الإمامة منصب إلاهي
الموسوعة القرانية للسيد ابي عبد الله الحسين القحطاني
إن الإمامة هي من السنن الإلهية التي فرضها الله عز وجل على العباد كي يقطع الطريق
على الشيطان ومن ينقاد له في التفكير بالجلوس في مقام قيادة البشرية .
قال تعالى مخاطباً إبراهيم (عليه السلام) : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن
ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([398]).
وقد استمرت هذه الرتبة الإلهية حتى قام بأعبائها رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم تسليما) نبياً ورسولاً وإماماً ، حتى إذا التحق بالرفيق الأعلى ، أوصى
بالإمامة من بعده إلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين (عليه السلام) في نصوص كثيرة لا
يمكن إحصائها ، ومواطن عدة ، كحديث الإنذار يوم الدار ، وحديث المنـزلة ، وحديث
الغدير ، وحديث الثقلين المشهور بين المسلمين والذي يربط بين القرآن والأئمة من
العترة الطاهرة ربطاً كاملاً ومطلقاً .
فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في الحديث المتواتر والذي
أخرجه أصحاب السنن والصحاح أو المسانيد لطرق مختلفة وبوجوه مختلفة ، قوله : (إني
تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي
أبداً )([399]).
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به فلن
تضلوا بعدي ، الثقل الأكبر حبل ممدود طرفه بيد الله وطرفه بأيدكم كتاب الله ،
والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي - قالها ثلاثاً-
....)([400]).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : (إني أوشك أن ادعى فأجيب وإني تارك فيكم
الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف
الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما
)([401]).
وهذه النصوص صريحة وواضحة الدلالة في الترابط المطلق والوثيق بين الكتاب والعترة
المطهرة، وإنهما لن يفترقا أبداً ما دامت السماوات والأرض .
ويفهم من ذلك أيضاً انه لا تمسك بالكتاب دون العترة ، وكيف يكون ذلك والكتاب يقول :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ
وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ الى اللّهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}([402]).
فمن هم أُولي الأمر ؟ أليسوا هم أحد الثقلين أليسوا هم عترة المصطفى ؟ الذين قال
فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : ( مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة
نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى).
والذين قال فيهم القرآن {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([403]).
وقال {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([404]).
وقد قال وعاظ السلاطين وفقهاء البلاط ومستشاري القصر ان أولي الأمر هم الحكام ولو
بالقهر والإرهاب والانقلابات العسكرية والسقائف والمؤامرات .
وهذا نفث من الشيطان على السنتهم تأييداً للنمرود وفرعون ومعاوية ويزيد وإضرابهم
حرصاً على عطاءهم وهدايا الملوك لهم ، وإعراضاً عن الحق وعداءاً لأهله ، أولئك هم :
{ َالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ
الى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}([405]).
فالعترة هم ترجمان القرآن ولسانه الناطق ، وهم الراسخون في العلم ، وهم الذين عندهم
الكتاب ، قال تعالى {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ
عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}([406]).
ذكر العياشي في تفسيره عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) سأله عن قول
الله تعالى {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ
عِلْمُ الْكِتَابِ}.
قال : فلما رآني أتتبع ذلك وأشباهه من الكتاب ، قال : حسبك ، كل شيء في الكتاب من
فاتحته إلى خاتمته مثل هذا فهو في الأئمة عنوا به )([407]).
كما إن الحديث (حديث الثقلين) قد حدد العامل الأساس للمنع من الضلالة هو التمسك
بهما ـ أي الكتاب والعترة معاً ـ لا بأحدهما ، فكل من يقول (حسبنا الكتاب) فهو رادٌ
على الله مكذب لرسول الله .
ومثل هذا فمصيره كمصير إبليس الذي اعترض على أمر الله تعالى بالسجود لآدم ، فقال
{أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}([408]).
إذن فكلاهما يريد أن يعبد الله كما يريد هو لا كما يريد الله .
ومن أغرب ما عرفت جماعة يدعون أنهم ملتزمون بالقرآن ومتبعون لأمره ونهيه فقط ، ولا
يأخذون بأقوال المعصومين (عليهم السلام) بحجة ان الأحاديث والروايات قد حدث فيها دس
ووضع وتحريف ، فلا يمكن الركون إليها .
وهذا القرآن هو الوحيد المسلم بصحته وانه الحق المطلق ، وهم بهذا كمن أوكله الله
إلى نفسه فمروقه من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، أو يقال لهم كما قال الصادق
(عليه السلام) لأبي حنيفة :
( أنت مفتي أهل العراق ؟ قال : نعم ، قال (عليه السلام) : فبأي شيء تفتيهم ؟ قال :
بكتاب الله وسنة نبيه ، قال (عليه السلام) : يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته
وتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : نعم ، قال (عليه السلام) : يا أبا حنيفة لقد أدعيت
علماً ـ ويلك ـ ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذي أنزل عليهم ، ويلك ما هو
إلا عند الخاص من ذرية نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وما ورثك الله من
الكتاب حرفاً )([409]).
وكما قال أبو جعفر (عليه السلام) لقتادة إذ دخل عليه : ( أنت مفتي أهل البصرة ؟
فقال : هكذا يزعمون ، فقال (عليه السلام) : بلغني أنك تفسر القرآن ، قال : نعم ـ
إلى أن قال ـ يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن
كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، يا قتادة ـ ويحك ـ إنما يعرف القرآن من
خوطب به )([410]).
والذين خاطبهم القرآن هم أهل البيت (عليهم السلام) الذين يعلمون محكمه ومتشابهه
ظاهره وباطنه ناسخه ومنسوخه ، الذي أمرنا الله تعالى بسؤالهم ، إذ قال عز من قائل
{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}([411]). وقال
{وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}([412]).
وهم الذين بإمامتهم تمت النعمة وكمل الدين كما قال عز وجل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ
دِيناً}([413]).
وهم السبيل الذين أمرنا تعالى بسلوك طريقهم قال تعالى {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ الى رَبِّهِ سَبِيلاً}([414]).
إذ هم كما ورد في الدعاء : ( الوسيلة إلى رضوانك ) ، وورد أيضاً : (فكانوا هم
السبيل إليك والمسلك إلى رضوانك )([415]).
وهم الذين عندهم علم الكتاب قال تعالى {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} .
ورد في الكافي والعياشي وغيرهما .. عن الباقر (عليه السلام) في تفسير هذه الآية
قوله : ( إيانا عنى وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم
تسليما) )([416]).
وعن أمير المؤمنين سأله رجل عن أفضل منقبة له فقرأ الآية وقال : إياي عنى بمن عنده
علم الكتاب([417]).
وذكر القمي في تفسيره عن الصادق (عليه السلام) وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب
أعلم أم الذي عنده علم الكتاب ، فقال : ( ما كان الذي عنده علم من الكتاب عند الذي
عنده علم الكتاب إلا بقد ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر) .
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( إلا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى
الأرض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين )([418]).
فأهل البيت هم الذين عندهم علم الكتاب وهم أصحاب الحق في بيانه وإظهار مقاصده
ومعانيه ، ورد في الكافي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( ما أدعى احد من
الناس انه جمع القرآن كما أنزل إلا كذب وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي
طالب والأئمة من بعده (عليهم السلام)([419]).
وبإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى {بَلْ هُوَ آيَاتٌ
بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} قال : الأئمة([420]).
وبإسناده عنه (عليه السلام) قال : قد ولدني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم
تسليما) ، وأنا أعلم كتاب الله تعالى وفيه بدئ الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة
وفيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر الجنة والنار ، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي ، إن
الله تعالى يقول {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ}([421]).
وقد وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) القرآن بقوله في نهج البلاغة : (وان القرآن
ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، ولا تنكشف الظلمات إلا
به )([422]).
فالقرآن مستمر دائم حي ، كما ان الإمامة مستمرة ودائمة وان ( لو خليت الأرض من حجة
لساخت بأهلها ) وانهما ـ أي القرآن والأئمة ـ لن يفترقا ، وان القرآن مع كل إمام
يعلم تأويله ويعمل بما فيه .
الموسوعة القرانية للسيد ابي عبد الله الحسين القحطاني
إن الإمامة هي من السنن الإلهية التي فرضها الله عز وجل على العباد كي يقطع الطريق
على الشيطان ومن ينقاد له في التفكير بالجلوس في مقام قيادة البشرية .
قال تعالى مخاطباً إبراهيم (عليه السلام) : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن
ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([398]).
وقد استمرت هذه الرتبة الإلهية حتى قام بأعبائها رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم تسليما) نبياً ورسولاً وإماماً ، حتى إذا التحق بالرفيق الأعلى ، أوصى
بالإمامة من بعده إلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين (عليه السلام) في نصوص كثيرة لا
يمكن إحصائها ، ومواطن عدة ، كحديث الإنذار يوم الدار ، وحديث المنـزلة ، وحديث
الغدير ، وحديث الثقلين المشهور بين المسلمين والذي يربط بين القرآن والأئمة من
العترة الطاهرة ربطاً كاملاً ومطلقاً .
فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في الحديث المتواتر والذي
أخرجه أصحاب السنن والصحاح أو المسانيد لطرق مختلفة وبوجوه مختلفة ، قوله : (إني
تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي
أبداً )([399]).
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به فلن
تضلوا بعدي ، الثقل الأكبر حبل ممدود طرفه بيد الله وطرفه بأيدكم كتاب الله ،
والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي - قالها ثلاثاً-
....)([400]).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : (إني أوشك أن ادعى فأجيب وإني تارك فيكم
الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف
الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما
)([401]).
وهذه النصوص صريحة وواضحة الدلالة في الترابط المطلق والوثيق بين الكتاب والعترة
المطهرة، وإنهما لن يفترقا أبداً ما دامت السماوات والأرض .
ويفهم من ذلك أيضاً انه لا تمسك بالكتاب دون العترة ، وكيف يكون ذلك والكتاب يقول :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ
وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ الى اللّهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}([402]).
فمن هم أُولي الأمر ؟ أليسوا هم أحد الثقلين أليسوا هم عترة المصطفى ؟ الذين قال
فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : ( مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة
نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى).
والذين قال فيهم القرآن {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([403]).
وقال {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([404]).
وقد قال وعاظ السلاطين وفقهاء البلاط ومستشاري القصر ان أولي الأمر هم الحكام ولو
بالقهر والإرهاب والانقلابات العسكرية والسقائف والمؤامرات .
وهذا نفث من الشيطان على السنتهم تأييداً للنمرود وفرعون ومعاوية ويزيد وإضرابهم
حرصاً على عطاءهم وهدايا الملوك لهم ، وإعراضاً عن الحق وعداءاً لأهله ، أولئك هم :
{ َالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ
الى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}([405]).
فالعترة هم ترجمان القرآن ولسانه الناطق ، وهم الراسخون في العلم ، وهم الذين عندهم
الكتاب ، قال تعالى {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ
عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}([406]).
ذكر العياشي في تفسيره عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) سأله عن قول
الله تعالى {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ
عِلْمُ الْكِتَابِ}.
قال : فلما رآني أتتبع ذلك وأشباهه من الكتاب ، قال : حسبك ، كل شيء في الكتاب من
فاتحته إلى خاتمته مثل هذا فهو في الأئمة عنوا به )([407]).
كما إن الحديث (حديث الثقلين) قد حدد العامل الأساس للمنع من الضلالة هو التمسك
بهما ـ أي الكتاب والعترة معاً ـ لا بأحدهما ، فكل من يقول (حسبنا الكتاب) فهو رادٌ
على الله مكذب لرسول الله .
ومثل هذا فمصيره كمصير إبليس الذي اعترض على أمر الله تعالى بالسجود لآدم ، فقال
{أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}([408]).
إذن فكلاهما يريد أن يعبد الله كما يريد هو لا كما يريد الله .
ومن أغرب ما عرفت جماعة يدعون أنهم ملتزمون بالقرآن ومتبعون لأمره ونهيه فقط ، ولا
يأخذون بأقوال المعصومين (عليهم السلام) بحجة ان الأحاديث والروايات قد حدث فيها دس
ووضع وتحريف ، فلا يمكن الركون إليها .
وهذا القرآن هو الوحيد المسلم بصحته وانه الحق المطلق ، وهم بهذا كمن أوكله الله
إلى نفسه فمروقه من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، أو يقال لهم كما قال الصادق
(عليه السلام) لأبي حنيفة :
( أنت مفتي أهل العراق ؟ قال : نعم ، قال (عليه السلام) : فبأي شيء تفتيهم ؟ قال :
بكتاب الله وسنة نبيه ، قال (عليه السلام) : يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته
وتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : نعم ، قال (عليه السلام) : يا أبا حنيفة لقد أدعيت
علماً ـ ويلك ـ ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذي أنزل عليهم ، ويلك ما هو
إلا عند الخاص من ذرية نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وما ورثك الله من
الكتاب حرفاً )([409]).
وكما قال أبو جعفر (عليه السلام) لقتادة إذ دخل عليه : ( أنت مفتي أهل البصرة ؟
فقال : هكذا يزعمون ، فقال (عليه السلام) : بلغني أنك تفسر القرآن ، قال : نعم ـ
إلى أن قال ـ يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن
كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، يا قتادة ـ ويحك ـ إنما يعرف القرآن من
خوطب به )([410]).
والذين خاطبهم القرآن هم أهل البيت (عليهم السلام) الذين يعلمون محكمه ومتشابهه
ظاهره وباطنه ناسخه ومنسوخه ، الذي أمرنا الله تعالى بسؤالهم ، إذ قال عز من قائل
{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}([411]). وقال
{وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}([412]).
وهم الذين بإمامتهم تمت النعمة وكمل الدين كما قال عز وجل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ
دِيناً}([413]).
وهم السبيل الذين أمرنا تعالى بسلوك طريقهم قال تعالى {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ الى رَبِّهِ سَبِيلاً}([414]).
إذ هم كما ورد في الدعاء : ( الوسيلة إلى رضوانك ) ، وورد أيضاً : (فكانوا هم
السبيل إليك والمسلك إلى رضوانك )([415]).
وهم الذين عندهم علم الكتاب قال تعالى {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} .
ورد في الكافي والعياشي وغيرهما .. عن الباقر (عليه السلام) في تفسير هذه الآية
قوله : ( إيانا عنى وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم
تسليما) )([416]).
وعن أمير المؤمنين سأله رجل عن أفضل منقبة له فقرأ الآية وقال : إياي عنى بمن عنده
علم الكتاب([417]).
وذكر القمي في تفسيره عن الصادق (عليه السلام) وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب
أعلم أم الذي عنده علم الكتاب ، فقال : ( ما كان الذي عنده علم من الكتاب عند الذي
عنده علم الكتاب إلا بقد ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر) .
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( إلا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى
الأرض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين )([418]).
فأهل البيت هم الذين عندهم علم الكتاب وهم أصحاب الحق في بيانه وإظهار مقاصده
ومعانيه ، ورد في الكافي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( ما أدعى احد من
الناس انه جمع القرآن كما أنزل إلا كذب وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي
طالب والأئمة من بعده (عليهم السلام)([419]).
وبإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى {بَلْ هُوَ آيَاتٌ
بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} قال : الأئمة([420]).
وبإسناده عنه (عليه السلام) قال : قد ولدني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم
تسليما) ، وأنا أعلم كتاب الله تعالى وفيه بدئ الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة
وفيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر الجنة والنار ، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي ، إن
الله تعالى يقول {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ}([421]).
وقد وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) القرآن بقوله في نهج البلاغة : (وان القرآن
ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، ولا تنكشف الظلمات إلا
به )([422]).
فالقرآن مستمر دائم حي ، كما ان الإمامة مستمرة ودائمة وان ( لو خليت الأرض من حجة
لساخت بأهلها ) وانهما ـ أي القرآن والأئمة ـ لن يفترقا ، وان القرآن مع كل إمام
يعلم تأويله ويعمل بما فيه .
تعليق