الرسول الأعظم و الإنسانية
بسم الله الرحمن الرحيم
نشأت حركة التغيير والثورة التي قادها النبي محمد –صلى الله عليه واله وسلم – في البداية احتجاجا على الحياة العامة في مكة ،وبالتحديد على الحياة الدينية (عبادة الأوثان ) والحياة الاجتماعية (مظاهر التعسف والاضطهاد ضد الطبقات الضعيفة للمجتمع و أود البنات ) وممارسة الجاهلية اللااخلاقية التي كانت سائدة في الجزيرة العربية .
ولما كان التمسك بتلك الممارسات والتقاليد يعد سمه رئيسية من سمات حياة المجتمع القبلي ، فان إحساس النبي – صلى الله عليه واله وسلم – الذي عاش أربعين عاما من حياته في كنف أهله ومجتمعه ، وهو الذي ترك بصماته واضحة على الحياة الاجتماعية و الأخلاقية والتعاملات التجارية (ممارسة التجارة منذ بداية حياته حتى صدوعه بالنبوة ) ، كان لابد وان يمتد نهجه الحياتي و ألقيمي – الذي تميز به – وترسيخه إلى ما بعد سن الأربعين (نزول الوحي) ذلك التكوين ألقيمي ومعايير التعامل مع الناس التي تمسك بها وباتت علامة واضحة يتصف بها رجل الدعوة الواضحة المعالم في السلوك والتعامل و التأثير على الناس ، بما كان يتصف به من أمانة وصدق وخلق وإخلاص ، وحب أبناء جلدته ودعوته الصادقة إلى خير الإنسانية .لقد كان التمسك الشديد الذي أبداه النبي الأكرم – صلى الله عليه واله وسلم – في حبه لمجتمعه وأهله في مكة تعبيرا عن الشعور العميق الذي كان يحسه تجاههم في تغيير هذا المجتمع وضرورة تعديل كل قيمة ومعاييره رغم إن الأغلبية المسيطرة على زمام الأمور تعد هي الأقوى ، وهي المتحكمة والمتسلطة على الحياة السياسية والاجتماعية آنذاك ...لذا كانت كل الجهود والمعاناة والمشقة التي واجهها الرسول – صلى الله عليه واله وسلم – في مجتمعه من سادة قريش وكبارها لا تعني بحال إن النبي – صلى الله عليه واله وسلم – لا يحظى بشخصية أو تقدير أو احترام ، بل لان سادة قريش طغاة ويعتبرون أنفسهم سادة الجزيرة العربية كلها وتجارها ، ولهم صلات تمتد إلى ابعد مكان آنذاك هو الشام في أطراف الجزيرة الشمالية والى اليمن في أطرافها الجنوبية ، ولما كان النبي – صلى الله عليه واله وسلم – طيلة حياته الشريفة لم يمارس أساليب تجار قريش مثل الغش والتحايل ، واتخاذ الناس عبيدا ، والتعامل على أساس العبودية والتمايز .. فقد اتخذوا منه موقفا عدائيا لإحساسهم بأنه سيسلبهم كل مراكزهم الاجتماعية والتجارية ، وعلى ضوء ذلك نشا الصراع بين مجموعات تسود لديها القوة والجاه والمال وأخرى داعية إلى خلاص الإنسانية من الاستعباد والذل ، وإعلان المساواة والعدل في كل مناحي الحياة وجوانبها ، فالنبي الأكرم -صلى الله عليه واله وسلم – اسقط الحواجز النفسية السائدة آنذاك فجعل الكل إخوة ،بينما لم يكن العربي قبل ذلك أخا للعربي ، فالرسول – صلى الله عليه واله وسلم – جعل أبا ذر العربي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي إخوة ، كما جعل صفية ( اليهودية الأصل ) و مارية (المسيحية الأصل ) و سودة (القرشية ) أخوات .
* النبي – صلى الله عليه واله وسلم قبل البعثة :
توجد جملة معان تضمنها حياة النبي المصطفى – صلى الله عليه واله وسلم – قبل النبوة مستمرة بعد النبوة منها :
1- التركيز على إقامة دعائم لعلاقات حقيقية مع أبناء قومه قائمة على الصدق في التعامل ، انعكست بعد ذلك على مختلف حياته بعد النبوة .
2- السمو النفسي الذي يتمتع به النبي – صلى الله عليه واله وسلم – في إقامة علاقات ثابتة وذات عظيمة .
3- النشأة والتربية في أسرة كريمة رسخت تمازج النفس وقوتها بالإيمان .
وقد شملت شخصية النبي – صلى الله عليه واله وسلم – بعض الأبعاد المهمة ومنها :
البعد الأخلاقي :
إن البعد الأخلاقي في حياة الرسول فيتمثل واضحا نقيا في عزوفه التام عن كل ممارسات الجاهلية اللاأخلاقية التي كانت تعج بها الحياة العربية .
البعد الروحي – الفكري :
وهو اشد الأبعاد ثقلا وخطرا في حياة الإنسان ، فبالإضافة إلى الانشقاق الأخلاقي عن الوضع المكي ، تمتع بالقدرة على الرفض والتمرد ، فقد جاءت عزلته وانقطاعه إمدادا نفسيا باتجاه آخر ، لكنه متمم ، وبدونه لا يمكن لإنسان ما إن يلعب دوره الحاسم الكبير ... انه اندماج بالكون ... بالعالم الجديد الذي جاء لكي ينقل البشرية إليه .
إذن كان النبي – صلى الله عليه واله وسلم – يستكمل بناءه النفسي واستعداداته التجريبية وخبراته التي بنتها السنون الطويلة والأعمال التي غطت كل المساحات ، كان يضع اللمسة الأخيرة الحاسمة للإنسان الذي سيغدو نبيا عما قريب .
البعد الاجتماعي :
فقد كان المجتمع العربي في عصر النبي – صلى الله عليه واله وسلم – مجتمعا قبليا لا يعرف الوحدة والتماسك والنظام ولم يعتد الانقياد لسلطة موحدة أو الالتزام بشعائر وأخلاقيات وعلاقات ثابتة دائمة ، وقد علمته تقاليد وممارسات قرون طويلة من التسيب والانفلات ، التمرد على أية محاولة للضبط والتنظيم .
بعثة محمد للأمة :
إن العالم الذي بعث فيه محمد – صلى الله عليه واله وسلم – عالم في أمس الحاجة إلى منقذ ، لذا فان القران الكريم تحدث فيما بعد عن إبعاد الأزمة البشرية ، وعليه فقد ظهر إن مهمة أي دين سماوي شامل هي أن ينقل البشرية من وضع معين إلى وضع أرقى منه وفقا للمهمة التي انيطت بالإنسان عندما استخلفه الله على الأرض لذا فان محمدا – صلى الله عليه واله وسلم – هو الرجل الذي قدر له أن يعيد صياغة الحياة بما ينسجم ونواميس الكون .
والحمد لله رب العالمين.(منقول)