صِفَةِ الْاءَرْضِ وَ دَحْوِهَا عَلَى الْمَاءِ
كَبَسَ الْاءَرْضَ عَلَى مَوْرِ اءَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ وَ لُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ تَلْتَطِمُ اءَوَاذِيُّ اءَمْوَاجِهَا، وَ تَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ اءَثْبَاجِها، وَ تَرْغُو زَبَدًا كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِها، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِها، وَ سَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِها وَ ذَلَّ مُسْتَخْذِيا إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَواهِلِها، فَاءَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ اءَمْوَاجِهِ سَاجِيا مَقْهُورا، وَ فِي حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنقادا اءَسِيرا.
وَ سَكَنَتِ الْاءَرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ وَ رَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ وَ اعْتِلاَئِهِ، وَ شُمُوخِ اءَنْفِهِ وَ سُمُوِّ غُلَوَائِهِ وَ كَعَمَتْهُ عَلى كِظَّةِ جَرْيَتِهِ، فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ، وَ لَبَدَ بَعْدَ زَيَفَانِ وَ ثَبَاتِهِ.
فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ اءَكْنَافِهَا، وَ حَمَلَ شَوَاهِقَ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ الْبُذَّخِ عَلى اءَكْتَافِها،فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرانِينِ اءُنُوفِها، وَ فَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِها وَ اءَخَادِيدِها، وَ عَدَّلَ حَرَكاتِها بِالرَّاسِياتِ مِنْ جَلاَمِيدِها، وَ ذَواتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ مِنْ صَيَاخِيدِها.
فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَيدانِ بِرُسُوبِ الْجِبالِ فِي قِطَعِ اءَدِيمِها، وَ تَغَلْغُلِها مُتَسَرِّبَةً فِي جَوْباتِ خَياشِيمِها، وَ رُكُوبِها اءَعْنَاقَ سُهُولِ الْاءَرَضِينَ وَ جَراثِيمِها وَ فَسَحَ بَيْنَ الْجَوِّ وَ بَيْنَها، وَ اءَعَدَّ الْهَوَاءَ، مُتَنَسَّما لِسَاكِنِهَا، وَ اءَخْرَجَ إِلَيْها اءَهْلَها عَلى تَمامِ مَرافِقِها. ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ الْاءَرْضِ الَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ الْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيها وَ لا تَجِدُ جَداوِلُ الْاءَنْهَارِ ذَرِيعَةً إِلى بُلُوغِهَا، حَتَّى اءَنْشَاءَ لَها نَاشِئَةَ سَحابٍ تُحْيِي مَوَاتَها، وَ تَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا، اءَلَّفَ غَمَامَها بَعْدَ افْتِراقِ لُمَعِهِ، وَ تَُنِ قَزَعِهِ حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ الْمُزْنِ فِيهِ، وَ الْتَمَعَ بَرْقُهُ فِي كُفَفِهِ، وَ لَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ، وَ مُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ اءَرْسَلَهُ سَحّا مُتَدَارِكا، قَدْ اءَسَفَّ هَيْدَبُهُ تَمْرِيهِ الْجَنُوبُ دِرَرَ اءَهَاضِيبِهِ، وَ دُفَعَ شآبِيبِهِ.
فَلَمَّا اءَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا، وَ بَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ الْمَحْمُولِ عَلَيْها اءَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الْاءَرْضِ النَّبَاتَ، وَ مِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الْاءَعْشَابَ فَهِيَ تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِها، وَ تَزْدَهِي بِمَا اءُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ اءَزَاهِيرِهَا، وَ حِلْيَةِ ما سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ اءَنْوَارِها، وَ جَعَلَ ذَلِكَ بَلاَغا لِلْاءَنَامِ، وَ رِزْقا لِلْاءَنْعَامِ، وَ خَرَقَ الْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا، وَ اءَقَامَ الْمَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا.
فَلَمَّا مَهَدَ اءَرْضَهُ، وَ اءَنْفَذَ اءَمْرَهُ، اخْتَارَ آدَمَ عَلَيهِ السلاُمُخِيرَةً مِنْ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُ، اءَوَّلَ جِبِلَّتِهِ، وَ اءَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَ اءَرْغَدَ فِيهَا اءُكُلَهُ، وَ اءَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ، وَ اءَعْلَمَهُ اءَنَّ فِي الاِْقْدَامِ عَلَيْهِ التَّعَرُّضَ لِمَعْصِيَتِهِ وَ اژلْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ فَاءَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ، فَاءَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ اءَرْضَهُ بِنَسْلِهِ، وَ لِيُقِيمَ الْحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَ لَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ اءَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ، وَ يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ، بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى اءَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ اءَنْبِيَائِهِ، وَ مُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ قَرْنا فَقَرْنا حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِه حُجَّتُهُ، وَ بَلَغَ الْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَ نُذُرُهُ، وَ قَدَّرَ الْاءَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَ قَلَّلَهَا، وَ قَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ وَالسَّعَةِ، فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ اءَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَ مَعْسُورِهَا وَ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ الشُّكْرَ وَ الصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَ فَقِيرِهَا.
ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا، وَ بِسَلاَمَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا، وَبِفُرَجِ اءَفْرَاحِهَا غُصَصَ اءَتْرَاحِهَا، وَ خَلَقَ الْآجَالَ فَاءَطَالَهَا وَ قَصَّرَهَا، وَقَدَّمَهَا وَ اءَخَّرَهَا، وَ وَصَلَ بِالْمَوْتِ اءَسْبَابَهَا، وَجَعَلَهُ خَالِجا لِاءَشْطَانِهَا، وَ قَاطِعا لِمَرَائِرِ اءَقْرَانِهَا.
عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِينَ، وَ نَجْوَى الْمُتَخَافِتِينَ، وَ خَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ، وَ عُقَدِ عَزِيمَاتِ الْيَقِينِ، وَ مَسَارِقِ إِيمَاضِ الْجُفُونِ، وَ مَا ضَمِنَتْهُ اءَكْنَانُ الْقُلُوبِ، وَ غَيَابَاتُ الْغُيُوبِ، وَ مَا اءَصْغَتْ لاِسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْاءَسْمَاعِ، وَ مَصَائِفُ الذَّرِّ، وَ مَشَاتِي الْهَوَامِّ، وَ رَجْعِ الْحَنِينِ مِنَ الْمُولَهَاتِ وَ هَمْسِ الْاءَقْدَامِ، وَمُنْفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِنْ وَلاَئِجِ غُلُفِ الْاءَكْمَامِ، وَ مُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ الْجِبَالِ وَ اءَوْدِيَتِهَا، وَ مُخْتَبَاءِ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ الْاءَشْجَارِ وَ اءَلْحِيَتِهَا، وَمَغْرِزِ الْاءَوْرَاقِ مِنَ الْاءَفْنَانِ، وَ مَحَطِّ الْاءَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْاءَصْلاَبِ، وَ نَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَ مُتَلاَحِمِهَا، وَ دُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فِي مُتَرَاكِمِهَا، وَ مَا تَسْفِي الْاءَعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا، وَ تَعْفُو الْاءَمْطَارُ بِسُيُولِهَا، وَ عَوْمِ نَباتِ الْاءَرْضِ فِي كُثْبَانِ الرِّمَالِ، وَ مُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْاءَجْنِحَةِ بِذُرَى شَنَا خِيبِ الْجِبَالِ، وَ تَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ الْاءَوْكَارِ، وَ مَا اءَوْعَبَتْهُ الْاءَصْدَافُ وَ حَضَنَتْ عَلَيْهِ اءَمْوَاجُ الْبِحَارِ، وَ مَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْلٍ اءَوْ ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ، وَ مَا اعْتَقَبَتْ عَلَيْهِ اءَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ، وَ سُبُحَاتُ النُّورِ، وَ اءَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ، وَ حِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ، وَ رَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ، وَ تَحْرِيكِ كُلِّ شَفَةٍ، وَ مُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ، وَ مِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ، وَ هَمَاهِمِ كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ، وَ مَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ، اءَوْ سَاقِطِ وَرَقَةٍ، اءَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ، اءَوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَ مُضْغَةٍ، اءَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَ سُلاَلَةٍ.
لَمْ تَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ، وَ لاَ اعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ، وَ لاَ اعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ الْاءُمُورِ وَ تَدَابِيرِ الْمَخْلُوقِينَ مَلاَلَةٌ وَ لاَ فَتْرَةٌ، بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ، وَ اءَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ، وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ، وَ غَمَرَهُمْ فَضْلُهُ، مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ اءَهْلُهُ.
دعاء اللَّهُمَّ اءَنْتَ اءَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِيلِ، وَ التَّعْدَادِ الْكَثِيرِ، إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ، وَ إِنْ تُرْجَ فَخَيْرُ فَاءَكْرَمُ مَرْجُوِّ.
اللَّهُمَّ وَ قَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لاَ اءَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ، وَ لاَ اءُثْنِي بِهِ عَلَى اءَحَدٍ سِوَاكَ، وَ لاَ اءُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَيْبَةِ وَ مَوَاضِعِ الرِّيبَةِ، وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ الْآدَمِيِّينَ وَ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَرْبُوبِينَ الْمَخْلُوقِينَ.
اللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ اءَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ اءَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ، وَ قَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلاً عَلَى ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَ كُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ.
اللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ اءَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ لَكَ، وَ لَمْ يَرَ مُسْتَحِقّا لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَالْمَمَادِحِ غَيْرَكَ، وَ بِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لاَ يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلا فَضْلُكَ، وَ لاَ يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلا مَنُّكَ وَ جُودُكَ، فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ، وَ اءَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْاءَيْدِي إِلَى سِوَاكَ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.(منقول)