اما الهداة فقد تواترة الروايات بمصداقها الذي ينطبق على المعصومين (عليهم السلام) فقد جاء في دعاء العشرات : ( وأشهد أن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقا حقا وأن الأئمة من ولده هم الأئمة الهداة المهديون غير الضالين ولا المضلين) مصباح المتهجد ص 85
وجاء عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله المنذر ولكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله صلى الله عليه وآله ، ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد ) الكافي ج 1 - ص 191
ومن هذه الروايات نرى التأكيد من المعصوم (عليه السلام) بأن الاستنباط لايكون الا لولاة الامر المعصومين الصفوة من بيوتات الانبياء فهم ورثة العلم وأهل استنباطة ومن وضع الولاية لغيرهم وزعم بأنهم من أهل الاستنباط فقد خالف امر الله وجعل الجهال ولاة امر الله ومن يأتي الله وقد جعل له أولياء غير الائمة (عليهم السلام) كان حقا على الله ان يذله ويعذبه يوم يلقاه يوم لاينفع مال ولابنون الا من أتى الله بقلب سليم .
وبعد هذا الكلام هل يستطيع عقلنا القاصر ان يدرك احكام الله تعالى ويفسرها فضلا على ان يكون مشرعا لها وكل ما يقول به العقل يقوله الشرع ؟ فان كان هذا القول في دائرة الامكان لكان ممكنا ً لرسل الله وملائكته المقربين أيضا فهل يعقل أن يمتنع الاستنباط والتشريع لرسل الله وأنبيائة وللملائكة المقربين ويكون ممكنا ً لفقهاء أخر الزمان ؟
ومع كل الذي مر علينا من كلام الائمة (عليهم السلام) نرى الفقهاء يجوزون مسألة الاستنباط والتشريع لغير العترة الطاهرة ويجعلون جواز ذلك راجعا للبداهة ولنأخذ كلام السيد الصدر الاول حين تسائل عن شرعية ممارسة الاستنباط فقال : ( حين نتسأل : هل يجوز لنا ممارسة عملية الاستنباط أو لا ؟ يجئ الجواب على البداهة بالايجاب) المعالم الجديدة للأصول ص 22 - 28
الى هنا نكتفي بهذا القدر من التوضيح بقي علينا أن نستعلم حجية العقل عند الائمة (عليهم السلام) وهل جعلوه مصدرا من مصادر التشريع وهل حثوا أتباعهم على السير وراء مايقوله العقل في حال غياب النص في كتاب الله وسنة نبيه وأن كان هذا الامر محالا اي ان ترد حادثة لا وجود لحكمها بكتاب الله ولاسنة نبيه ولكن الذي ليس بمحال ان ترد علينا حوادث لايستطيع عقلنا أيجاد حكمها في الكتاب الله ولا سنة نبيه وهذه دلالة على قصور عقولنا وليس لقصور في الكتاب ولا السنة وهذا الذي لم يدركه العلامة الحلي وغيره كالسيد الخوئي حين قالوا بأن الكتاب والسنة لايفيان بالغرض , قال العلامة الحلي : (الوقايع غير محصورة ، والحوادث غير مضبوطة ، والكتاب والسنة لا يفيان بها) كتاب الألفين ص 28
وقال السيد الخوئي : (وأما الكتاب العزيز فهو غير متكفل ببيان جميع الأحكام) .
معجم رجال الحديث - السيد الخوئي - ج 1 - ص 20
أن الذي يقراء ماجاء في في كتاب الله و روايات العترة يجد وبدون أدنى صعوبه ما يعارض هذا الكلام وما يؤكد تمامية الكتاب والسنة فقد جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شئ حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد ، حتى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا انزل في القرآن ؟ إلا وقد أنزله الله فيه ) الكافي ج 1 - ص 59
وجاء عن سماعة ، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : قلت له : ( أكل شئ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ؟ أو تقولون فيه ؟ قال : بل كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ) . الكافي ج 1 - ص 62
وغيرها كثير ما يؤكد هذا المعنى اي تمامية الكتاب والسنة ومع ذلك لم يدرك العقل القاصر الكثير من الاحكام ولم يستطع العقل ايجاد بعض الاحكام من الكتاب ولا السنة عن طريق الاستنباط لان هذه المسألة أي مسألة الاستنباط لم يوكل أمرها لنا كما تقدم في الحديث بل لها أهلها وهم سادت البشر صفوة الله وال الله , ولكن مع شديد الاسف لم ينسب الفقهاء القصور الى عقولهم بل نسبوه الى الكتاب والسنة وقالوا بعدم تمامية كلا منهما .
وعلى العموم قد حدث الاستفهام من أصحاب الائمة (عليهم السلام) فتوجه بعض الاصحاب بالسؤال عن النظر في الاحكام والنظر بلا شك يتم بواسطة العقل فهل أعطى الائمة (عليهم السلام ) الشرعية في أستخدام العقل بمعرفة الاحكام الجوب كلا فقد قال الائمة (عليهم السلام) بان النظر ان أصاب لم يؤجر صاحبه وأن أخطأ فقد كذب على الله وهذا ما جاء عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ( ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها ؟ فقال : لا ، أما إنك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل ).
الكافي ج 1 - ص 56 - بحار الأنوار ج 2 - ص 306
وجاء عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) في حديث قال : ليس لك أن تتكلم بما شئت لان الله عز وجل يقول : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) . وسائل الشيعة ج 18 - ص 17
وما يؤكد بُعد العقل عن أدراك الاحكام وعللها فكثير منها على سبيل المثال فأن العقل يحكم بمسح باطن القديمن ولكن الشرع امر بمسح ظاهر القدمين فقد جاء ما يؤكد هذا المعنى عن عبد خير عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه توضأ فمسح على ظهر القدم وقال : ( لولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعله لكان باطن القدم أحق من ظاهره )
المسح في وضوء الرسول (ص) - محمد الحسن الآمدي - ص 84
فأين قاعدة الملازمة من هذا الحكم ؟
ومنها ان الله قد رضا في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلا بأربعة والعقل يقول بوجوب العكس لان القتل عقلا اعظم من الزنا والحائض قد أمرت بقضاء صومها ولم تؤمر بقضاء صلاتها والعقل لايدرك العلة في ذلك وهذه ومثلها كثير قد أحتج بها الائمة (عليهم السلام) على المخالفين ولعل سائل يقول ان هذه الموارد جائت للنهي عن القياس في الدين فنقول ان القياس جزء لايتجزء من موارد العقل فالعقل يستخدم القياس دون الشعور باستخدامه ولذلك اقر جمع من الفقهاء بان العقل لاطريق له لاثبات الاحكام الشرعية وذلك لعدم إحاطته بعلل تشريع هذه الاحكام ومع ذلك فأنهم أقروا قاعدة الملازمة وهذا هو العجب العجاب ومنهم السيد الخوئي في معجم رجال الحديث حيث قال : ( لا ريب في أن العقل لا طريق له إلى إثبات الأحكام الشرعية لعدم إحاطته بالجهات الواقعية الداعية إلى جعل الأحكام الشرعية) معجم رجال الحديث ج 1 - ص 19
ثم بعد ذلك جاء فأقر قاعدة الملازمة ان مثل هذه التناقضات وغيرها كثير قد صدم بها الفقهاء حين اتبعوا سبيل العقل فأرادوا ان يجعلوه دليلاً في أثبات الاحكام وحاولوا اقراره فلم يستطيعوا ان يأتوا بدليل شرعي على ذلك ليس من الائمة (عليهم السلام) فحسب بل حتى من المتقدمين من الفقهاء الامامية لم يكن لهم القول بهذا الدليل وذلك واضح من كلام الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه اصول الفقه مبحث الدليل العقلي حيث قال : ( لم يظهر لي بالضبط ما كان يقصد المتقدمون من علمائنا بالدليل العقلي ، حتى أن الكثير منهم لم يذكره من الأدلة ، أو لم يفسره ، أو فسره بما لا يصلح أن يكون دليلا في قبال الكتاب والسنة ) أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 129
بقي علينا ان نبين ما هي حجية العقل وهل خلقه الله عبثا حاشاه من ذلك .
قد يقع البعض بالايهام حيث يتصور من كلامنا اننا ننفي دور العقل بالجملة وهذا غير صحيح اطلاقا بل ان للعقل موارد يكون بها دليل المؤمن كما جاء في الروايات التي سيأتي تبيانها كما ان للعقل موارد قد حرم عليه دخولها وأولها هو التشريع وجعله دليلاً على معرفة او اكتشاف الاحكام .
ومن موارد العقل التي تكون دليلاً للمؤمن هي ان العقل حجة الله على الانسان في أصول دينه وفي معرفة الصادق على الله من الكاذب على الله حيث جاء عن الإمام الهادي ( عليه السلام ) حين سؤل : ( ... فما الحجة على الخلق اليوم ؟ قال : العقل ، يعرف به الصادق على الله فيصدقه ، والكاذب على الله فيكذبه ...) الكافي : 1 - 28
وقيل للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما العقل ؟ قال : العمل بطاعة الله ، وإن العمال بطاعة الله هم العقلاء ) . مشكاة الأنوار - علي الطبرسي - ص 438
وقد تقدم الحديث عن مفهوم الطاعة ولمن تكون وقد بينا ذلك سابقاً في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... }النساء59 .
وجاء في معنى العقل انه ماعبد به الرحمن حيث جاء عن الصادق (عليه السلام) حين سؤل مالعقل ؟ فقال : ( .. ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان .. ) الكافي ج 1 - ص 11
وقرن الائمة (عليهم السلام) العقل بالدين حيث جاء عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : (من كان عاقلاً كان له دين ، ومن كان له دين دخل الجنة ). الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 11
ان الذي نريد ان نصل أليه هو ان العقل يكون حجة على العباد في أصول دينهم كمعرفة وجوب العبادة لله الواحد لاشريك له وكمعرفة النبوة والتصديق بصاحب الدعوة الحقة من الدعوة الباطله وكذلك في معرفة الامامة ووجوب حق الطاعة لله ورسوله وأولي الامر (عليهم السلام) وكل ما يتعلق بأصول الدين ماخلا التشريع في فروعة فأنها موكوله لله تعالى فلم يوكل امر التشريع الى أحداً من خلقة ولكنه ارسل رسولا من ملائكته فأمر انبيائه بما يحب من حلاله ونهاهم عما يكره من حرامه وقد جاء في قول المعصوم (عليه السلام) مايؤكد هذا المعنى : ( وإن الله لم يجعل العلم جهلا ولم يكل امره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولكنه أرسل رسولا من ملائكته فقال له : قل كذا وكذا !) . فأمرهم بما يحب من حلاله ونهاهم عما يكره من حرامه وحدوده فكان العقل هو طاعة الله وطاعة من امرنا الله بطاعتهم ولذلك عبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عن الجنون بانه من آثر الحياة الدنيا على الاخرة وهو نقيض العقل حيث روي إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مر بمجنون فقال ما له ؟ فقيل إنه مجنون ، فقال بل هو مصاب إنما المجنون من آثر الدنيا على الآخرة ) . روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 4
وجاء عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال : (مر رسول الله صلى الله عليه وآله على جماعة فقال : على ما اجتمعتم ؟ قالوا : يا رسول الله هذا مجنون يصرع ، فاجتمعنا عليه ، فقال : ليس هذا بمجنون ولكنه المبتلى ، ثم قال : ألا أخبركم بالمجنون حق المجنون ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : ان المجنون حق المجنون المتبختر في مشيته ، الناظر في عطفيه ، المحرك جنبيه بمنكبيه ، يتمنى على الله جنته وهو يعصيه ، الذي لا يؤمن شره ، ولا يرجى خيره ، فذلك المجنون ، وهذا المبتلى ) . الخصال - الشيخ الصدوق - ص 332 - 333
وقد جاء عن هشام مايؤكد معنى العقل وموارده القرانية التي أحتج بها الله على خلقة فقد جاء عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال : فبشر عباد ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ) .
يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ، ونصر النبيين بالبيان ، ودلهم على ربوبيته بالأدلة ، فقال : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم * إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) يا هشام قد جعل الله ذلك دليلا على معرفته بأن لهم مدبرا ، فقال : ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) .
وقال : ( هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا " ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون ) .
وقال : ( إن في اختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيى به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح [ والسحاب المسخر بين السماء والأرض ] لآيات لقوم يعقلون )
وقال : ( يحيي الأرض بعد موتها ، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) .
وقال : (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل ، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) .
وقال : ( ومن آياته يريكم البرق خوفا " وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها . إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) .
وقال : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا " وبالوالدين إحسانا " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ، نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ذلكم وصيكم به لعلكم تعقلون ) .
وقال : ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ، كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) .
نأتي الان الى مناقشة ما أستدل به السيد الصرخي تحت عنوان (العقل ووجوب دفع الضرر) وكذلك في (الفطرة ووجوب دفع الضرر)
حيث قال : (إن العقل يحكم بلزوم دفع الضرر المحتمل الناتج من إهمال امتثال الأحكام الشرعية المنجزة بالعلم الإجمالي ، والمكلف العامي حسب الفرض ليس أمامه إلا التقليد للوصول إلى ما يؤمنه من العقاب)
أقول : القاعدة الذي تقول (إن العقل يحكم بلزوم دفع الضرر المحتمل الناتج من إهمال امتثال الأحكام الشرعية المنجزة بالعلم الإجمالي) صحيحة ولكن النتيجة التي أخذتها من هذه القاعدة غير تامة والنتيجة هي (والمكلف العامي حسب الفرض ليس أمامه إلا التقليد للوصول إلى ما يؤمنه من العقاب) من أين أتيت بهذه الضابطة وهي غير مقرر في القاعدة ، فلو فرضنا ولو كان فرضا ممتنعا عندكم _ وفرض الممتنع ليس بممتنع كما يقال _ إن أحدا من الناس استطاع أن يدفع الضرر الناتج من إهمال الامتثال للأحكام الشرعية بدون اللجوء إلى حكم التقليد بل له طريق آخر هل تضطرب القاعدة ؟؟ وإذا وجد هذا الفرض فيصبح التقليد راجحا وليس واجبا كما هو واضح .
ثم أقول لكم إن جميع الفقهاء ومراجع التقليد يذهبون الى انه لا وجوب في التقليد في ضروريات الدين أو المذهب في بعض الواجبات والمحرمات وكثير من المستحبات والمباحات ، وأيضا لا يوجب التقليد إذا حصل المكلف علم من إن فعله أو تركه لا تستلزم مخالفة لحكم إلزامي وهنا ننقل هذا المقطع حول التقليد للسيد الخوئي في كتابه الاجتهاد والتقليد حيث قال ( إن لزوم كون المكلف في جميع أفعاله وتروكه مقلدا أو محتاطا أو مجتهدا إنما هو بحكم العقل نظرا إلى استقلاله بوجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب لتنجز الأحكام الواقعية في حقه بالعلم الإجمالي أو بالاحتمال لأن الشبهة حكمية وقبل الفحص ، فالمكلف إذا خالف الحكم المنجز في حقه استحق عليه العقاب ، وبما إن ما يأتي به مما يحتمل حرمته كما إن ما يتركه محتمل الوجوب في الواقع فهو يحتمل العقاب في أفعاله وتروكه ، وبهذا يستقل عقله بلزوم دفع هذا الاحتمال وتحصيل المؤمن من العقاب على تقدير مخالفة عمله الواقع ، ومن هنا يتضح إن مورد التقليد وأخويه إنما هو ما يحتمل المكلف فيه العقاب ، وأما ما علم بإباحته أو بوجوبه أو حرمته فلا {أي ليس فيه لزوم التقليد} لعدم كونها موردا لاحتمال العقاب كي يجب دفعه لدى العقل بالتقليد أو بغيره لجزمه بعدم العقاب أو بوجوده فعلى ذلك لا حاجة إلي التقليد) كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 76
وجاء عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله المنذر ولكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله صلى الله عليه وآله ، ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد ) الكافي ج 1 - ص 191
ومن هذه الروايات نرى التأكيد من المعصوم (عليه السلام) بأن الاستنباط لايكون الا لولاة الامر المعصومين الصفوة من بيوتات الانبياء فهم ورثة العلم وأهل استنباطة ومن وضع الولاية لغيرهم وزعم بأنهم من أهل الاستنباط فقد خالف امر الله وجعل الجهال ولاة امر الله ومن يأتي الله وقد جعل له أولياء غير الائمة (عليهم السلام) كان حقا على الله ان يذله ويعذبه يوم يلقاه يوم لاينفع مال ولابنون الا من أتى الله بقلب سليم .
وبعد هذا الكلام هل يستطيع عقلنا القاصر ان يدرك احكام الله تعالى ويفسرها فضلا على ان يكون مشرعا لها وكل ما يقول به العقل يقوله الشرع ؟ فان كان هذا القول في دائرة الامكان لكان ممكنا ً لرسل الله وملائكته المقربين أيضا فهل يعقل أن يمتنع الاستنباط والتشريع لرسل الله وأنبيائة وللملائكة المقربين ويكون ممكنا ً لفقهاء أخر الزمان ؟
ومع كل الذي مر علينا من كلام الائمة (عليهم السلام) نرى الفقهاء يجوزون مسألة الاستنباط والتشريع لغير العترة الطاهرة ويجعلون جواز ذلك راجعا للبداهة ولنأخذ كلام السيد الصدر الاول حين تسائل عن شرعية ممارسة الاستنباط فقال : ( حين نتسأل : هل يجوز لنا ممارسة عملية الاستنباط أو لا ؟ يجئ الجواب على البداهة بالايجاب) المعالم الجديدة للأصول ص 22 - 28
الى هنا نكتفي بهذا القدر من التوضيح بقي علينا أن نستعلم حجية العقل عند الائمة (عليهم السلام) وهل جعلوه مصدرا من مصادر التشريع وهل حثوا أتباعهم على السير وراء مايقوله العقل في حال غياب النص في كتاب الله وسنة نبيه وأن كان هذا الامر محالا اي ان ترد حادثة لا وجود لحكمها بكتاب الله ولاسنة نبيه ولكن الذي ليس بمحال ان ترد علينا حوادث لايستطيع عقلنا أيجاد حكمها في الكتاب الله ولا سنة نبيه وهذه دلالة على قصور عقولنا وليس لقصور في الكتاب ولا السنة وهذا الذي لم يدركه العلامة الحلي وغيره كالسيد الخوئي حين قالوا بأن الكتاب والسنة لايفيان بالغرض , قال العلامة الحلي : (الوقايع غير محصورة ، والحوادث غير مضبوطة ، والكتاب والسنة لا يفيان بها) كتاب الألفين ص 28
وقال السيد الخوئي : (وأما الكتاب العزيز فهو غير متكفل ببيان جميع الأحكام) .
معجم رجال الحديث - السيد الخوئي - ج 1 - ص 20
أن الذي يقراء ماجاء في في كتاب الله و روايات العترة يجد وبدون أدنى صعوبه ما يعارض هذا الكلام وما يؤكد تمامية الكتاب والسنة فقد جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شئ حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد ، حتى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا انزل في القرآن ؟ إلا وقد أنزله الله فيه ) الكافي ج 1 - ص 59
وجاء عن سماعة ، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : قلت له : ( أكل شئ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ؟ أو تقولون فيه ؟ قال : بل كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ) . الكافي ج 1 - ص 62
وغيرها كثير ما يؤكد هذا المعنى اي تمامية الكتاب والسنة ومع ذلك لم يدرك العقل القاصر الكثير من الاحكام ولم يستطع العقل ايجاد بعض الاحكام من الكتاب ولا السنة عن طريق الاستنباط لان هذه المسألة أي مسألة الاستنباط لم يوكل أمرها لنا كما تقدم في الحديث بل لها أهلها وهم سادت البشر صفوة الله وال الله , ولكن مع شديد الاسف لم ينسب الفقهاء القصور الى عقولهم بل نسبوه الى الكتاب والسنة وقالوا بعدم تمامية كلا منهما .
وعلى العموم قد حدث الاستفهام من أصحاب الائمة (عليهم السلام) فتوجه بعض الاصحاب بالسؤال عن النظر في الاحكام والنظر بلا شك يتم بواسطة العقل فهل أعطى الائمة (عليهم السلام ) الشرعية في أستخدام العقل بمعرفة الاحكام الجوب كلا فقد قال الائمة (عليهم السلام) بان النظر ان أصاب لم يؤجر صاحبه وأن أخطأ فقد كذب على الله وهذا ما جاء عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ( ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها ؟ فقال : لا ، أما إنك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل ).
الكافي ج 1 - ص 56 - بحار الأنوار ج 2 - ص 306
وجاء عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) في حديث قال : ليس لك أن تتكلم بما شئت لان الله عز وجل يقول : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) . وسائل الشيعة ج 18 - ص 17
وما يؤكد بُعد العقل عن أدراك الاحكام وعللها فكثير منها على سبيل المثال فأن العقل يحكم بمسح باطن القديمن ولكن الشرع امر بمسح ظاهر القدمين فقد جاء ما يؤكد هذا المعنى عن عبد خير عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه توضأ فمسح على ظهر القدم وقال : ( لولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعله لكان باطن القدم أحق من ظاهره )
المسح في وضوء الرسول (ص) - محمد الحسن الآمدي - ص 84
فأين قاعدة الملازمة من هذا الحكم ؟
ومنها ان الله قد رضا في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلا بأربعة والعقل يقول بوجوب العكس لان القتل عقلا اعظم من الزنا والحائض قد أمرت بقضاء صومها ولم تؤمر بقضاء صلاتها والعقل لايدرك العلة في ذلك وهذه ومثلها كثير قد أحتج بها الائمة (عليهم السلام) على المخالفين ولعل سائل يقول ان هذه الموارد جائت للنهي عن القياس في الدين فنقول ان القياس جزء لايتجزء من موارد العقل فالعقل يستخدم القياس دون الشعور باستخدامه ولذلك اقر جمع من الفقهاء بان العقل لاطريق له لاثبات الاحكام الشرعية وذلك لعدم إحاطته بعلل تشريع هذه الاحكام ومع ذلك فأنهم أقروا قاعدة الملازمة وهذا هو العجب العجاب ومنهم السيد الخوئي في معجم رجال الحديث حيث قال : ( لا ريب في أن العقل لا طريق له إلى إثبات الأحكام الشرعية لعدم إحاطته بالجهات الواقعية الداعية إلى جعل الأحكام الشرعية) معجم رجال الحديث ج 1 - ص 19
ثم بعد ذلك جاء فأقر قاعدة الملازمة ان مثل هذه التناقضات وغيرها كثير قد صدم بها الفقهاء حين اتبعوا سبيل العقل فأرادوا ان يجعلوه دليلاً في أثبات الاحكام وحاولوا اقراره فلم يستطيعوا ان يأتوا بدليل شرعي على ذلك ليس من الائمة (عليهم السلام) فحسب بل حتى من المتقدمين من الفقهاء الامامية لم يكن لهم القول بهذا الدليل وذلك واضح من كلام الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه اصول الفقه مبحث الدليل العقلي حيث قال : ( لم يظهر لي بالضبط ما كان يقصد المتقدمون من علمائنا بالدليل العقلي ، حتى أن الكثير منهم لم يذكره من الأدلة ، أو لم يفسره ، أو فسره بما لا يصلح أن يكون دليلا في قبال الكتاب والسنة ) أصول الفقه - الشيخ محمد رضا المظفر - ج 3 - ص 129
بقي علينا ان نبين ما هي حجية العقل وهل خلقه الله عبثا حاشاه من ذلك .
قد يقع البعض بالايهام حيث يتصور من كلامنا اننا ننفي دور العقل بالجملة وهذا غير صحيح اطلاقا بل ان للعقل موارد يكون بها دليل المؤمن كما جاء في الروايات التي سيأتي تبيانها كما ان للعقل موارد قد حرم عليه دخولها وأولها هو التشريع وجعله دليلاً على معرفة او اكتشاف الاحكام .
ومن موارد العقل التي تكون دليلاً للمؤمن هي ان العقل حجة الله على الانسان في أصول دينه وفي معرفة الصادق على الله من الكاذب على الله حيث جاء عن الإمام الهادي ( عليه السلام ) حين سؤل : ( ... فما الحجة على الخلق اليوم ؟ قال : العقل ، يعرف به الصادق على الله فيصدقه ، والكاذب على الله فيكذبه ...) الكافي : 1 - 28
وقيل للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما العقل ؟ قال : العمل بطاعة الله ، وإن العمال بطاعة الله هم العقلاء ) . مشكاة الأنوار - علي الطبرسي - ص 438
وقد تقدم الحديث عن مفهوم الطاعة ولمن تكون وقد بينا ذلك سابقاً في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... }النساء59 .
وجاء في معنى العقل انه ماعبد به الرحمن حيث جاء عن الصادق (عليه السلام) حين سؤل مالعقل ؟ فقال : ( .. ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان .. ) الكافي ج 1 - ص 11
وقرن الائمة (عليهم السلام) العقل بالدين حيث جاء عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : (من كان عاقلاً كان له دين ، ومن كان له دين دخل الجنة ). الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 11
ان الذي نريد ان نصل أليه هو ان العقل يكون حجة على العباد في أصول دينهم كمعرفة وجوب العبادة لله الواحد لاشريك له وكمعرفة النبوة والتصديق بصاحب الدعوة الحقة من الدعوة الباطله وكذلك في معرفة الامامة ووجوب حق الطاعة لله ورسوله وأولي الامر (عليهم السلام) وكل ما يتعلق بأصول الدين ماخلا التشريع في فروعة فأنها موكوله لله تعالى فلم يوكل امر التشريع الى أحداً من خلقة ولكنه ارسل رسولا من ملائكته فأمر انبيائه بما يحب من حلاله ونهاهم عما يكره من حرامه وقد جاء في قول المعصوم (عليه السلام) مايؤكد هذا المعنى : ( وإن الله لم يجعل العلم جهلا ولم يكل امره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولكنه أرسل رسولا من ملائكته فقال له : قل كذا وكذا !) . فأمرهم بما يحب من حلاله ونهاهم عما يكره من حرامه وحدوده فكان العقل هو طاعة الله وطاعة من امرنا الله بطاعتهم ولذلك عبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) عن الجنون بانه من آثر الحياة الدنيا على الاخرة وهو نقيض العقل حيث روي إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مر بمجنون فقال ما له ؟ فقيل إنه مجنون ، فقال بل هو مصاب إنما المجنون من آثر الدنيا على الآخرة ) . روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 4
وجاء عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال : (مر رسول الله صلى الله عليه وآله على جماعة فقال : على ما اجتمعتم ؟ قالوا : يا رسول الله هذا مجنون يصرع ، فاجتمعنا عليه ، فقال : ليس هذا بمجنون ولكنه المبتلى ، ثم قال : ألا أخبركم بالمجنون حق المجنون ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : ان المجنون حق المجنون المتبختر في مشيته ، الناظر في عطفيه ، المحرك جنبيه بمنكبيه ، يتمنى على الله جنته وهو يعصيه ، الذي لا يؤمن شره ، ولا يرجى خيره ، فذلك المجنون ، وهذا المبتلى ) . الخصال - الشيخ الصدوق - ص 332 - 333
وقد جاء عن هشام مايؤكد معنى العقل وموارده القرانية التي أحتج بها الله على خلقة فقد جاء عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال : فبشر عباد ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ) .
يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ، ونصر النبيين بالبيان ، ودلهم على ربوبيته بالأدلة ، فقال : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم * إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) يا هشام قد جعل الله ذلك دليلا على معرفته بأن لهم مدبرا ، فقال : ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) .
وقال : ( هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا " ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون ) .
وقال : ( إن في اختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيى به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح [ والسحاب المسخر بين السماء والأرض ] لآيات لقوم يعقلون )
وقال : ( يحيي الأرض بعد موتها ، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) .
وقال : (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل ، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) .
وقال : ( ومن آياته يريكم البرق خوفا " وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها . إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) .
وقال : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا " وبالوالدين إحسانا " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ، نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ذلكم وصيكم به لعلكم تعقلون ) .
وقال : ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ، كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) .
نأتي الان الى مناقشة ما أستدل به السيد الصرخي تحت عنوان (العقل ووجوب دفع الضرر) وكذلك في (الفطرة ووجوب دفع الضرر)
حيث قال : (إن العقل يحكم بلزوم دفع الضرر المحتمل الناتج من إهمال امتثال الأحكام الشرعية المنجزة بالعلم الإجمالي ، والمكلف العامي حسب الفرض ليس أمامه إلا التقليد للوصول إلى ما يؤمنه من العقاب)
أقول : القاعدة الذي تقول (إن العقل يحكم بلزوم دفع الضرر المحتمل الناتج من إهمال امتثال الأحكام الشرعية المنجزة بالعلم الإجمالي) صحيحة ولكن النتيجة التي أخذتها من هذه القاعدة غير تامة والنتيجة هي (والمكلف العامي حسب الفرض ليس أمامه إلا التقليد للوصول إلى ما يؤمنه من العقاب) من أين أتيت بهذه الضابطة وهي غير مقرر في القاعدة ، فلو فرضنا ولو كان فرضا ممتنعا عندكم _ وفرض الممتنع ليس بممتنع كما يقال _ إن أحدا من الناس استطاع أن يدفع الضرر الناتج من إهمال الامتثال للأحكام الشرعية بدون اللجوء إلى حكم التقليد بل له طريق آخر هل تضطرب القاعدة ؟؟ وإذا وجد هذا الفرض فيصبح التقليد راجحا وليس واجبا كما هو واضح .
ثم أقول لكم إن جميع الفقهاء ومراجع التقليد يذهبون الى انه لا وجوب في التقليد في ضروريات الدين أو المذهب في بعض الواجبات والمحرمات وكثير من المستحبات والمباحات ، وأيضا لا يوجب التقليد إذا حصل المكلف علم من إن فعله أو تركه لا تستلزم مخالفة لحكم إلزامي وهنا ننقل هذا المقطع حول التقليد للسيد الخوئي في كتابه الاجتهاد والتقليد حيث قال ( إن لزوم كون المكلف في جميع أفعاله وتروكه مقلدا أو محتاطا أو مجتهدا إنما هو بحكم العقل نظرا إلى استقلاله بوجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب لتنجز الأحكام الواقعية في حقه بالعلم الإجمالي أو بالاحتمال لأن الشبهة حكمية وقبل الفحص ، فالمكلف إذا خالف الحكم المنجز في حقه استحق عليه العقاب ، وبما إن ما يأتي به مما يحتمل حرمته كما إن ما يتركه محتمل الوجوب في الواقع فهو يحتمل العقاب في أفعاله وتروكه ، وبهذا يستقل عقله بلزوم دفع هذا الاحتمال وتحصيل المؤمن من العقاب على تقدير مخالفة عمله الواقع ، ومن هنا يتضح إن مورد التقليد وأخويه إنما هو ما يحتمل المكلف فيه العقاب ، وأما ما علم بإباحته أو بوجوبه أو حرمته فلا {أي ليس فيه لزوم التقليد} لعدم كونها موردا لاحتمال العقاب كي يجب دفعه لدى العقل بالتقليد أو بغيره لجزمه بعدم العقاب أو بوجوده فعلى ذلك لا حاجة إلي التقليد) كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 76