عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: نبه بالتفكر قلبك، وجافِ عن الليل جنبك، واتّقِ الله ربك"1.
معنى التقوى
التقوى في اللغة من الوقاية. والمقصود منها في الأحاديث "وقاية النفس من عصيان أوامر الله ونواهيه وما يمنع رضاه"، فهي ليست مجرد حفظ النفس عن الأمور التي نعلم أنها معصية، بل هي حفظ النفس حفظاً تاماً عن الوقوع في المحظورات بترك الشبهات.
وقد ورد في الروايات:"من أخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم"2، "فمن رتع حول الحِمى أوشك أن يقع فيه"3.
التقوى ومراتب الكمال
إن التقوى ليست هي مقاماً من مقامات الكمال، وإنما هي وسيلة لبلوغ تلك المقامات، ولا يمكن بلوغ أي مقام بدونها.
فالنفس ما دامت ملوثة بالمحرمات، لا تكون داخلة في الإنسانية ولا سالكة في طريقها.
وما دامت تميل إلى الشهوات وتستطيب حلاوتها، لن تصل إلى أول مقامات الكمال الإنساني.
وما دام حب الدنيا والتعلق بها في القلب، فلا يمكن أن يصل إلى مقام المتوسطين والزاهدين.
وما دام حب الذات باقياً في دخيلة نفسه، لن ينال مقام المخلصين والمحبين.
وما دام لم يصل إلى مرحلة "ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه ومعه وقبله وبعده" ولا زالت الكثرة الملكية والملكوتية ظاهرة في قلبه، لن يصل إلى مقام المنجذبين، وهكذا إلى المقامات الأعلى والأشمخ...
فتقوى العامة إذاً تكون من المحرمات، وتقوى الخاصة من المشتهيات، وتقوى الزاهدين من حب الدنيا، وتقوى المخلصين من حب الذات، وتقوى المنجذبين من الالتفات لغير الله...
وهذه المراتب لها تفاصيل لن ينال منها أمثالنا سوى الحيرة والضياع في المصطلحات، والبقاء في حجب المفاهيم. فالمهم بالنسبة لنا التركيز على تقوى العامة.
مرض النفس
إن للنفس الإنسانية صحةً ومرضاً، وعلاجاً ومعالجاً، كما كان للجسد صحته ومرضه، وعلاجه ومعالجه.
إن صحة النفس وسلامتها هي الاعتدال في طريق الإنسانية، ومرضها هو الإعوجاج والإنحراف عن هذه الطريق.
وهذه الأمراض النفسية أشد فتكاً من الأمراض الجسدية آلاف المرات. فإن نهاية ما يمكن أن يصل إليه مرض البدن هو الموت، فإذا مات وفارقت الروح البدن، زالت جميع الأمراض البدنية ولا يبقى أثر للآلام والأسقام.
وأما الأمراض النفسية، فإنه ما إن تفارق الروح البدن حتى تظهر آلامها وأسقامها.
إن هذه الأمراض تحتل روح الإنسان ونفسه في الدنيا، ولكن لا يشعر بها بسبب تعلقه بالدنيا وتوجهه إليها، فإن التعلق بالدنيا هو أشبه بالمخدر الذي يمنع من الشعور بالمرض رغم استفحاله وانتشاره. فعندما يزول ارتباط الروح بدنيا البدن يرجع الشعور ويبدأ الإحساس بالآلام والأسقام.
وهذه الأمراض يمكن أن تكون غير قابلة للشفاء، فتلازم الروح أبداً. وإن كانت قابلة للشفاء، فإن شفاءها سيحتاج لآلاف السنين من العذاب والعناء والإحتراق بالنار، فإن آخر الدواء الكيّ: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾(التوبة:35).
دور التقوى عند العامة
إن الأنبياء هم بمنزلة الأطباء المشفقين الذين جاؤوا بكل لطف ومحبة لمعالجة المرض بأنواع العلاج المناسب لحالتهم.
والأعمال الروحية القلبية والظاهرية البدنية، هي بمثابة الدواء للمرض.
والتقوى في كل مرتبة من مراتبها هي بمثابة الوقاية من الأمور المضرة التي تفاقم الأمراض. ومن دون الحميّة لا يمكن أن ينفع العلاج.
في الأمراض الجسدية قد يستطيع الدواء والطبيعة التغلب على المرض مع عدم الحمية جزئياً، لأن طبيعة الإنسان تحارب الأمراض الجسمية وتحفظ الصحة وتداوي الأمراض.
لكن في الأمراض النفسية الموضوع يختلف، لأن النفس تتوجه إلى الأمراض النفسية وتستقبلها بدل مواجهتها ومحاربتها، فهي تتوجه نحو الفساد والإنتكاس: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾(يوسف:52).
فمن يتهاون في الحمية تصرعه الأمراض، وتجد ثغرات للنفوذ إليه حتى تقضي على صحته قضاءً تاماً.
إن وسيلة الخلاص من العذاب، والطريق الوحيد إلى المقامات والمدارج الإنسانية والصحة، تنحصر في أمرين:
الأول: الإتيان بما يصلح النفس ويجعلها سليمة. وفعل الواجبات يعتبر من أفضل الأمور المصلحة، ومقدم على كل هدف، وله أكبر الأثر. ولهذا أوجبها الله سبحانه وتعالى.
الثاني: الامتناع عن كل ما يضرها ويؤلمها، وضرر المحرمات هو أشد الضرر.
أهل السلوك يعتبرون الأمر الثاني(التقوى من المحرمات) مقدم على الأمر الأول، حيث يظهر من الأخبار الإهتمام الخاص بهذا الأمر والتركيز عليه.
فعليك أن تطلب من القادر ذي الجلال، من الله المتعال جل جلاله، مع التضرع والبكاء والإلتماس كي يوفقك في هذه المرحلة ويعينك في الحصول على خصلة التقوى.
واعلم أن بدايات الأمر صعبة وشاقة، ولكن بعد فترة من الاستمرار والمثابرة تتحول المشقة إلى راحة، والعسر إلى يسر، بل تتبدل إلى لذة روحية. لذة لا ترضى باستبدالها بحميع اللذائذ.
التقوى في المراتب الأعلى
المرتبة الثانية: بعد المواظبة الشديدة والتقوى التامة في المرتبة الأولي يمكن - إن شاء الله تعالى - أن تنتقل من هذا المقام إلى مقام تقوى الخاصة. وهي التقوى التي تتلذذ الروح بها، لذة روحية إذا تذوقتها فلن تقيم وزناً للذات الجسدية الزائلة، بل تنفر منها.
المرتبة الثالثة: وتنظر في باطنك فتجد أن كل لذة من لذات هذا العالم قد أوجدت في النفس أثراً وأبقت في القلوب لطخة سوداء تبعث على شدة الأنس بهذه الدنيا والتعلق بها. وهذه نفسها هي سبب الإخلاد إلى الأرض، وعند سكرات الموت تتبدل إلى صعوبة ومشقة ومعاناة. فإذا أدرك الإنسان هذا الأمر سقطت لذات العالم من عينه كلياً ونفر من الدنيا وما فيها من مباهج وزخارف. وهذا هو التقدم إلى المقام الثالث من التقوى.
المرتبة الرابعة: بعد المرتبة الثالثة يصبح سبيل السلوك إلى الله سهلاً ميسوراً، وطريق الإنسانية نيّراً واسعاً، وتصبح خطوته شيئاً فشيئاً خطوة الحق، ويتهرب من النفس وآثارها، إذ يجد في ذاته عشقاً للحق، فلا يعود يقنع بوعود الجنة والحور العين والقصور، بل يكون مطلوبه ومقصوده أمراً آخر، وينفر من الأنانية وحب الذات. فيتقي حب الذات ويتقي الأنانية. وهذا أول مراتب هبوب نسيم الولاية، فيصبح موضع عناية ألطاف الله تعالى الخاصة.
أما ما يحدث للسالك بعد ذلك فخارج عن قدرة القلم.
معنى التقوى
التقوى في اللغة من الوقاية. والمقصود منها في الأحاديث "وقاية النفس من عصيان أوامر الله ونواهيه وما يمنع رضاه"، فهي ليست مجرد حفظ النفس عن الأمور التي نعلم أنها معصية، بل هي حفظ النفس حفظاً تاماً عن الوقوع في المحظورات بترك الشبهات.
وقد ورد في الروايات:"من أخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم"2، "فمن رتع حول الحِمى أوشك أن يقع فيه"3.
التقوى ومراتب الكمال
إن التقوى ليست هي مقاماً من مقامات الكمال، وإنما هي وسيلة لبلوغ تلك المقامات، ولا يمكن بلوغ أي مقام بدونها.
فالنفس ما دامت ملوثة بالمحرمات، لا تكون داخلة في الإنسانية ولا سالكة في طريقها.
وما دامت تميل إلى الشهوات وتستطيب حلاوتها، لن تصل إلى أول مقامات الكمال الإنساني.
وما دام حب الدنيا والتعلق بها في القلب، فلا يمكن أن يصل إلى مقام المتوسطين والزاهدين.
وما دام حب الذات باقياً في دخيلة نفسه، لن ينال مقام المخلصين والمحبين.
وما دام لم يصل إلى مرحلة "ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه ومعه وقبله وبعده" ولا زالت الكثرة الملكية والملكوتية ظاهرة في قلبه، لن يصل إلى مقام المنجذبين، وهكذا إلى المقامات الأعلى والأشمخ...
فتقوى العامة إذاً تكون من المحرمات، وتقوى الخاصة من المشتهيات، وتقوى الزاهدين من حب الدنيا، وتقوى المخلصين من حب الذات، وتقوى المنجذبين من الالتفات لغير الله...
وهذه المراتب لها تفاصيل لن ينال منها أمثالنا سوى الحيرة والضياع في المصطلحات، والبقاء في حجب المفاهيم. فالمهم بالنسبة لنا التركيز على تقوى العامة.
مرض النفس
إن للنفس الإنسانية صحةً ومرضاً، وعلاجاً ومعالجاً، كما كان للجسد صحته ومرضه، وعلاجه ومعالجه.
إن صحة النفس وسلامتها هي الاعتدال في طريق الإنسانية، ومرضها هو الإعوجاج والإنحراف عن هذه الطريق.
وهذه الأمراض النفسية أشد فتكاً من الأمراض الجسدية آلاف المرات. فإن نهاية ما يمكن أن يصل إليه مرض البدن هو الموت، فإذا مات وفارقت الروح البدن، زالت جميع الأمراض البدنية ولا يبقى أثر للآلام والأسقام.
وأما الأمراض النفسية، فإنه ما إن تفارق الروح البدن حتى تظهر آلامها وأسقامها.
إن هذه الأمراض تحتل روح الإنسان ونفسه في الدنيا، ولكن لا يشعر بها بسبب تعلقه بالدنيا وتوجهه إليها، فإن التعلق بالدنيا هو أشبه بالمخدر الذي يمنع من الشعور بالمرض رغم استفحاله وانتشاره. فعندما يزول ارتباط الروح بدنيا البدن يرجع الشعور ويبدأ الإحساس بالآلام والأسقام.
وهذه الأمراض يمكن أن تكون غير قابلة للشفاء، فتلازم الروح أبداً. وإن كانت قابلة للشفاء، فإن شفاءها سيحتاج لآلاف السنين من العذاب والعناء والإحتراق بالنار، فإن آخر الدواء الكيّ: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾(التوبة:35).
دور التقوى عند العامة
إن الأنبياء هم بمنزلة الأطباء المشفقين الذين جاؤوا بكل لطف ومحبة لمعالجة المرض بأنواع العلاج المناسب لحالتهم.
والأعمال الروحية القلبية والظاهرية البدنية، هي بمثابة الدواء للمرض.
والتقوى في كل مرتبة من مراتبها هي بمثابة الوقاية من الأمور المضرة التي تفاقم الأمراض. ومن دون الحميّة لا يمكن أن ينفع العلاج.
في الأمراض الجسدية قد يستطيع الدواء والطبيعة التغلب على المرض مع عدم الحمية جزئياً، لأن طبيعة الإنسان تحارب الأمراض الجسمية وتحفظ الصحة وتداوي الأمراض.
لكن في الأمراض النفسية الموضوع يختلف، لأن النفس تتوجه إلى الأمراض النفسية وتستقبلها بدل مواجهتها ومحاربتها، فهي تتوجه نحو الفساد والإنتكاس: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾(يوسف:52).
فمن يتهاون في الحمية تصرعه الأمراض، وتجد ثغرات للنفوذ إليه حتى تقضي على صحته قضاءً تاماً.
إن وسيلة الخلاص من العذاب، والطريق الوحيد إلى المقامات والمدارج الإنسانية والصحة، تنحصر في أمرين:
الأول: الإتيان بما يصلح النفس ويجعلها سليمة. وفعل الواجبات يعتبر من أفضل الأمور المصلحة، ومقدم على كل هدف، وله أكبر الأثر. ولهذا أوجبها الله سبحانه وتعالى.
الثاني: الامتناع عن كل ما يضرها ويؤلمها، وضرر المحرمات هو أشد الضرر.
أهل السلوك يعتبرون الأمر الثاني(التقوى من المحرمات) مقدم على الأمر الأول، حيث يظهر من الأخبار الإهتمام الخاص بهذا الأمر والتركيز عليه.
فعليك أن تطلب من القادر ذي الجلال، من الله المتعال جل جلاله، مع التضرع والبكاء والإلتماس كي يوفقك في هذه المرحلة ويعينك في الحصول على خصلة التقوى.
واعلم أن بدايات الأمر صعبة وشاقة، ولكن بعد فترة من الاستمرار والمثابرة تتحول المشقة إلى راحة، والعسر إلى يسر، بل تتبدل إلى لذة روحية. لذة لا ترضى باستبدالها بحميع اللذائذ.
التقوى في المراتب الأعلى
المرتبة الثانية: بعد المواظبة الشديدة والتقوى التامة في المرتبة الأولي يمكن - إن شاء الله تعالى - أن تنتقل من هذا المقام إلى مقام تقوى الخاصة. وهي التقوى التي تتلذذ الروح بها، لذة روحية إذا تذوقتها فلن تقيم وزناً للذات الجسدية الزائلة، بل تنفر منها.
المرتبة الثالثة: وتنظر في باطنك فتجد أن كل لذة من لذات هذا العالم قد أوجدت في النفس أثراً وأبقت في القلوب لطخة سوداء تبعث على شدة الأنس بهذه الدنيا والتعلق بها. وهذه نفسها هي سبب الإخلاد إلى الأرض، وعند سكرات الموت تتبدل إلى صعوبة ومشقة ومعاناة. فإذا أدرك الإنسان هذا الأمر سقطت لذات العالم من عينه كلياً ونفر من الدنيا وما فيها من مباهج وزخارف. وهذا هو التقدم إلى المقام الثالث من التقوى.
المرتبة الرابعة: بعد المرتبة الثالثة يصبح سبيل السلوك إلى الله سهلاً ميسوراً، وطريق الإنسانية نيّراً واسعاً، وتصبح خطوته شيئاً فشيئاً خطوة الحق، ويتهرب من النفس وآثارها، إذ يجد في ذاته عشقاً للحق، فلا يعود يقنع بوعود الجنة والحور العين والقصور، بل يكون مطلوبه ومقصوده أمراً آخر، وينفر من الأنانية وحب الذات. فيتقي حب الذات ويتقي الأنانية. وهذا أول مراتب هبوب نسيم الولاية، فيصبح موضع عناية ألطاف الله تعالى الخاصة.
أما ما يحدث للسالك بعد ذلك فخارج عن قدرة القلم.
تعليق