منقول من موسوعة القائم ج3 ( من فكر السيد القحطاني)
قم مدينة الإمام المهدي (عليه السلام)
إن يثرب (المدينة المنورة) هي مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، فقد تمحورت هذه الحلقة حول إثبات إن إيران تمثل مدينة الإمام المهدي (عليه السلام) ومحل هجرة صاحب دعوته السيد اليماني مع المهاجرين من أنصار المهدي من أهل العراق، كما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) من مكة إلى المدينة المنورة.
وتوجد هناك نقاط شبه متعددة بين إيران بصورة عامة وتحديداً قم المقدسة والتي هي مدينة الإمام المهدي على حسب التأويل وبين المدينة المنورة دار هجرة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أولها من ناحية المعنى اللغوي لتسمية كل منهما، وثانياً من ناحية موقعهما وطبيعتهما الجغرافية، وثالثاً من ناحية الفضائل التي تميز كل منهما حيث إن هناك فضائل مشتركة بين إيران وقم من جهة وبين المدينة المنورة كسبقهما إلى الولاية ودفع البلاء عنها إلى غير ذلك من الفضائل المشتركة بين المدينتين.
وسنورد في طيات هذا الكتاب الأدلة التي تثبت أن مدينة المهدي في عصر الظهور هي إيران.
بعد أن أثبتنا فيما مضى بأن الكوفة تمثل مكة الإمام المهدي سلام الله عليه ومكان انطلاق دعوته المباركة، فلابد أن تكون هناك مدينة للإمام المنتظر يهاجر إليها أنصاره بعد الظلم الذي يلاقونه من قريش سادة الكوفة (مكة حسب التأويل) .
فكما كانت المدينة المنورة هي محل هجرة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأصحابه من المهاجرين، بعد ما لحق بهم من أذى قريش، على اعتبار إن دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) ومراحلها تشبه دعوة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، والتي أحد مراحلها الهجرة إلى يثرب .
ومن هذا المنطلق لابد أن تكون مدينة الإمام سلام الله عليه وأرضيتها العقائدية والفكرية متشابهة مع الكوفة (مكة التأويل) لكي يستطيع أنصاره الهجرة إليها، فضلاً عن وجود أنصاراً له فيها من أهلها كما سيأتينا، لأننا نعلم أن دعوة الإمام المهدي سلام الله عليه رغم إنها عالمية، إلا أنها تكون موجهة بالدرجة الأساس إلى شيعة أهل البيت (عليهم السلام) كونهم عماد حركته المقدسة، ومن بينهم تنقدح شرارة دعوته المباركة، وبما أن مكة الإمام المهدي (عليه السلام) هي الكوفة على وجه الخصوص، إذن لابد أن تكون مدينته (عليه السلام) شيعية العقيدة أيضاً، ولها جذور ووشائج صلة وترابط مع الكوفة لكي تستقبل المهاجرين إليها من الأخيرة.
وهذه المدينة هي إيران والتي تمثل مدينة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) على حسب التأويل.
كما إن هناك روايات تشير إلى أن قم تحديداً تمثل مدينة الرسول بحسب التأويل، ولكن بعض الأحيان يعمم الجزء على الكل، كما هو حال الكوفة، الذي تارة ما يطلق على نفس المنطقة، وتارة أخرى على العراق ككل.
والحال هذا ينطبق على قم التي قد يراد بها تلك المنطقة بعينها، وقد تحسب تلك الصفة على إيران عموماً. وهذا ما سنقوم بإثباته من خلال سياق هذا البحث .
المبحث الأول : تسمية قم وطبيعتها الجغرافية
إن تسمية قم مرتبطة بأهل البيت (عليهم السلام) عموماً وتحديداً بالإمام المهدي (عليه السلام)، وهي بذلك تشابه مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) من هذه الناحية، فمن المعلوم أن المدينة قبل هجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام إليها كان اسمها يثرب، بيد أنها بعد الهجرة أصبحت تعرف بمدينة الرسول وبالمدينة المنورة وذلك لأنها ارتبطت بشخصه (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
بالنسبة لمدينة قم فقد وردت عدة روايات عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) تشير إلى أن تسميتها بقم يعود إلى ارتباطها بالإمام المهدي (عليه السلام) حيث أن أهلها سوف يجتمعون معه (عليه السلام) ويقومون بنصرته، فقد جاء عن عفان البصري عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال له: ( أتدري لم سمي قم ؟ قلت الله ورسوله وأنت أعلم، قال إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد صلوات الله عليه ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه )( ) .
فضلا عن ذلك فقد وردت روايات أخرى حول تسمية قم تفيد بإن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هو أول من أسماها بذلك الاسم، فهي من هذه الناحية تشترك مع المدينة المنورة من حيث اقترانها مع شخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وتسميته لها.
فجاء عن عيسى بن عبد الله الأشعري عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) أنه قال: ( حدثني أبي عن جدي عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لما اُسري بي إلى السماء حملني جبرائيل على كتفه الأيمن فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لوناً من الزعفران وأطيب ريحاً من المسك فإذا فيها شيخ على رأسه برنس.
فقلت لجبرائيل ما هذه البقعة الحمراء التي هي أحسن لوناً من الزعفران وأطيب ريحاً من المسك.
قال: بقعة شيعتك وشيعة وصيك علي.
فقلت: من الشيخ صاحب البرنس.
قال: إبليس.
قلت: فما يريد منهم.
قال: يريد أن يصدهم عن ولاية أمير المؤمنين ويدعوهم إلى الفسق والفجور.
فقلت: يا جبرائيل إهوِ بنا إليهم، فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر اللامع.
فقلت: قم يا ملعون فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونساءهم فإن شيعتي وشيعة علي ليس لك عليهم سلطان فسميت قم )( ).
وكما هو واضح من هذا النص أن الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) يربط قم وأهلها بشخصه وبأهل بيته (عليهم السلام) ولا سيما الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، من حيث أنهم شيعة له وللإمام عليهما أفضل الصلاة والسلام.
وهكذا نجد إن أصل تسمية قم يعود إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لأنه قال لإبليس ( لعنه الله ) قم عن هذه البقعة التي فيها شيعته وشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا يمكن اعتباره أصل التسمية الظاهري.
أما أصل التسمية الباطني فيعود إلى قيام أهل قم مع الإمام الحجة المنتظر سلام الله عليه بوصفهم شيعة له ولأجداده (عليهم السلام أجمعين)، وكما قرر ذلك جده الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
وأخيراً في باب تسمية قم نود أن نلفت الانتباه إلى أن قم من البقاع المقدسة كما سيأتينا، فلهذا نجد أن ذلك انسحب بمرور الوقت فأصبحت تعرف بـ ( قم المقدسة ) وليس قم فقط ، وذلك كونها أخذت قدسيتها نتيجة ارتباطها بأهل البيت (عليهم السلام)، حالها حال يثرب التي صار اسمها المدينة المنورة، لأنها تنورت بوجود خاتم الأنبياء محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فيها.
ومما يؤيد قداسة قم وتربتها جعلها تسمى ( قم المقدسة ) ما ورد عن أبي سلم العبدي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( تربة قم مقدسة وأهلها منا ونحن منهم ...)( ) .
وقد وجدنا أثناء حساب القيمة العددية لقم المقدسة أنها تقابل القيمة العددية للمدينة وفق جدول الأبجد الصغير( ) وذلك على النحو التالي:
ق+م +أ +ل+م +ق+د+س+ة = قم المقدسة
4+4+1+6+4+4+4+0+4 =31
أ +ل+ م+ د + ي+ ن+ ة = المدينة
1+6+4+4+10+ 2+4 = 31
وهذا بدوره مما يثبت أن قم هي مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حسب التأويل.
أما بالنسبة للطبيعة الجغرافية للمنطقة والتي لا تنحصر بقم وحدها بل إيران ككل تمتاز بكثرة الزراعة وكثرة المياه سواء المتأتية نتيجة تساقط الأمطار، أو عن طريق العيون والأنهار الصغيرة.
وبذلك تكون إيران بصورة عامة وليس قم فقط تشبه الطبيعة الجغرافية للمدينة المنورة والتي تتميز بكثرة الزراعة وتوفر مصادر المياه سواء من الآبار والعيون أو غيرها من مصادر المياه.
وقد نوهت الروايات إلى كثرة الأمطار في قم، وبالتالي يعني ازدهار الزراعة فيها، فجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): ( سلام الله على أهل قم يسقي الله بلادهم الغيث وينزل عليهم البركات ...)( ).
وهذا يعني ان قم (إيران) مدينة المهدي ستلعب نفس الدور الذي لعبته المدينة المنورة بالنسبة لمكة من الناحية الاقتصادية في صدر الرسالة، وذلك من حيث أنها ستكون قبيل الظهور المقدس للإمام المهدي (عليه السلام) وقيامه متقدمة اقتصادياً سواء من الناحية الزراعية والصناعية والتجارية، وكما هو حاصل اليوم .
على العكس من مكة التي كانت متأخرة اقتصادياً عن المدينة لعدم وجود الزراعة فيها بل تعتمد على التجارة فقط، وبما أن الكوفة تمثل مكة حسب التأويل فستكون في ضيق اقتصادي شديد قبيل ظهور الإمام المنتظر عجل الله فرجه، وذلك من جوع وقحط وغلاء أسعار.
وهو ما صرحت به عدد من روايات أهل البيت (عليهم السلام) منها ما جاء عن جابر الجعفي قال سأل الإمام أبو جعفر الباقر (عليهما السلام): عن قوله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع}، فقال: يا جابر ذلك خاص وعام، فأما الخاص من الجوع فبالكوفة يخص الله به أعداء آل محمد فيهلكهم ... أما الجوع فقبل قيام القائم، وأما الخوف فبعد قيام القائم)( ).
وهذا بعينه ما حصل وسيحصل في العراق
المبحث الثاني: فضائل قم
سنتناول فضائل قم من عدة أوجه، منها في باب الشبه، والتقابل بين فضائلها وفضائل المدينة المنورة، ومنها ما يتعلق بمكانة قم وأهميتها لدى أهل البيت (عليهم السلام).
وأول أوجه الشبه بين قم والمدينة هو من جهة الحرمة، حيث أكدت عدة روايات على أن قم حرم أهل البيت (عليهم السلام)، كما إن المدينة حرم الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
فروي عن عدة من أهل الري عن ابي عبد الله قال (عليه السلام): ( مرحباً بإخواننا من أهل قم.
فقالوا: نحن من أهل الري فأعاد (عليه السلام) الكلام. قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً .
فقال إن لله حرماً وهو مكة وإن للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حرماً وهو المدينة وإن لأمير المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة وإن لنا حرماً وهو بلدة قم وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة قال الراوي وكان هذا الكلام منه (عليه السلام) قبل أن يولد الكاظم (عليه السلام) )( ).
كما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً أنه قال: ( إن لله حرماً وهو مكة ألا وأن لرسول الله حرما وهو المدينة ألا وان لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ألا وان قم الكوفة الصغيرة ....)( ).
وكما مر بنا سابقاً إن الكوفة تمثل مكة حسب التأويل وانطلاق الرسالة المحمدية الظاهرية الممثلة بشخص المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) كان بمكة، ثم انتقل منها إلى المدينة.
إذن لابد أن تنقل دعوة الرسالة المحمدية الباطنية الممثلة بدعوة الإمام المهدي (عليه السلام) من الكوفة إلى مدينته (سلام الله عليه)، وذلك من حيث أن دعوته لها شبه بدعوة جده الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، وعليه فيجب أن تكون هناك مدينة للإمام المنتظر (عليه السلام)، ألا وهي مدينة قم وهو ما نحن بصدد إثباته.
ونرى أن الإمام الصادق (عليه السلام) قد أنزل قم من حيث الحرمة بمنزلة كل من مكة والمدينة والكوفة .
وهذا يعني أن مدينة قم هي مدينة مقدسة كما هو حال مكة والمدينة والكوفة، ونحن نعلم علم اليقين إن قداسة كل من مكة والمدينة متأتية من كونها مرتبطة بظاهر الرسالة المحمدية وأماكن انطلاقها.
أما الكوفة وقم فقداستهما مرتبطة بباطن الرسالة المحمدية الممثلة بأهل البيت (عليهم السلام)، وذلك بدليل قول الإمام الصادق (عليه السلام) الآنف الذكر إن قم هي الكوفة الصغرى بالنسبة لهم، كما هو حال الكوفة في العراق فالكوفة مرتبطة أولاً بالإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي يمثل باطن الكعبة، ومرتبطة ثانياً بالإمام المهدي (عليه السلام) - لأنها مكته - وقم مرتبطة بأهل البيت (عليهم السلام)، ولا سيما الإمام الحجة المنتظر لأنها مدينته حسب التأويل ومن ذلك نفهم لماذا وضعها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هذا الموضع من الحرمة والأهمية إلى جانب كل من المدن الثلاثة المقدسة الآنفة الذكر، لأن لها دور مهم في دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) وذلك إلى جانب الكوفة، وهو دور مشابه لدور المدينة المنورة الذي لعبته إلى جانب مكة بالنسبة لدعوة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)( ) .
والوجه الثاني من أوجه الشبه بين قم والمدينة هو من ناحية سبقها إلى الولاية، وذلك بعد كل من مكة والمدينة والكوفة .
فقد ورد عن أنس بن مالك انه كان جالساً عند النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) إذ دخل عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأعتنقه (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وقبله بين عينيه وقال : (يا علي إن الله عز اسمه عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة ثم سبقت إليها المدينة فزينها بي ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك ثم سبقت إليها قم فزينها بالعرب وفتح إليها باباً من أبواب الجنة )( ) .
والوجه الثالث إن قم مدفوع عنها البلاء ولا يريدها جبار بسوء إلا قصمه الله، وهذه الحالة تطابق حال المدينة فهي مدفوع عنها بلاء الطاعون، كما إن الدجال يدخل في مدن عديدة عدا المدينة ومكة لأن في كل منهما ملائكة تحفظهما( ) .
فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام):
( إن لعلى قم ملكاً رفرف عليها بجناحيه لا يردها جبار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء ...)( ).
ويمكن أن نستخلص من النصين الآنفي الذكر نقطة شبه ثالثة بين قم والمدينة إلى جانب رفع البلاء والجبارين عنها، ألا وهي إن قم لها ملائكة تحفظها من البلايا ومن الجبارين، شأنها بذلك شأن المدينة كما سبق أن أشرنا.
إذ ورد عن أبي بكير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال في معرض ذكره عن الدجال: ( فلم يبق منها إلا وطئه إلا مكة والمدينة فإن على كل نقب من أنقابها ملكاً يحفظها من الطاعون والدجال )( ).
وان من الطبيعي جداً ان تحف العناية الإلهية بقم وأهلها، وذلك لكي تكون مكاناً وملجأ آمنا لأنصار الإمام المهدي (عليه السلام)، ولا سيما المهاجرين من الكوفة، وذلك في وقت تعم فيه البلايا والفتن والقتل وعلى الخصوص في الكوفة، سواء من حكومة بني العباس آنذاك، أو بدخول السفياني إليها.
فخير مكان يستطيع فيه الأنصار جمع شملهم وتنظيم صفوفهم وإعداد قواتهم من اجل فتح الكوفة بقيادة السيد اليماني هي مدينة قم المقدسة. وبهذا ستلعب نفس الدور الذي لعبته المدينة من قبل.
والوجه الرابع هو مكانة قم العلمية والدينية، حيث يظهر فيها العلم وذلك في عصر الظهور الشريف للإمام المهدي (عليه السلام) ، ويفيض منها إلى سائر البلدان، وهي بذلك تقابل المدينة من ناحية مكانتها العلمية والدينية، ولا سيما في العصور الإسلامية الأولى( ) .
وقد أشارت عدة روايات إلى بروز العلم في مدينة قم منها ما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (ستخلو كوفة من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها ثم يظهر العلم ببلده يقال قم وتصير معدنا للعلم والفضل ... فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب فيتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى احد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم ...)( ) .
وبخصوص مكانة قم العلمية يجب لفت الانتباه إلى شيء مهم للغاية، وهو إن ظهور العلم في مدينة قم في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ليس المراد به العلم الظاهري والمتعارف عليه في حوزة قم المقدسة.
بدليل انه لا يتعدى كونه علم مبني على الإجتهاد للوصول إلى الأحكام الظنية التي يسيرون بها أمور العباد.
بل إن العلم المقصود في الروايات والذي يظهر في قم قبيل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) هو علم خاص بأشخاص مؤمنين سيتواجدون بقم آنذاك وهم السيد الحسني اليماني وأنصاره وهذا ما أكد عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
قم مدينة الإمام المهدي (عليه السلام)
إن يثرب (المدينة المنورة) هي مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، فقد تمحورت هذه الحلقة حول إثبات إن إيران تمثل مدينة الإمام المهدي (عليه السلام) ومحل هجرة صاحب دعوته السيد اليماني مع المهاجرين من أنصار المهدي من أهل العراق، كما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) من مكة إلى المدينة المنورة.
وتوجد هناك نقاط شبه متعددة بين إيران بصورة عامة وتحديداً قم المقدسة والتي هي مدينة الإمام المهدي على حسب التأويل وبين المدينة المنورة دار هجرة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) أولها من ناحية المعنى اللغوي لتسمية كل منهما، وثانياً من ناحية موقعهما وطبيعتهما الجغرافية، وثالثاً من ناحية الفضائل التي تميز كل منهما حيث إن هناك فضائل مشتركة بين إيران وقم من جهة وبين المدينة المنورة كسبقهما إلى الولاية ودفع البلاء عنها إلى غير ذلك من الفضائل المشتركة بين المدينتين.
وسنورد في طيات هذا الكتاب الأدلة التي تثبت أن مدينة المهدي في عصر الظهور هي إيران.
بعد أن أثبتنا فيما مضى بأن الكوفة تمثل مكة الإمام المهدي سلام الله عليه ومكان انطلاق دعوته المباركة، فلابد أن تكون هناك مدينة للإمام المنتظر يهاجر إليها أنصاره بعد الظلم الذي يلاقونه من قريش سادة الكوفة (مكة حسب التأويل) .
فكما كانت المدينة المنورة هي محل هجرة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وأصحابه من المهاجرين، بعد ما لحق بهم من أذى قريش، على اعتبار إن دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) ومراحلها تشبه دعوة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، والتي أحد مراحلها الهجرة إلى يثرب .
ومن هذا المنطلق لابد أن تكون مدينة الإمام سلام الله عليه وأرضيتها العقائدية والفكرية متشابهة مع الكوفة (مكة التأويل) لكي يستطيع أنصاره الهجرة إليها، فضلاً عن وجود أنصاراً له فيها من أهلها كما سيأتينا، لأننا نعلم أن دعوة الإمام المهدي سلام الله عليه رغم إنها عالمية، إلا أنها تكون موجهة بالدرجة الأساس إلى شيعة أهل البيت (عليهم السلام) كونهم عماد حركته المقدسة، ومن بينهم تنقدح شرارة دعوته المباركة، وبما أن مكة الإمام المهدي (عليه السلام) هي الكوفة على وجه الخصوص، إذن لابد أن تكون مدينته (عليه السلام) شيعية العقيدة أيضاً، ولها جذور ووشائج صلة وترابط مع الكوفة لكي تستقبل المهاجرين إليها من الأخيرة.
وهذه المدينة هي إيران والتي تمثل مدينة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) على حسب التأويل.
كما إن هناك روايات تشير إلى أن قم تحديداً تمثل مدينة الرسول بحسب التأويل، ولكن بعض الأحيان يعمم الجزء على الكل، كما هو حال الكوفة، الذي تارة ما يطلق على نفس المنطقة، وتارة أخرى على العراق ككل.
والحال هذا ينطبق على قم التي قد يراد بها تلك المنطقة بعينها، وقد تحسب تلك الصفة على إيران عموماً. وهذا ما سنقوم بإثباته من خلال سياق هذا البحث .
المبحث الأول : تسمية قم وطبيعتها الجغرافية
إن تسمية قم مرتبطة بأهل البيت (عليهم السلام) عموماً وتحديداً بالإمام المهدي (عليه السلام)، وهي بذلك تشابه مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) من هذه الناحية، فمن المعلوم أن المدينة قبل هجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام إليها كان اسمها يثرب، بيد أنها بعد الهجرة أصبحت تعرف بمدينة الرسول وبالمدينة المنورة وذلك لأنها ارتبطت بشخصه (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
بالنسبة لمدينة قم فقد وردت عدة روايات عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) تشير إلى أن تسميتها بقم يعود إلى ارتباطها بالإمام المهدي (عليه السلام) حيث أن أهلها سوف يجتمعون معه (عليه السلام) ويقومون بنصرته، فقد جاء عن عفان البصري عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال له: ( أتدري لم سمي قم ؟ قلت الله ورسوله وأنت أعلم، قال إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد صلوات الله عليه ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه )( ) .
فضلا عن ذلك فقد وردت روايات أخرى حول تسمية قم تفيد بإن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هو أول من أسماها بذلك الاسم، فهي من هذه الناحية تشترك مع المدينة المنورة من حيث اقترانها مع شخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وتسميته لها.
فجاء عن عيسى بن عبد الله الأشعري عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) أنه قال: ( حدثني أبي عن جدي عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لما اُسري بي إلى السماء حملني جبرائيل على كتفه الأيمن فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لوناً من الزعفران وأطيب ريحاً من المسك فإذا فيها شيخ على رأسه برنس.
فقلت لجبرائيل ما هذه البقعة الحمراء التي هي أحسن لوناً من الزعفران وأطيب ريحاً من المسك.
قال: بقعة شيعتك وشيعة وصيك علي.
فقلت: من الشيخ صاحب البرنس.
قال: إبليس.
قلت: فما يريد منهم.
قال: يريد أن يصدهم عن ولاية أمير المؤمنين ويدعوهم إلى الفسق والفجور.
فقلت: يا جبرائيل إهوِ بنا إليهم، فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر اللامع.
فقلت: قم يا ملعون فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونساءهم فإن شيعتي وشيعة علي ليس لك عليهم سلطان فسميت قم )( ).
وكما هو واضح من هذا النص أن الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) يربط قم وأهلها بشخصه وبأهل بيته (عليهم السلام) ولا سيما الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، من حيث أنهم شيعة له وللإمام عليهما أفضل الصلاة والسلام.
وهكذا نجد إن أصل تسمية قم يعود إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لأنه قال لإبليس ( لعنه الله ) قم عن هذه البقعة التي فيها شيعته وشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا يمكن اعتباره أصل التسمية الظاهري.
أما أصل التسمية الباطني فيعود إلى قيام أهل قم مع الإمام الحجة المنتظر سلام الله عليه بوصفهم شيعة له ولأجداده (عليهم السلام أجمعين)، وكما قرر ذلك جده الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
وأخيراً في باب تسمية قم نود أن نلفت الانتباه إلى أن قم من البقاع المقدسة كما سيأتينا، فلهذا نجد أن ذلك انسحب بمرور الوقت فأصبحت تعرف بـ ( قم المقدسة ) وليس قم فقط ، وذلك كونها أخذت قدسيتها نتيجة ارتباطها بأهل البيت (عليهم السلام)، حالها حال يثرب التي صار اسمها المدينة المنورة، لأنها تنورت بوجود خاتم الأنبياء محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فيها.
ومما يؤيد قداسة قم وتربتها جعلها تسمى ( قم المقدسة ) ما ورد عن أبي سلم العبدي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( تربة قم مقدسة وأهلها منا ونحن منهم ...)( ) .
وقد وجدنا أثناء حساب القيمة العددية لقم المقدسة أنها تقابل القيمة العددية للمدينة وفق جدول الأبجد الصغير( ) وذلك على النحو التالي:
ق+م +أ +ل+م +ق+د+س+ة = قم المقدسة
4+4+1+6+4+4+4+0+4 =31
أ +ل+ م+ د + ي+ ن+ ة = المدينة
1+6+4+4+10+ 2+4 = 31
وهذا بدوره مما يثبت أن قم هي مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حسب التأويل.
أما بالنسبة للطبيعة الجغرافية للمنطقة والتي لا تنحصر بقم وحدها بل إيران ككل تمتاز بكثرة الزراعة وكثرة المياه سواء المتأتية نتيجة تساقط الأمطار، أو عن طريق العيون والأنهار الصغيرة.
وبذلك تكون إيران بصورة عامة وليس قم فقط تشبه الطبيعة الجغرافية للمدينة المنورة والتي تتميز بكثرة الزراعة وتوفر مصادر المياه سواء من الآبار والعيون أو غيرها من مصادر المياه.
وقد نوهت الروايات إلى كثرة الأمطار في قم، وبالتالي يعني ازدهار الزراعة فيها، فجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): ( سلام الله على أهل قم يسقي الله بلادهم الغيث وينزل عليهم البركات ...)( ).
وهذا يعني ان قم (إيران) مدينة المهدي ستلعب نفس الدور الذي لعبته المدينة المنورة بالنسبة لمكة من الناحية الاقتصادية في صدر الرسالة، وذلك من حيث أنها ستكون قبيل الظهور المقدس للإمام المهدي (عليه السلام) وقيامه متقدمة اقتصادياً سواء من الناحية الزراعية والصناعية والتجارية، وكما هو حاصل اليوم .
على العكس من مكة التي كانت متأخرة اقتصادياً عن المدينة لعدم وجود الزراعة فيها بل تعتمد على التجارة فقط، وبما أن الكوفة تمثل مكة حسب التأويل فستكون في ضيق اقتصادي شديد قبيل ظهور الإمام المنتظر عجل الله فرجه، وذلك من جوع وقحط وغلاء أسعار.
وهو ما صرحت به عدد من روايات أهل البيت (عليهم السلام) منها ما جاء عن جابر الجعفي قال سأل الإمام أبو جعفر الباقر (عليهما السلام): عن قوله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع}، فقال: يا جابر ذلك خاص وعام، فأما الخاص من الجوع فبالكوفة يخص الله به أعداء آل محمد فيهلكهم ... أما الجوع فقبل قيام القائم، وأما الخوف فبعد قيام القائم)( ).
وهذا بعينه ما حصل وسيحصل في العراق
المبحث الثاني: فضائل قم
سنتناول فضائل قم من عدة أوجه، منها في باب الشبه، والتقابل بين فضائلها وفضائل المدينة المنورة، ومنها ما يتعلق بمكانة قم وأهميتها لدى أهل البيت (عليهم السلام).
وأول أوجه الشبه بين قم والمدينة هو من جهة الحرمة، حيث أكدت عدة روايات على أن قم حرم أهل البيت (عليهم السلام)، كما إن المدينة حرم الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما).
فروي عن عدة من أهل الري عن ابي عبد الله قال (عليه السلام): ( مرحباً بإخواننا من أهل قم.
فقالوا: نحن من أهل الري فأعاد (عليه السلام) الكلام. قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً .
فقال إن لله حرماً وهو مكة وإن للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حرماً وهو المدينة وإن لأمير المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة وإن لنا حرماً وهو بلدة قم وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة قال الراوي وكان هذا الكلام منه (عليه السلام) قبل أن يولد الكاظم (عليه السلام) )( ).
كما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً أنه قال: ( إن لله حرماً وهو مكة ألا وأن لرسول الله حرما وهو المدينة ألا وان لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ألا وان قم الكوفة الصغيرة ....)( ).
وكما مر بنا سابقاً إن الكوفة تمثل مكة حسب التأويل وانطلاق الرسالة المحمدية الظاهرية الممثلة بشخص المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) كان بمكة، ثم انتقل منها إلى المدينة.
إذن لابد أن تنقل دعوة الرسالة المحمدية الباطنية الممثلة بدعوة الإمام المهدي (عليه السلام) من الكوفة إلى مدينته (سلام الله عليه)، وذلك من حيث أن دعوته لها شبه بدعوة جده الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)، وعليه فيجب أن تكون هناك مدينة للإمام المنتظر (عليه السلام)، ألا وهي مدينة قم وهو ما نحن بصدد إثباته.
ونرى أن الإمام الصادق (عليه السلام) قد أنزل قم من حيث الحرمة بمنزلة كل من مكة والمدينة والكوفة .
وهذا يعني أن مدينة قم هي مدينة مقدسة كما هو حال مكة والمدينة والكوفة، ونحن نعلم علم اليقين إن قداسة كل من مكة والمدينة متأتية من كونها مرتبطة بظاهر الرسالة المحمدية وأماكن انطلاقها.
أما الكوفة وقم فقداستهما مرتبطة بباطن الرسالة المحمدية الممثلة بأهل البيت (عليهم السلام)، وذلك بدليل قول الإمام الصادق (عليه السلام) الآنف الذكر إن قم هي الكوفة الصغرى بالنسبة لهم، كما هو حال الكوفة في العراق فالكوفة مرتبطة أولاً بالإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي يمثل باطن الكعبة، ومرتبطة ثانياً بالإمام المهدي (عليه السلام) - لأنها مكته - وقم مرتبطة بأهل البيت (عليهم السلام)، ولا سيما الإمام الحجة المنتظر لأنها مدينته حسب التأويل ومن ذلك نفهم لماذا وضعها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هذا الموضع من الحرمة والأهمية إلى جانب كل من المدن الثلاثة المقدسة الآنفة الذكر، لأن لها دور مهم في دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) وذلك إلى جانب الكوفة، وهو دور مشابه لدور المدينة المنورة الذي لعبته إلى جانب مكة بالنسبة لدعوة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما)( ) .
والوجه الثاني من أوجه الشبه بين قم والمدينة هو من ناحية سبقها إلى الولاية، وذلك بعد كل من مكة والمدينة والكوفة .
فقد ورد عن أنس بن مالك انه كان جالساً عند النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) إذ دخل عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأعتنقه (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وقبله بين عينيه وقال : (يا علي إن الله عز اسمه عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة ثم سبقت إليها المدينة فزينها بي ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بك ثم سبقت إليها قم فزينها بالعرب وفتح إليها باباً من أبواب الجنة )( ) .
والوجه الثالث إن قم مدفوع عنها البلاء ولا يريدها جبار بسوء إلا قصمه الله، وهذه الحالة تطابق حال المدينة فهي مدفوع عنها بلاء الطاعون، كما إن الدجال يدخل في مدن عديدة عدا المدينة ومكة لأن في كل منهما ملائكة تحفظهما( ) .
فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام):
( إن لعلى قم ملكاً رفرف عليها بجناحيه لا يردها جبار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء ...)( ).
ويمكن أن نستخلص من النصين الآنفي الذكر نقطة شبه ثالثة بين قم والمدينة إلى جانب رفع البلاء والجبارين عنها، ألا وهي إن قم لها ملائكة تحفظها من البلايا ومن الجبارين، شأنها بذلك شأن المدينة كما سبق أن أشرنا.
إذ ورد عن أبي بكير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال في معرض ذكره عن الدجال: ( فلم يبق منها إلا وطئه إلا مكة والمدينة فإن على كل نقب من أنقابها ملكاً يحفظها من الطاعون والدجال )( ).
وان من الطبيعي جداً ان تحف العناية الإلهية بقم وأهلها، وذلك لكي تكون مكاناً وملجأ آمنا لأنصار الإمام المهدي (عليه السلام)، ولا سيما المهاجرين من الكوفة، وذلك في وقت تعم فيه البلايا والفتن والقتل وعلى الخصوص في الكوفة، سواء من حكومة بني العباس آنذاك، أو بدخول السفياني إليها.
فخير مكان يستطيع فيه الأنصار جمع شملهم وتنظيم صفوفهم وإعداد قواتهم من اجل فتح الكوفة بقيادة السيد اليماني هي مدينة قم المقدسة. وبهذا ستلعب نفس الدور الذي لعبته المدينة من قبل.
والوجه الرابع هو مكانة قم العلمية والدينية، حيث يظهر فيها العلم وذلك في عصر الظهور الشريف للإمام المهدي (عليه السلام) ، ويفيض منها إلى سائر البلدان، وهي بذلك تقابل المدينة من ناحية مكانتها العلمية والدينية، ولا سيما في العصور الإسلامية الأولى( ) .
وقد أشارت عدة روايات إلى بروز العلم في مدينة قم منها ما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (ستخلو كوفة من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها ثم يظهر العلم ببلده يقال قم وتصير معدنا للعلم والفضل ... فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب فيتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى احد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم ...)( ) .
وبخصوص مكانة قم العلمية يجب لفت الانتباه إلى شيء مهم للغاية، وهو إن ظهور العلم في مدينة قم في عصر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ليس المراد به العلم الظاهري والمتعارف عليه في حوزة قم المقدسة.
بدليل انه لا يتعدى كونه علم مبني على الإجتهاد للوصول إلى الأحكام الظنية التي يسيرون بها أمور العباد.
بل إن العلم المقصود في الروايات والذي يظهر في قم قبيل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) هو علم خاص بأشخاص مؤمنين سيتواجدون بقم آنذاك وهم السيد الحسني اليماني وأنصاره وهذا ما أكد عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
تعليق