كيف نوجه وجه القلب الى الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
***************
" في علاجُ توارد الخواطر في الصلاة "
ان الدواء في إحضار القلب في اصلاة هو "رفعُ الخواطر " ولا يُدفَع الشيء إلّا بدفع سببه، وسببُ توارد الخواطر إمّا أن يكون أمراً خارجاً، أو أمراً في ذاته باطناً...
- أمّا الخارج، فما يَقرع السَّمع أو يَظهر للبصر، ثمّ يَنجرّ من الفكر إلى غيره ويَتسلسل، ويكون الإبصار سبباً للأفكار، ثمّ يصير بعض تلك الأفكار سبباً للبعض الآخر. فعلاجه قطع هذه الأسباب بأن ".." يصلّي في بيتٍ مظلم، أو لا يترك بين يديه ما يشغل حسّه، أو يقرب من حايط عند صلاته حتى لا تتّسع مسافةُ بصره.
ويحترز من الصلاة على الشوارع وفي المواضع المنقوشة المصنوعة وعلى الفرش المزيَّنة، فلذلك كان المتعبِّدون يتعبَّدون في بيتٍ صغيرٍ مظلم، سعتُه بقدر ما يمكن الصلاة فيه ليكون ذلك أجمع لِلهمّ.
" وَلْيُحضِر بباله عند نظره إلى موضع سجوده أنّه واقفٌ بين يدَي ملك عظيم يراه ويطّلع على سريرته وباطن قلبه، وإن كان هو لا يراه
- وأمّا الأسباب الباطنة فإنّها أشدّ... فإنَّ من تشعَّبت به الأمور في أودية الدّنيا، لم يحضر فكره في فنٍّ واحد، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب. ".." فهذا طريقُه أن يردّ النفس قهراً إلى فهم ما يقرأه في الصلاة، ويشغلها به عن غيره، ويُعينه على ذلك أن يستعدّ قبل التحريم [تكبيرة الإحرام] بأن يجدِّد على نفسه ذكر الآخرة، وموقف المناجاة، وخطر القيام بين يدَي الله تعالى، وهول المطَّلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عمّا يهمّه .
فإن كان لا يسكن هايج أفكاره بهذا الدواء المسكِّن، فلا يُنجيه إلّا الذي يقمع مادّة الداء من أعماق العروق، وهو أن ينظر في الأمور الشاغلة الصارفة له عن إحضار القلب، ولا شكّ أنّها تعود إلى مهمّاته وأنّها إنّما صارت مهمّاً بشهواته، فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلايق وكلّ ما يشغله عن صلاته، فهو ضدّ دينه، وجندُ إبليس عدوّه "..".
فهذا هو الدواء القامع لمادّة العلّة ولا يُغني غيره، فإنَّ ما ذكرناه من التلطُّف بالتسكين والردّ إلى فهم الذكر ينفع في الشهوات الضعيفة والهِمَم التي لا تشغل إلّا حواشي القلب. فأمّا الشهوة القويّة المرهقة، فلا يَنفع منها التسكين، بل لا تزال تُجاذبها وتُجاذبك ثمّ تغلبك، وتنقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة. ومثاله رجلٌ تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره، فكانت أصوات العصافير تشوِّش عليه، فلم يزل يطيِّرها بخشبة هي في يده، ويعود إلى فكره فتعود العصافير فيعود إلى التنفير بالخشبة، فقيل له: إن أردت الخلاص فاقلع الشجرة، فكذلك شجرة الشهوة إذا استقلّت وتفرّقت أغصانُها، إنجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار.
".." فهذه الشهوات كثيرة ".." ويجمعها أصل واحد وهو حبّ الدنيا، وذلك رأس كلّ خطيئة. ".." ومَن انطوى باطنه على حبّ الدنيا حتى مال إلى شيء، لا ليتزوَّد منها ويستعين بها على الآخرة، فلا يطمعنّ أن تصفو له لذّة المناجاة في الصلاة؛ فإنّ مَن فرح بالدنيا فلا يَفرح بالله وبمناجاته، وهمّةُ الرجل مع قرّة عينِه.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
***************
" في علاجُ توارد الخواطر في الصلاة "
ان الدواء في إحضار القلب في اصلاة هو "رفعُ الخواطر " ولا يُدفَع الشيء إلّا بدفع سببه، وسببُ توارد الخواطر إمّا أن يكون أمراً خارجاً، أو أمراً في ذاته باطناً...
- أمّا الخارج، فما يَقرع السَّمع أو يَظهر للبصر، ثمّ يَنجرّ من الفكر إلى غيره ويَتسلسل، ويكون الإبصار سبباً للأفكار، ثمّ يصير بعض تلك الأفكار سبباً للبعض الآخر. فعلاجه قطع هذه الأسباب بأن ".." يصلّي في بيتٍ مظلم، أو لا يترك بين يديه ما يشغل حسّه، أو يقرب من حايط عند صلاته حتى لا تتّسع مسافةُ بصره.
ويحترز من الصلاة على الشوارع وفي المواضع المنقوشة المصنوعة وعلى الفرش المزيَّنة، فلذلك كان المتعبِّدون يتعبَّدون في بيتٍ صغيرٍ مظلم، سعتُه بقدر ما يمكن الصلاة فيه ليكون ذلك أجمع لِلهمّ.
" وَلْيُحضِر بباله عند نظره إلى موضع سجوده أنّه واقفٌ بين يدَي ملك عظيم يراه ويطّلع على سريرته وباطن قلبه، وإن كان هو لا يراه
- وأمّا الأسباب الباطنة فإنّها أشدّ... فإنَّ من تشعَّبت به الأمور في أودية الدّنيا، لم يحضر فكره في فنٍّ واحد، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب. ".." فهذا طريقُه أن يردّ النفس قهراً إلى فهم ما يقرأه في الصلاة، ويشغلها به عن غيره، ويُعينه على ذلك أن يستعدّ قبل التحريم [تكبيرة الإحرام] بأن يجدِّد على نفسه ذكر الآخرة، وموقف المناجاة، وخطر القيام بين يدَي الله تعالى، وهول المطَّلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عمّا يهمّه .
فإن كان لا يسكن هايج أفكاره بهذا الدواء المسكِّن، فلا يُنجيه إلّا الذي يقمع مادّة الداء من أعماق العروق، وهو أن ينظر في الأمور الشاغلة الصارفة له عن إحضار القلب، ولا شكّ أنّها تعود إلى مهمّاته وأنّها إنّما صارت مهمّاً بشهواته، فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلايق وكلّ ما يشغله عن صلاته، فهو ضدّ دينه، وجندُ إبليس عدوّه "..".
فهذا هو الدواء القامع لمادّة العلّة ولا يُغني غيره، فإنَّ ما ذكرناه من التلطُّف بالتسكين والردّ إلى فهم الذكر ينفع في الشهوات الضعيفة والهِمَم التي لا تشغل إلّا حواشي القلب. فأمّا الشهوة القويّة المرهقة، فلا يَنفع منها التسكين، بل لا تزال تُجاذبها وتُجاذبك ثمّ تغلبك، وتنقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة. ومثاله رجلٌ تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره، فكانت أصوات العصافير تشوِّش عليه، فلم يزل يطيِّرها بخشبة هي في يده، ويعود إلى فكره فتعود العصافير فيعود إلى التنفير بالخشبة، فقيل له: إن أردت الخلاص فاقلع الشجرة، فكذلك شجرة الشهوة إذا استقلّت وتفرّقت أغصانُها، إنجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار.
".." فهذه الشهوات كثيرة ".." ويجمعها أصل واحد وهو حبّ الدنيا، وذلك رأس كلّ خطيئة. ".." ومَن انطوى باطنه على حبّ الدنيا حتى مال إلى شيء، لا ليتزوَّد منها ويستعين بها على الآخرة، فلا يطمعنّ أن تصفو له لذّة المناجاة في الصلاة؛ فإنّ مَن فرح بالدنيا فلا يَفرح بالله وبمناجاته، وهمّةُ الرجل مع قرّة عينِه.