السيد القحطاني يناقش السيد الخوئي في السنن الإلهية
ابتلي الدين الإسلامي بآفات فتاكة نهشت جسده الذي اصبح في مهب الفتن والآراء والأقاويل فراح يمزق وتبعثر ثوابته في طيات هذا الزمن الفتان.
فتجد أن الكثير من المفاهيم والثوابت في الإسلام والشريعة المقدسة اصبح عرضة للأقوال والآراء على الرغم من ورود نصوص كثيرة ومتكاثرة ثبت تلك المفاهيم، إلا أن مخالفة النصوص والإعتماد على العقول جعل من هذه المسلمات أمور بعيدة في نظر قائليها عن الواقع وتبعهم على ذلك من تبعهم من الناس جريا على ما تعودوا عليه من تقليد العلماء إلا أن العالم يجب أن يُنظر في حكمه ولا يكون الأخذ منه دون تفحص .
ونحن إذا نناقش أحد المفاهيم المهمة في الإسلام وما قيل فيها ليس هدفنا الطعن والتشهير بصاحب القول بل هدفنا الذي نشهد الله تعالى عليه هو تبيان الحق وإظهار الصورة الحقيقية التي تخدم الدين والمسلمين
ومن اهم هذه المفاهيم، مفهوم السنن الالهية والتي اجمع العلماء من كلا الفريقين سنة وشيعة على صحة وقوعها وجريانها في الامة الإسلامية كما وقعت في الأمم السالفة.
حيث سنتناولها بحثا وتحقيقا ومن جميع الجهات .
الأدلة من الثقلين
جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) في كلام له مع ابو عمارة قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً): (يا ابا عمارة اتعرف الاسباط قال نعم يارسول الله انهم كانوا اثني عشر قال فان فيهم لاوي بن ارحيا قال اعرفه يا رسول الله وهو الذي غاب عن بني اسرائيل ستين ثم عاد فاظهر شريعته بعد اندراسها والذي قاتل مع قرسطيا الملك حتى قاتله وقال (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) كائن في امتي ما كان في بني اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وان الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى ويأتي على امتي زمن لا يبقى من الإسلام الا اسمه ولا من القرآن الا رسمه فحينئذ يأذن الله له بالخروج فيظهر الإسلام ويجدد الدين ...)( ).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) انه قال: (لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ولاتخطئون طريقتهم شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع حتى ان لو كان من قبلكم دخل حجر ضب لدخلتموه قالوا اليهود والنصارى تعني يارسول الله قال فمن اعني )( ).
قال تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ }( ). وجاء في تفسير هذه الاية كما نقل الفيض الكاشاني في تفسيره قال: في الاكمال عن الصادق (عليه السلام): (لتركبن طبقاً عن طبق أي سير من كان قبلكم)( ).
وفيه ايضاً عن الجوامع عن الصادق (عليه السلام) انه قال: (لتركبن سنن من قبلكم من الاولين واحوالهم)( ).
ونقل البحراني في تفسيره عن زرارة عن ابي جعفر(عليه السلام) في قوله لتركبن طبقاً عن طبق قال: (يازرارة اولم تركب هذه الامة بعد نبيها طبقاً عن طبق في امر فلان وفلان وفلان)( ).
وعن سدير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: (ان للقائم منا غيبة يطول امدها قلت ولمَ ذاك يابن رسول الله ؟ قال ان الله عز وجل ابى الا ان يجري فيه سنن الانبياء (عليه السلام) في غيباتهم وانه لابد له ياسدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله عز وجل {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ } أي على سنن من كان قبلكم)( ).
وعن الصادق (عليه السلام) في معنى ذلك: (لتركبن طبقاً عن طبق سنن من كان قبلكم من الاولين واحوالهم)( ).
الطبرسي في الاحتجاج، عن امير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (لتركبن طبقاً عن طبق) أي لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الامم في الغدر بالاوصياء بعد الانبياء)( ).
وقد نقل المفسرون الكثير من احاديث وروايات النبي والائمة الاطهار (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) في مصنفاتهم في تفسيرهم لهذه الاية وكلها قريبة من المعنى المذكور فاعرضنا عنها مراعاة للاختصار وخوف الاطالة.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) انه قال: (يكون في هذه الامة كل ما كان في بني اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة)( ).
وفي تفسير العياشي عن ابي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً): (والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لاتخطئون طريقهم ولايخطئكم سنة بني اسرائيل )( ).
وعن غياث بن ابراهيم عن الصادق عن ابائه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً): (.... فانه يكون في هذه الامة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة )( ).
وعن سلمان ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) يقول: (لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباعاً بباع حتى لو دخلوا جحراً لدخلوا فيه معهم ان التوراة والقرآن كتبته يد واحدة في رق واحدة بقلم واحد وجرت الامثال والسنن سواء )( ).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) انه قال: ( قد قال ابو جعفر(عليه السلام) هي والله السنن القذة بالقذة مشكاة بمشكاة ولابد ان يكون فيكم ما كان في الذين من قبلكم)( ).
وعن الحسن بن الجهم قال قال المأمون للرضا (عليه السلام) يا ابا الحسن ما تقول في الرجعة فقال (عليه السلام): ( انها الحق قد كانت في الامم السالفة ونطق بها القرآن وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) يكون في هذه الامة كل ما كان في الامم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة)( ).
وعن سليم بن قبيس عن سلمان انه قال: (ان القوم ارتدوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) الا من عصمه الله بآل محمد ان الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) بمنزلة هارون من موسى وعتيق في سنة السامري ومن تبعه وبمنزلة العجل ومن تبعه فعلي في سنة هارون وعتيق في سنة السامري وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) يقول لتركبن امتي سنة بني اسرائيل حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباعاً بباع )( ).
مناقشة الخوئي في السنن الإلهية
وبعد كل ما تقدم من احاديث وروايات في هذا الصدد من كلا الفريقين سنة وشيعة، هل يعقل احد ان هذه الاحاديث والروايات لا تفيد علماً او عملاً كما يدعي السيد الخوئي (قدس)!!
حيث ورد في كتابه البيان في تفسير القرآن ص220 قول الخوئي ((إن الروايات المشار إليها أخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا))
واذا كانت كذلك أي انها لا تفيد علماً ولا عملاً فلماذا تمسك بها سماحة السيد في الصفحة (19) من كتابه البيان في موضوع فضل القرآن حيث قال:
((الثالث : ان يكون معناها أن حوادث الامم السابقة تجري بعينها في هذه الامة فهي بمعنى قوله تعالى : {لتركبن طبقاً عن طبق} وبمعنى الحديث المأثور عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً): (لتركبن سنن من قبلكم) )).
فاذا كانت كذلك فلم استدل بها في هذا المورد يا ترى ؟! فلو كانت لا تفيد علماً او عملاً كان الاولى والاصح ان لا يقبلها فضلاً عن الاستدلال بها.
ثم اننا لو قمنا بعرض هذه الاحاديث والروايات على كتاب الله تبارك وتعالى لوجدناها توافق ما نزله الله عز وجل فيه، فقد قال تعالى (لتركبن طبقاً عن طبق) وقد تبين تفسيرها فيما تقدم من الاحاديث والروايات الكثيرة التي سقناها والتي وردت عن النبي والائمة الاطهار صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، وقد صرحت الكثير من الاحاديث والروايات في مسألة التمييز بين الروايات الصحيحة من الموضوعة واكدت على ضرورة عرض الاحاديث والروايات على كتاب الله عز وجل فما وافق القرآن فقد امرنا النبي بأخذه وما خالفه نهانا (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) عن الاخذ به بل امرنا بضربه بعرض الجدار.
فقد جاء في الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) والذي جاء فيه: ( اذا جاءكم منا حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاطرحوه او ردوه علينا)( ).
وجاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً) في حجة الوداع انه قال: ( قد كثرت على الكذابة وستكثر، فمن كذب على متعمداً فليثبوا مقعده من النار، فاذا اتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا بها )( ).
ولا ادري لم رفض السيد الخوئي كل هذه الروايات وقال انها لا تفيد علماً او عملاً ولماذا لم يقم بعرضها على القرآن والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً)، واهل بيته الاطهار سلام الله عليهم امرونا بعرض احاديثهم على كتاب الله عز وجل، والسيد الخوئي نفسه ذهب إلى ضرورة عرض الاحاديث على كتاب الله عز وجل كما ذهب إلى ذلك غيره من العلماء.
وقد ذكر في الصفحة (233) من كتابه ما هذا نصه : ((اقول : اشار المحقق الكركي بكلامه هذا إلى ما أشرنا اليه – سابقاً – من ان الروايات المتواترة قد دلت على ان الروايات اذا خالفت القرآن لابد من طرحها.
فمن تلك الروايات: ما ورد عن محمد بن علي بن الحسين بسنده الصحيح عن الصادق (عليه السلام): (الوقف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، ان على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه ...)( ).
ومارواه الشيخ الجليل سعيد بن هبة الله (القطب الرواندي) بسنده الصحيح إلى الصادق (عليه السلام): ( إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه ...) )).
اقول : فلماذا لم يعرض سماحة السيد الخوئي هذه الأحاديث والروايات على كتاب الله عز وجل بدلا من ردها ورفضها بعقله ودين الله لا يصاب بالعقول كما ورد في المأثور ونحن لا نتمنى أن يكون الخوئي من الذين يردون على رسول الله وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم لأن الراد عليهم كالراد على الله عز وجل.
ثم أن العجيب من السيد الخوئي والذي يوصف بانه المحقق يذكر أن هذه الروايات لم يرد لها ذكر في الكتب الأربعة حيث كتب يقول في صفحة ( 220) من كتابه: ((ولم يذكر من هذه الروايات شيء في الكتب الأربعة )).
والحقيقة أنه يوجد في كتاب الكافي ومن لا يحضره الفقيه هذه الرواية وهي واردة عن زرارة عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: { لتركبن طبقا عن طبق } قال: (يا زرارة أولم تركب هذه الأمة كل ما كان في بني اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة )( ).
اليس هذين الكتابين من الكتب الأربعة فكيف يقول السيد الخوئي رحمه الله: (( ولم يذكر من هذه الروايات شيء في الكتب الأربعة )).
ذكر سماحة السيد الخوئي في الصفحة 221 من كتابه البيان في موضوع ( شبهات القائلين بالتحريف ) ما هذا نصه:
(( ثالثاً: إن كثيرا من الوقائع التي حدثت في الأمم السالفة لم يصدر مثلها في هذه الأمة كعبادة العجل، وتيه بني إسرائيل اربعين سنة، وغرق فرعون وأصحابه، وملك سليمان للإنس والجن ورفع عيسى إلى السماء وموت هارون وهو وصي موسى قبل موت موسى نفسه وإتيان موسى بتسع آيات بينات، وولادة عيسى من غير أب ومسخ كثير من السابقين قردة خنازير وغير ذلك مما لا يسعنا إحصاءه، وهذا أدل دليل على عدم إرادة الظاهر من تلك الروايات فلا بد من إرادة المشابهة في بعض الوجوه )).
والحقيقة يرد على كلام السيد هذا بعض الإشكالات:
الإشكال الأول:
بخصوص قوله: (( إن كثيرا من الوقائع التي حدثت في الأمم السابقة لم يصدر مثلها في هذه الأمة )) وقوله: (( فلابد من إرادة المشابهة في بعض الوجوه )).
ويرد عليه أن كلام السيد هذا غير دقيق فإن الأحاديث والروايات على خلافه وهي كثيره جدا أذكر منها ما كتبه في الصفحة (220) حيث أورد الرواية الواردة عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن آباءه عليهم السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): ( كل ما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ).
فمن هذا الحديث يتبين لنا واضحا ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) يؤكد على أن ما وقع في الأمم السالفة يقع مثله فكيف يصح أن يقول الخوئي (( لم يصدر مثلها )).
اليس هذا رد لحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) والأخذ بما قطع به عقله وهذا حتما غير صحيح وغير مقبول كما أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) قال: ( مثله ) ولم يقل يشبهه ولو كان مراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) المشابهة لكان الأصح أن يقول شبهه، ثم إن كلام السيد هذا نقيض كلامه في الصفحة (19) حيث قال: (( الثالث: أن يكون معناه أن حوادث الأمم السالفة تجري بعينها في هذه الأمة )).
وهنا يرد إشكال فإن هذه الحوادث التي وقعت في الأمم السابقة أما أن يقع عينها في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أو يشبهها فلماذا هذا التناقض يا ترى ؟ حيث يقول السيد مرة أنها تقع بعينها ومرة يقول شبهها.
الإشكال الثاني :
إن سماحة السيد الخوئي كتب في الصفحة ( 220) يقول : (( أولا : إن الروايات المشار إليها أخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا ))
ويتضح من كلام الخوئي هذا أنه يستند إلى هذه الرواية ويبني عليها مطلبه وفكرته مما يدل على أنها مقبولة عنده فكيف جاز له ردها سابقا واعتبارها خبر آحاد لا تفيد علما ولا عملا، ثم يأتي في الصفحة التي تليها أي الصفحة ( 221) ويقول: (( وهذا أدل دليل على عدم إرادة الظاهر من تلك الروايات )).
ويرد عليه فإن الروايات أما أن تقبل وعندها جاز وصح النقاش فيما هو المقصود منها هل هو الظاهر أو معنى آخر، وإما لا تقبل وعندها فلا داعي أصلا للنقاش فيما هو المقصود منها.
الإشكال الثالث :
بخصوص قوله: (( إن كثير من الوقائع ... كعبادة العجل وتيه بني إسرائيل)) من قال إن هذه الحوادث لم تقع أو لن تقع خاصة إذا ما علمنا بقول السيد نفسه: (( وهذا أدل دليل على عدم إرادة الظهر من تلك الروايات )) فإن الصحيح أن الحوادث التي وقعت في الأمم السالفة كلها تقع في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ولكن بصورة تأويلية وليس بنفس الصورة السابقة فإن الزمان أختلف والمكان قد تغير والمجتمع اتسع وتطور فلا يمكن أن تكون المصاديق هي نفسها التي وجدت في الأمم السالفة وإنما تكون المفاهيم هي المتماثلة وهي في الواقع نفس تلك المفاهيم التي وقعت في الأمم السالفة وإن كانت تختلف من ناحية المصاديق.
يتبع يتبع
تعليق