إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مستلزمات الرسالة العالمية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مستلزمات الرسالة العالمية

    مستلزمات الرسالة العالمية


    ح1
    أن الرسالة العالمية تستلزم مجتمعاً قد بني بناءاً عالمياً كافياً يتيح له التجاوب مع اطروحاتها واهدافها و برامجها المختلفة، بمعنى ان القائمين على هذا المجتمع لابد و ان يلاحظوا ضرورة الارتفاع بالواقع الاجتماعي القائم إلى مستوى التطابق مع خصوصيات الرسالة الاسلامية، و في مقدمتها الخصوصية العالمية، و هي وان كانت لا تتطلب بالنسبة إلى مجتمعاتنا الاسلامية شيئاً يزيد على اجلاء الفطرة الانسانية وتعميق الاسلام في واقعها السياسي والاجتماعي والثقافي، إلّا ان الالتفات إلى هذه الجهة و الاهتمام بها، و التركيز عليها من شأنه المساعدة على أمرين ضروريين في عملية البناء الاجتماعي وهما:
    1- زيادة التحسّس و تركيز الانتباه تجاه الظواهر و الممارسات الاجتماعية و الثقافية المخالفة لتلك الخصوصية، بحيث لو لم يكن هناك التفات إلى الضرورة المذكورة لكان التحسس بتلك الظواهر المخالفة قليلاً، و لغفل رعاة المجتمع عنها، أو لاعتبروها من الأمور الهيّنة التي يمكن التسامح بشأنها، ولكانت النتيجة ان البناء الاجتماعي يقام على واقع غير منسجم معه، مما يقلل من كفاءة هذا البناء وهدفيته.
    2- البرمجة و التخطيط: ذلك ان البناء الاجتماعي و عملية التغيير تتطلب تخطيطاً وبرمجة كافية وهذا بدوره يتطلب اهتماماً و تركيزاًعلى المحور المقصود بالتغيير، فلو لم تكن هناك ملاحظة لضرورة الارتفاع بالواقع الاجتماعي إلى مستوى التطابق مع خصوصيات الرسالة الاسلامية لم تتيسر عملية التخطيط و البرمجة، و كانت الحركة الاجتماعية حركة مرتجلة غير مدروسة. و أهمية هذين الامرين تقاس بأهمية الجهة المطلوبة منهما، فكلما كانت الجهة المطلوبة بهما رفيعة ازدادت أهمية التحسس لما يخالفها و التخطيط من أجل الوصول إلى حالة مطابقة لها، والجهة المطلوبة لدينا تحضى بأهمية عقائدية رفيعة، بوصف ان العالميّة هي الوجه الانساني الذي يجسد اطلاق التوحيد على الساحة الانسانية، بحيث ان حذف العالمية أو اهمالها في الحسابات العقائدية أو الاجتماعية يؤدي إلى اختلال الرؤية الكونية للمجتمع الاسلامي، و تعويم التوحيد في الساحة الاجتماعية. ان على المجتمع الحامل للواء الرسالة الاسلامية في كل زمان و مكان ان يعدّ نفسه ليكون بالمستوى العالمي لهذه الرسالة و ان يثبت أهليته لذلك، و المجتمع العاجز عن قراءة أفق من افاقها أو التفاعل مع بعد من ابعادها ليس بوسعه ان يكون حاملاً للواءها على الساحة الانسانية، و ان كنا لانشك في كونه مجتمعاً مسلماً، لكن القيادة امتياز لا يحلّ إلّا في واقع ممتاز عن غيره. ان الانسان المسلم الذي يتقوقع في محل عيشه و يأبى التفاعل مع نظرة عالمية تحدق في آفاق الأرض الاخرى يجب ان ينظر إليه من وجهة نظر اسلامية على انه انسان مريض قد فقد بعض خواصه الطبيعية المطلوبة منه، و كيف يتاح لانسان يتربى‏ على العبودية لرب العالمين، و ينتمي لرسالة عالمية تدعوه للشهادة على الناس و لا تكون له عينان تجولان بين شرق الارض و غربها؟ إلا يكشف ذلك عن شخصية ناقصة و مختلّة؟ ثم اذا تقوقع المؤمن في محل عيشه و سكناه مستأنساً بوطنيته إلا يكون ذلك سبباً لظهور فراغ دولي سيملأه الآخرون بنحو عدواني؟ بل سيكون ذلك سبباً لظهور ما هو أسوء، حينما يدّعي هؤلاء ان أوروبا هي الموطن الأبدي للقيادة العالمية، و ان الرجل الأبيض هو المؤهل للعب هذا الدور دون سواه و بنحو دائم، و ان على الآخرين اتباعه في كل زمان و مكان، و إلأسوء من كل هذا و ذاك ان يقبع المسلم بالفشل و يسلّم لغريمه بهذه الادعاءات، و يقتنع بها كحقائق غافلاً عن اوضح الحقائق التاريخية التي تقول: بأن المسلم كان يقود العالم لمدّة عشرة قرون يوم كان الرجل الأبيض يتعثر في دياجيرالقرون الوسطى‏ التي يسميها بالعصور المظلمة. و هل من مفارقة اكبر من ان يدعى القومي الاوربي قيادة العالم!، و هو ادعاء غير منطقي و غير منسجم مع نفسه و ينطوي على عدوان صريح طبقا للمقياس القومي الذى ابتكره الغرب نفسه، بينما يستكين المسلم امامه رغم ما يحمله من رسالة عالمية تتيح له و بنحو منطقي مشروع الادعاء بهذه القيادة العالمية؟ بل توجب عليه ذلك كوظيفة شرعية. والقسم المتعلق بالمسلم من هذه المفارقة هو الذى يسيئنا اكثر. فادعاء القيادة العالمية رغبة فيما تحققه من امتيازات و علو امر متوقع من الاوربي و غيره، والشي‏ء الذي يؤسف له تصديق المسلم و تسليمه له بذلك. كما لو كانت الاقدار الكونية قد اقتضت ان تكون اوربا هى القيادة لما سواها من القارات دوما. و هذا مما لا واقع وراءه، بل هو اسلوب دعائى تلجأ اليه الحضارات الحاكمة رغبة منها فى تكريس الواقع الذي تريده و تخليده لتخلد من خلاله. و لتثبط عزائم الامم الاخرى عن النهوض و التحرك لاخذ زمام المبادرة و الانفلات من الدوران فى فلكها، و ما حكاية نهاية التاريخ التى اطلقها الامريكان اخيرا الاطبعة منقحة من هذه الدعاية القديمة، و لا ادل من ذلك على ضرورة اعادة بناء الشخصية الاسلامية بنحو يرفع عنها هذا الخلل .
    و يجعلها اكثر توافقا مع مقتضيات العزة و الاصالة الاسلامية. و اهم ما ينبغي القيام به في هذا المضمار تزريق الروح و النظرة العالمية الواسعة في المجتمع الاسلامي بحيث يصبح هذا المجتمع يعيش القضية الانسانية كأصل، والقضية المحلية كفرع، يعيش الواقع المحلي الفرعي بما هو صورة مصغرة عن الواقع الانساني الاصيل ككل، يعيش انسانيته كدائرة انتماء اساسي، و يعيش محليته كدائرة انتماء ثانوي، كما هو الانتماء للمدينة و المحلة التي يعيش فيها كإنتماء ثانوي بالقياس الى البلد ككل. و قد حقق الاسلام هذا الانجاز في بداية انطلاقته حينما استطاع ان يخرج العربي من قمقم القبلية الضيق الى افق الانسانية الرحيب، من قضية محلية عاشها العربي كاصل حتى حولها الى صنم يعبد، الى قضية انسانية في اطار العبودية لرب العالمين. و في ظل هذه الشخصية الجديدة التى انجزها استطاع الاسلام ان ينطلق في بناء حضارته الشامخة التي اظلّت البشرية طيلة عشرة قرون، ثم ما فتأت هذه الشخصية تضعف و تذوي حتى بلغ بها الامر حد الاذعان لخصمها التأريخي و الحضاري بالسيادة عليها. و حينما يراد للاسلام ان ينطلق من جديد من بقعة جغرافية معينة لابد و ان تستجيب هذه البقعة للروح العالمية التي يختزنها الاسلام، و ان تتحلى بهذه الروح كأصل و تعيش خصوصيتها المحلية كإمتداد، و يتخذ منها انسانها موطنا لقدمية حتى تعتدل قامته عليها و يجول ببصره و روحه و أفقه الاخلاقي و الفكري من حول العالم، و يتعبأ من خلال ذلك بروحية القيادة العالمية. و تكون له همة بهذا المستوى الصارخ و ان كان واقعه الفعلي اقل من ذلك بكثير. فبالطموح الكبير و العزيمة القوية و الاستعداد الروحي و التربوي يتاح للانسان انجاز ما قد يبدو في الوهلة الاولى ضربا من المستحيل، و بالخواء و الخوار الضعف يفقد الانسان ما يحوزه فعلاً من امتيازات كبيرة.


    صحيفة القائم (ع)
يعمل...
X