مكانة تربة كربلاء في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند المخالفين
الأدلّة التي يمكن أن نُلزم بها خصومنا في فضل كربلاء وتربتها الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيرة، نقتصر على بعضها:
روى الحاكم في (المستدرك) بسنده عن عبد الله بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتني أم سلمة (رضي الله عنها) أنّ رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) اضطجع ذات ليلةٍ للنوم، فاستيقظ وهو حائر، ثمّ اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيتُ به المرّة الأُولى، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: «أخبرني جبريل (عليه الصلاة والسلام) أنّ هذا يقتل بأرض العراق، للحسين، فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يُقتل بها، فهذه تربتها».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على الشيخين ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي (أُنظر: المستدرك على الصحيحين: 4 / 440، وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي).
وروى الهيثمي في (مجمع الزوائد)، عن نجي الحضرمي: أنه سار مع عليّ (رضي الله عنه) [عليه السلام]، وكان صاحب مطهرته، فلمّا حاذى نينوى (نينوى: أحد أسماء أرض كربلاء) وهو منطلقٌ إلى صفّين، فنادى عليٌّ: إصبر أبا عبد الله، «إصبر أبا عبد الله، إصبر أبا عبد الله بشطّ الفرات»، قلت: وما ذاك؟ قال: «دخلتُ على النبيّ (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ذات يومٍ، وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبيّ الله، أغضبك أحدٌ؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل (عليه السلام) قبل قليل، فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشطّ الفرات، قال: فقال: هل لك أن أشمَّك من تربته؟ قلت: نعم، قال: فمدّ يده فقبض من ترابٍ فأعطانيها، فلم أملك عينَيّ أن فاضتا».
قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي والبزار والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا (مجمع الزوائد: 9 / 1879).
وروى الهيثمي أيضاً، عن عائشة أو أمّ سلمة: أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لإحداهما: «لقد دخل علَيَّ البيت ملَكٌ، فلم يدخل عليَّ قبلها، قال: إنّ ابنك هذا حسينٌ مقتول، وإن شئتَ أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها». قال: «فأخرج تربةً حمراء».
قال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزاوائد: 9 / 187).
وهذا الملك هو المعروف بملك الصفيح الأعلى.
وفي رواية أُخرى يرويها الهيثمي عن الطبراني، بسنده عن أم سلمة قالت: كان رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جالساً ذات يومٍ في بيتي، قال: «لا يدخل عليَّ أحدٌ»، فانتظرتُ، فدخل الحسين، فسمعت نشيج «النشيج: صوتٌ معه توجّعٌ وبكاء» رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يبكي، فأطلت، فإذا حسينٌ في حجره والنبيّ (صلى الله عليه وسلم) يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: «إنّ جبريل (عليه السلام) كان معنا في البيت، قال: أفتحبّه، قلت: أمّا في الدنيا فنعم، قال: إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرضٍ يُقال لها كربلاء»، فتناول جبريل من تربتها فأراها النبيّ (صلى الله عليه وسلم)، فلمّا أُحيط بحسينٍ حين قُتل، قال: «ما اسم هذه الأرض؟ »، قالوا: كربلاء، فقال: «صدق الله ورسوله، كربٌ وبلاء»، وفي روايةٍ: «صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أرض كربٍ وبلاء».
قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال، أحدها ثقات (مجمع الزوائد: 9 / 189).
وروى الهيثمي، عن الطبراني، بسنده عن أبي الطفيل قال: إستأذن ملك القطر أن يسلّم على النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في بيت أُمّ سلمة، فقال: «لا يدخل علينا أحد»، فجاء الحسين بن علي (رضي الله عنهما) فدخل، فقالت أُمّ سلمة: هو الحسين، فقال النبيّ (صلى الله عليه وسلم): «دعيه»، فجعل يعلو رقبة النبي (صلى الله عليه وسلم) ويعبث به، والملك ينظر، فقال الملك: أتحبّه يا محمّد؟ قال: «أي والله إنّي لأحبّه»، قال: أما إنّ أُمّتك ستقتله، وإن شئتَ أريتك المكان، فقال بيده فتناول كفاً من تراب، فأخذت أُمّ سلمة التراب فصرته في خمارها، فكانوا يرون أنّ ذلك التراب من كربلاء.
قال الهيثمي: رواه الطبراني، وإسناده حسن (مجمع الزوائد: 9 / 190).
وأخرج الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوّة)، بإسناده عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن أُمّ سلمة قالت: كان الحسن والحسين يعلبان بين يدَي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيتي، فنزل جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ أُمّتك تقتل ابنك ها من بعدك، فأومأ إلى الحسين، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وضمّه إلى صدره، وأتاه بتربة فشمّها، ثم قال: «ريح كربٍ وبلاء»، وقال: «يا أمَّ سلمة، وديعة عندك هذه التربة، إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتل»، فجعلتها في قارورة، ثم جعلت تنظر إليه كل يوم وتقول: إنّ يوماً تتحولين دماً ليوم عظيم (دلائل النبوة: 202، وانظر أيضاً: المعجم الكبير: 3 / 108، وترجمة الحسين (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 175، وهناك أحاديث كثيرة وردت بهذا المضمون وبطرق مختلفة).
وبعد هذا نقول: تربةٌ كهذه التربة التي يَهْتَمّ بإحضارها الملائكة العظام، كجبرئيل (عليه السلام) وملك القطر وملك الصفيح الأعلى الذي لم ينزل إلى الأرض من قبل، ونزلها شوقاً إلى رؤية النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وثمّ بعد ذلك يأخذ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه التربة ويُقبّلها، ولها آثار تكوينية من فيض الدموع عند شمّها، وأيضاً أخذ أُمّ سلمة من هذه التربة والاحتفاظ والاهتمام بها أمام ناظره (صلى الله عليه وآله) وإقراره لها على ذلك، بل أمره إياها بالاحتفاظ بها كما في بعض الأخبار، وفي موقف آخر يقول لها: «وديعة عندك هذه التربة، إن تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتل».. كلّ ذلك وغيره الكثير الكثير من الأحاديث التي تصبّ في هذه المعاني المشار إليها، التي تؤكد وجود الخصوصية لهذه التربة الطيّبة. (منقول)