لماذا بلاد الشام .. ؟
لقد جاء في وصية معاوية لابنه يزيد ( لعنهما الله ) في تاريخ أبي مخنف ص4 ( .. اوصيك بأهل الشام فإنهم منك وأنت منهم فمن قدم عليك منهم فأكرمه ومن غاب فاطلع على خبره فإذا دهمك عدو فسر بهم فإذا ظفرت فردهم الى بلدهم فإذا أقاموا في غير أوطانهم تخلقوا بغير أخلاقهم .. )
فلماذا هذا الالتصاق بين بنوا أمية وحكومتهم فيما بعد بالشام من دون بلاد الله كافة وما هي العلاقة التي تجمعهما لدرجة أن يوصي معاوية ابنه يزيد بضرورة استعماله لأهل الشام بالذات وعدم تركهم فترة طويلة في البلاد التي يغزوها بجيش شامي متعللا بتغير أخلاقهم وما هو السر وراء قوله – فانهم منك وانت منهم- والمفروض ان يزيدا من قريش وبتحديد اكثر ان بني هاشم هم بنو عمومته ؟!!
من الثابت أن بلاد الشام ارتبطت ومنذ بدايات تاريخها باليهود ( بني اسرائيل ) كما جاء في تاريخ اليعقوبي في باب ملوك الشام ( وكانت الشأم دار ملك بني اسرائيل ، فيقال أن أول من ملك بدمشق بالغ بن بعور. ثم ملك يوباب، وهو أيوب بن زارح الصديق، وكان من خبره ما قد قصه الله، عز وجل .... )
وفي تاريخ بيت المقدس ليعقوب الفيتري من ترجمة د. سعيد البيشاوي ( وكان ملكي صادق احد ملوك اليبوسيين الكنعانيين وقد استمرت بيت المقدس تحكم من قبل هؤلاء حتى تغلب عليهم سيدنا داود " عليه السلام " في حوالي القرن العاشر قبل الميلاد )
وفي تاريخ دمشق ص8 ( وكانت الشام يقال لها أرض بني كنعان ثم جاءت بنو اسرائيل فقتلوهم بها – ونفوهم عنها ، فكانت لبني اسرائيل . ووثبت الروم على بني اسرائيل فقتلوهم وأجلوهم الى العراق الا قليلا منهم ) اي ان حكم الشام بعد اليهود آل الى الروم وفي ذلك جاء في تاريخ اليعقوبي ص 207- 208 :
( وغلبت الروم على ملكها وكانت قضاعة أول من قدم الشأم من العرب ، فصارت إلى ملوك الروم فملكوهم .... فصارت غسان إلى الشأم ، فقدموا أرض البلقاء ، فسألوا سليحا أن يدخلوا معهم فيما دخلوا فيه من طاعة ملك الروم ، وان يقيموا في البلاد ، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم .. فأجابهم ملك الروم إلى ذلك ، فملك عليهم جفنة ابن علية بن عمرو بن عامر واستقام الذي بينهم وبين الروم ..) وهكذا بدأ حكم الغساسنة في الشام بالولاء المطلق للروم الذين فضلوا تفويض حكمها للعرب من النصارى للحفاظ على نفوذهم في أورشليم ( معقل النصرانية الروحي ) وليكفوهم سطوة الفرس المتاخمين الذين فعلوا ذات الشيء بالعرب المناذرة .
وعلى هذا الأساس بقي الشاميون في تبعيتهم للروم فترة طويلة مع استقرار سياسي ملحوظ نتج عنه تعمق الارتباط وترسخه وخاصة بعد متابعة وضعها المادي والعسكري في مواجهة الفرس الذين مارسوا سياسة مشابهة في العراق حيث ساندوا دولة المناذرة ماديا وعسكريا لتتكفل عنها بالتصادم مع خصمها التقليدي في ذلك العصر.
وعند الرجوع الى اصل الخلاف بين العراق والشام في الحكم الاسلامي نجد ان كل التطورات التي تمخضت عنها الصراعات انما كانت نتائج حتمية لتلك اللبنات الأساسية التي اسس لها الروم من البداية وقد زادها انتقال امية ( ذلك العبد الرومي ) الى مكة ليلحق نسبا بعبد شمس ( الأخ الأصغر لهاشم – وفقا لما اشتهر عندهم في ذلك الوقت ) فاذا ما تقادمت الأيام ارتأت بنو امية محو تلك الحقيقة بادعاءات مزورة مستفيدة من جهل الناس بعادة قريش السابقة الذكر حتى ذكر اليعقوبي في تاريخه ص27 ( ويقال ان
هاشما وعبد شمس كانا توأمين، فخرج هاشم، وتلاه عبد شمس، وعقبه ملتصق بعقبه، فقطع بينهما بموسى، فقيل: ليخرجن بين ولد هذين من التقاطع ما لم يكن بين أحد) ليبرروا بهذا الراي ما انتهت اليه العلاقة بين بني هاشم وبني امية من التناحر فيؤكدوا في هذه الحال القرابة المزعومة بينهما في الوقت الذي تؤكد الروايات ان عبد شمس بن عبد مناف أخا هاشم بن عبد مناف ( كان عقيما ) لذا تبنى عبداً له رومياً يقال له أمية فنسبه عبد شمس إلى نفسه ، فنسب أمية بن عبد شمس ، ودرج نسبه كذلك إلى هذه الغاية فأصل بني أمية من الروم ونسبهم في قريش غير صحيح ..
وجاء في جواهر التاريخ ج2 ص82 ( يروى أن أمية كان عقيماً وان اولاده من عبده الرومي ذكوان ) فلئن كان امية قرشيا ( وما هو بالقرشي ) فأبناءه ليسوا كذلك ..
وقد أشار أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى هذه الحقيقة في كتاب بعثه إلى معاوية فقال عليه السلام: ( ولا الصريح كاللصيق )
وقد ذكر المقريزي في كتابه : النزاع والتخاصم فيما بين بني امية وهاشم ، فانه لما مات عبد شمس اخو هاشم قام مكانه ابنه امية الذي اختلف في امره هل هو ولده ؟ ام انه تبناه على عادة الناس قبل الاسلام ؟
وفي نص آخر( مقتبس له ) قال : وكان امية يرفع اسمه بابيه وبنوه ، ولم يكن في نفسه ما يدل على رفعة ، وكان مضعوفا وكان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفيل بن عبد العزى جد عمر بن الخطاب لما نافر ابنه حرب بن امية عبد المطلب بن هاشم ، فحكم نفيل لعبد المطلب وتعجب من اقدام حرب على عبد المطلب وقال ابوك معاهر وابوه
..عف وذاد الفيل عن البلد حرام
ومن حياة المستبصرين\مركز العقائد
ابو القاسم محمد انور كبير - بنغلادش – وهابي .. قال :
" إنّ بني أميّة ضربوا على وتر القربى مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ليوهموا الناس ـ خصوصاً أهل الشام ـ بأنّهم ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من سلالة واحدة ، فكانوا يدّعون الالتقاء معه في جدّه عبد مناف ، وهذه الوصلة محل ريب
فإنّ أميّة كان عبداً رومياً تبناه عبد شمس ، وكان من عادة العرب أنّهم ينسبون اللحيق إلى المستلحق ، بحيث يترتب على ذلك الاستلحاق آثار البنوّة ، ويشهد لذلك قول أبي طالب (عليه السلام) في بني أمية
قديماً أبوهم كان عبداً لجدنا *****بني أمة شهلاء جاش بها البحر "
وأبو طالب من أعرف الناس بأنساب قومه، كما أنّهم لم يعترضوا عليه ولم يردّوا مقالته هذه ، إذ ليس لهم سبيل إلى إنكارها
وقد كتب امير المؤمنين عليه السلام لمعاوية إجابة على كتابه الذي يقول فيه: " إنا وأنتم من بني عبد مناف "
(( وأما استواؤنا في الحرب والرجال ، فلست بأمضى على الشك مني على اليقين ، وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة
وأما قولك إنا بنو عبد مناف ، فكذلك نحن ، ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق ! ولا المحق كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل . ولبئس الخلف خلف يتبع سلفاً هوى في نار جهنم ! وفي أيدينا بعدُ فضل النبوة ، التي أذللنا بها العزيز ، ونعشنا بها الذليل . ولمَّا أدخل الله العرب في دينه أفواجاً ، وأسلمت له هذه الأمة طوعاً وكرهاً ، كنتم ممن دخل في الدين إما رغبة وإما رهبة ، على حين فاز أهل السبق بسبقهم ، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم ! فلا تجعلن للشيطان فيك نصيباً ، ولا على نفسك سبيلاً )) (نهج البلاغة:3/16)، ومناقب آل أبي طالب:2/361، وربيع الأبرار/729
اما ما ساعد على تثبيت هذه الأشكال في مقاماتهم تلك فهي بذرة بذرها الأسبقين ومهدوا لها بتمكين هذه السلالة من بلاد الشام ( حصرا .. لمعرفتهم بكونها موطنهم الأصيل ) حيث اسسوا لهم في تلك البلاد موطئ قدم كعناصر قيادة رغم عدم امتيازهم باي سابقة في الاسلام بل لا نستبعد ان يتفاجأ القارئ حين يسمع باسم ( يزيد ابن ابي سفيان ) وهل كان هناك شخص بهذا الاسم ( حيث ان المشهور هو يزيد ابن معاوية اللعين ابن اللعناء بلا استثناء ) فاذا تفحصنا تاريخ الغزوات الاسلامية .. ماذا سنجد ؟؟
ذكر الواقدي في فتوح الشام – الجزء الأول ص6( كان أول من دعاه أبو بكر- يزيد بن أبي سفيان – وعقد له راية على ألف فارس على أن يسير بهم إلى تبوك )
وذكر المسعودي في باب ذكر خلافة أبو بكر ( ص 245 ) ( .. وجهز أبو بكر الجيوش لغزو الروم بالشام ، وأمر الأمراء وهم يزيد ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح ... )
وجاء في تاريخ اليعقوبي ص134 ( .. فجزاه أبو بكر خيرا، ثم نادى في الناس بالخروج ، وأميرهم خالد بن سعيد ، وكان خالد من عمال رسول الله باليمن ، فقدم وقد توفي رسول الله، فامتنع عن البيعة ، ومال إلى بني هاشم ، فلما عهد أبو بكر لخالد قال له عمر: أتولي خالدا وقد حبس عنك بيعته، وقال لبني هاشم ما قد بلغك ؟ فو الله ما أرى أن توجهه. فحل لواءه ، ودعا يزيد بن أبي سفيان، وأبا عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة ، وعمرو بن العاص، فعقد لهم .. )
ولو فرضنا ان ليزيدا هذا ما له ( وما له من شيء ) .. فبأي صفة يرث أعماله اخوه معاوية .. لقد ذكر اليعقوبي في ص 151 ( وكثر الطاعون بالشأم ، وكان طاعون عمواس ، فمات أبو عبيدة بن الجراح ، واستخلف عياض بن غنم على حمص ، وما والاها من قنسرين ، ومعاذ بن جبل على الاردن ، ولم يلبث معاذ بن جبل إلا أياما حتى توفي ، ومات يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة ، فأقر عمر معاوية على عمل يزيد ) !!
وماذا لو كان معاوية اميرا للشام ؟.. ما الذي يجعله ميالا للروم ؟ انما ولي امرها بعد ازالة سلطان الروم عنها بحد السيف وبعد حروب طاحنة ورغم ذلك ..
ذكر القرطبي في تاريخه – ص243 الجزء الرابع – (حدثني أحمد بن زهير عن على قال لما بويع لمعاوية بالخلافة صير على شرطته قيس بن حمزة الهمداني ثم عزله واستعمل زميل بن عمرو العذري ويقال السكسكي وكان كاتبه وصاحب أمره سرجون بن منصور الرومي ) الا يبدو عجيبا استعمال كاتب بل وصاحب امر ( مستشار ) رومي وهم حديثي عهد بالجلاء عنها بالقوة ..؟ .. ويستمر في مقامه ذاك وبتأثير أشد مع وريثه الملعون يزيد .. فها هو القرطبي يؤكد في الجزء الرابع من تاريخه في ص 258 ما نصه ( .. فكتب بقول النعمان إلى يزيد فدعا مولى له يقال له سرجون وكان يستشيره فأخبره الخبر فقال له أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا قال نعم قال فاقبل منى فإنه ليس للكوفة إلا عبيدالله بن زياد فولها إياه وكان يزيد عليه ساخطا وكان هم بعزله عن البصرة فكتب إليه برضائه وإنه قد ولاه الكوفة مع البصرة ) فما سر هذا التأثير ؟.. ويستمر على مكانته تلك حتى صار ديوان الكتبة بالرومية لان جميع الكتبة كانوا من الروم
فقد جاء في فتوح البلدان للبلاذري ص230( نقل ديوان الرومية – قالوا : ولم يزل ديوان الشام بالرومية حتى ولي عبد الملك بن مروان ، فلما كانت سنة احدى وثمانين امر بنقله ، وذلك ان رجلا من كتاب الروم احتاج ان يكتب شيئا فلم يجد ماءا فبال في الدواة ، فبلغ ذلك عبد الملك فأدبه ، وامر سليمان بن سعد بنقل الديوان فسأله ان يعينه بخراج الأردن سنه ، ففعل ذلك وولاه الأردن فلم تنقض السنه حتى فرغ من نقله واتى عبد الملك ، فدعا بسرجون كاتبه فعرض ذلك عليه .)
ولا يفوتنا هنا الاشارة الى استمرار النفوذ الرومي في الكثير من مدن بلاد الشام حتى عهد صلاح الدين الأيوبي بل حتى عهود متأخرة في حكم المماليك والفاطميين الذين اشارت كتب التاريخ الى عهودهم مع الولايات الرومية ( الامارات ) التي انتشرت على طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط
لقد جاء في وصية معاوية لابنه يزيد ( لعنهما الله ) في تاريخ أبي مخنف ص4 ( .. اوصيك بأهل الشام فإنهم منك وأنت منهم فمن قدم عليك منهم فأكرمه ومن غاب فاطلع على خبره فإذا دهمك عدو فسر بهم فإذا ظفرت فردهم الى بلدهم فإذا أقاموا في غير أوطانهم تخلقوا بغير أخلاقهم .. )
فلماذا هذا الالتصاق بين بنوا أمية وحكومتهم فيما بعد بالشام من دون بلاد الله كافة وما هي العلاقة التي تجمعهما لدرجة أن يوصي معاوية ابنه يزيد بضرورة استعماله لأهل الشام بالذات وعدم تركهم فترة طويلة في البلاد التي يغزوها بجيش شامي متعللا بتغير أخلاقهم وما هو السر وراء قوله – فانهم منك وانت منهم- والمفروض ان يزيدا من قريش وبتحديد اكثر ان بني هاشم هم بنو عمومته ؟!!
من الثابت أن بلاد الشام ارتبطت ومنذ بدايات تاريخها باليهود ( بني اسرائيل ) كما جاء في تاريخ اليعقوبي في باب ملوك الشام ( وكانت الشأم دار ملك بني اسرائيل ، فيقال أن أول من ملك بدمشق بالغ بن بعور. ثم ملك يوباب، وهو أيوب بن زارح الصديق، وكان من خبره ما قد قصه الله، عز وجل .... )
وفي تاريخ بيت المقدس ليعقوب الفيتري من ترجمة د. سعيد البيشاوي ( وكان ملكي صادق احد ملوك اليبوسيين الكنعانيين وقد استمرت بيت المقدس تحكم من قبل هؤلاء حتى تغلب عليهم سيدنا داود " عليه السلام " في حوالي القرن العاشر قبل الميلاد )
وفي تاريخ دمشق ص8 ( وكانت الشام يقال لها أرض بني كنعان ثم جاءت بنو اسرائيل فقتلوهم بها – ونفوهم عنها ، فكانت لبني اسرائيل . ووثبت الروم على بني اسرائيل فقتلوهم وأجلوهم الى العراق الا قليلا منهم ) اي ان حكم الشام بعد اليهود آل الى الروم وفي ذلك جاء في تاريخ اليعقوبي ص 207- 208 :
( وغلبت الروم على ملكها وكانت قضاعة أول من قدم الشأم من العرب ، فصارت إلى ملوك الروم فملكوهم .... فصارت غسان إلى الشأم ، فقدموا أرض البلقاء ، فسألوا سليحا أن يدخلوا معهم فيما دخلوا فيه من طاعة ملك الروم ، وان يقيموا في البلاد ، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم .. فأجابهم ملك الروم إلى ذلك ، فملك عليهم جفنة ابن علية بن عمرو بن عامر واستقام الذي بينهم وبين الروم ..) وهكذا بدأ حكم الغساسنة في الشام بالولاء المطلق للروم الذين فضلوا تفويض حكمها للعرب من النصارى للحفاظ على نفوذهم في أورشليم ( معقل النصرانية الروحي ) وليكفوهم سطوة الفرس المتاخمين الذين فعلوا ذات الشيء بالعرب المناذرة .
وعلى هذا الأساس بقي الشاميون في تبعيتهم للروم فترة طويلة مع استقرار سياسي ملحوظ نتج عنه تعمق الارتباط وترسخه وخاصة بعد متابعة وضعها المادي والعسكري في مواجهة الفرس الذين مارسوا سياسة مشابهة في العراق حيث ساندوا دولة المناذرة ماديا وعسكريا لتتكفل عنها بالتصادم مع خصمها التقليدي في ذلك العصر.
وعند الرجوع الى اصل الخلاف بين العراق والشام في الحكم الاسلامي نجد ان كل التطورات التي تمخضت عنها الصراعات انما كانت نتائج حتمية لتلك اللبنات الأساسية التي اسس لها الروم من البداية وقد زادها انتقال امية ( ذلك العبد الرومي ) الى مكة ليلحق نسبا بعبد شمس ( الأخ الأصغر لهاشم – وفقا لما اشتهر عندهم في ذلك الوقت ) فاذا ما تقادمت الأيام ارتأت بنو امية محو تلك الحقيقة بادعاءات مزورة مستفيدة من جهل الناس بعادة قريش السابقة الذكر حتى ذكر اليعقوبي في تاريخه ص27 ( ويقال ان
هاشما وعبد شمس كانا توأمين، فخرج هاشم، وتلاه عبد شمس، وعقبه ملتصق بعقبه، فقطع بينهما بموسى، فقيل: ليخرجن بين ولد هذين من التقاطع ما لم يكن بين أحد) ليبرروا بهذا الراي ما انتهت اليه العلاقة بين بني هاشم وبني امية من التناحر فيؤكدوا في هذه الحال القرابة المزعومة بينهما في الوقت الذي تؤكد الروايات ان عبد شمس بن عبد مناف أخا هاشم بن عبد مناف ( كان عقيما ) لذا تبنى عبداً له رومياً يقال له أمية فنسبه عبد شمس إلى نفسه ، فنسب أمية بن عبد شمس ، ودرج نسبه كذلك إلى هذه الغاية فأصل بني أمية من الروم ونسبهم في قريش غير صحيح ..
وجاء في جواهر التاريخ ج2 ص82 ( يروى أن أمية كان عقيماً وان اولاده من عبده الرومي ذكوان ) فلئن كان امية قرشيا ( وما هو بالقرشي ) فأبناءه ليسوا كذلك ..
وقد أشار أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى هذه الحقيقة في كتاب بعثه إلى معاوية فقال عليه السلام: ( ولا الصريح كاللصيق )
وقد ذكر المقريزي في كتابه : النزاع والتخاصم فيما بين بني امية وهاشم ، فانه لما مات عبد شمس اخو هاشم قام مكانه ابنه امية الذي اختلف في امره هل هو ولده ؟ ام انه تبناه على عادة الناس قبل الاسلام ؟
وفي نص آخر( مقتبس له ) قال : وكان امية يرفع اسمه بابيه وبنوه ، ولم يكن في نفسه ما يدل على رفعة ، وكان مضعوفا وكان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفيل بن عبد العزى جد عمر بن الخطاب لما نافر ابنه حرب بن امية عبد المطلب بن هاشم ، فحكم نفيل لعبد المطلب وتعجب من اقدام حرب على عبد المطلب وقال ابوك معاهر وابوه
..عف وذاد الفيل عن البلد حرام
ومن حياة المستبصرين\مركز العقائد
ابو القاسم محمد انور كبير - بنغلادش – وهابي .. قال :
" إنّ بني أميّة ضربوا على وتر القربى مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ليوهموا الناس ـ خصوصاً أهل الشام ـ بأنّهم ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من سلالة واحدة ، فكانوا يدّعون الالتقاء معه في جدّه عبد مناف ، وهذه الوصلة محل ريب
فإنّ أميّة كان عبداً رومياً تبناه عبد شمس ، وكان من عادة العرب أنّهم ينسبون اللحيق إلى المستلحق ، بحيث يترتب على ذلك الاستلحاق آثار البنوّة ، ويشهد لذلك قول أبي طالب (عليه السلام) في بني أمية
قديماً أبوهم كان عبداً لجدنا *****بني أمة شهلاء جاش بها البحر "
وأبو طالب من أعرف الناس بأنساب قومه، كما أنّهم لم يعترضوا عليه ولم يردّوا مقالته هذه ، إذ ليس لهم سبيل إلى إنكارها
وقد كتب امير المؤمنين عليه السلام لمعاوية إجابة على كتابه الذي يقول فيه: " إنا وأنتم من بني عبد مناف "
(( وأما استواؤنا في الحرب والرجال ، فلست بأمضى على الشك مني على اليقين ، وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة
وأما قولك إنا بنو عبد مناف ، فكذلك نحن ، ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق ! ولا المحق كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل . ولبئس الخلف خلف يتبع سلفاً هوى في نار جهنم ! وفي أيدينا بعدُ فضل النبوة ، التي أذللنا بها العزيز ، ونعشنا بها الذليل . ولمَّا أدخل الله العرب في دينه أفواجاً ، وأسلمت له هذه الأمة طوعاً وكرهاً ، كنتم ممن دخل في الدين إما رغبة وإما رهبة ، على حين فاز أهل السبق بسبقهم ، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم ! فلا تجعلن للشيطان فيك نصيباً ، ولا على نفسك سبيلاً )) (نهج البلاغة:3/16)، ومناقب آل أبي طالب:2/361، وربيع الأبرار/729
اما ما ساعد على تثبيت هذه الأشكال في مقاماتهم تلك فهي بذرة بذرها الأسبقين ومهدوا لها بتمكين هذه السلالة من بلاد الشام ( حصرا .. لمعرفتهم بكونها موطنهم الأصيل ) حيث اسسوا لهم في تلك البلاد موطئ قدم كعناصر قيادة رغم عدم امتيازهم باي سابقة في الاسلام بل لا نستبعد ان يتفاجأ القارئ حين يسمع باسم ( يزيد ابن ابي سفيان ) وهل كان هناك شخص بهذا الاسم ( حيث ان المشهور هو يزيد ابن معاوية اللعين ابن اللعناء بلا استثناء ) فاذا تفحصنا تاريخ الغزوات الاسلامية .. ماذا سنجد ؟؟
ذكر الواقدي في فتوح الشام – الجزء الأول ص6( كان أول من دعاه أبو بكر- يزيد بن أبي سفيان – وعقد له راية على ألف فارس على أن يسير بهم إلى تبوك )
وذكر المسعودي في باب ذكر خلافة أبو بكر ( ص 245 ) ( .. وجهز أبو بكر الجيوش لغزو الروم بالشام ، وأمر الأمراء وهم يزيد ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح ... )
وجاء في تاريخ اليعقوبي ص134 ( .. فجزاه أبو بكر خيرا، ثم نادى في الناس بالخروج ، وأميرهم خالد بن سعيد ، وكان خالد من عمال رسول الله باليمن ، فقدم وقد توفي رسول الله، فامتنع عن البيعة ، ومال إلى بني هاشم ، فلما عهد أبو بكر لخالد قال له عمر: أتولي خالدا وقد حبس عنك بيعته، وقال لبني هاشم ما قد بلغك ؟ فو الله ما أرى أن توجهه. فحل لواءه ، ودعا يزيد بن أبي سفيان، وأبا عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة ، وعمرو بن العاص، فعقد لهم .. )
ولو فرضنا ان ليزيدا هذا ما له ( وما له من شيء ) .. فبأي صفة يرث أعماله اخوه معاوية .. لقد ذكر اليعقوبي في ص 151 ( وكثر الطاعون بالشأم ، وكان طاعون عمواس ، فمات أبو عبيدة بن الجراح ، واستخلف عياض بن غنم على حمص ، وما والاها من قنسرين ، ومعاذ بن جبل على الاردن ، ولم يلبث معاذ بن جبل إلا أياما حتى توفي ، ومات يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة ، فأقر عمر معاوية على عمل يزيد ) !!
وماذا لو كان معاوية اميرا للشام ؟.. ما الذي يجعله ميالا للروم ؟ انما ولي امرها بعد ازالة سلطان الروم عنها بحد السيف وبعد حروب طاحنة ورغم ذلك ..
ذكر القرطبي في تاريخه – ص243 الجزء الرابع – (حدثني أحمد بن زهير عن على قال لما بويع لمعاوية بالخلافة صير على شرطته قيس بن حمزة الهمداني ثم عزله واستعمل زميل بن عمرو العذري ويقال السكسكي وكان كاتبه وصاحب أمره سرجون بن منصور الرومي ) الا يبدو عجيبا استعمال كاتب بل وصاحب امر ( مستشار ) رومي وهم حديثي عهد بالجلاء عنها بالقوة ..؟ .. ويستمر في مقامه ذاك وبتأثير أشد مع وريثه الملعون يزيد .. فها هو القرطبي يؤكد في الجزء الرابع من تاريخه في ص 258 ما نصه ( .. فكتب بقول النعمان إلى يزيد فدعا مولى له يقال له سرجون وكان يستشيره فأخبره الخبر فقال له أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا قال نعم قال فاقبل منى فإنه ليس للكوفة إلا عبيدالله بن زياد فولها إياه وكان يزيد عليه ساخطا وكان هم بعزله عن البصرة فكتب إليه برضائه وإنه قد ولاه الكوفة مع البصرة ) فما سر هذا التأثير ؟.. ويستمر على مكانته تلك حتى صار ديوان الكتبة بالرومية لان جميع الكتبة كانوا من الروم
فقد جاء في فتوح البلدان للبلاذري ص230( نقل ديوان الرومية – قالوا : ولم يزل ديوان الشام بالرومية حتى ولي عبد الملك بن مروان ، فلما كانت سنة احدى وثمانين امر بنقله ، وذلك ان رجلا من كتاب الروم احتاج ان يكتب شيئا فلم يجد ماءا فبال في الدواة ، فبلغ ذلك عبد الملك فأدبه ، وامر سليمان بن سعد بنقل الديوان فسأله ان يعينه بخراج الأردن سنه ، ففعل ذلك وولاه الأردن فلم تنقض السنه حتى فرغ من نقله واتى عبد الملك ، فدعا بسرجون كاتبه فعرض ذلك عليه .)
ولا يفوتنا هنا الاشارة الى استمرار النفوذ الرومي في الكثير من مدن بلاد الشام حتى عهد صلاح الدين الأيوبي بل حتى عهود متأخرة في حكم المماليك والفاطميين الذين اشارت كتب التاريخ الى عهودهم مع الولايات الرومية ( الامارات ) التي انتشرت على طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط
تعليق