السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماجاء في توحيد المفضل عن الإمام الصادق عليه السلام قال عن ضوء القمر و ما فيه من المنافع وعن فوائد بعض النجوم وعن الحر و البرد و فوائدهما /
قال (عليه السلام) عن ضوء القمر/
فكر في إنارته في ظلمة الليل و الأرب في ذلك فإنه مع الحاجة إلى الظلمة لهدوء الحيوان و برد الهواء على النبات لم يكن صلاح في أن يكون الليل ظلمة داجية لا ضياء فيها فلا يمكن فيه شيء من العمل لأنه ربما توحيدالمفضل ص : 132احتاج الناس إلى العمل بالليل لضيق الوقت عليهم في بعض الأعمال في النهار و لشدة الحر و إفراطه فيعمل في ضوء القمر أعمالا شتى كحرث الأرض و ضرب اللبن و قطع الخشب و ما أشبه ذلك فجعل ضوء القمر معونة للناس على معايشهم إذا احتاجوا إلى ذلك و أنسا للسائرين و جعل طلوعه في بعض الليل دون بعض و نقص مع ذلك عن نور الشمس و ضيائها لكيلا ينبسط الناس في العمل انبساطهم بالنهار و يمتنعوا من الهدوء و القرار فيهلكهم ذلك و في تصرف القمر خاصة في مهله و محاقه و زيادته و نقصانه و كسوفه من التنبيه على قدرة الله تعالى خالفه المصرف له هذا التصريف لصلاح العالم ما يعتبر به المعتبرون
النجوم و اختلاف مسيرها و السبب في أن بعضها راتبة و الأخرى منتقلة
فكر يا مفضل في النجوم و اختلاف مسيرها فبعضها لا تفارق مراكزها من الفلك و لا تسير إلا مجتمعة و بعضها مطلقة تنتقل في البروج و تفترق في مسيرها فكل واحد منها يسير سيرين مختلفين أحدهما عام مع الفلك نحو المغرب و الآخر خاص لنفسه نحو المشرق كالنملة التي تدور على الرحى فالرحى تدور ذات اليمين و النملة تدور ذات الشمال توحيدالمفضل ص : 133و النملة في ذلك تتحرك حركتين مختلفين إحداهما بنفسها فتتوجه أمامها و الأخرى مستكرهة مع الرحى تجذبها إلى خلفها فاسأل الزاعمين أن النجوم صارت على ما هي عليه بالإهمال من غير عمد و لا صانع لها ما منعها أن تكون كلها راتبة أو تكون كلها منتقلة فإن الإهمال معنى واحد فكيف صار يأتي بحركتين مختلفتين على وزن و تقدير ففي هذا بيان أن مسير الفريقين على ما يسيران عليه بعمد و تدبير و حكمة و تقدير و ليس بإهمال كما يزعم المعطلة فإن قال قائل و لم صار بعض النجوم راتبا و بعضها منتقلا قلنا إنها لو كانت كلها راتبة لبطلت الدلالات التي يستدل بها من تنقل المنتقلة و مسيرها في كل برج من البروج كما يستدل بها على أشياء مما يحدث في العالم بتنقل الشمس و النجوم في منازلها و لو كانت توحيدالمفضل ص : 134كلها منتقلة لم يكن لمسيرها منازل تعرف و لا رسم يوقف عليه لأنه إنما يوقف عليه بمسير المنتقلة منها بتنقلها في البروج الراتبة كما يستدل على سير السائر على الأرض بالمنازل التي يجتاز عليها أو لو كان تنقلها بحال واحد لاختلط نظامها و بطلت المآرب فيها و لساغ القائل يقول إن كينونتها على حال واحدة توجب عليها الإهمال من الجهة التي وصفنا ففي اختلاف سيرها و تصرفها و ما في ذلك من المآرب و المصلحة أبين دليل على العمد و التدبير فيها
وقال (ع) عن فوائد بعض النجوم
فكر في هذه النجوم التي تظهر في بعض السنة و تحتجب في بعضها كمثل الثريا و الجوزاء و الشعريين و سهيل فإنها لو كانت توحيدالمفضل ص : 135بأسرها تظهر في وقت واحد لم يكن لواحد فيها على حياله دلالات يعرفها الناس و يهتدون بها لبعض أمورهم كمعرفتهم الآن بما يكون من طلوع الثور و الجوزاء إذا طلعت و احتجابها إذا احتجبت فصار ظهور كل واحد و احتجابه في وقت غير الوقت الآخر لينتفع الناس بما يدل عليه كل واحد منها على حدته و ما جعلت الثريا و أشباهها تظهر حينا و تحتجب حينا إلا لضرب من المصلحة و كذلك جعلت بنات نعش ظاهرة لا تغيب لضرب آخر من المصلحة فإنها بمنزلة الأعلام التي يهتدي بها الناس في البر و البحر للطرق المجهولة و كذلك إنها لا تغيب و لا تتوارى فهم ينظرون إليها متى أرادوا أن يهتدوا بها إلى حيث شاءوا و صار الأمران جميعا على اختلافهما موجهين نحو الأرب و المصلحة و فيهما مآرب أخرى علامات و دلالات على أوقات كثيرة من الأعمال كالزراعة و الغراس و السفر في البر و البحر و أشياء مما يحدث في الأزمنة من الأمطار و الرياح و الحر و البرد و بها يهتدي السائرون في ظلمة الليل لقطع القفار الموحشة و اللجج الهائلة مع ما في ترددها في كبد السماء مقبلة و مدبرة و مشرقة توحيدالمفضل ص : 136و مغربة من العبر فإنها تسير أسرع السير و أحثه أ رأيت لو كانت الشمس و القمر و النجوم بالقرب منا حتى يتبين لنا سرعة سيرها بكنه ما هي عليه أ لم تكن تستخطف الأبصار بوهجها و شعاعها كالذي يحدث أحيانا من البروق إذا توالت و اضطرمت في الجو و كذلك أيضا لو أن أناسا كانوا في قبة مكللة بمصابيح تدور حولهم دورانا حثيثا لحارت أبصارهم حتى يخروا لوجوههم فانظر كيف قدر أن يكون مسيرها في البعد البعيد لكيلا تضر في الأبصار و تنكأ فيها و بأسرع السرعة لكيلا تتخلف عن مقدار الحاجة في مسيرها و جعل فيها جزء يسيرا من الضوء ليسد مسد الأضواء إذا لم يكن قمر و يمكن فيه الحركة إذا حدثت ضرورة كما قد يحدث الحادث على المرء فيحتاج إلى التجافي في جوف الليل فإن لم يكن شيء من الضوء يهتدى به لم يستطع أن يبرح مكانه فتأمل اللطف و الحكمة في هذا التقدير حين جعل للظلمة دولة و مدة لحاجة إليها و جعل خلالها شيء من الضوء للمآرب التي وصفنا
الشمس و القمر و النجوم و البروج تدل على الخالق
فكر في هذا الفلك بشمسه و قمره و نجومه و بروجه تدور على العالم هذا الدوران الدائم بهذا التقدير و الوزن لما في اختلاف الليل و النهار توحيدالمفضل ص : 137و هذه الأزمان الأربعة المتوالية من التنبيه على الأرض و ما عليها من أصناف الحيوان و النبات من ضروب المصلحة كالذي بينت و شخصت لك آنفا و هل يخفى على ذي لب أن هذا تقدير مقدر و صواب و حكمة من مقدر حكيم فإن قال قائل إن هذا شيء اتفق أن يكون هكذا فما منعه أن يقول مثل هذا في دولاب يراه يدور و يسقي حديقة فيها شجر و نبات فيرى كل شيء من آلاته مقدرا بعضه يلقى بعضا على ما فيه صلاح تلك الحديقة و ما فيها و بم كان يثبت هذا القول لو قاله و ما ترى الناس كانوا قائلين له لو سمعوه منه أ فينكر أن يقول في دولاب خشب مصنوع بحيلة قصيرة لمصلحة قطعة من الأرض أنه كان بلا صانع و مقدر و يقدر أن يقول في هذا الدولاب الأعظم المخلوق بحكمة تقصر عنها أذهان البشر لصلاح جميع الأرض و ما عليها أنه شيء اتفق أن يكون بلا صنعة و لا تقدير لو اعتل هذا الفلك كما تعتل الآلات التي تتخذ للصناعات و غيرها أي شيء كان عند الناس من الحيلة في إصلاحه
وعن مقادير الليل و النهار
فكر يا مفضل في مقادير النهار و الليل كيف وقعت على ما فيه صلاح هذا الخلق فصار منتهى كل واحد منهما إذا امتد إلى توحيدالمفضل ص : 138خمس عشرة ساعة لا يجاوز ذلك أ فرأيت لو كان النهار يكون مقداره مائة ساعة أو مائتي ساعة أ لم يكن في ذلك بوار كل ما في الأرض من حيوان و نبات أما الحيوان فكان لا يهدأ و لا يقر طول هذه المدة و لا البهائم كانت تمسك عن الرعي لو دام لها ضوء النهار و لا الإنسان كان يفتر عن العمل و الحركة و كان ذلك ينهكها أجمع و يؤديها إلى التلف و أما النبات فكان يطول عليه حر النهار و وهج الشمس حتى يجف و يحترق كذلك الليل لو امتد مقدار هذه المدة كان يعوق أصناف الحيوان عن الحركة و التصرف في طلب المعاش حتى تموت جوعا و تخمد الحرارة الطبيعية عن النبات حتى يعفن و يفسد كالذي تراه يحدث على النبات إذا كان في موضع لا تطلع عليه الشمس
وعن الحر و البرد و فوائدهما /
اعتبر بهذا الحر و البرد كيف يتعاوران العالم و يتصرفان هذا التصرف في الزيادة و النقصان و الاعتدال لإقامة هذه الأزمنة الأربعة توحيدالمفضل ص : 139من السنة و ما فيهما من المصالح ثم هما بعد دباغ الأبدان التي عليها بقاؤها و فيهما صلاحها فإنه لو لا الحر و البرد و تداولهما الأبدان لفسدت و أخوت و انتكثت فكر في دخول أحدهما على الآخر بهذا التدريج و الترسل فإنك ترى أحدهما ينقص شيئا بعد شيء و الآخر يزيد مثل ذلك حتى ينتهي كل واحد منهما منتهاه في الزيادة و النقصان و لو كان دخول أحدهما على الآخر مفاجأة لأضر ذلك بالأبدان و أسقمها كما أن أحدكم لو خرج من حمام حار إلى موضع البرودة لضره ذلك و أسقم بدنه فلم يجعل الله عز و جل هذا الترسل في الحر و البرد إلا للسلامة من ضرر المفاجأة و لم جرى الأمر على ما فيه السلامة من ضرر المفاجأة لو لا التدبير في ذلك فإن زعم زاعم أن هذا الترسل في دخول الحر و البرد إنما يكون لإبطاء مسير الشمس في ارتفاعها و انحطاطها سئل عن العلة في إبطاء مسير الشمس في ارتفاعها و انحطاطها فإن اعتل في الإبطاء ببعد ما بين المشرقين سئل عن العلة في ذلك فلا تزال هذه المسألة ترقي معه إلى حيث رقى من هذا القول حتى استقر على العمد و التدبير لو لا الحر لما كانت الثمار توحيدالمفضل ص : 140الجاسية المرة تنضج فتلين و تعذب حتى يتفكه بها رطبة و يابسة و لو لا البرد لما كان الزرع يفرخ هكذا و يريع الريع الكثير الذي يتسع للقوت و ما يرد في الأرض للبذر أ فلا ترى ما في الحر و البرد من عظيم الغناء و المنفعة و كلاهما مع غنائه و المنفعة فيه يؤلم الأبدان و يمضها و في ذلك عبرة لمن فكر و دلالة على أنه من تدبير الحكيم في مصلحة العالم و ما فيه
الريح و ما فيها
و أنبهك يا مفضل على الريح و ما فيها أ لست ترى ركودها إذا ركدت كيف يحدث الكرب الذي يكاد أن يأتي على النفوس و يمرض الأصحاء و ينهك المرضى و يفسد الثمار و يعفن البقول و يعقب الوباء في الأبدان و الآفة في الغلات ففي هذا بيان أن هبوب الريح من تدبير الحكيم في صلاح الخلق
توحيدالمفضل ص : 141الهواء و الأصوات
و أنبئك عن الهواء بخلة أخرى فإن الصوت أثر يؤثره اصطكاك الأجسام في الهواء و الهواء يؤديه إلى المسامع و الناس يتكلمون في حوائجهم و معاملاتهم طول نهارهم و بعض ليلهم فلو كان أثر هذا الكلام يبقى في الهواء كما يبقى الكتاب في القرطاس لامتلأ العالم منه فكان يكربهم و يفدحهم و كانوا يحتاجون في تجديده و الاستبدال به إلى أكثر مما يحتاج إليه في تجديد القراطيس لأن ما يلفظ من الكلام أكثر مما يكتب فجعل الخلاق الحكيم جل قدسه هذا الهواء قرطاسا خفيا يحمل الكلام ريثما يبلغ العالم حاجتهم ثم يمحى فيعود جديدا نقيا و يحمل ما حمل أبدا بلا انقطاع و حسبك بهذا النسيم المسمى هواء عبرة و ما فيه من المصالح فإنه حياة هذه الأبدان و الممسك لها من داخل بما يستنشق منه من خارج بما يباشر من روحه و فيه تطرد هذه الأصوات فيؤدي البعد البعيد و هو الحامل لهذه الأرواح ينقلها من موضع إلى موضع توحيدالمفضل ص : 142أ لا ترى كيف تأتيك الرائحة من حيث تهب الريح فكذلك الصوت و هو القابل لهذا الحر و البرد اللذين يتعاقبان على العالم لصلاحه و منه هذه الريح الهابة فالريح تروح عن الأجسام و تزجي السحاب من موضع إلى موضع ليعم نفعه حتى يستكشف فيمطر و تفضه حتى يستخف فيتفشى و تلقح الشجر و تسير السفن و ترخى الأطعمة و تبرد الماء و تشب النار و تجفف الأشياء الندية و بالجملة إنها تحيي كل ما في الأرض فلو لا الريح لذوي النبات و لمات الحيوان و حمت الأشياء و فسدت
السلام عليكم يا أهل بيت النبوة والرحمة ومعدن العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنزيل
الســــــــلام على صادق العترة الطاهرة
تعليق