ذكرى وفاة الامام علي الهادي ونبذه عن حياته
بسم الله الرحمن الرحيم
1ـ ولادته (عليه السلام): وُلد (عليه السلام) بـ (صريا)(1) من المدينة للنصف من شهر ذي الحجة الحرام سنة اثنتي عشرة ومائتين وقيل يوم الجمعة الثاني من رجب(2).
أما والدُه فهو حجة الله الإمام الجواد (عليه السلام) وأمّا أمُّه فهي المعظمة الجليلة سمانة المغربيّة. وكانت تعرف بالسيّدة وتُكنّى أُمّ الفضل.
وقد قال محمد بن الفرج بن إبراهيم بن عبدالله بن جعفر: أنّه دعاني أبوجعفر الجواد (عليه السلام) فاعلمني أنّ قافلة قد قدمت فيها نخّاس معه جواري ودفع إليّ ستين ديناراً وأمرني بابتياع جارية وصفها فمضيتُ فعلمت ما أمرني به فكانت تلك الجارية أُم أبي الحسن الهادي (عليه السلام).
وروى محمّد بن الفرج وعليّ بن مهزيار عن السيّد (عليه السلام) أنّه قال: «أُمّي عارفة بحقّي وهي من أهل الجنّة لا يقربها شيطان مارد ولا ينالُها كيدُ جبّارٍ عنيدٍ وهي مكلوءة بعينِ الله التي لا تنام ولا تختلف عن اُمهات الصدّيقين والصالحين»(3).
2ـ فضائله ومناقبه ومعاجزه (عليه السلام):
لقد حوى الإمام الهادي (عليه السلام) من الفضائل والمناقب الكثير الكثير كما هو الحال في آبائه الطاهرين وأجداده المنتجبين وجاء بمعاجز أذهلت الألباب وتركت العقول متحيرة نكتفي بذكر بعضها.
فمنها: ما رواه الشيخ الطوسي وغيره عن إسحاق بن عبدالله العلوي العريضي أنّه قال: اختلف أبي وعمومتي في الأربعة أيّام تُصام في السنة فركبوا إلى مولانا أبي الحسن عليّ بن محمّد (عليه السلام) وهو مقيم بصريا قبل مصيره إلى سُرّ من رأى فقالوا: جئناك ياسيّدنا لأمر اختلفنا فيه. فقال (عليه السلام): «نعم جئتم تسألوني عن الأيام التي تُصام في السنة، فقالوا: ما جئنا إلاّ لهذا».
فقال (عليه السلام): «اليوم السابع عشر من ربيع الأول وهو اليوم الذي وُلد فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واليوم السابع والعشرون من رجب وهو اليوم الذي بعث الله فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة وهو اليوم الذي دُحيت فيه الأرض واستوت بسفينة نوح على الجوديّ فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة واليوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير يوم نصبَّ فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمير المؤمنين علماً ومَن صام ذلك اليوم كان كفّارة ستين عاماً»(4).
ومنها: ما حكاه الشيخ يوسف بن حاتم الشامي في الدرّ النظيم والسيوطي في الدر المنثور عن تأريخ الخطيب وهو عن محمّد بن يحيى أنّه قال: قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق والفقهاء بحضرته: مَن حلق رأس آدم حين حجّ فتعايى القوم عن الجواب فقال الواثق: أنا أحضركم من ينبئكم بالخبر فبعث إلى عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فأحضر فقال: ياأبا الحسن مَن حلق رأس آدم؟ فقال سألتُك بالله ياأمير المؤمنين إلاّ أعفيتني قال: أقسمتُ عليكَ لتقولَّن قال: أما إذا أبيت فأنّ أبي حدّثني عن جدّي عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أمر جبرئيل أن ينزل بياقوتة من الجنّة فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه فحيث بلغ نورُها صار حَرماً»(5).
ومنها: ما رواه ابن شهرآشوب والقطب الراونديّ عن أبي هاشم الجعفري أنّه قال: دخلتُ على أبي الحسن (عليه السلام) فكلّمني بالهندية فلم أحسن أن أردّ عليه وكان بين يديه ركوة ملأى حصى فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه ومصها ملياً ثم رمى بها إليَّ فوضعتها في فمي فوالله ما برحتُ من مكاني حتّى تكلمتُ بثلاث وسبعين لساناً أولّها الهِندية(6).
ومن معاجزه الباهرة (عليه السلام) ما رواه السيّد ابن طاووس وغيره عن زرافة حاجب المتوكّل أنه قال: كان المتوكّل يحضي الفتح بن خاقان عنده وقرّبه منه دون الناس جميعاً ودون ولده وأهله وأراد أن يبيّن موضعه عندهم فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم والوزراء والأمراء والقوّاد وسائر العساكر ووجوه الناس أن يزيّنوا بأحسن التزيين ويظهروا في أفخر عددهم وذخائرهم ويخرجوا مشاة بين يديه وأن لا يركب أحد إلاّ هو والفتح بن خافانٍ خاصّة بسر من رأى ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رجّالة وكان يوماً قائظاً شديد الحرّ وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن عليّ بن محمّد (عليه السلام) وشقّ عليه ما لقيه من الحر والزحمة.
قال زرافة: فأقبلت إليه وقلتُ له: ياسيّدي يعزّ والله عليَّ ما تلقى من هذه الطغاة وما قد تكلّفته من المشقّة وأخذتُ بيده فتوكأ عليَّ وقال: يازرافة ما ناقة صالح عند الله بأكرم مِنّي أو قال أعظمَ قدراً منّى ولم أزل أسائله وأستفيد منه وأحادثه إلى أن نزل المتوكّل من الركوب وأمر الناس بالانصراف. فقدّمت إليهم دوابّهم فركبوا إلى منازلهم وقُدّمت بغلة له فركبها وركبت معه إلى داره فنزل وودّعته وانصرفتُ إلى داري ولولدي مؤدّب يتشيع من أهل العِلم والفضل وكانت لي عادة بإحضاره عند الطعام فحضر عند ذلك وتجارينا الحديث وما جرى من ركوب المتوكّل والفتح ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما وذكرتُ له ما شاهدتُه من أبي الحسن عليّ بن محمّد (عليه السلام) وما سمعته من قوله: «ما ناقةُ صالح عند الله بأعظم قدراً منّي» وكان المؤدّب يأكل معي فرفع يده وقال: بالله إنّك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلتُ له: والله إنّي سمعتُه يقوله فقال لي: اعلم إنّ المتوكّل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك فانظر في أمرك واحرز ما تريد احرازه وتأهب لأمرك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل فتهك أموالكم بحادثةٍ تحدث أو سبب يجري. فقلتُ له: من أين لك ذلك؟ فقال لي: أما قرأت القرآن في قصّة الناقة وقوله تعالى: ((تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)) ولا يجوز أن يبطل قول الإمام. قال زرافة: فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغاء ووصيف والأتراك على المتوكّل فقتلوه وقطّعوه والفتح بن خاقان جميعاً قطعاً حتى لم يعرف أحدهما من الآخر. وأزال الله نعمته ومملكته فلقيتُ الإمام أبا الحسن (عليه السلام) بعد ذلك وعرفته ما جرى مع المؤدّب وما قاله فقال: «صدق إنّه لمّا بلغ منّي الجهد رجعتُ إلى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعزَّ من الحصون والسلاح والجنن وهو دعاء المظلوم على الظالم فدعوتُ به عليه فأهلكه الله»(7).
3ـ شهادته (عليه السلام):مِن المتّفق عليه أنّ الإمام (عليه السلام) توفي سنة (254) من الهجرة وحصل الاختلاف في يوم وفاته فذهب بعضُ العلماء(8) إلى أنّها كانت في اليوم الثالث من شهر رجب فعلى القول بأن ولادته وقعت في سنة (212) يكون عمره (عليه السلام) حين الوفاة (42) سنة وتوفي أبوه وهو ابن ثمان سنين وخمسة أشهر فانتقلت الخلافة والإمامة إليه. وكانت مدّة إمامته (33) سنة. أقام (عليه السلام) حوالي ثلاث عشرة سنة بالمدينة ثم دعاه المتوكل إلى سرّ من رأى فمكث فيها عشرين سنة ودفن في البيت الذي كان ساكناً فيه. ولقد أدرك (عليه السلام) من خلفاء بني العبّاس: المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز واستشهد في أيام المعتزّ بالسُّم.
وقد سمَّه المعتمد العبّاسي أخو المعتزّ ـ على رواية الشيخ الصدوق وآخرين ـ ولم يكن عنده حين وفاته غير ابنه الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) فلمّا توفي حضر جميع الأشراف والأمراء وشقّ الإمام العسكري (عليه السلام) جيبه ثم انصرف إلى غُسله وتكفينه ودفنه، ودفَنَه في الحجرة التي كانت محلاً لعبادته.
واعترض بعضُ الجهلة الحمقى على الإمام في أن شقَّ الجيب لا يناسب شأنك فوقع (عليه السلام) إلى مَن قال ذلك: «ياأحمق ما يدريك ما هذا قد شقّ موسى على هارون (عليهما السلام)»(9).. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(1) صريا: قرية أسّسها موسى بن جعفر (عليه السلام) وهي على ثلاثة أميال من المدينة.
منقول
بسم الله الرحمن الرحيم
1ـ ولادته (عليه السلام): وُلد (عليه السلام) بـ (صريا)(1) من المدينة للنصف من شهر ذي الحجة الحرام سنة اثنتي عشرة ومائتين وقيل يوم الجمعة الثاني من رجب(2).
أما والدُه فهو حجة الله الإمام الجواد (عليه السلام) وأمّا أمُّه فهي المعظمة الجليلة سمانة المغربيّة. وكانت تعرف بالسيّدة وتُكنّى أُمّ الفضل.
وقد قال محمد بن الفرج بن إبراهيم بن عبدالله بن جعفر: أنّه دعاني أبوجعفر الجواد (عليه السلام) فاعلمني أنّ قافلة قد قدمت فيها نخّاس معه جواري ودفع إليّ ستين ديناراً وأمرني بابتياع جارية وصفها فمضيتُ فعلمت ما أمرني به فكانت تلك الجارية أُم أبي الحسن الهادي (عليه السلام).
وروى محمّد بن الفرج وعليّ بن مهزيار عن السيّد (عليه السلام) أنّه قال: «أُمّي عارفة بحقّي وهي من أهل الجنّة لا يقربها شيطان مارد ولا ينالُها كيدُ جبّارٍ عنيدٍ وهي مكلوءة بعينِ الله التي لا تنام ولا تختلف عن اُمهات الصدّيقين والصالحين»(3).
2ـ فضائله ومناقبه ومعاجزه (عليه السلام):
لقد حوى الإمام الهادي (عليه السلام) من الفضائل والمناقب الكثير الكثير كما هو الحال في آبائه الطاهرين وأجداده المنتجبين وجاء بمعاجز أذهلت الألباب وتركت العقول متحيرة نكتفي بذكر بعضها.
فمنها: ما رواه الشيخ الطوسي وغيره عن إسحاق بن عبدالله العلوي العريضي أنّه قال: اختلف أبي وعمومتي في الأربعة أيّام تُصام في السنة فركبوا إلى مولانا أبي الحسن عليّ بن محمّد (عليه السلام) وهو مقيم بصريا قبل مصيره إلى سُرّ من رأى فقالوا: جئناك ياسيّدنا لأمر اختلفنا فيه. فقال (عليه السلام): «نعم جئتم تسألوني عن الأيام التي تُصام في السنة، فقالوا: ما جئنا إلاّ لهذا».
فقال (عليه السلام): «اليوم السابع عشر من ربيع الأول وهو اليوم الذي وُلد فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واليوم السابع والعشرون من رجب وهو اليوم الذي بعث الله فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة وهو اليوم الذي دُحيت فيه الأرض واستوت بسفينة نوح على الجوديّ فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة واليوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير يوم نصبَّ فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمير المؤمنين علماً ومَن صام ذلك اليوم كان كفّارة ستين عاماً»(4).
ومنها: ما حكاه الشيخ يوسف بن حاتم الشامي في الدرّ النظيم والسيوطي في الدر المنثور عن تأريخ الخطيب وهو عن محمّد بن يحيى أنّه قال: قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق والفقهاء بحضرته: مَن حلق رأس آدم حين حجّ فتعايى القوم عن الجواب فقال الواثق: أنا أحضركم من ينبئكم بالخبر فبعث إلى عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فأحضر فقال: ياأبا الحسن مَن حلق رأس آدم؟ فقال سألتُك بالله ياأمير المؤمنين إلاّ أعفيتني قال: أقسمتُ عليكَ لتقولَّن قال: أما إذا أبيت فأنّ أبي حدّثني عن جدّي عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أمر جبرئيل أن ينزل بياقوتة من الجنّة فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه فحيث بلغ نورُها صار حَرماً»(5).
ومنها: ما رواه ابن شهرآشوب والقطب الراونديّ عن أبي هاشم الجعفري أنّه قال: دخلتُ على أبي الحسن (عليه السلام) فكلّمني بالهندية فلم أحسن أن أردّ عليه وكان بين يديه ركوة ملأى حصى فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه ومصها ملياً ثم رمى بها إليَّ فوضعتها في فمي فوالله ما برحتُ من مكاني حتّى تكلمتُ بثلاث وسبعين لساناً أولّها الهِندية(6).
ومن معاجزه الباهرة (عليه السلام) ما رواه السيّد ابن طاووس وغيره عن زرافة حاجب المتوكّل أنه قال: كان المتوكّل يحضي الفتح بن خاقان عنده وقرّبه منه دون الناس جميعاً ودون ولده وأهله وأراد أن يبيّن موضعه عندهم فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم والوزراء والأمراء والقوّاد وسائر العساكر ووجوه الناس أن يزيّنوا بأحسن التزيين ويظهروا في أفخر عددهم وذخائرهم ويخرجوا مشاة بين يديه وأن لا يركب أحد إلاّ هو والفتح بن خافانٍ خاصّة بسر من رأى ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رجّالة وكان يوماً قائظاً شديد الحرّ وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن عليّ بن محمّد (عليه السلام) وشقّ عليه ما لقيه من الحر والزحمة.
قال زرافة: فأقبلت إليه وقلتُ له: ياسيّدي يعزّ والله عليَّ ما تلقى من هذه الطغاة وما قد تكلّفته من المشقّة وأخذتُ بيده فتوكأ عليَّ وقال: يازرافة ما ناقة صالح عند الله بأكرم مِنّي أو قال أعظمَ قدراً منّى ولم أزل أسائله وأستفيد منه وأحادثه إلى أن نزل المتوكّل من الركوب وأمر الناس بالانصراف. فقدّمت إليهم دوابّهم فركبوا إلى منازلهم وقُدّمت بغلة له فركبها وركبت معه إلى داره فنزل وودّعته وانصرفتُ إلى داري ولولدي مؤدّب يتشيع من أهل العِلم والفضل وكانت لي عادة بإحضاره عند الطعام فحضر عند ذلك وتجارينا الحديث وما جرى من ركوب المتوكّل والفتح ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما وذكرتُ له ما شاهدتُه من أبي الحسن عليّ بن محمّد (عليه السلام) وما سمعته من قوله: «ما ناقةُ صالح عند الله بأعظم قدراً منّي» وكان المؤدّب يأكل معي فرفع يده وقال: بالله إنّك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلتُ له: والله إنّي سمعتُه يقوله فقال لي: اعلم إنّ المتوكّل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك فانظر في أمرك واحرز ما تريد احرازه وتأهب لأمرك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل فتهك أموالكم بحادثةٍ تحدث أو سبب يجري. فقلتُ له: من أين لك ذلك؟ فقال لي: أما قرأت القرآن في قصّة الناقة وقوله تعالى: ((تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)) ولا يجوز أن يبطل قول الإمام. قال زرافة: فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغاء ووصيف والأتراك على المتوكّل فقتلوه وقطّعوه والفتح بن خاقان جميعاً قطعاً حتى لم يعرف أحدهما من الآخر. وأزال الله نعمته ومملكته فلقيتُ الإمام أبا الحسن (عليه السلام) بعد ذلك وعرفته ما جرى مع المؤدّب وما قاله فقال: «صدق إنّه لمّا بلغ منّي الجهد رجعتُ إلى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعزَّ من الحصون والسلاح والجنن وهو دعاء المظلوم على الظالم فدعوتُ به عليه فأهلكه الله»(7).
3ـ شهادته (عليه السلام):مِن المتّفق عليه أنّ الإمام (عليه السلام) توفي سنة (254) من الهجرة وحصل الاختلاف في يوم وفاته فذهب بعضُ العلماء(8) إلى أنّها كانت في اليوم الثالث من شهر رجب فعلى القول بأن ولادته وقعت في سنة (212) يكون عمره (عليه السلام) حين الوفاة (42) سنة وتوفي أبوه وهو ابن ثمان سنين وخمسة أشهر فانتقلت الخلافة والإمامة إليه. وكانت مدّة إمامته (33) سنة. أقام (عليه السلام) حوالي ثلاث عشرة سنة بالمدينة ثم دعاه المتوكل إلى سرّ من رأى فمكث فيها عشرين سنة ودفن في البيت الذي كان ساكناً فيه. ولقد أدرك (عليه السلام) من خلفاء بني العبّاس: المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز واستشهد في أيام المعتزّ بالسُّم.
وقد سمَّه المعتمد العبّاسي أخو المعتزّ ـ على رواية الشيخ الصدوق وآخرين ـ ولم يكن عنده حين وفاته غير ابنه الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) فلمّا توفي حضر جميع الأشراف والأمراء وشقّ الإمام العسكري (عليه السلام) جيبه ثم انصرف إلى غُسله وتكفينه ودفنه، ودفَنَه في الحجرة التي كانت محلاً لعبادته.
واعترض بعضُ الجهلة الحمقى على الإمام في أن شقَّ الجيب لا يناسب شأنك فوقع (عليه السلام) إلى مَن قال ذلك: «ياأحمق ما يدريك ما هذا قد شقّ موسى على هارون (عليهما السلام)»(9).. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(1) صريا: قرية أسّسها موسى بن جعفر (عليه السلام) وهي على ثلاثة أميال من المدينة.
منقول