لقد ورد في تفسير البيان للخوئي في الرد على القائلين بتحريف القرآن فأستدل بالكتاب بدليلين وحينما ننظر إليهما نجد فيهما إشكالا يؤدي إلى جعلهما غير صالحين للاستدلال بهما تماما ...
وليس معنى هذا الكلام ( إننا نقول بالتحريف او نقوي القائلين بالتحريف) كلا فأننا لا نقول بذلك إنما نحن في مرحلة استدلال ونقاش فكري علمي. وأليك الدليلين اللذين طرحهما السيد الخوئي:
1- (الدليل الأول قوله تعالى: ( ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) فأن في هذه الآية دلالة على حفظ القرآن من التحريف وان الأيدي الجائرة لن تتمكن من التلاعب فيه) البيان ص224.
أقول: ان الذكر غير القرآن انما هو كتاب خاص داخل القرآن كما سوف أبينه بعد هذا النقاش وهناك ادلة كثيرة سأوضحها, ففي قوله تعالى: (( ص والقرآن ذي الذكر)) أي صاحب الذكر مما يثبت بأن القرآن غير الذكر لان المصاحبة تقتضي المغايرة فأصبح دليل الخوئي اخص من المدعى فلا يثبت المطلوب.
2-( الدليل الثاني قوله تعالى: ((وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)) فقد دلت هذه الاية الكريمة على نفي الباطل بجميع أقسامه عن الكتاب فأن النفي اذا ورد على الطبيعة أفاد العموم ولا شبه في ان التحريف من افراد الباطل فيجب ان لا يتطرق الى الكتاب العزيز).البيان ص226.
أقول: هذا الكلام غير تام وذلك لان هذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو نفسه كتاب الذكر وذلك لان الخوئي قد قسم الاية وأتى بنصفها وأليك نص الاية في القرآن(( ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)) اذن فيرد عليه نفس الكلام الاول بأن الذكر غير القرآن وهذه الاية تتحدث عن الذكر وليس عن القرآن كله. اذن فيحتاج المحقق الخوئي الى ادلة قرآنية غير هذه الأدلة التي طرحها للاستدلال بها. وعليه سوف ابين قسما خاصا من نظرية قرآنية اسميتها( نظرية تجزئة قرآن ) والتي يتم بواسطتها تجزئة القرآن الى مجموعة اقسام منها (القرآن الكريم والقرآن العظيم والقرآن المجيد والقرآن الحكيم وكتاب المثاني والفرقان والكتاب والذكر وغير ذلك ) وقد تم تبيانها في الموسوعة القآنية للسيد القحطاني وأليك اخي المؤمن(كتاب الذكر): هو ذلك الكتاب الحاوي على قصص واخبار الانبياء والامم السابقة وهو مأخوذ من ذكر الشيء يعني ذكرا يذكر وله علاقة بالتذكر والذاكرة كما سوف نبينه خلال البحث وله شخصيات خاصة به وهم (اهل الذكر) اما اهم الادلةعليه.
1- قوله تعالى: (والقرآن ذي الذكر) منها اثبات ان القرآن غير الذكر لان ذي معنى (صاحب) تعطي الفائدة فلا يقال على صاحب علي على نفسه انما علي صاحب محمد. وهكذا نفهم في نفس هذه السورة التي ذكر فيها الذكر نرى القرآن يؤكد على الرسول بالتذكر والذكر قال تعالى اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الايدي انه اواب) وكذلك (واذكر عبدنا ايوب اذ نادى ربه اني مسني الشيطان بنصب وعذاب) وكذلك (واذكر عبادنا ابراهيم واسحاق ويعقوب اولي الايدي والابصار) وكذلك (واذكر اسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار) واخيرا بعد هذه الاية يقول (هذا ذكر وان للمتقين لحسن مآب) فهذا اسم اشارة للقريب واشار الله تعالى بان هذا ذكر يدل على ان الذكر خاص.
2-(ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا) فهنا اشارة الى ان تلاوة القصص معناه ذكر وفي قصة يوسف بعد ذكر القصة وانتهائها قال الله تعالى: (وما تسألهم عليه من اجر ان هو الا ذكر للعالمين) فترى ارتباطا بين ذكر القصص وبين لفظ الذكر).
3- قوله تعالى: (فأسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) حيث ان الله سبحانه يشير عليهم بأن ارجعوا الى اصل القصص والاخبار وأسألوا هل هذا صحيح ام لا؟ وهنا سمى اهل القصص والاخبار بانهم اهل الذكر مما يدل على ان الذكر له علاقة بذكر القصص وهذا لا يتعارض مع الروايات الواردة من ان اهل الذكر هم اهل البيت وذلك صحيح لانهم هم الذين ورثوا الذكر بعد الرسول(ص) وهو كتاب خاص بقصص الماضين من الانبياء وعليه فلذلك ترى ان اكثر القصص للانبياء وردت عن طريق اهل البيت لان عندهم ذلك الكتاب المحفوظ الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . واما ما ورد بان الرسول هو الذكر في قوله تعالىقد انزل الله اليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله) نعم انه ذكر لانه ذكر في الكتب السابقة مثل التوراة والانجيل قال تعالىمبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل) بل ورد ذكر اصحابه معه. وذلك لان الله تعالى يقول (هذا ذكر من قبلي وذكر من معي) فذكر من قبله هم كل الامم السابقة التي ذكرت في القرآن من امة نوح وابراهيم وموسى وعيسى. اما ذكر من معي فهم اصحابه الذين ذكروا في التوراة والانجيل قال تعالى(محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوهم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل).بل ورد ذكر المهدي واصحابه من اول كتاب للذكر وبدليل قوله تعالى(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون) فان الذكر موجود قبل وجود الزبور بدليل هذه الاية بل ان موسى كان عنده ذكر ايضاً قال تعالى(اتيناه فرقانا وذكرا) ففرق الله بين الكتاب والفرقان والذكر.
4- هناك علاقة وثيقة بين القران ذي الذكر حيث كلما ذكر(ص) في اوائل السور وجد معه الذكر ولا عكس فان السور التي ابتدات بالذكر هي ثلاثة (الاعراف - مريم - ص) وكلها وجد فيها الذكر وذلك معنى (ص) محمد صادق كما جاء عن الامام الصادق(ع) وتأويلها ماخوذ عن قوله تعالى (ص والقران ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق كم اهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص وعجبوا ان جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب) فهم قالوا كذاب والله يقول محمد صادق وان هذه الصفة كانت مع الرسول (ص) لانه الصادق الامين ونحتاج الى الصدق مع الذكر لان عادة القصص والاخبار حينما تذكر تزيد او تنقص لانها طويلة فلذلك بعد هذه الايات سورة(ص) قال تعالى(اءنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب) فترى في سورة الاعراف ذكر بدايتها بـ(ص) (المص كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه لينذروا به وذكرى للمؤمنين) وذكر فيها قصص الانبياء من نوح وصالح وشعيب ولوط وموسى بل ان جلها قصص وكذلك تجد قوله تعالى(اوعجبتم ان جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون)ص63 وكذلك سورة مريم قال تعالى(كهيعص * ذكر رحمة ربك عبده زكريا) ثم يبدا بقصص فيها وكلما ذكر قصة فيها يقول (واذكر) بمعنى التذكر فنجد فيها قوله تعالى (واذكر في الكتاب مريم) ثم يقص قصتها . وقوله تعالى (واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقاً نبيا) وقوله تعالى(واذكر في الكتاب موسى انه كان مخلصا وكان رسولا نبيا) . وقوله تعالى( واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا) وقوله تعالى (واذكر في الكتاب ادريس).
5- ان للذكر اصنافه وذلك لان هناك ذكرا فيه حكمة وهو ذلك الذكر الحاوي على الايات الحكيمة قال تعالى(نتلو عليك من الايات والذكر الحكيم) ال عمران58. فمثلا قصة لقمان مع ابنه تختلف عن جميع القصص لما فيها من حكم كثيرة فهي من الذكر الحكيم وهناك الذكر المبارك - وهو ذلك الذكر الحاوي على الايات القرانية المباركة حيث تجد فيها بركة ونموا بل هي تقدم لزيادة البركة . فمثلا قوله تعالى في سورة الانبياء (وهذا ذكر مبارك انزلناه افانتم له منكرون * ولقد اتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين) ثم يذكر قصص الانبياء ففيه قصة ابراهيم ونوح ولوط وداود وسليمان وايوب ويونس (ذا النون) وزكريا وكلها تبدا بالعطف عل الاية الاولى التي فيها الذكر المبارك( وهذا ذكر مبارك ) مثل قوله تعالى( ولوطا اتيناه حكما وعلما ) وقوله تعالى(ونوحا اذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه واهله من الكرب العظيم) وقوله تعالى(وداود وسليمان اذ يحكمان في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين) وقوله تعالى( وايوب اذ نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين) وقوله تعالى (وذا النون اذا ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه) وقوله تعالى( وزكريا اذ نادى ربه رب لاتذرني فردا وانت خير الوارثين) وهكذا نجد ان اهل البيت(ع) اخذوا من هذه السورة وهذا الذكر اورادا للشفاء وللنماء ولكشف الضر ولانجاب الاطفال - حيث ورد ان من مسه الضر يورد(اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين) او يصلي ويذكر هذه الاية ومن اراد التوبة والانابة الى الله فليذكر قوله تعالى(وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه) ومن اراد الانجاب فليذكر(رب لاتذرني فردا وانت خير الوارثين) وكذلك لزيادة الفهم والعلم توريد ذكر( ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما..) اقول لماذا وقع الاختيار من هنا ولماذا جاء ذكر القصص على العطف بالواو من بداية الذكر الى النهاية ؟ ان معنى هذا الاختيار له علاقة في كلمة مبارك حيث ان الشفاء والعلاج والزيادة والنمو والبركة ، وذلك بدليل قول امير المؤمنين(ع) ان اية الكرسي فيها خمسون كلمة مع كل كلمة بركة اذن الذكر المبارك هو شفاء للناس فلذلك تستعمل منه الاوراد والاذكار والصلوات . وكذلك نجد في هذه سورة(الانبياء) التي هي مجموعة من قصص الانبياء ، يؤكد الله سبحانه وتعالى فيها على ذكر (الذكر) فمثلا في بدايتها قال تعالى (اقترب للناس حسابهم فهم في غفلة معرضون ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم يلعبون لقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم افلا تعقلون) وقوله تعالى(ام اتخذوا من دونه الهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل اكثرهم لايعلمون الحق فهم معرضون) وقوله تعالى(واذا راك الذين كفروا ان يتخذونك الا هزوا اهذا الذي يذكر الهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون) وقوله تعالى(قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون) وقوله تعالى(ولقد اتينا موسى وهارون الفرقان وضياءاً وذكراً للمتقين) وقوله تعالى (وهذا ذكر مبارك) وقوله تعالى(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون). والحمد لله رب العالمين.