب السماوية هي في القرآن وجميع ما في القرآن هي الفاتحة وجميع ما في الفاتحة هو في البسملة وجميع ما في البسملة هو في الباء وجميع ما في الباء في النقطة التي تحت الباء وأنا النقطة التي تحت الباء )( ) .
                  ولما تبين لنا أن النقطة التي هي علي (عليه السلام) لا يعرفها إلا الله ورسوله تبين لنا إذن أن البسملة التي تحوي النقطة لا يعرفها إلا المطهرون ، ومن كلام له (عليه السلام) في نهج البلاغة :
                  ( والله لابن أبي طالب أنس بالموت من الطفل بثدي أمه ، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيد ) .
                  ومعنى الاندماج هو الانطواء على شيء ما ، والعلم المكنون في صدر علي (عليه السلام) لا يعلمه غيره فيتضح إذن ان القرآن الكريم هو البسملة (في الكتاب المكنون) أي أن علمها وتأويلها وحقيقتها ، لا يطلع عليها إلا من اندمج على ذلك العلم المكنون ، وليس بمقدور كل أحد أن يمسه ويدرك كنه ويعرف حقيقته .
                  ومما يؤكد كون البسملة هي القرآن الكريم ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فضيلة هذه الآية المباركة في ليلة الإسراء والمعراج أنه قال : في تفسير نفحات الرحمن 1/ 48 :
                  ( ليلة أسري بي إلى السماء عرض على جميع الجنان ، فرأيت فيها أربعة أنهار : نهر من ماء ، ونهر من لبن ، ونهر من خمر ، ونهر من عسل . فقلت :
                  يا جبرائيل من أين تجيء هذه الأنهار وإلى أين تذهب ؟ قال : تذهب إلى حوض الكوثر ، ولا أدري من أين تجيء ، فادعوا الله تعالى ليعلمك أو يريك ، فدعى ربه فجاء ملك فسلم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال : يا محمد اغمض عينك ، قال :فغمضت عيني .
                  ثم قال : افتح عينك ، ففتحت فإذا أنا عند شجرة ورأيت قبة من درة بيضاء ولها باب من ذهب أحمر وقفل ولو أن جميع ما في الدنيا من الجن والإنس وضعوا على تلك القبة لكانوا مثل طائر جالس على جبل ، فرأيت هذه الأنهار الأربعة تخرج من تحت القبة ، فلما دنوت من القفل وقلت :
                  (بسم الله الرحمن الرحيم) انفتح القفل ، ورأيت مكتوباً على أربعة أركان القبة (بسم الله الرحمن الرحيم) ورأيت نهر الماء يخرج من ميم (بسم الله) ورأيت نهر اللبن يخرج من هاء (الله) ، ونهر الخمر يخرج من ميم (الرحمن) ، ونهر العسل يخرج من ميم (الرحيم) فعلمت أن أصل هذه الأنهار الأربعة من البسملة .
                  فقال الله عز وجل : يا محمد من ذكر هذه الأسماء من أمتك بقلب خالص من رياء وقال (بسم الله الرحمن الرحيم) سقيته من هذه الأنهار )( ) .
                  يتضح لنا ان هذا الحديث عن البسملة كما هو واضح وإن معنى القبة وعلى بابها قفل ، أي أنها في كتاب مكنون لا يستطيع فتحها أو الدخول إليها ومسّها غير المطهرين الذين أذن الله لهم في ذلك .
                  إذن فالآية تتحدث عن البسملة فهي القرآن الكريم الذي ليس باستطاعة أحد الوصول إليه ومعرفة تأويله وحقيقته وكنهه إلا المطهرون وهم أهل البيت (عليهم السلام) .
                  العصمة تنتقل بالوراثة :
                  تبين لنا من البحوث السابقة أن أهل البيت (عليهم السلام) هم الخمسة أصحاب الكساء وهم الذين نزلت آية التطهير بحقهم ، إلا أن المتعارف أن أهل البيت والمطهّرون هم أربعة عشر كما أن الأحاديث والروايات الشريفة نصّت على أن أهل البيت الذين نزلت آية التطهير بحقهم هم أهل الكساء وهم :
                  ( محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ) ، كذلك نصّ غيرها من الروايات على أن أهل البيت والمطهرين هم الأربعة عشر (عليهم السلام أجمعين) فما هو الحل يا ترى ؟! .
                  والحقيقة إن أهل البيت هم الخمسة أصحاب الكساء (عليهم السلام) الذين نزلت آية التطهير فيهم إلا أن هذه المفاهيم ورثها الأئمة التسعة من ذرية الحسين (عليهم السلام) فقد ورث هؤلاء الأئمة التسعة مسألة التطهير من آبائهم أهل الكساء كما ورثوا أمور أخرى كثيرة وقد يستغرب البعض من هذا الكلام إلا أنه الحق ، فقد نطق به القرآن وبينته الأحاديث والروايات وأكده العلم الحديث . قال تعالى :
                  {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}( ) .
                  السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

                  تعليق


                  • #10
                    وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}( ) .
                    وقوله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}( ) .
                    ومن الروايات :
                    1. عن عبد الرحمن بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما عنى الله عز وجل بقوله (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) قال : نزلت في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) فلما قبض الله عز وجل نبيه كان أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين (عليهم السلام) ثم وقع تأويل هذه الآية (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وكان علي بن الحسين (عليه السلام) إماماً ثم جرت في الأئمة من ولده الأوصياء فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله عز وجل )( ) .
                    2. عن الريان بن الصلت قال : ( حضر الرضا (عليه السلام) مجلس المأمون بمروّ وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء العراق وخراسان ، فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ، فقالت العلماء : أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها . فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ، فقال الرضا (عليه السلام) : لا أقول كما قالوا ، ولكني أقول أراد الله عز وجل بذلك العترة الطاهرة - إلى أن قال - فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لغيرهم ، فقال المأمون : من العترة ؟ فقال الرضا (عليه السلام) الذين وصفهم الله تعالى في كتابه فقال : {إنما يريد الله ....} )( ) .
                    3. وعن الرضا (عليه السلام) : ( أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم ، قالوا : أين يا أبا الحسن ؟ قال : من قول الله عز وجل {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} ) .
                    فمن هذه الآيات القرآنية والروايات الشريفة يتبين لنا أن الطهارة والعصمة وكل ما يتعلق بها من لوازم تنتقل عن طريق الوراثة إلى ذريتهما من المهتدين والمصطفين وقد أكد العلم الحديث هذه الحقيقة .
                    فقد اكتشف علماء الوراثة والجينات أطلس كامل للجينات البشرية التي تحمل جميع صفات الإنسان الجسدية والسلوكية والأخلاقية بحيث يكون لكل صفة جين (موروث) ينتقل من الآباء إلى الأبناء حتى الوصول إلى المبدأ البشري وهو آدم (عليه السلام) .
                    فالجينات الموجودة في الناس اليوم هي مجموع الجينات الوراثية الواصلة إلينا من آبائنا وأجدادنا من القرون الأولى ، ولو نضدت هذه الجينات في مولود في زماننا هذا بنفس التنضيد لأحد آباءه في القرون الأولى أو اقرب من ذلك لكان المولود شبيه لذلك الأب أو الجد الذي وجد قبل آلاف السنين .
                    أو أقل من ذلك أو أكثر مثلاً ، ويصعب على الآخرين التمييز بين الشخصين ، وقد يكون تنضيد الجينات جزئي فيكون الشبه جزئي وليس كلي ولربما يكون الإنسان شبيه أبيه أو جده أو أحد آباءه الماضين وقد يكون الشبه من الناحية الجسدية أو من الناحية المعنوية والذي يخصنا في بحثنا هذا هو الشبه المعنوي ، فقد ورث الأئمة بعضهم بعضاً وفقاً لهذا الفهم .
                    ومن هنا نفهم ما ورد بخصوص الإمام المهدي (عليه السلام) من أحاديث وروايات بينت أنه (عليه السلام) شبيه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خَلقاً وخُلقاً ، فكما هو واضح من الأحاديث أن الإمام المهدي له شبه كبير بجده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) من الناحيتين الخَلقية والخُلقية أي جسدياً ومعنوياً .
                    ومن كل ما تقدم يتضح لنا السر في شمول مفهوم أهل البيت والطهارة للأئمة التسعة من ذرية الحسين (عليه السلام) وبعبارة أخرى يتبين لنا وبحسب ما تقدم أن آية التطهير اتسعت لتشمل الخمسة أهل الكساء والتسعة من ولد الحسين (عليهم السلام أجمعين) فهؤلاء التسعة ورثوا الطهارة من أولئك الخمسة وإليك ما يزيد الحق وضوحاً :
                    1. فعن سليم قال : قال علي (عليه السلام) أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في كتابه :
                    {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فجمعني وفاطمة وابني الحسن والحسين ثم ألقى علينا كساء ، وقال : اللهم إن هؤلاء أهل بيتي ولحمتي يؤلمني ما يؤلمهم ، ويجرحني ما يجرحهم ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا .
                    فقالت أم سلمة : وأنا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
                    فقال : أنت على خير ، إنما نزلت فيّ وفي علي وفي ابني وفي تسعة من ولد الحسين خاصّة ليس معنا أحد غيرنا )( ) .
                    2. عن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) قال : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت أم سلمة وقد نزلت هذه الآية (إنما يريد الله ....) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي هذه الآية نزلت فيك وفي سبطي والأئمة من ولدك .
                    فقلت : يا رسول الله وكم الأئمة بعدك ؟
                    قال : أنت يا علي ثم ابناك الحسن والحسين وبعد الحسين علي ابنه وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد جعفر ابنه وبعد جعفر موسى ابنه وبعد موسى علي ابنه وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد علي ابنه وبعد علي الحسن ابنه والحجة بن الحسن هكذا وجدت أساميم مكتوبة على ساق العرش ، فسألت الله تعالى عن ذلك فقال :
                    يا محمد هم الأئمة بعدك مطهرون معصومون وأعدائهم ملعونون ) .
                    وبهذا يتبين بما لا يقبل الشك إن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً هم الأربعة عشر (عليهم السلام) خمسة منهم أهل الكساء بحسب التنزيل وتسعة منهم ولد الحسين (عليهم السلام) ابتداء بعلي بن الحسين وانتهاء بالإمام المهدي عليهم السلام بحسب قانون الوراثة والجينات .













                    الفصل الثاني
                    السيد القحطاني يناقش السيد كمال الحيدري والسيد حيدر الآملي في تأويل القرآن






















                    القول بوجوب التأويل
                    ذهب السيد حيدر الآملي إلى القول بوجوب التأويل وقد تبعه على هذا القول تلميذه السيد كمال الحيدري ، حيث أورد السيد الحيدري في الصفحة (97) من كتابه : (تأويل القرآن النظرية والمعطيات) ما هذا نصه :
                    [ استدل الآملي على ضرورة التأويل ووجوبه ولزوم استخراج معاني القرآن واستكناه مضامينه واستنباط مراميه واكتشاف أبعاده ، من خلال ما صرح به القرآن نفسه وأكّده كقوله تعالى :
                    {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ....} .
                    وقوله : {َلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء} .
                    حيث ذكر أن ما قصد من التأويل فيهما ليس إلا ما شاع استخدامه عند محقّقي الصوفية والعارفين من أهل الله ، فيكون هذا البيان شاهداً قوياً وسنداً متيناً على ضرورة أن يتم التعاطي مع النصّ القرآني من خلال الغوص في دلالاته الباطنية وأبعاده ، لا على ما يتمّ التأدي إليه بواسطة اللفظ والسياق والتواضع اللغوي .
                    قال في مقام تحديد مدلول هاتين الآيتين : (( وهذان القولان من أعظم الدلالات (الأدلّة) على وجوب التأويل ، فإن القول الأول يشهد بأن التأويل واجب ، ولكن يشير إلى أن التأويل على قسمين :
                    الأول : تأويل للفتنة والفساد في الدين والاعتقاد ، وهو تأويل أهل الزيغ والضلال الذين يأخذون المتشابهات دون المحكمات ، ويؤوّلون على آرائهم واعتقادهم .
                    الثاني : تأويل للخير والصواب والهداية والإرشاد ، وهو تأويل أرباب العلم وأرباب الكمال من العلماء الراسخين في العلوم الإلهية الذين يأخذون المحكم أصلاً والمتشابه فرعاً ، ويوفّقون بينهما ويؤولونهما على الوجه الذي ينبغي ، وعلى القاعدة التي أمرهم الله تعالى بها كما قال : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} وذلك لكمال رسوخهم في العلم الإلهي ، وحسن تصرفهم في الكلام الرباني .
                    فبناءً على هذا كما يجب على الإنسان العاقل البالغ المكلّف ترك القسم الأوّل ، يجب عليه القيام بالقسم الثاني على وجه لا يلزم منه الفساد المذكور ، ليدخل به في العلماء الراسخين ويشارك مع ربّه في تأويل كلامه على الوجه المأمور .
                    والقول الثاني أيضاً يشهد بأنّ التأويل واجب ، لكن يشير إلى أنّ التأويل حق التأويل موقوف على حضور خليفته الذي لا يحكم إلاّ بالتأويل وهو المهدي (عليه السلام) ] انتهى كلام السيد الحيدري .
                    ويرد عليه : إن قولك بوجوب التأويل لا دليل عليه فإن الآيتين اللتان استدل بهما الآملي لا دلالة فيهما ولا ظهور على الوجوب بل على العكس منه فإن الآية الأولى ورد فيها ذم الذين يبتغون التأويل ، بدليل قوله تعالى : {ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ}( ) .
                    السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

                    تعليق


                    • #11
                      كما أن كلامه : [ حيث ذكر أن ما قصده من التأويل فيهما ليس إلا ما شاع استخدامه عند محققي الصوفية والعارفين من أهل الله ] . يرد عليه عدة إشكالات :
                      الإشكال الأول : لو كان التأويل حقيقة التأويل هو عين ما شاع عند الصوفية والعارفين كما يدعي الآملي لكان فيه فك الكثير من الرموز القرآنية وحل الكثير من التناقضات التي يراها من ينظر إلى ظاهر القرآن فإن لم يكن كذلك فما هي فائدة تأويلاتهم يا ترى ؟! وهي خالية من هذه الأمور ولا يوجد فيها ما يشبع الجائع ويروي العطشان لو صحّ التعبير .
                      الإشكال الثاني : لو حققنا في آراء الصوفي والعرفاء وتأويلاتهم لوجدناهم يعطفون القرآن على آرائهم ومبتنياتهم وتصوراتهم حيث يجعلون كل الآيات القرآنية تتحدث عن آرائهم ونظرياتهم وتصوراتهم النابعة من الخيال والبعيدة كل البعد عن الواقع ، بل نراهم قد أضاعوا حقيقة القرآن وما أراده المولى تبارك وتعالى من عباده في كتابه .
                      في حين نجد الرسول الكريم والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) قد نهوا عن ذلك ، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له في وصف المهدي (عليه السلام) قال : ( يَعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى ويَعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي )( ) .
                      الإشكال الثالث : لو أن الصوفية والعرفاء يعلمون من تأويل القرآن لوجدنا تأويلاتهم مشابهة ومماثلة وقريبة من تأويل الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، إلا اننا نجد أن تأويلات الصوفية العرفاء مختلفة تماماً وبعيدة عن تأويل أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) إلا في القليل من المواضع ، فلو استقرأنا الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) والتي جاء فيها بعض التأويل لاكتشفنا وجود فارق موضوعي بين ما ورد عنهم (عليهم السلام) وبين آراء الصوفية والعرفاء ، كيف لا والقرآن لم يوجد لينظر من زاوية واحدة ضيقة ومختصرة .
                      الإشكال الرابع : إن ما يقوم به الصوفية والعرفاء من تأويل مرتبط كما نراه بظاهر القرآن فهم ينظرون إليه من جهة المعنى والآيات ، فأين هم من تأويل الكلمات والحروف واستخراج أسرارها وفكّ رموز القرآن ؟! .














                      البطون السبعة :
                      بين المولى سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن للقرآن بحور وهذا هو سر إعجازه حيث قام المولى عز وجل بمدّ القرآن بتلك البحور السبعة التي أعطته سر البقاء والاستمرار ليواكب كل الأزمان والأجيال وليصدق عليه أنه كتاب حادث متجدد لا يختص بفئة أو أمة دون أخرى ولا يتكلم عن قوم دون آخرين ولا عن زمن بعينه حيث قال تعالى :
                      {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}( ) .
                      كما أن الأحاديث والروايات ذكرت بأن للقرآن ظاهر وباطن وأن المقصود بالظاهر هو التنزيل والمقصود بالباطن هو التأويل ، كما بينت الروايات أن لباطن القرآن عدة بحور من العلم تمد القرآن من دون نفاد ليعطي ثماره في كل آنٍ من آنات الزمان وليلتقط جواهره كل جيل وأمة إذا ما توفرت العوامل والظروف المناسبة لذلك . فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن السكوني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : ( فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن - إلى أن قال- وهو الفصل ليس بالهزل ، فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ...)( ) .
                      فمن هذه الرواية الشريفة يتبين لنا واضحاً أن باطن القرآن هو علم وليس شيء آخر كما أنه علم التأويل خاصة لأن ظاهر القرآن هو التنزيل كما لا يخفى ، كما أنه يتضح لنا أن باطن القرآن هو بحر أو عدة بحور وذلك يتبين من قوله ((وباطنه عميق)) فالبحار هي من توصف بالعمق كما لا يخفى .
                      وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : ( سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن شيء في تفسير القرآن ، فأجابني ، ثم سألته ثانياً فأجابني بجواب آخر ، فقلت : جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم ؟
                      فقال (عليه السلام) لي : يا جابر إن للقرآن بطناً ، وللبطن بطن وله ظهر وللظهر ظهر ، يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ...)( ) .
                      وفي الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : ( إن للقرآن ظهراً وبطناً ، ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن )( ) .
                      وبهذا يتبين بما لا يقبل الشك أن للقرآن بطون سبعة إلا أن السيد حيدر الآملي حمل الآية القرآنية - التي تثبت أن للقرآن سبعة بحور وهي التي تمده وهي لا تنفد- {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} على غير معناها فرفض أن تكون هذه الآية تشير إلى القرآن كما أن السيد كمال الحيدري تبعه على ذلك حيث أورد في الصفحة (117) من كتابه تأويل القرآن ما هذا نصه : [ أما الآفاقي ، فقد افترض أنّ ما اشتمل عليه هذا العالم من جزيئات ومركبات ، آيات وكلمات هي من حيث معناها شبيهة بكلمات القرآن وآياته وحروفه ، بل هي عينها وتطابقها .
                      قال معلقاً على قوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}( ) : ( إن كلمات القرآن كما هي عبارة عن الكلمات المركّبة من الحروف المفردة والبسيطة التي هي حروف التهجي ، فكذلك كلمات الآفاق فإنها عبارة عن الكلمات إجمالاً ، فهي عبارة عن المواليد الثلاثة ؛ من المعدن والنبات والحيوان ، وتفصيلاً ؛ فهي عبارة عن كلّ متعيّن شخصي صورياً أو معنوياً ، من الملائكة والجنّ والإنس والحيوان والدواب وغير ذلك .
                      وهذه الإشارة لو كانت إشارة إلى الكلمات القرآنية لم يكن يبالغ في عدم إنفاذها إلى هذه الغاية ، لأن الكلمات القرآنية بحسب المعنى فإنفاذها وعدم إنفاذها يرجع إلى ما قلناه ، وهو أنّه مشتمل على الكتاب الآفاقي وأسراره وحقائقه ، وأنه نسخة إجماله وتفصيله ، ويعضد ذلك ما ورد في اصطلاح القوم في تعريف الكلمة وتقسيمها وهو قولهم : الكلمة يكنّى بها عن كل واحدة من الماهيّات والأعيان والحقائق والموجودات الخارجية ، وعلى الجملة عن كل متعين ، وقد تخصّ المعقولات بين الماهيّات والحقائق والموجودات والأعيان بالكلمة المعنوية الغيبية ، والخارجيات بالكلمة الوجوديّة ، والمجردات المفارقات بالكلمة التامّة .
                      والكل راجع إلى الكلمات الآفاقية دون القرآنية ، وإليها الإشارة بقوله تعالى : {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}( ) ؛ لأن كلماته الآفاقية الباقية الدائمة لا تبديل لها من حيث هي هي ، بل من حيث النقل من صورة إلى صورة أخرى ، كما هو مقرّر في بحث المعاد .
                      ويكفي في هذا قوله تعالى : {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}( ) ؛ لأن كلّ شخص يكون له أدنى تأمل يعرف أن هذا ليس إشارة لا إلى كلمات القرآن ، ولا التوراة ولا الإنجيل ولا الزبور ، ولا الصحف ولا الكتب المنزّلة من السماء مطلقاً ؛ لأنّ كل ذلك وأمثاله قابل للإنفاد والانتهاء ، فلم يبق إلا الكلمات الآفاقية المسمّاة بالموجودات والممكنات الغير القابلة للانتهاء والنفاد ، وهذا ظاهرٌ جليّ )( ) .
                      ويتوسع الآملي هنا في تأويل قوله تعالى : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}( ) ليؤكد نمط المماثلة والتطابق السالف ، فيقول : ( إنّ العالم كتابٌ مشتمل على الحروف والآيات كالكتاب القرآني ، إذ إنّ الآيات صورة جامعة وهيئة كاملة مركّبة من الكلمات والحروف ، والحروف والكلمات والآيات لا تتصور إلاّ ضمن الكتاب ، فعلى هذا التقدير يكون الآفاق المسمى بالعالم ، كتاباً كبيراً إلهياًً ومصحفاً جامعاً ربانياً) ] انتهى كلام السيد الحيدري .
                      إذن فالآملي والحيدري يذهبان إلى أن المقصود بالآية ليس القرآن بل هو الكتاب الآفاقي كما يفترضان ، ومن هنا يرد عليهما عدة إشكالات :
                      الإشكال الأول : لقد ذهب السيد الآملي والسيد الحيدري إلى القول بوجود كتابين غير القرآن وهما المعبر عنهما بالكتاب الآفاقي والكتاب الأنفسي وإن هذين الكتابين يطابقان القرآن ، وعلى هذا وبحسب المماثلة والتطابق بين الكتاب الآفاقي وبين القرآن لزم أن يكون للقرآن كل ما للكتاب الآفاقي .
                      فكما أن البحور السبعة كما يدعي الآملي والحيدري تكون للكتاب الآفاقي فكذلك القرآن لابد أن يكون له بحور سبعة ولما كانت البحور السبعة تخص موضوع واحد أو كتاب واحد لزم أن تكون للقرآن لا غيره لأن القرآن سابق من ناحية الخلق والإيجاد على الكتاب الآفاقي الذي يفترض الآملي والحيدري وجوده ، قال تعالى :
                      {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ}( ) .
                      فالآية الكريمة بينت أن خلق القرآن سابق لخلق الإنسان الذي هو آية من آيات الله عز وجل في هذا الكون ، وعلى أقل التقادير لو تنزّلنا جدلاً وقبلنا بما يفترضه الآملي والحيدري من وجود كتاب اسمه الكتاب الآفاقي أقول على أقل التقادير كان الأولى أن تحمل
                      السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

                      تعليق


                      • #12
                        البحور السبعة على القرآن لا غيره ، لأنه لا أحد ينفي كون القرآن هو كلام الله أو كلمات الله التي ذكرتها الآية المتقدمة ولا أحد ينفي أيضاً أن هناك قرآن صامت وهو المصحف الشريف الحاوي لسور وآيات القرآن ، وقرآن ناطق هم العترة الطاهرة (عليهم السلام) .
                        فعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( قلت له قوله عز وجل هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ، قال فقال : إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الناطق بالكتاب )( ) .
                        وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) : قال : ( هذا كتاب الله الصامت وأنا كتاب الله الناطق )( ) .
                        فأهل البيت (عليهم السلام) هم تراجمة الوحي وهم عدل الكتاب وهم شركاءه وهم العالمون بتنزيله وتأويله ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وحلاله وحرامه وظاهره وباطنه فهم الذين يبينون آياته وكلماته ولو رجعنا إلى أحاديثهم ورواياتهم نجدهم سلام الله عليهم قد ذكروا أن للقرآن بطن وأن للبطن بطن وأن له سبعة بطون وهي البحور السبعة التي أشار لها المولى في الآية المتقدمة من سورة لقمان وقد ذكرنا طائفة من تلك الروايات فراجع .
                        وقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال :
                        ( قال الله عز وجل في ليلة القدر فيها يفرق الله كل أمر حكيم يقول ينزل فيها كل أمر حكيم - إلى أن قال- أنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيه في أمر نفسه بكذا وكذا وفي أمر الناس بكذا وكذا وأنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم علم الله عز وجل الخاص والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثم قرأ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم )( ) .
                        فهل بعد هذا الكلام كلام فإن الباقر (عليه السلام) يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الآية تتحدث عن القرآن ليس إلا وأنها تشير إلى علم التأويل الذي يكون على سبعة بحور كما هو واضح .
                        وبهذا يتبين عدم صحة ما ذهب إليه السيد حيدر الآملي والسيد كمال الحيدري وفساد رأيهما في هذه المسألة .
                        ونلاحظ أنهما قد تكلفا في تفسير الآية وقالا بعقولهما ولو رجعا إلى عدل القرآن الذين أمرنا الله تبارك وتعالى بإتباعهم لكانا قد هديا إلى الحق فإن العقل أبعد ما يكون عن كتاب الله عز وجل كما بينت الأحاديث والروايات .
                        الإشكال الثاني : ثم إننا لو تنزلنا جدلاً وقلنا أن هناك كتاب آفاقي وأنه مماثل ومطابق للقرآن للزم أن يكون فيه تبيان كل شيء وفيه تفصيل كل شيء كما كان من شأن القرآن وصفته ، قال الحق تعالى : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}( ) .
                        وقال تعالى : {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}( ) .
                        ولكننا نجد الكتاب الآفاقي الذي يقول به الآملي والحيدري ليس فيه تبيان كل شيء ولا تفصيل كل شيء لأن معنى الآيات الآفاقية في قوله تعالى : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}( ) ، الآيات التي ترى في الأفق والأفق كما لا يخفى ليس فيه كل شيء وليس هو تبيان لكل شيء فإن هناك أرض بما تحويه من باطنها وهناك سماوات سبع وهناك ما بين السماوات والأرض وهو فوق الأفق ولو أخذنا ما في الأفق فقط لما كان هناك تماثل وتطابق ولتبين إذن بطلان رأي السيد الآملي والسيد الحيدري .
                        الإشكال الثالث : ثم لو كان المقصود بكلمات الله التي لا تنفد هي الحقائق الآفاقية فأين هي بطونها السبعة ؟ لماذا لا نشاهدها ما دامت تلك الحقائق خارجية كما يدعي الآملي والحيدري ، ومما لا يدع مجالاً للشك وهو القول الفصل ، هو ما جاء في الرواية الواردة عن ابن عباس أنه قال :
                        ( علي (عليه السلام) عَلِم عِلماً علمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علمه الله ، فعِلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من علم الله ، وعلم عليّ من علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلمي من علم علي (عليه السلام) ، وما علمي وعلم أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في علم علي (عليه السلام) إلا كقطرة في سبعة أبحر )( ) .
                        وقد اختص عليّ كما بينت الأحاديث والروايات بعلم التأويل وهذا معلوم ومعروف إذن فالسبعة أبحر هي علم التأويل الذي يكون على سبعة أبحر أو أبطن كما بينت الأحاديث والروايات .

                        التأويل المطلق ومطلق التأويل
                        ذهب الآملي وتبعه على ذلك الحيدري إلى القول بأن تأويل القران قسمان الأول هو التأويل المطلق وهو حسب زعمهم من مختصات الأنبياء والأوصياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين , وأسموه التأويل ( الكامل التام) أي القدرة على تأويل القرآن بأكمله .
                        والقسم الثاني وهو مطلق التأويل وهو بحسب رأيهم بإمكان عامة الناس نيله وقطف ثماره والتقاط جواهره ، إلا انه دون الأول في الدرجة ، وهو تأويل جزئي وليس تام كالقسم الأول .
                        فقد أورد السيد الحيدري في الصفحة (160) من كتابه ما هذا نصه : [ لابد هنا من الإشارة إلى أن الآملي مُذ قرّ عنوان هذه المسألة في تفسيره المحيط الأعظم ، كان ملتفتاً إلى ما تثيره من إشكالات ، ولأجل ذلك شرع مباشرة في بيان المقصود من الاختصاص ، ومن أن للتأويل أهله والقيّمين عليه فقال :
                        (( وإن قلت على سبيل الاعتراض أنّك أشرت في المقدمات وقلت إن كل من لا يكون له الإطلاع التامّ على القرآن لا يجوز له التأويل واستحقاقه ، وما لنا على القرآن إطلاع تامّ ، ولا في العصمة قدمُ راسخ ؟
                        قلنا : هذا الكلام موجه إلاّ أنه ما فهمت كلامنا على ما ينبغي ، لأننا قلنا أن التأويل وظيفة الإمام وأمثاله ، لا مطلق التأويل ، والحال أن الله خصّ التأويل بنفسه وبالعلماء الراسخين في العلم ، وهذا مطلق التأويل ، لا التأويل المخصوص بالنبيّ والإمام والوليّ ، فتنبيهك كاف في طلب التأويل العام المطلق ...لقوله تعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} )) .
                        فالتأويل إذن مرتبتان ، أو فلنقل تأويلان ؛ تأويل كامل تامّ ، وهو أعلى درجاته وأرفع مراتبه ، وهو الذي لا يتأتى لأحد من الناس بلوغه والوصول إليه إلا إذا كان نبياً أو ولياً .
                        وتأويل جَعَلَ الله في الناس قابلية بلوغه واستعداد نيله ، وهو دون الأول في الدرجة وتحته في المرتبة والمنزلة والمكانة ، وهو الذي يعبّر عنه بالتأويل المطلق أو مطلق التأويل ] انتهى كلام السيد الحيدري .
                        لكن يرد على هذا الكلام عدة إشكالات وقبل الشروع في ذكر الإشكالات لابد من بيان أمر مهم ، وهو أن تأويل القرآن ينقسم إلى تأويل مطلق معناه تأويل كل القرآن بلا استثناء لأن معنى الشيء المطلق هو عدم تحققه إلا بتحقق جميع أفراده من دون تخلف ولو فرداً واحداً لأنه لا يسمى عندها شيء مطلق . ومعنى هذا أن من أعطاه الله تبارك وتعالى هذه القدرة عالم ومحيط بتأويل كل القرآن .
                        مطلق التأويل ومعناه تأويل بعض آيات القرآن أو سورة ، لأن مطلق الشيء كما قرر المناطقة يتحقق بتحقق أحد أفراده ولا يهم تخلف الأفراد المتبقية ، وبعبارة أخرى هو ما جعله المولى عز وجل من القدرة على تأويل بعض الآيات الكريمات لا كلها . انظر الشكل التوضيحي رقم (1) :


                        وسنأتي الآن لذكر الإشكال ، فنقول :
                        الإشكال : إن نسبة التأويل المطلق للأنبياء أو الأوصياء مما لا دليل عليه وهو يفتقر إلى الدقة بل إنه غير صحيح إطلاقاً والدليل على خلافه ، فإنه ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة ما ينفي كون الأنبياء والأولياء قد أعطاهم الله عز وجل العلم والإحاطة بكل التأويل ، نعم عندهم شيء من التأويل أو بعضه إلا أنه ليس كل التأويل كما يدعي السيد (حيدر الآملي) وتبعه السيد كمال الحيدري في ذلك .
                        وقد دلت الآيات القرآنية على نفي علم الأنبياء والأولياء بكل التأويل والإحاطة به ، فقد قال تعالى : {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ}( ) .
                        وقد ورد في تفسير هذه الآية ((يوم يأتي تأويله)) أي يوم المهدي يأتي تأويل القرآن تاماً كاملاً بعبارة أخرى ، إن التأويل المطلق للقرآن لا يأتي إلا عند ظهور المهدي (عليه السلام) وهذا يعني إن كل ما موجود من تأويل لا يمثل إلا بعض التأويل وليس كله .
                        فقد جاء في الرواية الشريفة التي نقلها صاحب تفسير البرهان في الجزء الثاني ص558 والتي جاء فيها :
                        [ {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} فهو من الآيات التي تأويلها بعد تنزيلها . قال : ذلك في قيام القائم (عليه السلام)..] انظر الشكل التوضيحي رقم (2) .


                        وبهذا المخطط ومن كل ما تقدم يكون لدينا مائزاً موضوعياً بين زمن الإمام الخاتم محمد بن الحسن (عليهما السلام) وبين من سبقه من الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) ، ومصداق لقوله تعالى {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}( ) .
                        ثم إنا نجد ان الحيدري قد ناقض نفسه بنفسه حيث بين في موضوع آخر من الكتاب ان التأويل التام لا يأتي إلاّ في زمن المهدي فقد ذكر السيد الحيدري ذلك في كتابه صفحة ( 156 ) حيث كتب يقول :
                        [ ويرى الآملي ان من أدلة اختصاص التأويل بأهل البيت (عليهم السلام) , تأكيد ثبوته لخاتم الأولياء مفيداً ان المهدي المنتظر عليه السلام وافتراض ان عصره هو عصر التأويل على ما هو عليه , وفي أجلى صورة وأوضح معانيه يقول مركزاً على هذه الفكرة . فلو لم يكن مخصوصاً بهم وبتابعيهم , لم يكن الله تعالى يقيد التأويل بالإمام المنتظر منهم المسمى بالمهدي في قوله :
                        {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}( ) .
                        فزمان المهدي إذاً يقتضي ظهور التأويل على ما هو عليه , فظهور الشريعة على ما ينبغي , ورفع المذاهب والملل بحيث لا يبقى إلا مذهب واحد , كما أشار إليه الحق تعالى في قوله :
                        {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}( ) ]
                        وذكر أيضا في الصفحة (98) ما هذا نصه : [ والقول الثاني أيضاً يشهد بأن التأويل واجب ، لكن يشير إلى ان التأويل حق التأويل موقوف على حضور خليفته الذي لا يحكم إلا بالتأويل وهو المهدي (عليه السلام) ] إلى هنا انتهى كلامه .
                        السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

                        تعليق


                        • #13
                          ثم ان الأنبياء جاؤوا بالتنزيل وليس بالتأويل وهذا لا يعني أننا ننفي ان يكون عندهم علم بالتأويل فهم يعلمون بعض التأويل لا لقصور فيهم حاشاهم من ذلك بل لأن الله عز وجل يعطيهم بحسب ما يحتاجون إليه , فالتأويل متعلق بالزمان والمكان وما إلى ذلك .
                          فهذا نبي الله موسى عليه السلام يشهد عل نفسه بعدم علمه بالتأويل في قصته مع سيدنا الخضر عليه السلام فانه لم يستطيع ان يصبر على رفقة الخضر بسبب عدم علمه بالتأويل ولو كان عالماً بالتأويل لما اعترض على الخضر عليه السلام ثلاث مرات حتى افترقا.
                          وهذا عيسى بن مريم (عليهما السلام) يؤكد انه لم يأت إلا بالتنـزيل أما التأويل فهو ليس من مختصاته بل ان التأويل يأتي به (الفارقليط) في آخر الزمان والعجيب ان الحيدري والآملي قد ذكر في هذا الصدد خبر مروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عيسى ابن مريم عليهما السلام حيث كتب الحيدري في الصفحة (157) من كتابه قوله :
                          [ وقد أشير إلى هذا اليوم بخبر منسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه : قال عيسى عليه السلام : نحن نأتيك بالتنزيل , وأما التأويل فسيأتي به (الفارقليط ) في آخر الزمان , والفارقليط بلسانهم هو المهدي عليه السلام ] .
                          فإذا كان كذلك كيف جاز للسيد الحيدري والسيد الاملي ان يدعيان ان التأويل المطلق والتام من مختصات الأنبياء والأولياء وهذا عيسى بن مريم عليهما السلام يخبر بأنه لم يأت بالتأويل بل جاء بالتنـزيل , وان التأويل سوف يأتي به الفارقليط الذي هو المهدي (عليه السلام) .
                          كما إننا لو تفحصنا التاريخ الإسلامي وبالأخص تاريخ أهل البيت عليهم السلام لم نجد تأويل كاملاً تاماً للقران ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) أو احد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فإن غاية ما وجدناه هو تأويل لبعض آيات القران وليس ذلك قصوراً فيهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بل ان ذلك يعزى للزمان والمكان والظروف المحيطة فلم يكن قد أتى أوان التأويل بعد ولم يتهيأ الظرف المناسب لذلك .
                          كما ان القرآن والسنة الشريفة يخبران بأن التأويل الكامل التام المطلق لا يأتي إلا عند ظهور المهدي عليه السلام إذن فدعوى السيد الحيدري والسيد الآملي بأن التأويل التام المطلق من مختصات الأنبياء والأولياء مما لا دليل عليها بل ان الدليل بخلافه وهو ان التأويل التام المطلق هو من مختصات الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض) .
                          ومعنى دعواهما في هذا الخصوص رد على القرآن والسنة الشريفة لأن القرآن والسنة أكدا ان التأويل لم يكن يأتي أوانه في زمان الأنبياء والأئمة بل بينا ان أوانه عند ظهور المهدي (عليه السلام) .






                          التنزيل والتأويل
                          إن للقرآن كما لا يخفى تنزيل ومعنى التنزيل هو الآيات النازلة من قبل المولى تبارك وتعالى على نبيه وحبيبه محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بواسطة الوحي عبر فترة امتدت من السنة الأولى للبعثة وبالتحديد عند نزول جبرائيل (عليه السلام) بأول آية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غار حرّاء وإلى السنة العاشرة للهجرة حيث آخر آية نزل بها الوحي على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي كان بها ختم التنزيل .
                          وبهذا يتبين لنا أن القرآن نزل بالتدريج بحسب الظرف والمقتضي ، فإن من الأمور ما تعلق بالزمان والمكان وما إلى ذلك من حاجة الناس ومدى استعدادهم لقبوله وتلقيه وتطبيقه والعمل بما فيه ، والتنزيل هو ظاهر القرآن وهو غير التأويل الذي يمثل باطن القرآن .
                          فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن فضيل بن يسار قال : ( سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية ما من آية إلا ولها ظهر وبطن ، قال ظهره (تنزيله) وبطنه (تأويله) ومنه ما قد مضى ومنه ما لم يكن ، يجري كما تجري الشمس والقمر )( ) .
                          كما أن صريح القرآن أكد على وجود المحكم والمتشابه قال تعالى : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}( )، وقوله تعالى : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}( ) .
                          وقال تعالى : {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}( ) .
                          فإن مسألة إرجاع المتشابه إلى المحكم هي التأويل وهذا التأويل هو تأويل المتشابه ليس إلا ، حيث بينت الأحاديث والروايات المعصومية الشريفة أن المتشابه يؤول ، فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن حيون مولى الرضا (عليه السلام) قال :
                          ( من رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم )( ) .
                          وهناك قسم آخر من أقسام التأويل وهو أعم من القسم الأول (تأويل المتشابه) ، وهو التأويل العام للقرآن ، وهذا القسم لا يخص شيئاً دون آخر بل أنه يتناول كل القرآن ، محكمه ومتشابهه .
                          فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن فضيل بن يسار قال : ( سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية : ما من آية إلا ولها ظهر وبطن ، قال : ظهره تنزيله وبطنه تأويله ومنه ما قد مضى ومنه ما لم يكن يجري كما تجري الشمس والقمر ، ما جاء تأويل شيء يكون على الأموات كما يكون على الأحياء ، قال الله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ} : نحن نعلمه )( ) .
                          ومن هذه الرواية الشريفة وغيرها يتبين لنا أن لكل آية في كتاب الله عز وجل ظهر وبطن وإن المقصود بالظهر هو التنزيل والمقصود بالبطن هو التأويل بعبارة أخرى أن لكل آية في الكتاب تأويل .
                          إلا أن الرواية تؤكد لنا أن التأويل يأتي على شكل دفعات وبشكل تدريجي ولا يكون التأويل تاماً إلا عند قيام الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض) حيث يعطيه المولى تبارك وتعالى كل التأويل أو تمام التأويل ، ومن هنا أصبح واضحاً لدينا أن التأويل قسمان :
                          القسم الأول : هو التأويل الخاص ، وهو تأويل المتشابه وهو في قبال التفسير .
                          القسم الثاني : هو التأويل العام ، وهو تأويل الباطن وهو في قبال التنزيل ، ولهذا التأويل (التأويل العام) عدة خصائص نذكرها على شكل نقاط :
                          النقطة الأولى : إن هذا التأويل هو الذي ينزل في كل ليلة قدر من السنة على الإمام (عليه السلام) .
                          النقطة الثانية : إن هذا القسم من التأويل هو من مختصات الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض) وذلك يظهر من قوله تعالى : {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ}( ) .
                          النقطة الثالثة : إن هذا القسم من التأويل لا يختص بالمتشابه بل هو أعم منه فهو تأويل المتشابه والمحكم ، بعبارة أخرى أنه يتناول كل القرآن .
                          النقطة الرابعة : إن هذا القسم من التأويل هو الذي يعبر عنه بالعلم ، ويعبر عنه بالعميق كما بينت الرواية الشريفة الواردة عن السكوني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : ( فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن - إلى أن قال- وهو الفصل ليس بالهزل ، فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ...)( ).
                          النقطة الخامسة : إن لهذا القسم من التأويل سبعة بطون ولكل بطن من هذه البطون تأويل يختلف عن تأويل باقي البطون ، وهذا ما صرح به المولى تبارك وتعالى في الآية الشريفة {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}( ) .
                          ولتوضيح كل ذلك انظر الشكل رقم (1) والشكل رقم (2) :











                          الإمام المهدي (عليه السلام) والتأويل
                          يقول الآملي في الصفحة (98) من كتاب تأويل القرآن :
                          [ والقول الثاني أيضاً يشهد بأن التأويل واجب ، لكن يشير إلى أن التأويل حقّ التأويل موقوف على حضور خليفته الذي لا يحكم إلا بالتأويل وهو المهدي (عليه السلام) ] .
                          ذهب السيد الآملي وتبعه السيد كمال الحيدري في كتابه تأويل القرآن إلى القول بأن التأويل التام الكامل لا يأتي به إلاّ الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض) فقد كتب الحيدري في الصفحة (156) يقول :
                          [ ويرى الآملي أن أدلة اختصاص التأويل بأهل البيت (عليهم السلام) ، تأكيد ثبوته لخاتم الأولياء مقيّداً أي المهدي المنتظر (عليه السلام) ، وافتراض أنّ عصره هو عصر التأويل على ما هو عليه ، وفي أجلى صوره وأوضح معانيه .
                          يقول مركّزاً على هذه الفكرة (( فلو لم يكن مخصوصاً بهم وبتابعيهم ، لم يكن الله تعالى يقيّد التأويل بالإمام المنتظر منهم المسمّى بالمهدي في قوله : {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}( ) .
                          فزمان المهدي إذاً يقتضي ظهور التأويل على ما هو عليه ، وظهور الشريعة على ما ينبغي ، ورفع المذاهب والملل بحيث لا يبقى إلا مذهب واحد ودين واحد ، كما أشار إليه الحقّ تعالى في قوله :
                          {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}( ) .
                          ولقد أشير إلى هذا اليوم بخبر منسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه : قال عيسى (عليه السلام) : نحن نأتيك بالتنـزيل ، وأما التأويل فسيأتي به الفارقليط في آخر الزمان . والفارقليط بلسانهم هو المهدي (عليه السلام) ، فيكون تقديره أنه سيأتيكم بتأويل القرآن وتحقيقه كما جئنا بتفسير القرآن وتنزيله ، لأن للقرآن ظاهراً وباطناً ، وتأويلاً وتفسيراً ومحكماً ومتشابهاً وغير ذلك من الأحكام ] .
                          وهذا الرأي هو الصحيح والصائب ، فإن عصر الإمام المهدي (عليه السلام) سوف يشهد نزول التأويل التام للقرآن وإن ختم القرآن سيكون قبل شهادته (عليه السلام) كما سبق وأن ذكرنا .



                          السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

                          تعليق


                          • #14

                            نظرية النزول التدريجي
                            بعد أن تبين لنا أن خلق الله تبارك وتعالى للقرآن قبل خلقه للإنسان {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ}( ) .
                            ولما كان كذلك نقول : إن الصحف والكتب التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على أنبياءه ما هي إلا بعض القرآن ، فلو تمعنا في شرائع الأنبياء والرسل (عليهم السلام) التي حملتها تلك الصحف والكتب الإلهية لوجدنا بينها وبين القرآن تناسق وتشابه في المحتوى والمضمون ووحدة الموضوع وإن كان هناك اختلاف بسيط من ناحية الاتساع والشمول ، فأوسع الكتب والرسالات وأشملها على الإطلاق هو القرآن والرسالة الإسلامية ، فالصحف التي نزلت على آدم وشيث وموسى وغيرهم من الأنبياء والألواح والتوراة والإنجيل والزبور ، ما هي إلا أجزاء من القرآن وهناك عدة أدلة على ذلك .
                            1_قال تعالى {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} .
                            2_{وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}( ) .
                            3_{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}( )
                            4_{وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ}( )
                            5_{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً}( ) .
                            6_{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ}( ) .
                            7_{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}( ) .
                            8_{وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ }( ) .
                            9_{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}( ) .
                            ومن الروايات الشريفة:
                            عن سعد الاسكاف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:اعطيت السور الطوال مكان التوراة ، واعطيت المئين مكان الإنجيل ، واعطيت المثاني مكان الزبور ، وفضلت بالمفصل ، ثمان وستون ليرة ، وهو مهيمن على سائر الكتب )( ) .
                            بعد أن تبين ذلك أقول إضافة لما تقدم فإن نفس القرآن النازل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل بصورة تدريجية ولمدة ثلاث وعشرين سنة وهذا المعنى مما لا خلاف فيه .
                            إذن ومن كل ما تقدم يتبين لنا أن نزول القرآن كان بشكل تدريجي منذ زمن آدم وإلى زماننا هذا ويستمر إلى زمان قيام المهدي المنتظر (عليه السلام) فهو من سيقوم بختمه قبل استشهاده (سلام الله تعالى عليه) .
                            والقرآن كما بينا فيه ظاهر وباطن حيث يتناول علم التفسير ظاهر القرآن بينما يتناول علم التأويل باطن القرآن كما ان المقصود بنزول القرآن نزول الظاهر ونزول الباطن أي تأويل القرآن .
                            إذن فإن نزول التأويل كان تدريجياً كنزول الظاهر ، فكما كان تمام نزول القرآن وختمه في زمن الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فكذلك يكون تمام التأويل وختمه في زمن الإمام المهدي (مكن الله له في الأرض) .
                            فإن التأويل نزل بصورة تدريجية نظراً لحاجة المجتمع ومدى قبولهم واستيعابهم فإن هناك اعتبارات لابد من مراعاتها كاختلاف الزمان والمكان وما إلى ذلك فكلما تطورت العلوم وازدادت حاجات المجتمع وارتقى مستوى الفهم البشري كان نزول التأويل بشكل أوسع .
                            وبما أن نزول القرآن بصورة عامة والتأويل بصورة خاصة كان تدريجياً فكذلك بالنسبة لرفع القرآن في آخر الزمان عند استشهاد الإمام (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) الذي هو سبب الفيض الإلهي للوجود ، والسبب الذي يبقي الحقائق القرآنية تجري بين السماء والأرض لن يرفع الباطن (التأويل) القرآن جملة واحدة ، بل كما نزل على الأرض بالتدريج فإنه سيرفع بالتدريج أيضاً .
                            وإلاّ على اعتبار في اليوم الذي يتم فيه الرفع الكامل للحقائق القرآنية من الوجود (التأويل) فإن الساعة الكبرى (يوم القيامة) ستقوم وتبدأ عملية طيّ السماوات كما بُدئت أول خلق {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}( ) .
                            وهذا الاعتبار يقتضي بأنه لا حياة ستكون بعد استشهاد الإمام (مكن الله له في الأرض) إذا سلمنا إن رفع القرآن يكون جملة واحدة وبصورة فجائية ، وهذا مخالف لما ورد على لسان الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) بأن هناك خلفاء وهم المهديون الاثنا عشر الذين يحكمون بعد الإمام المهدي (عليه السلام) يتوارثون علمهم منه وإن هناك أجيال وأجيال من الناس .
                            وكل هذا يدل على أن الرفع يكون بالتدريج وليس جملة واحدة .
                            {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}( ) .










                            مجيء التأويل في عصر الظهور الشريف
                            لذا ولما كان زمن قيام الإمام المهدي (عليه السلام) وإقامة دولة الحق على يديه الشريفتين زمن تطور العلوم والمجتمعات وارتقاء مستوى الفهم والإدراك البشري واتساع حاجات الناس وفتح الكثير من المجالات الصناعية والزراعية والاجتماعية والاقتصادية وما إلى ذلك ، لزم أن يأتي التأويل بصورة أوسع وأشمل بل إن تمام التأويل أو التأويل التام يأتي في ذلك الزمن ، أي في زمن الإمام المهدي وقيام دولته (عليه السلام) .
                            وهذا لا يعني كما سبق وأن قلنا إن التأويل لم يأت ولن يأت إلا في زمن المهدي (مكن الله له في الأرض) فإن الأنبياء أعطاهم المولى سبحانه وتعالى شيء من التأويل وكذلك الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وذلك بحسب حاجة المجتمع ومدى استعداد الناس وقبولهم وارتقاء أفهامهم بل أن الممهدين للإمام المهدي (عليه السلام) سوف يعطيهم الإمام بعض التأويل وبالأخص اليماني الموعود ، حيث يكون التأويل من ضمن الأدلة على صحة دعوته .
                            فقد جاء في الرواية الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف اليماني ، روى النعماني في غيبته عن المسيب بن نجبة قال :
                            ( وقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعه رجل يقال له ابن السوداء ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، إن هذا يكذب على الله وعلى رسوله ويستشهدك .
                            فقال : أمير المؤمنين (عليه السلام) : لقد أعرض وأطول يقول ماذا ؟
                            فقال : يذكر جيش الغضب .
                            فقال : خل سبيل الرجل أولئك قوم يأتون في آخر الزمان قزع كقزع الخريف ، والرجل والرجلان والثلاثة من كل قبيلة حتى يبلغ تسعة ، أما والله إني لأعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم ، ثم نهض وهو يقول : باقراً باقراً باقراً ، ثم قال : ذلك رجل من ذريتي يبقر الحديث بقراً )( ) .
                            فمن هذه الرواية يتبين لنا واضحاً أن اليماني قد وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) بكلمة باقراً ثلاث مرّات وذلك لأنه يبقر العلم بقراً أي يشقّه ليظهر باطنه ومحتواه وقد سبق أن بينّا أن الباطن هو علم التأويل وهذا معناه أن التأويل في عصر الإمام المهدي (عليه السلام) سيأتي أولاً وبصورة تدريجية على يد اليماني الموعود الممهد الرئيسي للإمام المهدي (عليه السلام) .
                            كما أننا وبالرجوع إلى الروايات المعصومية الشريفة الواردة عن الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) نجد أنها بينت أن علماء آخر الزمان يخرجون فيتأولون على اليماني القرآن وما ذلك إلاّ لأن اليماني هو من يقوم بالدعوة إلى الإسلام الجديد ويبدأ بإظهار علم التأويل ويكون دليلاً على صدق دعواه ، لذلك سوف يقوم هؤلاء العلماء بمواجهته والرد عليه من خلال نفس العلم وهو التأويل ، ولكن شتان ما بين اثنين ، فهذا صدر من عين صافية لا يشوبها شيء وذلك صادر من هوى نفوسهم الأمارة بالسوء ومن شياطينهم الذين يوحون لهم .
                            فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن الفضيل بن يسار ، قال : ( سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهال الجاهلية .
                            قلت : وكيف ذلك ؟
                            قال : إن رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان المنحوتة ، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله ويحتج عليه به ، ثم قال : أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقرّ )( ) .
                            وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( إن القائم (عليه السلام) يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة ، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه )( ) .
                            وبهذا يتأكد لنا أن اليماني يخرج بالتأويل لذا فإن علماء السوء يواجهونه بتأويلاتهم الباطلة المنحرفة .
                            الرجعة والتأويل
                            ومما يؤكد كون التأويل يأتي في عصر الظهور الشريف لدعوة المهدي (عليه السلام) هو بقاء مفهوم الرجعة خافياً طوال الفترة من بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى عصر الظهور الشريف حيث حرص الأئمة الأطهار على عدم تبيان مفهوم الرجعة بل أكدوا أن العلم بها لا يكون إلا في آخر الزمان وهو زمن مجيء التأويل .
                            فقد جاء في الرواية الشريفة الواردة عن زرارة قال : ( سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها ، فقال : إن هذا الذي تسألون عنه لم يجيء أوانه ، وقد قال الله عز وجل {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} )( ) .
                            فمن هذه الرواية الشريفة يتبين لنا بشكل واضح أن الرجعة من الأمور التأويلية وإن أوانها لم يأت في زمن الأئمة الأطهار بل إن لها وقت وزمان خاص هو عصر الظهور الشريف ذلك العصر الذي تظهر فيه دعوة المهدي (عليه السلام) بقيادة الداعي إلى الحق والطريق المستقيم اليماني الموعود فهو من يحمل على عاتقه الدعوة للإمام المهدي (مكن الله له في الأرض) لأن الإمام كما هو معلوم لا يظهر إلا بالسيف محاسباً فهو لا يقوم بالدعوة لكي يأتي من يتأول عليه القرآن ، إنما الذي يقوم العلماء المضلين بتأول القرآن عليه هو من يقوم بالدعوة وهو اليماني وزير المهدي (عليه السلام) ، فهو من يأت بالتأويل ولكن ما عنده بعض من التأويل .
                            وبهذا يتبين لنا أن تأويل القرآن ينزل بصورة تدريجية ، فمن الناحية العامة يكون نزوله من آدم (عليه السلام) وإلى زمن الإمام المهدي (عليه السلام) ومن الناحية الخاصة يبدأ نزول تأويل القرآن من بعثة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومروراً بأمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو أول من أظهره وعمل به في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى زمن قيام القائم (عليه السلام) مروراً بوزيره اليماني الذي يبدأ بإظهار تأويل القرآن في زمن الظهور قبل قيام الإمام بقليل .
                            السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

                            تعليق


                            • #15
                              الآملي والحيدري يخطئآن في تفسير القرآن
                              ذهب الآملي وتبعه على ذلك السيد كمال الحيدري أن معنى قوله تعالى : {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}( ) .
                              حيث ذهبا إلى القول بأن معنى منهما يعني من الكتابين الآفاقي والأنفسي وهذا في الواقع غير صحيح ولا أدري كيف قالا ذلك علماً إن المفسرين أجمعوا على أن المقصود بـ((منهما)) أي التوراة والقرآن وهو الصحيح .
                              فقد ذكر السيد كمال الحيدري في كتابه تأويل القرآن في الصفحة (116) يقول : [ {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} وليس المراد بقوله ((منهما)) كما يرى الآملي إلا كتابي (الآفاق والأنفس) المعبر عنهما في لغة أهل الباطن بالعالم الكبير والعالم الصغير ] .
                              قال في ذيل هذه الآية : [ إشارة إلى الكتاب الآفاقي والأنفسي المعبر عنهما الكتاب الكبير والكتاب الصغير لقولهم : العالم إنسان كبير , والإنسان عالم صغير , لا إلى التوراة والإنجيل أو غيرهما من كتب المفسرين ] .
                              وترد في الحقيقة عدة إشكالات على هذا الكلام تؤكد عدم صحته وبطلانه :
                              الأول : ليس هناك أي مناسبة بين ما ذهب إليه وبين الآية القرآنية لقرينة السياق فقد جاء في الآية وما تلاها من آيات ما يؤكد ان المقصود بـ ((منهما)) التوراة والقرآن قال تعالى :
                              {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ}( ) ، فما هو الذي يتلى يا ترى أليس هو الكتاب التدويني وما هو الذي يتبع أليس هو الكتاب الذي انزله الله عز وجل فيه تبيان لكل شيء فهل يعقل احد ان الذي يتلى ويتبع هو كتاب الآفاق أو الأنفس كما يقول الآملي ويذهب الحيدري ؟! .
                              الثاني : إن الآية ظاهرة في أن المولى تبارك وتعالى يأمر نبيه بتحدي أولئك القوم بأن يأتوا بكتابين أهدى من الكتابين المشار إليهما في الآية ولابد حينها أن يكون كل من موسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى بكتاب معين ولا يمكن بحال ان نتصور ان يكون الكتابين هما الآفاقي والأنفسي لأنه لا موسى (عليه السلام) ولا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هما من أتيا بهذين الكتابين لأن هذين الكتابين (الآفاقي والأنفسي) موجودان قبل وجود موسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكان من الممكن للكافرين الاحتجاج على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في مقام التحدي بأن هذين الكتابين لم تأت بهما أنت حتى نصدقك .
                              ولما كانت الآية تتحدث عن موسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك يتضح من خلال السياق فإن الآية التي سبقتها جاء فيهما :
                              {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} ، لزم ان يأتي كل من موسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بكتابين بعبارة أخرى ان موسى جاء بكتابين ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء بكتابين ومعنى ذلك وجود أربعة كتب لا كتابين كما تشير الآية التي هي موضع النقاش .
                              الثالث : لو كان المقصود بكلمة ((منهما)) في الآية الكتاب الآفاقي والكتاب الأنفسي كما يدعي الآملي والحيدري لكان طلب الإتيان بهما من المحال فلم نسمع ان نبياً أو ولياً أو عالماً مهما كان اختصاصه قد أتى بالكتاب الآفاقي أو الأنفسي ولو كان الطلب الإتيان بهما لكان من الممكن ان يحتج الكافرون بأن ذلك من المحال ولم يأت أحد الأنبياء والرسول بما تطلبه .
                              وبهذا يتبين عدم صحة ما قاله السيد حيدر الآملي وذهب إليه السيد كمال الحيدري وبطلان رأيهما في هذه المسألة نسأل الله ان يوفقهما لقول الحق وإتباعه .

                              السيد أبو عبد الله الحسين القحطاني في سطور :
                              ولد في الكاظمية سنة 1976م ، أي إن عمره الآن ثلاثون سنة .
                              تلقى علومه الدينية أولاً في قم المقدسة ثم انتقل إلى النجف الأشرف إلا انه لم يكمل الدراسة نتيجة لعدة ظروف أجبرته على تركها .
                              نسبه : قحطاني وهو سيد علوي من ذرية الإمام الحسن السبط (عليه السلام) ومعنى انه قحطاني ليس المقصود منه قحطان أخو عدنان ولدي يعرب ، لأن المعلوم ان السادة ينتسبون إلى عدنان دون قحطان ، إلا إن قحطان هذا الذي يرجع إليه السيد أبو عبد الله هو قحطان أبو اليمن وإليه يرجع أهل اليمن (إلى قحطان) .
                              سافر إلى عدة بلدان إسلامية وعربية وآسيوية وكل ذلك في خدمة الإمام المهدي (عليه السلام) مثل لبنان وسوريا واليمن وإيران والهند وقد التقى بعدة جماعات تعمل لخدمة الإمام المهدي (عليه السلام) وله معها علاقات طيبة .
                              طُورد من قبل قوات الأمن التابعة للنظام البعثي الصدامي ، وكانوا يبحثون عنه بالاسم إلا أنه استطاع الإفلات منهم أكثر من مرة ولم يسجن في حياته قط إلا من أجل قضية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث سجن وعُذب ولكن الله عز وجل فرج عنه ببركة الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) أكثر من مرة ولم يثنه ذلك عن مواصلة السير في الطريق الذي اختاره والذي وفقه الله تبارك وتعالى واجتباه له ، وقد تعرض لعدة محاولات اغتيال كلها باءت بالفشل ولله الحمد .
                              أثره العلمي : رغم صغر سنه ان من عرفه وحده بحراً من العلم وله رؤية خاصة ونظريات علمية في الكثير من العلوم كالطب والفلسفة والمنطق وعلوم القرآن وأهل البيت (عليهم السلام) وأكثر اهتمامه في الإمام المهدي (عليه السلام) والقرآن .
                              وله باع في تأويل الرؤيا والأحاديث والقرآن وعلم التوسم وله الكثير من المخطوطات التي لم يتمكن من نشرها في حينها حتى تلف البعض منها وضاع فعمد إلى إعطائها على شكل محاضرات لتلاميذه ودعاهم إلى الكتابة والتأليف فصدر في الآونة الأخيرة الكثير منها وما زال هناك الكثير قيد التأليف والطبع ومن أهم هذه المؤلفات :
                              1- كتاب نظرية تجزئة القرآن : وهذه النظرية جديدة ومعاصرة تغير مسار التفسير من زمن الغيبة والى زماننا هذا وقد اثبت فيها السيد القحطاني خطأ وبطلان الكثير من التفاسير ، وأثبت صحتها من الكتاب والسنة الشريفة .
                              ان هذه النظرية لم يسبق لأحد ان تكلم بها وهي غاية في الأهمية وفيها بيان للقواعد الأساسية في تفسير القرآن .
                              2- كتاب الرجعة الروحية : وقد أثبت فيه القحطاني ان الرجعة روحية وليست مادية وهذا الرأي لم يسبق لأحد من العلماء ان قاله أو ذهب إليه والسيد القحطاني هو الشخص الوحيد الذي طرحه وأثبت صحته بالأدلة والبراهين في حين وقف العلماء والباحثين عاجزين أمام مسألة الرجعة بين ضرورة الاعتقاد بها وعدم امكان رفضها وبين الكثير من الروايات من الروايات التي اتصفت بالرمزية والتي لم يستطيع العلماء فكها ومعرفة أسرارها وتأويلها وحملها البعض منهم على ظاهرها فصار هذا الأمر مدعاة للسخرية والاتهام بأن ديننا دين خرافة وأساطير .
                              3- كتاب علم التوسم : وهو الأول من نوعه حيث لا يوجد في المكتبة الإسلامية والتأريخ الإسلامي كتاب يتحدث عن هذا الموضوع بل انه لا يوجد شخص عالماً من العلماء أو باحثاً أو مثقفاً له معرفة وإطلاع بهذا العلم الذي هو من مختصات الأنبياء والأئمة الأطهار (عليهم السلام) بل هو العلم الذي يعرف به الإمام المهدي (عليه السلام) وخاصة أصحابه كما بينت الأحاديث والروايات الشريفة .
                              4- كتاب صاحب هذا الأمر : وهو كتاب قيم على فهم أحاديث وروايات النبي والأئمة الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ودراستها وفهمها ، وحل التناقض الذي يراه القارئ للوهلة الأولى وتمييز ما يخص الإمام المهدي منها مما يتحدث عن ممهديه واستخلاص نتائج في غاية الأهمية .
                              5- موسوعة المهدي والإسلام الجديد : وتتكون من اثنا عشر جزءاً تتكفل ببيان قضية الإمام المهدي بأسلوب تأريخي روائي لم يسبق لأحد الإشارة له وهي قائمة على إثبات الشبه بين دعوة المهدي المنتظر ودعوة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنها : (مكة المهدي ، والصفا والمروة في عصر الظهور ، ومدينة المهدي ، والجاهلية في عصر الظهور , وقريش في عصر الظهور ، والأصنام البشرية ، والشيصباني ، ومسيلمة الكذاب في عصر الظهور ، والداعي ، والأوس والخزرج في عصر الظهور ، والسفياني ، وشعيب بن صالح ، وفتح مكة في عصر الظهور) .
                              6- كتاب نظرية المشابهة بين الداء والدواء : وهي نظرية جديدة في الطب يثبت من خلالها السيد القحطاني خطأ النظرية التجريبية التي ما زال الطب قائماً عليها في صناعة الدواء وتتكفل هذه النظرية بإيجاد الدواء لكل داء وخاصة الأمراض المستعصية التي لم يتوصل العلماء حتى زماننا هذا في إيجاد الدواء لها .
                              7- نظرية رفع القرآن : وهو كتاب يتكفل بإيضاح مسألة رفع القرآن في آخر الزمان ومدى ارتباط ذلك باستشهاد الإمام المهدي (عليه السلام) وليلة القدر ورد الشبهات في هذه المسألة ، وإبداء القول الفصل فيها .
                              8- كتاب اليماني أهدى الرايات : كتاب يتكفل ببيان دعوة اليماني وزمان ومكان ظهورها وشخصية اليماني الموعود ودعوته وهو كتاب لم يسبق لأحد ان كتب حول هذه الشخصية بمثل هذا البيان والسعة .
                              9- كتاب نظرية تجدد القرآن : يثبت السيد القحطاني من خلال هذا الكتاب ان القرآن حادث متجدد لا يخص زمان أو أمة معينة بل هو لكل الأزمان والأمم والأجيال يجري كما يجري الشمس والقمر .
                              ومما كتب أيضاً من فكر السيد القحطاني :
                              10. أطروحة دابة الأرض في آخر الزمان .
                              11. موسوعة التأويل المعاصر (الحلقة الأولى) .
                              12. موسوعة التأويل المعاصر (الحلقة الثانية) .
                              13. موسوعة التأويل المعاصر (الحلقة الثالثة) .
                              14. أطروحة رجعة الحسين (ع) .
                              15. السيد القحطاني يناقش السيد الخوئي .
                              16. كتاب السيد القحطاني يناقش العلماء.
                              17. كتاب السيد القحطاني يناقش الشيخ علي الكوراني .
                              18. علم المنطق في القرآن .
                              19. أطروحة رجعة المسيح عيسى بن مريم (ع) .
                              20. فرق الضلالة في عصر الظهور الشريف .
                              21. علم الأبجدية .
                              22. المهدي يدعو إلى إسلام جديد .
                              23. النفس الزكية .
                              24. مائة وعشرون علامة متحققة .
                              25. حركة الشهيد الصدر الحركة الصغرى للإمام المهدي (ع) .
                              26. حركة الزرقاوي هي حركة السفياني .
                              27. عالم الذر (بين القبول والرفض) .
                              28. الشهيد الصدر يوحنا القرن العشرين .
                              29. سلسلة التأويل المعاصر .
                              30. العشائر ودورها في قضية الإمام المهدي (ع) .
                              31. المرأة ودورها في قضية الإمام المهدي (ع) .
                              32. أطروحة الدجال .
                              33. الإمام المهدي إرهابي في نظر أمريكا .
                              34. نظرية تأويل القرآن .
                              35. ويسألونك عن الرجعة .
                              36. ويسألونك عن الرجعة .
                              37. الصيحة في مفهومها العلمي .
                              38. الحسد في مفهومه العلمي .
                              39. المعقول واللامعقول في سيرة المهدي المنتظر
                              السلام على قديم الايام وابن الانسان في العالمين

                              تعليق

                              يعمل...
                              X