فضة ( رضوان الله عليها ) جارية الزهراء ( عليها السلام)
نقلاً عن كتاب ( مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام) للحافظ رجب البرسي لما جاءت إلى بيت الزهراء عليها السلام ودخلت بيت النبوة ومعدن الرحمة ومنبع العصمة ودار الحكمة وأم الأئمة لم تجد هناك إلا السيف والدرع والرحى وكانت فضة بنت ملك الهند وكان عندها ذخيرة من الإكسير و( علم الكيمياء) فأخذت قطعة من النحاس وألانتها وجعلتها على هيئة السمكة وألقت الدواء وصبغتها ذهباً فلما جاء أمير المؤمنين عليه السلام وضعتها بين يديه فلما رآها قال: أحسنت يا فضة ولكن لو أُذنب الجسد لكان الصبغ أعلا والقيمة أغلا فقالت يا سيدي أتعرف هذا العلم فقال: نعم وهذا الطفل يعرفه وأشار إلى الحسن عليه السلام.
فجاء وقال كما قال أمير المؤمنين عليه السلام. ثم قال لها أمير المؤمنين نحن نعرف أعظم من هذا، ثم أومأ بيده وإذا عنق من ذهب وكنوز سائرة، فقال: ضعيها مع إخوتها فوضعتها فسارت، وبقيت فضة في خدمة الزهراء سلام الله عليها مضيفة إلى ما عندها من علوم الهند علوم الإسلام عن طريق سيدتها الزهراء والسيدة زينب عليها السلام وبقيت ملازمة للبيت المحمدي العلوي حتى بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في واقعة الطف في أرض كربلاء ومن ذلك ما كان من أمرها ليلة الحادي عشر من محرم فإنها قد سمعت وتعلمت من أمير المؤمنين عليه السلام عدداً من الأدعية ومنها كلام له عليه السلام بعد أن يتكلم به يأتيه أسدٌ عظيم مطأطأ رأسه إلى الأرض مأتمر بأمر الإمام عليه السلام فتكلمت فضة بعد منتصف الليل في ليلة الحادي عشر من محرم بهذا الكلام الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام فحضر الأسد فأخبرته بأن هذه الجثث هي لأبناء أمير المؤمنين عليه السلام ومحبيهم وأنصارهم وطلبت منه أن يحرسها فسمعت بذلك السيدة زينب عليها السلام فأخبرتها بأن الجثث الطواهر والأطفال واليتامى بحراسة الله الواحد وقادرين على فعل أي شيء وبقي هذا الأسد محله في أرض المعركة حتى ورود الإمام السجاد عليه السلام يوم الثالث عشر من محرم لدفن الأجساد الشريفة.
وكما هو متعارف لدى الكثير منا ان هذه السيدة الجليلة كانت تتحدث بالقرآن الكريم ..
سيرتها :
كانت فِضَّة على درجة عالية من الإيمان والتقوى ، والزهد والورع .
وكانت مَحبَّتُها لأهل البيت ( عليهم السلام ) معروفة ومشهورة ، وأمّا بلاغتها وحسن منطقها فهو لا يخفى على الكثير .
كما أنّ مساعدتها للزهراء ( عليها السلام ) لم تكن مقتصرة على العمل اليومي في المنزل ، ولم يكن إسهامها في خدمة البيت فقط ، بل كانت التربية الفاطميَّة تنعكس على هذه التلميذة التي كانت ملازمة لمعلِّمتِها ( عليها السلام ) .
وعن ورقة بن عبد الله الأزدي قال : خرجتُ حاجّاً إلى بيت الله الحرام ، راجياً لثواب الله ربِّ العالمين .
فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء مليحة الوجه ، عذبة الكلام ، وهي تنادي بفصاحة منطقها وتقول : ربَّ البيت الحرام ، والحفظة الكرام ، وزمزم والمقام ، والمشاعر العِظام ، وربَّ محمد ( صلى الله عليه وآله ) خير الأنام ، البررة الكرام ، أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين ، وأبنائِهم الغرِّ المحجلين الميامين .
ثم قالت : ألا فاشهدوا يا جماعة الحُجَّاج والمعتمرين ، أنَّ مواليَّ خيرة الأخيار ، وصفوة الأبرار ، الذين عَلا قدرهم على الأقدار ، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار ، المرتدين بالفخار .
قال ورقة : فقلتُ : يا جارية ، إنِّي لأظنَّك من موالي أهل البيت ( عليهم السلام ) ؟
فقالت : أجل .
فقلت لها : ومَن أنتِ من مواليهم ؟
قالت : أنا فِضَّة ، أَمَةُ فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بنت محمد المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) .
فقلت لها : مرحباً بك ، وأهلاً وسهلاً ، فلقد كنتُ مشتاقاً إلى كلامكِ ومنطقكِ ، فأريدُ منكِ الساعة أن تجيبني عن مسألة أسألك .
فإذا أنت فرغتِ من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك ، وأنت مثابة مأجورة .
فافترقنا في الطواف ، فلمّا فرغتُ من الطواف وأردتُ الرجوع إلى منزلي جعلتُ طريقي على سوق الطعام ، وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس .
فأقبلتُ عليها واعتزلتُ بها ، وأهديتُ إليها هدية ،ولم أعتقد أنَّها صدقة ، ثم قلت لها : يا فِضَّة ، أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وما الذي رأيتِ منها عند وفاتها ( عليها السلام ) بعد موت أبيها محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟
قال ورقة : فلمَّا سمعتْ كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ، ثم انتحبت باكية ، وقالت : يا ورقة هيَّجت عليَّ حزناً ساكناً ، وأشجاناً في فؤادي كانت كامنة …
وفي الإصابة : روي عن الإمام الصادق عن آبائه ، عن علي ( عليهم السلام ) أنّه قال : ( إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخدم فاطمة ابنته ( عليها السلام ) جارية اسمها فِضَّة النوبيَّة ) .
وكانت تشاطرها الخدمة ، فعلَّمها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دعاء تدعو به .
فقالت لها فاطمة : أتعجنين أو تخبزين ؟
فقالت : بل أعجن يا سيَّدتي واحتطب .
فذهبت واحتطبت وبيدها حزمة ، فأرادت حملها فعجزت ، فدعت بالدعاء الذي علَّمَها ( صلى الله عليه وآله ) .
وكان الدعاء هو : ( يَا واحدُ لَيس كَمِثلِهِ أَحَد ، تُميتَ كُلَّ أحدٍ وأنتَ على عَرشِكَ وَاحِد لا تَأخُذهُ سِنَةٌ وَلا نَوم ) .
فجاء أعرابي كأنّه من أزد شنوءة ، فحمل الحزمة إلى باب فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
عاشت في بيت النبوة وتربت في احضان الرسالة وتعلمت من خير اهل الارض فنهلت من علومهم وتخلقت باخلاقهم فارتقت الى درجات الكمال انها سيدتنا فضة جارية مولاتنا الزهراء عليها السلام .
علمها
كانت جارية ولكنها تختلف عن الجواري فهي بنت ملك الهند وصاحبة العلم الغريب وكأن حكمة الله اقتضت ان تكون جارية حتى تتشرف بخدمة مولاتنا الزهراء ع وروي: لما جاءت فضة إلى بيت الزهراء عليها السلام لم تجد هناك إلا السيف و الدرع والرحى ، وكانت بنت ملك الهند ، وكانت عندها ذخيرة من الاكسير ، فأخذت قطعة من النحاس وألانتها وجعلتها على هيئة سبيكة ، وألقت عليها الدواء وصنعتها ذهبا ، فلما جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام وضعتها بين يديه ، فلما رآها قال : أحسنت يا فضة ، لكن لو أذبت الجسد لكان الصبغ أعلى والقيمة أغلى ، فقالت : يا سيدي تعرف هذا العلم ؟ قال : نعم وهذا الطفل يعرفه - وأشار إلى الحسين عليه السلام
حزنها على امير المؤمنين عليه السلام
لما حمل امير المؤمنين ع من مصلاه الى البيت والناس من حوله قد أشرفوا على الهلكة من شدة البكاء والنحيب ، وبلغوا به منزله ومعهم ابن ملجم موثوقا ، وأقبلت فضة أمة فاطمة الزهراء وبيدها حربة ، فقالت : أموالي ذروني أضرب عدوالله بهذه الحربة فأشفي بعض جوى صدري ، فقد أحرق فؤادي ، وأقلق رقادي ، وهيج حزني ، وأوهى ركني ، وأجرى دمعي ، وهتك ستري ، واجتث أصلي وفخري ، وانقضت عليه كالشهاب ، فقال لها الحسن ( ع ) : اصبري يا أمة الله ، وردها إلى الدار فقالت لابن ملجم : ويلك يا عدوالله أفجعتنا وجميع الاسلام ، فمصيرك إلنار.
لم تتكلم الا بآيات القرآن
قال ابو القاسم القشيري في كتابه : قال بعضهم : انقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأة ، فقلت لها : من أنت ؟ فقالت ( وقل سلام فسوف تعلمون ) فسلمت عليها ، فقلت : ما تصنعين ههنا ؟ قالت : ( من يهدي الله فلا مضل له ) فقلت : أمن الجن أنت أم من الانس ؟ قالت : ( يا بني آدم خذوا زينتكم ) فقلت : من أين أقبلت ؟ قالت : ( ينادون من مكان بعيد ) فقلت : أين تقصدين ؟ قالت : ( ولله على الناس حج البيت ) فقلت : متى انقطعت ؟ قالت : ( ولقد خلقنا السموات والارض في ستة أيام ) فقلت : أتشتهين طعاما ؟ فقالت : ( وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام ) فأطعمتها ، ثم قلت : هرولي ولا تعجلي ، قالت : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) فقلت : أردفك ؟ فقالت : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) فنزلت فأركبتها ، فقالت : ( سبحان الذي سخر لنا هذا )) . فلما أدركنا القافلة قلت : ألك أحد فيها ؟ قالت : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض ) ( وما محمد إلا رسول ) ( يا يحيى خذ الكتاب ) ( يا موسى إني أنا الله ) فصحت بهذه الاسماء ، فإذا أنا بأربعة شباب متوجهين نحوها ، فقلت : من هؤلاء منك ؟ قالت : ( المال والبنون زينة الحيوة الدنيا ) فلما أتوها قالت : ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين ) فكافوني بأشياء فقالت : ( والله يضاعف لمن يشاء ) فزادوا على فسألتهم عنها فقالوا : هذه أمنا فضة جارية الزهراء ( عليها السلام ) ما تكلمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن..