تزاوج العلوم في دولة الإمام المهدي عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
تزاوج العلوم في دولة الإمام المهدي عليه السلام
سبقت دولة الإمام المهدي دول وحضارات, فما هو الجديد في حضارته؟ وما هو الجديد في دولته؟ الجديد في حضارته أن يومه وعهده عليه السلام هو عهد تزاوج العلوم.
ما معنى تزاوج العلوم؟
إن كل علم من العلوم يمرُّ بمرحلتين, مرحلة التفصيل, ومرحلة التزاوج, مثلاً علم الطب قبل خمسمائة سنة كان علماً واحداً, وبعد ذلك دخل في مرحلة تفصيل, فصار طب القلب غير طب الأسنان وغير طب العيون, فعلم الطب دخل مجال المرحلة التفصيلية فتحوّل إلى علوم متعددة, والمرحلة الأخرى هي مرحلة لقاء العلوم وتزاوجها, كيف؟ إن أيّة ظاهرة تحدث في المجتمع يتوقّف علاجها على تزاوج العلوم ولقائها, مثلاً لو وجدنا صبياً عمره عشر سنوات أو إحدى عشر سنة يتعاطى مخدرات, فهذه ظاهرة مرضيّة خطيرة, فكيف نعالجها؟ صبي تفتك بجسمه المخدرات, هنا تلتقي عدّة علوم لأجل معالجة هذه الظاهرة, فهناك عدّة علوم تتزاوج وتلتقي فيما بينها كي تعالج هذه الظاهرة, حيث يأتي علم الطب ويقول: إن جسمه صار جسماً ملوّثاً يحتاج إلى عملية تنقية ويحتاج إلى عملية تطهير, فعلم الطب يتكفّل بذلك, ثمّ يأتي علم النفس ويدرس الدوافع النفسية التي دفعت بهذا الغلام حدث السن إلى أن يرتكب هذه الجريمة وهي جريمة تعاطي المخدرات, فيتكفل بذلك, ويأتي علم الاجتماع ويدرس الظروف الموضوعية التي عاشها هذا الغلام حتّى نتج عنها أنه ارتكب هذه الجريمة, وما هي بيئته؟ وما هو مجتمعه؟ وما هي العوامل الاجتماعية التي حرّكت فيه هذه الرغبة وهذا الحس إلى أن ارتكب هذه الجريمة؟ أما ما هي العقوبة المناسبة لهذا الطفل؟ فعلم القانون يتدخّل في ذلك ويحدّد لنا العقوبة المناسبة.
إذن, ظاهرة واحدة استدعت منّا عدّة علوم؛ لكي نعالجها, فكيف بحضارة كاملة؟!نحن إذا أردنا أن نعالج ظاهرة ما فنحتاج إلى تزاوج ولقاء بين العلوم, فكيف إذا أردنا أن نؤسس حضارة متكاملة؟ إن إقامة هذه الحضارة يحتاج إلى أن تشترك جميع العلوم وجميع المعارف وتتلاقح وتتزاوج فيما بينها كي تساعد على إقامة الحضارة, حتّى اختيار الألوان تلتقي فيه علوم مختلفة حيث يتدخّل علم الطب فيها, فهل اللون يؤثّر على بصرك؟ وهل اللون يؤثّر على رؤيتك للأشياء أم لا؟، وعلم النفس أيضاً يتدخّل فيه, فبعض الألوان تشيع حالة الانقباض, وبعض الألوان تشيع حالة الانفتاح والانشراح, حتّى لون ثوبك ولون سريرك ولون غرفتك يحتاج إلى عدّة علوم, فكيف بإقامة حضارة متكاملة؟!
إن الإمام المنتظر عليه السلام دوره دور إقامة الحضارة الكونية العامة, والتي تسيطر على هذا الفضاء اللاّمتناهي بجميع ذرّاته وجميع مجرّاته وجميع طاقاته وجميع كنوزه وجميع ذخائره الهائلة.
إن القرآن الكريم يقول: (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ) النفوذ من أقطار السماوات والأرض يعني إقامة الحضارة الكونية, حيث تصبح السماء والطاقات بل الكون بأسره بيدنا, ولا يمكن السيطرة على الكون كله وإقامة الحضارة الكونية إلاّ بسلطان, فمن هو السلطان؟ إن السلطان هو الشخص الذي يملك مفاتيح الكون, ويملك حقائق العلوم, علم الفيزياء, وعلم الفلك, وعلم الذرة, وعلم الطب... الخ, فحقائق العلوم كلها يملكها الشخص المُعدّ لذلك وهو الإمام المنتظر عليه السلام, فهو السلطان, والإمام المنتظر هدفه إقامة الحضارة الكونية, وإقامة الحضارة الكونية يتوقف على تزاوج العلوم وتلاقحها.
إذن, الجديد في دولة الإمام المنتظر وفي حضارته وعهده هو أنه سيقيم حضارة كونية, وستتزاوج جميع العلوم والمعارف في عصره عليه السلام, ولذلك عبّر عنه الرسول الأعظم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم,( بالبعث: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث رجلاً من ولدي _ أو من أهل بيتي, أو منّي _، يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلِئَت ظلماً وجوراً.
اللهم عجل لوليك الفرج
منقول