قال تعالى : ({يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ)}ابراهيم 48 . مرت الارض والسماء بمراحل متعددة ومتسلسلة كان أولها مرحلة الخلق والتكوين وسيكون آخرها مرحلة قبض الارض وطي السماء في يوم القيامة ، ولو تتبعنا تلك المراحل لوجدنا بأن اهم المراحل التي مرت بها الارض هما مرحلتين:-
(المرحلة الاولى) : هي مرحلة السلام والوئام التي كانت في عهد أبينا آدم (ع) والتي امتازت بعيش كافة انواع الحيوانات مع الانسان من دون ان تؤذيه او تؤذي بعضها البعض فالحية تلعب مع الطفل والشاة مع الذئب والسماء تنزل قطرها والارض تخرج بركتها من النباتات الممتدة في طولها وعرضها الممتلئة بالثمار ، فهناك علاقة وترابط مستمر بين الارض والسماء ، مما يجعل أحداها تتاثر بالاخرى فأن أفعال العباد في الارض تؤثر بأهل السماء ، وقد انتهت هذه المرحلة عندما قتل قابيل هابيل والذي يُعد عمل الظلم والافساد الاول الذي أثر في كل شيء وبالتالي بداية مرحلة عسيرة من المراحل التي مرت بها الارض والذي كانت نتيجته ان حصل التنافر بين الانسان والحيوان بأنتهاء مرحلة التعايش السلمي بينهما وتأثير ذلك على السماء والارض مما أدى الى فساد الزرع . وقد ورد عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (ع) قال : ( كانت الوحوش والطير والسباع وكل شيء خلق الله عز وجل مختلطاً بعضه ببعض فلما قتل ابن آدم أخاه نفرت وفزعت فذهب كل شيء الى شكله ) بحار الانوار ج11 ص263 .
و(المرحلة الثانية) هي مرحلة الطوفان الذي أغرق الارض في زمن نبي الله نوح (ع) بعد أن دعا الناس الى طريق الحق والصلاح وترك الباطل والضلال ، فبعد ان بلّغ نوح (ع) قومه وأتم دعوته بإكمال الحجة عليهم حذرهم من عذاب الله عز وجل وأنذرهم طوفان من الماء يكون هلاك الكافرين به ولا ينجو من هذا الطوفان الا من آمن وصدق بهذه الدعوة ، وقد صنع نوح (ع) ( سفينة النجاة ) التي اقلت المؤمنين المصدقين بدعوة الحق ، أما الكافرين المكذبين فقد غرقوا في الطوفان . ولقد أثبتنا في ( سلسلة سنن المهدي من الانبياء ) بأن هاتين المرحلتين ستعودان مرة أخرى على الارض وأهلها في زمن الامام المهدي (ع) ، فأن دعوة المهدي (ع) سيتم اعلانها على الملأ من قبل وزيره وصاحب دعوته السيد اليماني فيقابلها الناس بالتكذيب والجحود فينذرهم الداعي من نتيجة فعلهم هذا وما سيؤول عليه الموقف فيحذرهم من طوفان الفتن والدماء الذي سيقبل عليهم وان دعوة الحق هذه هي السبيل الوحيد وسفينة النجاة التي تخلصكم من الفتن وتعصمكم من زلل الرايات المشتبهة ، فلا يصدقه الا قلة قليلة من الناس ، أما الاكثرية التي كانت وستبقى كارهة ومعادية للحق قال تعالى ( {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } فان مصيرهم سيكون الانزلاق الاكيد في فتن آخر الزمان فيخسروا الدنيا والاخرة ، وذلك هو الخسران المبين ، وقد ورد ما يؤكد هذا المعنى عن ابي خالد الكابلي ، انه قال : قال لي علي بن الحسين (ع) : ( يا ابا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم لا ينجو الا من أخذ الله ميثاقه اولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله واسرافيل أمامه معه راية رسول الله (ص) قد نشرها لا يهوي بها الى قوم الا أهلكهم الله عز وجل ) بحار الانوار ج51 ص135 . وميثاق الله هو التصديق بهذه الدعوة الحقة ، اما مكذبيها وجاحديها فسيكون مصيرهم السقوط في الفتن التي تسبق القيام الشريف للمأمول المنتظر (ع) او السقوط بسيفه البتار ، وفي كلا الحالتين سيكون في نار جهنم وبئس المصير ، أما انطباق ( المرحلة الاولى ) فسيكون في دولة المهدي (ع) بعد أن يطهر الارض من الظلم والظالمين ، وهذه المرحلة هي موضوع البحث.
وقبل الخوض في غمار هذا الموضوع لابد من تبيان أمر هام يتعلق بالعقل ، وهي نظرية مهمة وذات علاقة مباشرة مع موضوع تبدل الارض والسماء ، وهي كالاتي :-
ان العقل كالنور فهو موجود في كل شيء ولكن نسبته متفاوتة ، فمنهم من أخذ كفايته ومنهم من أخذ القليل ، وذلك يتطابق مع قوله تعالى {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}الرعد17، ومن ذلك فإن بأستطاعتنا ان نثبت بأن للحيوان عقل وللنبات عقل وكذلك ، حتى الجماد ايضاً لديه عقل ولكن بنسبة قليلة لا تتناسب مع بقية المخلوقات ، وان هذا الامر لم يتم اكتشافه بعد ، وسيتوصل العلم حتماً الى وجود العقل في الجمادات والا فإن الحركة الجوهرية لجزيئات النواة حول مركزها هو الدليل البين على وجود العقل ، حيث ان الالكترونات تسبح حول المركز بدقة متناهية ، ولذلك كله قال الله عز وجل للعقل مخاطباً : بك أُثيب وبك أُعاقب ، وعليه فأن الله عز وجل سوف لن يعاقب الحيوان على فعاله كما يعاقب الانسان لأن عقل الاول لم يصل الى مرحلة المحاسبة ، وايضاً يمكننا القول بأن الله تعالى سيعاقب العلماء الضالين عقاباً شديداً ليس كعقابه لعامة الناس وبسطائهم وبذلك نصل الى ان الموجودات كلها - لأمتلاكها نسبة متفاوتة من العقل - تتأثر بأفعال الانسان سلباً أو ايجاباً ، ولقد اثبت العلم الحديث بالفعل ان هناك ترابط بين افعال الانسان وما يحدث في محيطه الذي يعيش فيه ، فأن في الكون نظاماً عجيباً وتناسقاً فريداً يرتبط بعضه ببعض فيتأثر الانسان الذي يقوم به في كافة المخلوقات الاخرى من نبات وحيوان وجماد ، ولذلك قيل اذا صلُح العباد صلحت البلاد واذا فسُد العباد فسدت البلاد . قال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41 . اي ان الانحراف الذي نشاهده اليوم في كل لحظة ودقيقة ليس بالطبع ناتج عن انحراف الطبيعة ، لأن الله عز وجل خلق الطبيعة حسنة ، وأتقن صنعها ، والفساد انما هو بما كسبت أيدي الناس ، وبالتالي فأن فساد الانسان هو المحور الاساسي لكل الافسادات الناتجة الاخرى .
وكثيرة هي الروايات التي تؤكد الترابط الحاصل بين افعال العباد وصلاح او فساد البلاد لكننا اكتفينا بسرد الرواية الواردة عن ابي عبد الله الصادق (ع) في مقدمة البحث ، أما علة هذا الترابط وتلك العلاقة فتعود الى التلاعب بالميزان الذي وضعه المولى عز وجل حينما خلق الخلق ، قال تعالى {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ }الرحمن7، 8 ، فأن الله جل وعلا لم يخلق خلقه وتركهم من غير قانون او دستور او معادلة قائمة تكفل لهم الصلاح والعيش بهناء ، فقد وضع لهم سبحانه ما هو كفيل بسعادتهم وصلاحهم من قوانين إلهية ومباديء سماوية سماها ( الميزان ) ثم حذر عز وجل من الطغيان بالميزان لأن ذلك يتسبب في اختلال النظم القائمة وبالتالي فساد البلاد والكون برمته ، ولكن الناس قاموا بأستبدال الاوزان الالهية بالاوزان الشيطانية وآثروا الميزان الشيطاني على الميزان الالهي ، ولم تنفع معهم دعوات الانبياء والمرسلين الذين بعثهم الله عز وجل الا بنسبة قليلة قياساً بالاغلبية الساحقة التي تكون رافضة لتلك الدعوة او تدخل نفاقاً ثم تعود وتتقهقر على اعقابها بعد موت النبي او صاحب الدعوة ،
قال تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَان} الحديد 25 ، وسيبقى هذا الوضع لحين ظهور دعوة الحق وقيام دولة العدل الالهي التي تعمل بالموازين الالهية بعد ان تقضي على الموازين الشيطانية التي وضعها الشيطان واعوانه المستفيدين من اختلال هذه النظم التي وضعها الله تبارك وتعالى . والآن نعود الى الاية الكريمة التي يدور حولها موضوع البحث قوله تعالى{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}ابراهيم 48 ، لقد ذهب المفسرون في هذه الاية بالقول : ان الارض تزول والسماء تزول ، وهذا غير صحيح لأن الارض باقية والتبديل يكون عن طريق تغيير افعال البشر التي تؤثر في افعال ما حولها من الحيوانات والنباتات والجمادات التي ذكرنا بأن لها عقل وتتأثر سلباً وايجاباً بأفعال البشر ، ومن هذا نفهم بشكل جليّ العلة في سرعة دوران الفلك في آخر الزمان ، وذلك بسبب افعال العباد الباطلة وابتعادهم عن طريق الله عز وجل وقد عُدت هذه علامة من علامات الظهور الشريف ، فقد ورد عن الرسول الاكرم (ص) قوله : ( لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان ، فتكون السنة كالشهر ، ويكون الشهر كالجمعة ، وتكون الجمعة كاليوم ، ويكون اليوم كالساعة ، وتكون الساعة كأحتراق السعفة ) كنز العمال ج14 ص228 .
ونفهم ايضاً السبب الحقيقي وراء طول السنين والايام في زمن القائم (ع) وبالتالي فأن الفلك تقل وتبطئ حركته حيث انه يتأثر بأحقاق الحق ونشر العدل في كل مكان ، فقد سأل ابو بصير ابي جعفر (ع) قائلاً : كيف تطول السنون في زمن القائم (ع) : قال : ( يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الايام لذلك والسنون ، قال : قلت له : انهم يقولون ان الفلك اذا تغير فسد قال ذلك قول الزنادقة ، فأما المسلمون فلا سبيل لهم الى ذلك وقد شق الله القمر لنبيه (ص) ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون واخبر بطول يوم القيامة وانه كألف سنة مما يعدون ) بحار الانوار ج52 ص339 . وبذلك نصل الى نتيجة مهمة هي ان تبدل الارض والسماء ليس زوالهما كما ذكر ذلك المفسرون بل ان الامر يعني تغييرهما وعودتهما الى الحال الذي كانتا عليه في عصر آدم (ع) اي قبل ان يقتل الاخ أخاه ، فتعطي السماء قطرها وتخرج الارض بركاتها بل ان الامر يتعدى ذلك لأن دولة المهدي هي دولة العدل الالهي وهي الدولة التي لم تكن ولن تكون الا في زمان القائم المهدي (ع) فيكون تبدل السماء والارض في زمنه (ع) ولو كان الامر المقصود من تبدل السماء والارض يوم القيامة فكيف يستقيم ذلك مع قوله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الزمر67 ، وهي آخر مرحلة تمر بها الارض والسماء كما قدمنا ، اذن فتبدل الارض والسماء هي حاكية عن استخلاف عباد الله الصالحين في زمن المهدي (ع) والمذكورين بقوله {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105، وقوله {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً }النور55، وقوله {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ}القصص5، 6.
وتبدل الارض والسماء يكون بعد أن تُشرق الارض بنور ربها ( الامام المهدي ) الذي يحكم بكتاب الله ويقضي بالحق ، قال عز وجل {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الزمر69، قال الامام الصادق (ع) في تأويل هذه الاية : ( اشرقت بنور المهدي (ع) ) فيكون التبديل رد فعل طبيعي لسبب تغير فعال البشر من معصية الله وركوب الباطل الى الدخول في طاعة الله عز وجل وسلوك طريق الحق والرشاد ، وبذلك تتأثر الحيوانات والنباتات والجمادات نتيجة لهذا التغير والتحول الايجابي كما قدمنا ذلك ، فيلعب الطفل مع الحية فلا تؤذيه وتسرح الشاة مع الذئب ، ونجد معالم هذه الدولة واضحة في التوراة والانجيل والقرآن ، فأن الامام المهدي (ع) سيمثل الله في الارض ، لأن المولى عز وجل سيكون في أشد حالات التجلي في الامام المهدي (ع) ، وقد ورد ذكر الارض والسماء في التوراة في سفر أشعيا 65 ص932 تحت عنوان ( خليقة جديدة ) : [ وها أنال أخلق سماوات جديدة وأرضاً جديدة ، فلا تُذكر السالفة ولا تخطر على بال . فأفرحوا وابتهجوا الى الابد بما أخلق لأني أخلق أورشليم بهيجة وشعبها فرحاًً ، وتكون بهجة اورشليم بهجتي وفرح شعبها فرحي . ولن يسمع فيها صوت بكاء ولا صوت صراخ ، ولن يكون هناك طفل يموت بعد أيام ولا شيخ لا يستكمل أيامه وهي مئة سنة ، فأن مات قبل ذلك يكون خاطئاً وملعوناً . ويبني الشعب بيوتاً ويسكنون فيها ، ويغرسون كروماً ويأكلون ثمرها . لا يبنون ويسكن آخر ، ولا يغرسون ويأكل آخر . فأيام شعبي طويلة كايام الشجر ، ولأني أخترتهم يتمتعون بأعمال ايديهم . لا يتبعون باطلاً ولا يلدون لحياة الرعب . لأنهم نسل الذين باركتهم مع ذريتهم . قبل ان يدعوني أُجيب ، وفيما هم يتكلمون استمع . الذئب والحمل يرعيان معاً ، والاسد كبقر يأكل التبن ،أما الحية فالتراب يكون طعامها . لا يضرون ولا يفسدون في جبلي المقدس كله ] .
وقد جاء تبدل الارض والسماء في الانجيل فيذكر الامام المهدي الذي يمثل الله في الارض كما أوضحنا ويبين معالم دولته المباركة وما يقوم به تجاه المؤمنين والكافرين وكيف انه يميت البدع ويحيي السنن ويحصل كل شيء جديداً ، بل انه يدعو الناس الى الاسلام الجديد ، كما ورد عن الامام الصادق (ع) انه قال : ( اذا قام القائم دعا الناس الى الاسلام جديداً وهداهم الى امر قد دثر وضل عنه الجمهور وانما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي الى امر مضلول عنه وسمي القائم لقيامه بالحق ) بحار الانوار ج52.
فورد في رؤيا يوحنا 21 ص405 تحت عنوان ( السماء الجديدة والارض الجديدة ) : [ ثم رأيت سماءاً جديدة وأرضاً جديدة ، لأن السماء الاولى والارض الاولى زالتا ، وما بقي للبحر وجود ، وها انا يوحنا رأيت المدينة المقدسة ، أورشليم الجديدة ، نازلة من السماء من عند الله ، كعروس تزينت واستعدت للقاء عريسها وسمعت صوتاً عظيماً من العرش يقول : ( هاهو مسكن الله والناس ، يسكن معهم ويكونون له شعباً . الله نفسه معهم ويكون لهم ألهاً ، يمسح كل دمعة تسيل من عيونهم . لا يبقى موت ولا حزن ولا صراخ ولا وجع ، لأن كل الاشياء القديمة زالت )) .وقال الجالس على العرش : (( ها أنا اجعل كل شيء جديداً )) ثم قال لي : (( اكتب : هذا الكلام صدقُ وحق )) وقال لي : تم كل شيء ! انا الالف والياء ، البداية والنهاية . أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً . من غلب يرث كل هذا ، وأكون له إلهاً ويكون لي ابناً . أما الجبناء وغير المؤمنين والاوغاد والقتلة والفجار والسحرة وعبدة الاوثان والكذبة جميعاً فنصيبهم في البحيرة الملتهبة بالنار والكبريت . هذا هو الموت الثاني ] .
ان ما ورد في هذه النصوص التوراتية والانجيلية يتوافق تماماً مع الاحاديث النبوية الشريفة وروايات ائمة الهدى (ع) في هذا الخصوص ، ولو دققنا مع كل مقطع منها لوجدناها تنسجم مع آيات قرآنية كثيرة ، ولكننا ولضيق المقام تطرقنا بشكل مختصر لذلك ، وهو ينسجم أيضاً مع الاية الكريمة من سورة ابراهيم التي أسهبنا في تبيان معناها ومعنى تبدل الارض والسماء ، وقد ورد عن رسول الله (ص) في حديث طويل يقول فيه عن دولة المهدي (ع) : ( ..... حتى يدخل الذئب في الغنم كأنه كلبها ....) وقد ورد عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً} قال : ( لا يبقى صاحب ملة الا صار الى الاسلام حتى تأمن الشاة من الذئب والبقر والغنم والانسان من الحية حتى لا تقرض الفأرة جراباً ، وذلك عند قيام القائم (ع) ) ، والحمد لله رب العالمين .
(المرحلة الاولى) : هي مرحلة السلام والوئام التي كانت في عهد أبينا آدم (ع) والتي امتازت بعيش كافة انواع الحيوانات مع الانسان من دون ان تؤذيه او تؤذي بعضها البعض فالحية تلعب مع الطفل والشاة مع الذئب والسماء تنزل قطرها والارض تخرج بركتها من النباتات الممتدة في طولها وعرضها الممتلئة بالثمار ، فهناك علاقة وترابط مستمر بين الارض والسماء ، مما يجعل أحداها تتاثر بالاخرى فأن أفعال العباد في الارض تؤثر بأهل السماء ، وقد انتهت هذه المرحلة عندما قتل قابيل هابيل والذي يُعد عمل الظلم والافساد الاول الذي أثر في كل شيء وبالتالي بداية مرحلة عسيرة من المراحل التي مرت بها الارض والذي كانت نتيجته ان حصل التنافر بين الانسان والحيوان بأنتهاء مرحلة التعايش السلمي بينهما وتأثير ذلك على السماء والارض مما أدى الى فساد الزرع . وقد ورد عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (ع) قال : ( كانت الوحوش والطير والسباع وكل شيء خلق الله عز وجل مختلطاً بعضه ببعض فلما قتل ابن آدم أخاه نفرت وفزعت فذهب كل شيء الى شكله ) بحار الانوار ج11 ص263 .
و(المرحلة الثانية) هي مرحلة الطوفان الذي أغرق الارض في زمن نبي الله نوح (ع) بعد أن دعا الناس الى طريق الحق والصلاح وترك الباطل والضلال ، فبعد ان بلّغ نوح (ع) قومه وأتم دعوته بإكمال الحجة عليهم حذرهم من عذاب الله عز وجل وأنذرهم طوفان من الماء يكون هلاك الكافرين به ولا ينجو من هذا الطوفان الا من آمن وصدق بهذه الدعوة ، وقد صنع نوح (ع) ( سفينة النجاة ) التي اقلت المؤمنين المصدقين بدعوة الحق ، أما الكافرين المكذبين فقد غرقوا في الطوفان . ولقد أثبتنا في ( سلسلة سنن المهدي من الانبياء ) بأن هاتين المرحلتين ستعودان مرة أخرى على الارض وأهلها في زمن الامام المهدي (ع) ، فأن دعوة المهدي (ع) سيتم اعلانها على الملأ من قبل وزيره وصاحب دعوته السيد اليماني فيقابلها الناس بالتكذيب والجحود فينذرهم الداعي من نتيجة فعلهم هذا وما سيؤول عليه الموقف فيحذرهم من طوفان الفتن والدماء الذي سيقبل عليهم وان دعوة الحق هذه هي السبيل الوحيد وسفينة النجاة التي تخلصكم من الفتن وتعصمكم من زلل الرايات المشتبهة ، فلا يصدقه الا قلة قليلة من الناس ، أما الاكثرية التي كانت وستبقى كارهة ومعادية للحق قال تعالى ( {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } فان مصيرهم سيكون الانزلاق الاكيد في فتن آخر الزمان فيخسروا الدنيا والاخرة ، وذلك هو الخسران المبين ، وقد ورد ما يؤكد هذا المعنى عن ابي خالد الكابلي ، انه قال : قال لي علي بن الحسين (ع) : ( يا ابا خالد لتأتين فتن كقطع الليل المظلم لا ينجو الا من أخذ الله ميثاقه اولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم ينجيهم الله من كل فتنة مظلمة كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله واسرافيل أمامه معه راية رسول الله (ص) قد نشرها لا يهوي بها الى قوم الا أهلكهم الله عز وجل ) بحار الانوار ج51 ص135 . وميثاق الله هو التصديق بهذه الدعوة الحقة ، اما مكذبيها وجاحديها فسيكون مصيرهم السقوط في الفتن التي تسبق القيام الشريف للمأمول المنتظر (ع) او السقوط بسيفه البتار ، وفي كلا الحالتين سيكون في نار جهنم وبئس المصير ، أما انطباق ( المرحلة الاولى ) فسيكون في دولة المهدي (ع) بعد أن يطهر الارض من الظلم والظالمين ، وهذه المرحلة هي موضوع البحث.
وقبل الخوض في غمار هذا الموضوع لابد من تبيان أمر هام يتعلق بالعقل ، وهي نظرية مهمة وذات علاقة مباشرة مع موضوع تبدل الارض والسماء ، وهي كالاتي :-
ان العقل كالنور فهو موجود في كل شيء ولكن نسبته متفاوتة ، فمنهم من أخذ كفايته ومنهم من أخذ القليل ، وذلك يتطابق مع قوله تعالى {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}الرعد17، ومن ذلك فإن بأستطاعتنا ان نثبت بأن للحيوان عقل وللنبات عقل وكذلك ، حتى الجماد ايضاً لديه عقل ولكن بنسبة قليلة لا تتناسب مع بقية المخلوقات ، وان هذا الامر لم يتم اكتشافه بعد ، وسيتوصل العلم حتماً الى وجود العقل في الجمادات والا فإن الحركة الجوهرية لجزيئات النواة حول مركزها هو الدليل البين على وجود العقل ، حيث ان الالكترونات تسبح حول المركز بدقة متناهية ، ولذلك كله قال الله عز وجل للعقل مخاطباً : بك أُثيب وبك أُعاقب ، وعليه فأن الله عز وجل سوف لن يعاقب الحيوان على فعاله كما يعاقب الانسان لأن عقل الاول لم يصل الى مرحلة المحاسبة ، وايضاً يمكننا القول بأن الله تعالى سيعاقب العلماء الضالين عقاباً شديداً ليس كعقابه لعامة الناس وبسطائهم وبذلك نصل الى ان الموجودات كلها - لأمتلاكها نسبة متفاوتة من العقل - تتأثر بأفعال الانسان سلباً أو ايجاباً ، ولقد اثبت العلم الحديث بالفعل ان هناك ترابط بين افعال الانسان وما يحدث في محيطه الذي يعيش فيه ، فأن في الكون نظاماً عجيباً وتناسقاً فريداً يرتبط بعضه ببعض فيتأثر الانسان الذي يقوم به في كافة المخلوقات الاخرى من نبات وحيوان وجماد ، ولذلك قيل اذا صلُح العباد صلحت البلاد واذا فسُد العباد فسدت البلاد . قال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41 . اي ان الانحراف الذي نشاهده اليوم في كل لحظة ودقيقة ليس بالطبع ناتج عن انحراف الطبيعة ، لأن الله عز وجل خلق الطبيعة حسنة ، وأتقن صنعها ، والفساد انما هو بما كسبت أيدي الناس ، وبالتالي فأن فساد الانسان هو المحور الاساسي لكل الافسادات الناتجة الاخرى .
وكثيرة هي الروايات التي تؤكد الترابط الحاصل بين افعال العباد وصلاح او فساد البلاد لكننا اكتفينا بسرد الرواية الواردة عن ابي عبد الله الصادق (ع) في مقدمة البحث ، أما علة هذا الترابط وتلك العلاقة فتعود الى التلاعب بالميزان الذي وضعه المولى عز وجل حينما خلق الخلق ، قال تعالى {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ }الرحمن7، 8 ، فأن الله جل وعلا لم يخلق خلقه وتركهم من غير قانون او دستور او معادلة قائمة تكفل لهم الصلاح والعيش بهناء ، فقد وضع لهم سبحانه ما هو كفيل بسعادتهم وصلاحهم من قوانين إلهية ومباديء سماوية سماها ( الميزان ) ثم حذر عز وجل من الطغيان بالميزان لأن ذلك يتسبب في اختلال النظم القائمة وبالتالي فساد البلاد والكون برمته ، ولكن الناس قاموا بأستبدال الاوزان الالهية بالاوزان الشيطانية وآثروا الميزان الشيطاني على الميزان الالهي ، ولم تنفع معهم دعوات الانبياء والمرسلين الذين بعثهم الله عز وجل الا بنسبة قليلة قياساً بالاغلبية الساحقة التي تكون رافضة لتلك الدعوة او تدخل نفاقاً ثم تعود وتتقهقر على اعقابها بعد موت النبي او صاحب الدعوة ،
قال تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَان} الحديد 25 ، وسيبقى هذا الوضع لحين ظهور دعوة الحق وقيام دولة العدل الالهي التي تعمل بالموازين الالهية بعد ان تقضي على الموازين الشيطانية التي وضعها الشيطان واعوانه المستفيدين من اختلال هذه النظم التي وضعها الله تبارك وتعالى . والآن نعود الى الاية الكريمة التي يدور حولها موضوع البحث قوله تعالى{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}ابراهيم 48 ، لقد ذهب المفسرون في هذه الاية بالقول : ان الارض تزول والسماء تزول ، وهذا غير صحيح لأن الارض باقية والتبديل يكون عن طريق تغيير افعال البشر التي تؤثر في افعال ما حولها من الحيوانات والنباتات والجمادات التي ذكرنا بأن لها عقل وتتأثر سلباً وايجاباً بأفعال البشر ، ومن هذا نفهم بشكل جليّ العلة في سرعة دوران الفلك في آخر الزمان ، وذلك بسبب افعال العباد الباطلة وابتعادهم عن طريق الله عز وجل وقد عُدت هذه علامة من علامات الظهور الشريف ، فقد ورد عن الرسول الاكرم (ص) قوله : ( لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان ، فتكون السنة كالشهر ، ويكون الشهر كالجمعة ، وتكون الجمعة كاليوم ، ويكون اليوم كالساعة ، وتكون الساعة كأحتراق السعفة ) كنز العمال ج14 ص228 .
ونفهم ايضاً السبب الحقيقي وراء طول السنين والايام في زمن القائم (ع) وبالتالي فأن الفلك تقل وتبطئ حركته حيث انه يتأثر بأحقاق الحق ونشر العدل في كل مكان ، فقد سأل ابو بصير ابي جعفر (ع) قائلاً : كيف تطول السنون في زمن القائم (ع) : قال : ( يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الايام لذلك والسنون ، قال : قلت له : انهم يقولون ان الفلك اذا تغير فسد قال ذلك قول الزنادقة ، فأما المسلمون فلا سبيل لهم الى ذلك وقد شق الله القمر لنبيه (ص) ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون واخبر بطول يوم القيامة وانه كألف سنة مما يعدون ) بحار الانوار ج52 ص339 . وبذلك نصل الى نتيجة مهمة هي ان تبدل الارض والسماء ليس زوالهما كما ذكر ذلك المفسرون بل ان الامر يعني تغييرهما وعودتهما الى الحال الذي كانتا عليه في عصر آدم (ع) اي قبل ان يقتل الاخ أخاه ، فتعطي السماء قطرها وتخرج الارض بركاتها بل ان الامر يتعدى ذلك لأن دولة المهدي هي دولة العدل الالهي وهي الدولة التي لم تكن ولن تكون الا في زمان القائم المهدي (ع) فيكون تبدل السماء والارض في زمنه (ع) ولو كان الامر المقصود من تبدل السماء والارض يوم القيامة فكيف يستقيم ذلك مع قوله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الزمر67 ، وهي آخر مرحلة تمر بها الارض والسماء كما قدمنا ، اذن فتبدل الارض والسماء هي حاكية عن استخلاف عباد الله الصالحين في زمن المهدي (ع) والمذكورين بقوله {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105، وقوله {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً }النور55، وقوله {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ}القصص5، 6.
وتبدل الارض والسماء يكون بعد أن تُشرق الارض بنور ربها ( الامام المهدي ) الذي يحكم بكتاب الله ويقضي بالحق ، قال عز وجل {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الزمر69، قال الامام الصادق (ع) في تأويل هذه الاية : ( اشرقت بنور المهدي (ع) ) فيكون التبديل رد فعل طبيعي لسبب تغير فعال البشر من معصية الله وركوب الباطل الى الدخول في طاعة الله عز وجل وسلوك طريق الحق والرشاد ، وبذلك تتأثر الحيوانات والنباتات والجمادات نتيجة لهذا التغير والتحول الايجابي كما قدمنا ذلك ، فيلعب الطفل مع الحية فلا تؤذيه وتسرح الشاة مع الذئب ، ونجد معالم هذه الدولة واضحة في التوراة والانجيل والقرآن ، فأن الامام المهدي (ع) سيمثل الله في الارض ، لأن المولى عز وجل سيكون في أشد حالات التجلي في الامام المهدي (ع) ، وقد ورد ذكر الارض والسماء في التوراة في سفر أشعيا 65 ص932 تحت عنوان ( خليقة جديدة ) : [ وها أنال أخلق سماوات جديدة وأرضاً جديدة ، فلا تُذكر السالفة ولا تخطر على بال . فأفرحوا وابتهجوا الى الابد بما أخلق لأني أخلق أورشليم بهيجة وشعبها فرحاًً ، وتكون بهجة اورشليم بهجتي وفرح شعبها فرحي . ولن يسمع فيها صوت بكاء ولا صوت صراخ ، ولن يكون هناك طفل يموت بعد أيام ولا شيخ لا يستكمل أيامه وهي مئة سنة ، فأن مات قبل ذلك يكون خاطئاً وملعوناً . ويبني الشعب بيوتاً ويسكنون فيها ، ويغرسون كروماً ويأكلون ثمرها . لا يبنون ويسكن آخر ، ولا يغرسون ويأكل آخر . فأيام شعبي طويلة كايام الشجر ، ولأني أخترتهم يتمتعون بأعمال ايديهم . لا يتبعون باطلاً ولا يلدون لحياة الرعب . لأنهم نسل الذين باركتهم مع ذريتهم . قبل ان يدعوني أُجيب ، وفيما هم يتكلمون استمع . الذئب والحمل يرعيان معاً ، والاسد كبقر يأكل التبن ،أما الحية فالتراب يكون طعامها . لا يضرون ولا يفسدون في جبلي المقدس كله ] .
وقد جاء تبدل الارض والسماء في الانجيل فيذكر الامام المهدي الذي يمثل الله في الارض كما أوضحنا ويبين معالم دولته المباركة وما يقوم به تجاه المؤمنين والكافرين وكيف انه يميت البدع ويحيي السنن ويحصل كل شيء جديداً ، بل انه يدعو الناس الى الاسلام الجديد ، كما ورد عن الامام الصادق (ع) انه قال : ( اذا قام القائم دعا الناس الى الاسلام جديداً وهداهم الى امر قد دثر وضل عنه الجمهور وانما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي الى امر مضلول عنه وسمي القائم لقيامه بالحق ) بحار الانوار ج52.
فورد في رؤيا يوحنا 21 ص405 تحت عنوان ( السماء الجديدة والارض الجديدة ) : [ ثم رأيت سماءاً جديدة وأرضاً جديدة ، لأن السماء الاولى والارض الاولى زالتا ، وما بقي للبحر وجود ، وها انا يوحنا رأيت المدينة المقدسة ، أورشليم الجديدة ، نازلة من السماء من عند الله ، كعروس تزينت واستعدت للقاء عريسها وسمعت صوتاً عظيماً من العرش يقول : ( هاهو مسكن الله والناس ، يسكن معهم ويكونون له شعباً . الله نفسه معهم ويكون لهم ألهاً ، يمسح كل دمعة تسيل من عيونهم . لا يبقى موت ولا حزن ولا صراخ ولا وجع ، لأن كل الاشياء القديمة زالت )) .وقال الجالس على العرش : (( ها أنا اجعل كل شيء جديداً )) ثم قال لي : (( اكتب : هذا الكلام صدقُ وحق )) وقال لي : تم كل شيء ! انا الالف والياء ، البداية والنهاية . أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً . من غلب يرث كل هذا ، وأكون له إلهاً ويكون لي ابناً . أما الجبناء وغير المؤمنين والاوغاد والقتلة والفجار والسحرة وعبدة الاوثان والكذبة جميعاً فنصيبهم في البحيرة الملتهبة بالنار والكبريت . هذا هو الموت الثاني ] .
ان ما ورد في هذه النصوص التوراتية والانجيلية يتوافق تماماً مع الاحاديث النبوية الشريفة وروايات ائمة الهدى (ع) في هذا الخصوص ، ولو دققنا مع كل مقطع منها لوجدناها تنسجم مع آيات قرآنية كثيرة ، ولكننا ولضيق المقام تطرقنا بشكل مختصر لذلك ، وهو ينسجم أيضاً مع الاية الكريمة من سورة ابراهيم التي أسهبنا في تبيان معناها ومعنى تبدل الارض والسماء ، وقد ورد عن رسول الله (ص) في حديث طويل يقول فيه عن دولة المهدي (ع) : ( ..... حتى يدخل الذئب في الغنم كأنه كلبها ....) وقد ورد عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً} قال : ( لا يبقى صاحب ملة الا صار الى الاسلام حتى تأمن الشاة من الذئب والبقر والغنم والانسان من الحية حتى لا تقرض الفأرة جراباً ، وذلك عند قيام القائم (ع) ) ، والحمد لله رب العالمين .