1 - قصص الأنبياء: ابن بابويه، عن محمد بن يوسف بن علي، عن الحسن بن علي بن نضر (1) الطرسوسي، عن أبي الحسن بن قرعة القاضي بالبصرة، عن زياد عن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق، عن إسحاق بن يسار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما كان في عهد خلافة عمر أتاه قوم من أحبار اليهود (2) فسألوه عن أقفال السماوات ما هي؟ وعن مفاتيح السماوات ما هي؟ وعن قبر سار بصاحبه ما هو؟ وعمن أنذر قومه ليس من الجن ولا من الانس، و عن خمسة أشياء مشت على وجه الأرض لن يخلقوا في الأرحام، وما يقول الدراج في صياحه، وما يقول الديك والفرس والحمار والضفدع والقنبر، فنكس عمر رأسه، (3) و قال: يا أبا الحسن ما أرى جوابهم إلا عندك! فقال لهم علي عليه السلام: إن لي عليكم شريطة:
إذا أنا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا؟ قالوا: نعم.
فقال عليه السلام: أما أقفال السماوات هو الشرك بالله، فإن العبد والأمة إذا كانا مشركين ما يرفع لهما إلى الله سبحانه عمل، فقالوا: ما مفاتيحها؟ فقال علي عليه السلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. فقالوا: أخبرنا عن قبر سار بصاحبه، قال: ذاك الحوت حين ابتلع يونس عليه السلام فدار به في البحار السبعة. فقالوا: أخبرنا عمن أنذر قومه لامن الجن ولا من الانس، قال: تلك نملة سليمان إذ قالت: " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده ".
قالوا: فأخبرنا عن خمسة أشياء مشت على الأرض ما خلقوا في الأرحام، قال: ذاك آدم وحواء وناقة صالح وكبش إبراهيم وعصا موسى. قالوا: فأخبرنا ما تقول هذه الحيوانات؟ قال: الدراج يقول: الرحمن على العرش استوى، والديك يقول: اذكروا الله يا غافلين، والفرس يقول إذا مشى المؤمنون إلى الكافرين: (1) اللهم انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين، والحمار يلعن العشار وينهق في عين الشيطان، والضفدع يقول: سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار، والقنبر يقول: اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد.
قال: وكانت الأحبار ثلاثة فوثب اثنان وقالا: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. قال: فوقف الحبر الآخر وقال: يا علي لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي ولكن بقيت خصلة أسألك عنها، فقال علي عليه السلام: سل، قال: أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان فماتوا ثلاث مائة وتسع سنين ثم أحياهم الله ما كان قصتهم؟ فابتدأ علي عليه السلام وأراد أن يقرأ سورة الكهف. فقال الحبر:
ما أكثر ما سمعنا قرآنكم، فإن كنت عالما بهم أخبرنا بقصة هؤلاء وبأسمائهم وعددهم و اسم كلبهم واسم كهفهم واسم ملكهم واسم مدينتهم. فقال علي عليه السلام: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أخا اليهود حدثني محمد صلى الله عليه وآله أنه كان بأرض الروم مدينة يقال لها أقسوس (1) وكان لها ملك صالح فمات ملكهم فاختلفت كلمتهم فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له دقيانوس (2) فأقبل في مائة ألف حتى دخل مدينة أقسوس فاتخذها دار مملكته، واتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ واتخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض مثل ذلك من الرخام الممرد، (3) واتخذ في ذلك المجلس أربعة آلاف أسطوانة من ذهب، واتخذ ألف قنديل من ذهب لها سلاسل من اللجين تسرج (4) بأطيب الادهان، واتخذ في شرقي المجلس ثمانين كوة، (5) ولغربيه كذلك، وكانت الشمس إذا طلعت طلعت في المجلس كيفما دارت، واتخذ فيه سريرا من ذهب طوله ثمانون ذراعا في عرض أربعين ذراعا، له قوائم من فضة مرصعة بالجواهر، وعلاه بالنمارق، واتخذ من يمين السرير ثمانين كرسيا من الذهب مرصعة بالزبرجد الأخضر فأجلس عليها بطارقته، واتخذ من يسار السرير ثمانين كرسيا من الفضة مرصعة بالياقوت الأحمر فأجلس عليها هراقلته (6) ثم علا السرير فوضع التاج على رأسه.
فوثب اليهودي فقال: مم كان تاجه؟ قال: من الذهب المشبك، (7) له سبعة أركان (8) على كل ركن لؤلؤة بيضاء تضئ كضوء المصباح في الليلة الظلماء، واتخذ خمسين غلاما من أولاد الهراقلة (1) فقرطقهم بقراطق الديباج الأحمر، (2) وسرولهم بسراويلات الحرير الأخضر، وتوجهم ودملجهم وخلخلهم، وأعطاهم أعمدة من الذهب، ووقفهم على رأسه، واتخذ ستة غلمة وزراءه، فأقام ثلاثة عن يمينه، وثلاثة عن يساره، فقال اليهودي: ما كان أسماء الثلاثة (3) والثلاثة؟ فقال علي عليه السلام: الذين عن يمينه أسماؤهم تمليخا ومكسلمينا وميشيلينا (4) وأما الذين عن يساره فأسماؤهم مرنوس وديرنوس و شاذريوس، (5) وكان يستشيرهم في جميع أموره، وكان يجلس في كل يوم في صحن داره والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره، ويدخل ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من ذهب مملوء من المسك المسحوق، وفي يد الآخر جام من فضة مملوء من ماء الورد، وفي يد الآخر طائر أبيض له منقار أحمر، فإذا نظر الملك إلى ذلك الطائر صفر به فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه، ثم يقع على جام المسك فيحمل ما في الجام بريشه وجناحه، ثم يصفر به الثانية فيطير الطائر على تاج الملك فينفذ ما في ريشه وجناحه على رأس الملك. (6) فلما نظر الملك إلى ذلك عتا وتجبر فادعى الربوبية من دون الله، ودعا إلى ذلك وجوه قومه، فكل من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه، وكل من لم يبايعه قتله فاستجابوا له رأسا، واتخذ لهم عيدا في كل سنة مرة، فبينا هم ذات يوم في عيد و البطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيه فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه (1) فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له تمليخا - وكان غلاما - فقال في نفسه: لو كان دقيانوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتم ولا يفزع، وما كان يبول ولا يتغوط، وما كان ينام، وليس هذه من فعل الاله، قال: وكان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم وكانوا ذلك اليوم عند تمليخا، فاتخذ لهم من طيب الطعام، ثم قال لهم: يا إخوتاه قد وقع في قلبي شئ منعني الطعام والشراب والمنام، قالوا: وما ذاك يا تمليخا؟ قال: أطلت فكري في هذه السماء فقلت: من رفع سقفها محفوظة بلا عمد ولا علاقة من فوقها؟ ومن أجرى فيها شمسا وقمرا آيتان مبصرتان؟ (2) ومن زينها بالنجوم؟ ثم أطلت الفكر في الأرض فقلت: من سطحها على ظهر اليم الزاخر؟ (3) ومن حبسها بالجبال أن تميد على كل شئ؟ (4) وأطلت فكري في نفسي من أخرجني جنينا (5) من بطن أمي؟ ومن غذاني؟ ومن رباني؟ إن لها صانعا ومدبرا غير دقيوس الملك، وما هو إلا ملك الملوك، وجبار السماوات، فانكبت الفتية على رجليه يقبلونها، وقالوا بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى، فأشر علينا، (6) قال: فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة آلاف درهم وصرها في ردنه (7) وركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة، فلما ساروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا: يا إخوتاه جاءت مسكنة الآخرة وذهب ملك الدنيا، أنزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم، لعل الله أن يجعل لكم من أمركم فرجا ومخرجا، فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم تقطر دما.
قال: فاستقبلهم راع فقالوا: يا أيها الراعي هل من شربة لبن أو ماء؟ فقال الراعي:
عندي ما تحبون ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك، وما أظنكم إلا هرابا من دقيوس الملك، قالوا: يا أيها الراعي لا يحل لنا الكذب، أفينجينا منك الصدق؟ فأخبروه بقصتهم فانكب الراعي على أرجلهم يقبلها، ويقول: يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم، ولكن امهلوني حتى أرد الأغنام على أربابها وألحق بكم، فتوقفوا له فرد الأغنام و أقبل يسعى يتبعه الكلب له. (1) قال: فوثب اليهودي فقال: يا علي ما كان اسم الكلب؟ وما لونه؟ فقال علي عليه السلام:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أما لون الكلب فكان أبلقا (2) بسواد، وأما اسم الكلب فقطمير، فلما نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم: إنا نخاف أن يفضحنا بنباحه، فألحوا عليه بالحجارة، فأنطق الله تعالى جل ذكره الكلب: ذروني حتى أحرسكم من عدوكم فلم يزل الراعي يسير بهم حتى علاهم (3) جبلا فانحط بهم على كهف يقال له الوصيد، (4) فإذا بفناء الكهف عيون وأشجار مثمرة، فأكلوا من الثمر وشربوا من الماء وجنهم الليل فآووا إلى الكهف وربض الكلب على باب الكهف ومد يديه عليه، فأوحى الله تعالى عز وعلا إلى ملك الموت بقبض أرواحهم، ووكل الله بكل رجل ملكين يقلبانه من ذات اليمين إلى ذات الشمال، ومن ذات الشمال إلى اليمين، فأوحى الله تعالى عز وعلا إلى خزان الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين، وتقرضهم ذات الشمال، فلما رجع دقيوس (1) من عيده سأل عن الفتية فأخبر أنهم خرجوا هرابا فركب في ثمانين ألف حصان، (2) فلم يزل يقفو أثرهم حتى علا فانحط إلى كهفهم فلما نظر إليهم إذا هم نيام، فقال الملك: لو أردت أن أعاقبهم بشئ لما عاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم، و لكن ايتوني بالبنائين فسد باب الكهف بالكلس والحجارة، وقال لأصحابه: قولوا لهم:
يقولوا لإلههم الذي في السماء لينجيهم وأن يخرجهم من هذا الموضع.
قال علي عليه السلام: يا أخا اليهود فمكثوا ثلاث مائة سنة وتسع سنين، فلما أراد الله أن يحييهم أمر إسرافيل الملك أن ينفخ فيهم الروح، فنفخ فقاموا من رقدتهم، فلما أن بزغت الشمس قال بعضهم: قد غفلنا في هذه الليلة عن عبادة إله السماء، فقاموا فإذا العين قد غارت، وإذا الأشجار قد يبست، فقال بعضهم: إن أمورنا لعجب، مثل تلك العين الغزيرة قد غارت والأشجار قد يبست في ليلة واحدة! ومسهم الجوع فقالوا: ابعثوا بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا، قال تمليخا: لا يذهب في حوائجكم غيري، ولكن ادفع أيها الراعي ثيابك إلي، قال:
فدفع الراعي ثيابه ومضى يؤم المدينة، فجعل يرى مواضع لا يعرفها، وطريقا هو ينكرها حتى أتى باب المدينة وإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه: لا إله إلا الله عيسى رسول الله، قال:
فجعل ينظر إلى العلم وجعل يمسح عينيه ويقول: أراني نائما، ثم دخل المدينة حتى أتى السوق فأتى رجلا خبازا فقال: أيها الخباز ما اسم مدينتكم هذه؟ قال: أقسوس قال: وما اسم ملككم؟ قال: عبد الرحمن، قال: ادفع إلي بهذه الورق طعاما، فجعل الخباز يتعجب من ثقل الدراهم ومن كبرها. قال فوثب اليهودي وقال: يا علي وما كان وزن كل درهم منها؟ قال: وزن كل درهم عشرة دراهم وثلثي درهم، (3) فقال الخباز: يا هذا أنت أصبت كنزا؟ فقال تمليخا: ما هذا إلا ثمن تمر بعتها منذ ثلاث، وخرجت من هذه المدينة، وتركت الناس يعبدون دقيوس الملك، قال: فأخذ الخباز بيد تمليخا وأدخله على الملك فقال: ما شأن هذا الفتى؟ قال الخباز: هذا رجل أصاب كنزا، (1) فقال الملك:
يا فتى لا تخف فإن نبينا عيسى عليه السلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنز إلا خمسها، فأعطني خمسها وامض سالما.
فقال تمليخا: انظر أيها الملك في أمري ما أصبت كنزا، أنا رجل من أهل هذه المدينة، فقال الملك: أنت من أهلها؟ قال: نعم، قال: فهل تعرف بها أحدا؟ قال: نعم، قال: ما اسمك؟ (2) قال: اسمي تمليخا، قال: وما هذه الأسماء أسماء أهل زماننا، فقال الملك: فهل لك في هذه المدينة دار؟ قال: نعم اركب أيها الملك معي، قال: فركب الملك والناس معه فأتى بهم أرفع دار في المدينة، قال تمليخا: هذه الدار لي، فقرع الباب فخرج إليهم شيخ وقد وقع حاجباه على عينيه من الكبر، فقال: ما شأنكم؟ فقال الملك: أتانا هذا الغلام بالعجائب، يزعم أن هذه الدار داره، فقال له الشيخ: من أنت؟ قال: أنا تمليخا ابن قسطيكين، (3) قال: فانكب الشيخ على رجليه يقبلهما ويقول: هو جدي ورب الكعبة، فقال: أيها الملك هؤلاء الستة الذين خرجوا هرابا من دقيوس الملك. (4) قال: فنزل الملك عن فرسه وحمله على عاتقه وجعل الناس يقبلون يديه ورجليه، فقال:
يا تمليخا ما فعل أصحابك؟ فأخبر أنهم في الكهف، وكان يومئذ بالمدينة ملك مسلم (5) وملك يهودي فركبوا في أصحابهم فلما صاروا قريبا من الكهف قال لهم تمليخا: إني أخاف أن تسمع أصحابي أصوات حوافر الخيول فيظنون أن دقيوس الملك قد جاء في طلبهم، ولكن امهلوني حتى أتقدم فأخبرهم، فوقف الناس فأقبل تمليخا حتى دخل الكهف فلما نظروا إليه اعتنقوه وقالوا: الحمد لله الذي نجاك من دقيوس، قال تمليخا: دعوني عنكم وعن دقيوسكم، قال: كم لبثتم؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم!
قال تمليخا: بل لبثتم ثلاث مائة وتسع سنين، وقد مات دقيوس وانقرض قرن بعد قرن، وبعث الله نبيا يقال له المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ورفعه الله إليه، (1) وقد أقبل إلينا الملك والناس معه قالوا: يا تمليخا أتريد أن تجعلنا فتنة للعالمين؟ قال تمليخا: فما تريدون؟
قالوا: ادع الله جل ذكره وندعوه معك حتى يقبض أرواحنا، فرفعوا أيديهم، فأمر الله تعالى بقبض أرواحهم وطمس الله باب الكهف على الناس، فأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة أيام لا يجدان للكهف بابا، فقال الملك المسلم: ماتوا على ديننا، أبني على باب الكهف مسجدا، وقال اليهودي: لا بل ماتوا على ديني أبني على باب الكهف كنيسة، فاقتتلا فغلب المسلم وبنى مسجدا عليه. يا يهودي أيوافق هذا ما في توراتكم؟
قال: ما زدت حرفا ولا نقصت، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
إذا أنا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا؟ قالوا: نعم.
فقال عليه السلام: أما أقفال السماوات هو الشرك بالله، فإن العبد والأمة إذا كانا مشركين ما يرفع لهما إلى الله سبحانه عمل، فقالوا: ما مفاتيحها؟ فقال علي عليه السلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. فقالوا: أخبرنا عن قبر سار بصاحبه، قال: ذاك الحوت حين ابتلع يونس عليه السلام فدار به في البحار السبعة. فقالوا: أخبرنا عمن أنذر قومه لامن الجن ولا من الانس، قال: تلك نملة سليمان إذ قالت: " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده ".
قالوا: فأخبرنا عن خمسة أشياء مشت على الأرض ما خلقوا في الأرحام، قال: ذاك آدم وحواء وناقة صالح وكبش إبراهيم وعصا موسى. قالوا: فأخبرنا ما تقول هذه الحيوانات؟ قال: الدراج يقول: الرحمن على العرش استوى، والديك يقول: اذكروا الله يا غافلين، والفرس يقول إذا مشى المؤمنون إلى الكافرين: (1) اللهم انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين، والحمار يلعن العشار وينهق في عين الشيطان، والضفدع يقول: سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار، والقنبر يقول: اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد.
قال: وكانت الأحبار ثلاثة فوثب اثنان وقالا: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. قال: فوقف الحبر الآخر وقال: يا علي لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي ولكن بقيت خصلة أسألك عنها، فقال علي عليه السلام: سل، قال: أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان فماتوا ثلاث مائة وتسع سنين ثم أحياهم الله ما كان قصتهم؟ فابتدأ علي عليه السلام وأراد أن يقرأ سورة الكهف. فقال الحبر:
ما أكثر ما سمعنا قرآنكم، فإن كنت عالما بهم أخبرنا بقصة هؤلاء وبأسمائهم وعددهم و اسم كلبهم واسم كهفهم واسم ملكهم واسم مدينتهم. فقال علي عليه السلام: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أخا اليهود حدثني محمد صلى الله عليه وآله أنه كان بأرض الروم مدينة يقال لها أقسوس (1) وكان لها ملك صالح فمات ملكهم فاختلفت كلمتهم فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له دقيانوس (2) فأقبل في مائة ألف حتى دخل مدينة أقسوس فاتخذها دار مملكته، واتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ واتخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض مثل ذلك من الرخام الممرد، (3) واتخذ في ذلك المجلس أربعة آلاف أسطوانة من ذهب، واتخذ ألف قنديل من ذهب لها سلاسل من اللجين تسرج (4) بأطيب الادهان، واتخذ في شرقي المجلس ثمانين كوة، (5) ولغربيه كذلك، وكانت الشمس إذا طلعت طلعت في المجلس كيفما دارت، واتخذ فيه سريرا من ذهب طوله ثمانون ذراعا في عرض أربعين ذراعا، له قوائم من فضة مرصعة بالجواهر، وعلاه بالنمارق، واتخذ من يمين السرير ثمانين كرسيا من الذهب مرصعة بالزبرجد الأخضر فأجلس عليها بطارقته، واتخذ من يسار السرير ثمانين كرسيا من الفضة مرصعة بالياقوت الأحمر فأجلس عليها هراقلته (6) ثم علا السرير فوضع التاج على رأسه.
فوثب اليهودي فقال: مم كان تاجه؟ قال: من الذهب المشبك، (7) له سبعة أركان (8) على كل ركن لؤلؤة بيضاء تضئ كضوء المصباح في الليلة الظلماء، واتخذ خمسين غلاما من أولاد الهراقلة (1) فقرطقهم بقراطق الديباج الأحمر، (2) وسرولهم بسراويلات الحرير الأخضر، وتوجهم ودملجهم وخلخلهم، وأعطاهم أعمدة من الذهب، ووقفهم على رأسه، واتخذ ستة غلمة وزراءه، فأقام ثلاثة عن يمينه، وثلاثة عن يساره، فقال اليهودي: ما كان أسماء الثلاثة (3) والثلاثة؟ فقال علي عليه السلام: الذين عن يمينه أسماؤهم تمليخا ومكسلمينا وميشيلينا (4) وأما الذين عن يساره فأسماؤهم مرنوس وديرنوس و شاذريوس، (5) وكان يستشيرهم في جميع أموره، وكان يجلس في كل يوم في صحن داره والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره، ويدخل ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من ذهب مملوء من المسك المسحوق، وفي يد الآخر جام من فضة مملوء من ماء الورد، وفي يد الآخر طائر أبيض له منقار أحمر، فإذا نظر الملك إلى ذلك الطائر صفر به فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه، ثم يقع على جام المسك فيحمل ما في الجام بريشه وجناحه، ثم يصفر به الثانية فيطير الطائر على تاج الملك فينفذ ما في ريشه وجناحه على رأس الملك. (6) فلما نظر الملك إلى ذلك عتا وتجبر فادعى الربوبية من دون الله، ودعا إلى ذلك وجوه قومه، فكل من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه، وكل من لم يبايعه قتله فاستجابوا له رأسا، واتخذ لهم عيدا في كل سنة مرة، فبينا هم ذات يوم في عيد و البطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيه فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه (1) فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له تمليخا - وكان غلاما - فقال في نفسه: لو كان دقيانوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتم ولا يفزع، وما كان يبول ولا يتغوط، وما كان ينام، وليس هذه من فعل الاله، قال: وكان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم وكانوا ذلك اليوم عند تمليخا، فاتخذ لهم من طيب الطعام، ثم قال لهم: يا إخوتاه قد وقع في قلبي شئ منعني الطعام والشراب والمنام، قالوا: وما ذاك يا تمليخا؟ قال: أطلت فكري في هذه السماء فقلت: من رفع سقفها محفوظة بلا عمد ولا علاقة من فوقها؟ ومن أجرى فيها شمسا وقمرا آيتان مبصرتان؟ (2) ومن زينها بالنجوم؟ ثم أطلت الفكر في الأرض فقلت: من سطحها على ظهر اليم الزاخر؟ (3) ومن حبسها بالجبال أن تميد على كل شئ؟ (4) وأطلت فكري في نفسي من أخرجني جنينا (5) من بطن أمي؟ ومن غذاني؟ ومن رباني؟ إن لها صانعا ومدبرا غير دقيوس الملك، وما هو إلا ملك الملوك، وجبار السماوات، فانكبت الفتية على رجليه يقبلونها، وقالوا بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى، فأشر علينا، (6) قال: فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة آلاف درهم وصرها في ردنه (7) وركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة، فلما ساروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا: يا إخوتاه جاءت مسكنة الآخرة وذهب ملك الدنيا، أنزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم، لعل الله أن يجعل لكم من أمركم فرجا ومخرجا، فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم تقطر دما.
قال: فاستقبلهم راع فقالوا: يا أيها الراعي هل من شربة لبن أو ماء؟ فقال الراعي:
عندي ما تحبون ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك، وما أظنكم إلا هرابا من دقيوس الملك، قالوا: يا أيها الراعي لا يحل لنا الكذب، أفينجينا منك الصدق؟ فأخبروه بقصتهم فانكب الراعي على أرجلهم يقبلها، ويقول: يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم، ولكن امهلوني حتى أرد الأغنام على أربابها وألحق بكم، فتوقفوا له فرد الأغنام و أقبل يسعى يتبعه الكلب له. (1) قال: فوثب اليهودي فقال: يا علي ما كان اسم الكلب؟ وما لونه؟ فقال علي عليه السلام:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أما لون الكلب فكان أبلقا (2) بسواد، وأما اسم الكلب فقطمير، فلما نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم: إنا نخاف أن يفضحنا بنباحه، فألحوا عليه بالحجارة، فأنطق الله تعالى جل ذكره الكلب: ذروني حتى أحرسكم من عدوكم فلم يزل الراعي يسير بهم حتى علاهم (3) جبلا فانحط بهم على كهف يقال له الوصيد، (4) فإذا بفناء الكهف عيون وأشجار مثمرة، فأكلوا من الثمر وشربوا من الماء وجنهم الليل فآووا إلى الكهف وربض الكلب على باب الكهف ومد يديه عليه، فأوحى الله تعالى عز وعلا إلى ملك الموت بقبض أرواحهم، ووكل الله بكل رجل ملكين يقلبانه من ذات اليمين إلى ذات الشمال، ومن ذات الشمال إلى اليمين، فأوحى الله تعالى عز وعلا إلى خزان الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين، وتقرضهم ذات الشمال، فلما رجع دقيوس (1) من عيده سأل عن الفتية فأخبر أنهم خرجوا هرابا فركب في ثمانين ألف حصان، (2) فلم يزل يقفو أثرهم حتى علا فانحط إلى كهفهم فلما نظر إليهم إذا هم نيام، فقال الملك: لو أردت أن أعاقبهم بشئ لما عاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم، و لكن ايتوني بالبنائين فسد باب الكهف بالكلس والحجارة، وقال لأصحابه: قولوا لهم:
يقولوا لإلههم الذي في السماء لينجيهم وأن يخرجهم من هذا الموضع.
قال علي عليه السلام: يا أخا اليهود فمكثوا ثلاث مائة سنة وتسع سنين، فلما أراد الله أن يحييهم أمر إسرافيل الملك أن ينفخ فيهم الروح، فنفخ فقاموا من رقدتهم، فلما أن بزغت الشمس قال بعضهم: قد غفلنا في هذه الليلة عن عبادة إله السماء، فقاموا فإذا العين قد غارت، وإذا الأشجار قد يبست، فقال بعضهم: إن أمورنا لعجب، مثل تلك العين الغزيرة قد غارت والأشجار قد يبست في ليلة واحدة! ومسهم الجوع فقالوا: ابعثوا بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا، قال تمليخا: لا يذهب في حوائجكم غيري، ولكن ادفع أيها الراعي ثيابك إلي، قال:
فدفع الراعي ثيابه ومضى يؤم المدينة، فجعل يرى مواضع لا يعرفها، وطريقا هو ينكرها حتى أتى باب المدينة وإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه: لا إله إلا الله عيسى رسول الله، قال:
فجعل ينظر إلى العلم وجعل يمسح عينيه ويقول: أراني نائما، ثم دخل المدينة حتى أتى السوق فأتى رجلا خبازا فقال: أيها الخباز ما اسم مدينتكم هذه؟ قال: أقسوس قال: وما اسم ملككم؟ قال: عبد الرحمن، قال: ادفع إلي بهذه الورق طعاما، فجعل الخباز يتعجب من ثقل الدراهم ومن كبرها. قال فوثب اليهودي وقال: يا علي وما كان وزن كل درهم منها؟ قال: وزن كل درهم عشرة دراهم وثلثي درهم، (3) فقال الخباز: يا هذا أنت أصبت كنزا؟ فقال تمليخا: ما هذا إلا ثمن تمر بعتها منذ ثلاث، وخرجت من هذه المدينة، وتركت الناس يعبدون دقيوس الملك، قال: فأخذ الخباز بيد تمليخا وأدخله على الملك فقال: ما شأن هذا الفتى؟ قال الخباز: هذا رجل أصاب كنزا، (1) فقال الملك:
يا فتى لا تخف فإن نبينا عيسى عليه السلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنز إلا خمسها، فأعطني خمسها وامض سالما.
فقال تمليخا: انظر أيها الملك في أمري ما أصبت كنزا، أنا رجل من أهل هذه المدينة، فقال الملك: أنت من أهلها؟ قال: نعم، قال: فهل تعرف بها أحدا؟ قال: نعم، قال: ما اسمك؟ (2) قال: اسمي تمليخا، قال: وما هذه الأسماء أسماء أهل زماننا، فقال الملك: فهل لك في هذه المدينة دار؟ قال: نعم اركب أيها الملك معي، قال: فركب الملك والناس معه فأتى بهم أرفع دار في المدينة، قال تمليخا: هذه الدار لي، فقرع الباب فخرج إليهم شيخ وقد وقع حاجباه على عينيه من الكبر، فقال: ما شأنكم؟ فقال الملك: أتانا هذا الغلام بالعجائب، يزعم أن هذه الدار داره، فقال له الشيخ: من أنت؟ قال: أنا تمليخا ابن قسطيكين، (3) قال: فانكب الشيخ على رجليه يقبلهما ويقول: هو جدي ورب الكعبة، فقال: أيها الملك هؤلاء الستة الذين خرجوا هرابا من دقيوس الملك. (4) قال: فنزل الملك عن فرسه وحمله على عاتقه وجعل الناس يقبلون يديه ورجليه، فقال:
يا تمليخا ما فعل أصحابك؟ فأخبر أنهم في الكهف، وكان يومئذ بالمدينة ملك مسلم (5) وملك يهودي فركبوا في أصحابهم فلما صاروا قريبا من الكهف قال لهم تمليخا: إني أخاف أن تسمع أصحابي أصوات حوافر الخيول فيظنون أن دقيوس الملك قد جاء في طلبهم، ولكن امهلوني حتى أتقدم فأخبرهم، فوقف الناس فأقبل تمليخا حتى دخل الكهف فلما نظروا إليه اعتنقوه وقالوا: الحمد لله الذي نجاك من دقيوس، قال تمليخا: دعوني عنكم وعن دقيوسكم، قال: كم لبثتم؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم!
قال تمليخا: بل لبثتم ثلاث مائة وتسع سنين، وقد مات دقيوس وانقرض قرن بعد قرن، وبعث الله نبيا يقال له المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ورفعه الله إليه، (1) وقد أقبل إلينا الملك والناس معه قالوا: يا تمليخا أتريد أن تجعلنا فتنة للعالمين؟ قال تمليخا: فما تريدون؟
قالوا: ادع الله جل ذكره وندعوه معك حتى يقبض أرواحنا، فرفعوا أيديهم، فأمر الله تعالى بقبض أرواحهم وطمس الله باب الكهف على الناس، فأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة أيام لا يجدان للكهف بابا، فقال الملك المسلم: ماتوا على ديننا، أبني على باب الكهف مسجدا، وقال اليهودي: لا بل ماتوا على ديني أبني على باب الكهف كنيسة، فاقتتلا فغلب المسلم وبنى مسجدا عليه. يا يهودي أيوافق هذا ما في توراتكم؟
قال: ما زدت حرفا ولا نقصت، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.