النائب الأول عثمان بن سعيد العمري
الباحثة ندى سهيل عبد محمد الحسيني
اسمه ونسبه وكنيته:
هو عثمان بن سعيد _بفتح السين_ وهو أسدي النسب، يقال: الأسدي، لأنه ينتمي إلى قبيلة بني أسد.
ونُسب إلى جدّه فقيل العمري _بفتح العين، وسكون الميم، وكسر الراء المهملة. وقد اختلف في تسميته بالعَمري على أقوال:
الأول: قيل كان أسدياً وإنما سُمي بالعمري لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله، قال أبو نصر: (كان أسدياً فنُسب إلى جده فقيل العمري).
الثاني: قيل إن أبا محمد العسكري عليه السلام قال: لا يجمع على امرئ بين (عثمان) و(أبي عمرو)، وأمر بكسر كنيته فقيل العَمري.
الثالث: يقال: لأنه يُنسب من قبل الأم إلى عمر الأطرف، فقيل له: العَمري.
الرابع: يقال إنه من أولاد عمار بن ياسر صاحب أمير المؤمنين علي عليه السلام والشهيد بصفين، على ما أورده السيد حسن الصدر (ت/ 1354هــ) يقول: (الشيخ عثمان بن سعيد العَمري من أولاد عمار بن ياسر).
وعلى ما أورده الشيخ آغا بزرك الطهراني (ت/ 1389هــ) حيث قال: (إن الشيخ أبو نصر هبة الله بن أحمد الكاتب كان يذكر أن أمه أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العَمري من ولد عمار بن ياسر صاحب أمير المؤمنين عليه السلام وأحد الأركان الأربعة الذين لم يرتدوا بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم). ويبدوا أن هذا القول من أسباب تسميته بالعَمري أيضاً.
ويرى البحث أن القول الرابع في أنه من أولاد عمار بن ياسر هو من أرجح الأقوال أما كنيته فهي أبو عمرو، وأبو محمد.
لقبه:
1_ العسكري: لأنه كان يسكن العسكر (سر من رأى) سامراء.
2_ السمّان: لأنه كان يتّجر في السمن تغطية على الأمر، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو فيجعله في جراب السمن وزقاقه، ويحمله إلى أبي محمد عليه السلام تقية وخوفاً.
3_ الزيّات: لنفس العلة المتقدمة.
ولادته وتشرفه بخدمة الأئمة:
لم يرد في المصادر التاريخية تحديد تاريخ معروف لولادة الشيخ العمري، وإنما يرد اسمه أول ما يرد كبوّاب في خدمة الإمام الهادي عليه السلام يوم كان غلاماً في الحادية عشر من عمره.
قال الشيخ الطوسي (ت/ 460هــ): (خدمه عليه السلام وله إحدى عشرة سنة، وله إليه عهد معروف).
وقال ابن داود (الموفى بعد سنة 707هــ): (خدم الهادي عليه السلام وله إحدى عشرة سنة وله إليه عهد معروف).
غير أن ابن شهر آشوب (ت/ 588هــ): ذكر أنه كان باباً لأبي جعفر محمد بن علي التقي عليه السلام.
ومثل ذلك العلامة الحلي (ت/ 726هــ) فقد عدّه من أصحاب الإمام الجواد عليه السلام، حيث قال: (من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليه السلام خدمه وله إحدى عشرة سنة، وله إليه عهد معروف).
بينما يرى الشيخ أبو علي الحائري (ت/ 1216هــ)، والشيخ عبد الله المامقاني (ت/ 1315هــ) أن العلامة الحلي قد وقع في اشتباه عظيم عندما عدّ العمري من أصحاب أبي جعفر الثاني عليه السلام، وهذا الاشتباه نشأ من الاستعجال في التصنيف، أو لعلة سهو من قلمه رحمه الله، لأنك قد رأيت تصريح الشيخ الطوسي: أنه خدم الهادي عليه السلام وله إحدى عشرة سنة، فكيف يعقل أن يكون من أصحاب أبي جعفر الجواد عليه السلام، ومنشأ اشتباهه رحمه الله جعله إياه خادماً للجواد عليه السلام وقد كان حق التعبير إبدال أبي جعفر بأبي الحسن عليه السلام.
وعلى هذا يكون الشيخ العمري قد ابتدأ أمره وكيلاً خاصاً بالإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام، وبقي في خدمة الإمام الهادي عليه السلام طوال حياته، وعندما التحق الإمام الهادي عليه السلام بقافلة الأنبياء والمرسلين والأئمة عليهم السلام عام (254هــ)، انتقل عثمان إلى خدمة ابنه الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام.
فكان وكيله العام في تدبير الأمور والشؤون الدينية للطائفة من قبض الحقوق، وتسليم الوجوه الشرعية، والصدقات، واستلام الكتب وإيصالها، وغير ذلك.
بل يظهر أنه كان الوكيل لخزانة الإمام عليه السلام، إذ كان هناك وكلاء آخرون في الولايات والنواحي، كل يعمل حسب توكيله في منطقته، ولو أرادوا إرسال الأموال إلى الإمام عليه السلام فإنهم يرسلونها إلى أبي عمرو السمان، فهو وساطتهم إلى الإمام عليه السلام.
وهذا ما جاء في توقيع خرج من الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري وهو توقيع طويل فيه شرح وتفصيل، أورده الكشي (ت/ 340هــ)، في رجاله، والذي يهمّنا منه ما جاء في آخره من قوله عليه السلام:
((والحمد لله فما بعد الحق إلاّ الضلال فلا تخرجن من البلد حتى تلقى العَمري رضي الله عنه برضائي عنه فتسلّم عليه وتعرفه ويعرفك فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منّا وإلينا، فكل ما يحمل إلينا من شيء من النواحي فإليه يصير آخر أمره، ليوصل ذلك إلينا، والحمد لله كثيراً)).
وحين يلبّي الإمام الحسن العسكري عليه السلام نداء ربه ويلتحق بأبيه وجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام (260هــ)، يتولى عثمان بن سعيد العمري جثمانه عليه السلام، فقد روى الشيخ الطوسي عن أبي نصر هبة الله بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله _عن شيوخه أنه لمّا مات الحسن بن علي عليه السلام حضر غسله عثمان بن سعيد رضي الله عنه وأرضاه _ وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره، مأموراً بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلاّ بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها.
ومن خلال التدقيق في الرواية يتّضح أن عبارة الشيخ الطوسي بأن العمري رضي الله عنه كان مأموراً بذلك، ناظراً إلى أمر التكفين والتحنيط والدفن فقط،وليس الغسل في ضمنها، فالمقطع الأول من الرواية يشير بوضوح إلى أنه حضر غسله عليه السلام بمعنى أن الإمام المهدي عليه السلام هو من باشر غسله بحضور العَمري، كما أقام عليه الصلاة، لأن الإمام لا يغسله ولا يصلي عليه إلاّ الإمام.
ثم عطف بالواو جملة ثانية بأنه تولى أمره أي قام العَمري رضي الله عنه هو مباشرة بتكفين الامام وتحنيطه ودفنه مأمورا بذلك.
أما المقطع الأخير من الرواية فيشير الى اختفاء (غيبة) الامام المهدي عليه السلام.
وعلى الرغم من اختفائه فإنه عليه السلام لم يتخلف عن مباشرة تغسيله، وإقامة الصلاة عليه، وهذا ما أشار إليه السيد محمد محمّد صادق الصدر (ت/ 1419هــ) في كتابه تاريخ الغيبة الصغرى.
وبهذا فقد حظي العَمري بشرف تكفين الامام العسكري عليه السلام وتحنيطه وإقباره، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جلالة قدره وعظيم منزلته.
ثم حظي بشرف عظيم آخر ليصبح من ذلك الحين وكيلاً خاصاً بالإمام المهدي عليه السلام وبنص من الامام العسكري عليه السلام.
وعليه، فهو النائب الأول للإمام المهدي عليه السلام، وبهذا يكون رضي الله عنه قد واكب ثلاثة من الأئمة الطاهرين عليهم السلام، وتشرف بخدمتهم طوال حياته الشريفة، أي منذ كان ابن إحدى عشرة سنة حتى توفاه الله.
أولاد عثمان بن سعيد العَمري:
له من الأولاد: محمد وهو النائب الثاني، وأحمد.
وثاقته:
كان عثمان بن سعيد العمري ثقة، جليل القدر وصفه شيخ الطائفة رحمه الله بأنه: جليل القدر، ثقة.
وقال عنه: (هو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري).
فهو من أفاضل علماء الشيعة الإمامية، ومن ثقات المحدثين، عُرف بحسن السيرة والعدالة والأمانة، مع جلالة القدر وعظيم المنزلة، حسبما نصّت عليه جميع مصادر التراجم، وكان ممدوحاً، وموضع اعتماد الأئمة عليهم السلام.
وهناك توقيعات عديدة صدرت عن الامامين العسكريين عليهما السلام بحق أبي عمرو، كلها تصفه بالوثاقة والأمانة والعدالة.
وإليك هذه النصوص في توثيقه:
1_ روي عن أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: (دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقولُ من نقبل وأمر من نمتثل؟ فقال لي عليه السلام: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله، وما أداه إليكم فعني يؤديه.
فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت الى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه، فقال لي: هذا ابو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه).
حتى اشتهر حاله وجلالة شأنه بين الشعب الموالي. قال أبو العباس الحميري: (فكنا كثيراً ما نتذكر هذا القول، يعني مدح الامام العسكري عليه السلام له، ونتواصف جلالة محل أبي عمرو).
2_ وفي رواية أخرى رواها محمد بن يعقوب الكليني (ت/ 329هــ) بسند صحيح عن أبي علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن الهادي عليه السلام.
قال: (سألته وقلت: من أعامل وعمّن آخذ؟ وقولَ من أقبلُ؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون).
3_ وروي عن محمد بن إسماعيل، وعلي بن عبد الله الحسنيان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدرٌ _خادمه_ فقال: يا مولاي بالباب قوم شُعثٌ غُبرٌ، فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن، في حديث طويل يسوقانه الى أن ينتهي الى أن قال الحسن عليه السلام لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا الا يسيراً حتى دخل عثمان فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام: امض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة والمأمون على مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال.
ثم ساق الحديث الى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا والله إن عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وإنك وكيلك وثقتك على مال الله تعالى.
وخلاصة ما تقدم أن العمري كان من أوثق الناس وأشدهم حريجة في الدين، فقد كان من النوابغ فكراً وعقلاً، إضافة الى مزاياه الخاصة كالتقوى والورع والأمانة، وغيرها من الصفات التي جعلته أهلاً للنيابة الخاصة عن الامام الحجة عليه السلام.
ومن الواضح أن الأئمة عليهم السلام إنما اختاروه وانتخبوه لهذا المنصب الخطر والمكانة السامية لوجود المؤهلات فيه.
نيابته عن الامام الحجة ومدتها:
تولى الشيخ العمري، الثقة المأمون هذه المهمة العظمى (منصب النيابة الخاصة) عن الإمام المنتظر عليه السلام، فأصبح حلقة وصل بين الإمام الغائب عليه السلام وبين قواعده الشعبية، إذ أخذ على عاتقه تبليغ توجيهاته وتعاليمه إليهم، وإيصال أسئلتهم واستفساراتهم وأموالهم، وجميع قضاياهم الدينية إليه، وتنفيذ أوامر الإمام وتوجيهاته فيهم.
وقد حظي العمري رضي الله عنه بهذه النيابة التي لم يحظ بها غيره من ثقات الشيعة.
وقد استمرت مدة نيابته عن الإمام الحجة عليه السلام قرابة الخمس سنوات، على اعتبار أن مبدأ النيابة كان بعد استشهاد الإمام العسكري عليه السلام عام (260هـ)، وتولي الإمام المهدي عليه السلام منصب الإمامة في نفس العام، إلى حين وفاة عثمان بن سعيد العمري المجهول تاريخ وفاته، على أنه ورد في رجال السيد بحر العلوم (ت/ 1212هـ) أنه توفي سنة (264أو 265هـ). وبهذا تكون مدة نيابته ما يقارب الخمس سنوات، وكان ذلك إبّان خلافة المعتمد العباسي الذي تولى الخلافة عام (256هـ).
أدلة إثبات نيابته:
لكي نثبت نيابة عثمان بن سعيد العمري، لابد لنا من مثبتات لإقامة الحجة على صدقه، وصحة نيابته، حتى ينقطع لسان الطاعن يزداد يقين المتيقن.
الباحثة ندى سهيل عبد محمد الحسيني
اسمه ونسبه وكنيته:
هو عثمان بن سعيد _بفتح السين_ وهو أسدي النسب، يقال: الأسدي، لأنه ينتمي إلى قبيلة بني أسد.
ونُسب إلى جدّه فقيل العمري _بفتح العين، وسكون الميم، وكسر الراء المهملة. وقد اختلف في تسميته بالعَمري على أقوال:
الأول: قيل كان أسدياً وإنما سُمي بالعمري لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله، قال أبو نصر: (كان أسدياً فنُسب إلى جده فقيل العمري).
الثاني: قيل إن أبا محمد العسكري عليه السلام قال: لا يجمع على امرئ بين (عثمان) و(أبي عمرو)، وأمر بكسر كنيته فقيل العَمري.
الثالث: يقال: لأنه يُنسب من قبل الأم إلى عمر الأطرف، فقيل له: العَمري.
الرابع: يقال إنه من أولاد عمار بن ياسر صاحب أمير المؤمنين علي عليه السلام والشهيد بصفين، على ما أورده السيد حسن الصدر (ت/ 1354هــ) يقول: (الشيخ عثمان بن سعيد العَمري من أولاد عمار بن ياسر).
وعلى ما أورده الشيخ آغا بزرك الطهراني (ت/ 1389هــ) حيث قال: (إن الشيخ أبو نصر هبة الله بن أحمد الكاتب كان يذكر أن أمه أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العَمري من ولد عمار بن ياسر صاحب أمير المؤمنين عليه السلام وأحد الأركان الأربعة الذين لم يرتدوا بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم). ويبدوا أن هذا القول من أسباب تسميته بالعَمري أيضاً.
ويرى البحث أن القول الرابع في أنه من أولاد عمار بن ياسر هو من أرجح الأقوال أما كنيته فهي أبو عمرو، وأبو محمد.
لقبه:
1_ العسكري: لأنه كان يسكن العسكر (سر من رأى) سامراء.
2_ السمّان: لأنه كان يتّجر في السمن تغطية على الأمر، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو فيجعله في جراب السمن وزقاقه، ويحمله إلى أبي محمد عليه السلام تقية وخوفاً.
3_ الزيّات: لنفس العلة المتقدمة.
ولادته وتشرفه بخدمة الأئمة:
لم يرد في المصادر التاريخية تحديد تاريخ معروف لولادة الشيخ العمري، وإنما يرد اسمه أول ما يرد كبوّاب في خدمة الإمام الهادي عليه السلام يوم كان غلاماً في الحادية عشر من عمره.
قال الشيخ الطوسي (ت/ 460هــ): (خدمه عليه السلام وله إحدى عشرة سنة، وله إليه عهد معروف).
وقال ابن داود (الموفى بعد سنة 707هــ): (خدم الهادي عليه السلام وله إحدى عشرة سنة وله إليه عهد معروف).
غير أن ابن شهر آشوب (ت/ 588هــ): ذكر أنه كان باباً لأبي جعفر محمد بن علي التقي عليه السلام.
ومثل ذلك العلامة الحلي (ت/ 726هــ) فقد عدّه من أصحاب الإمام الجواد عليه السلام، حيث قال: (من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليه السلام خدمه وله إحدى عشرة سنة، وله إليه عهد معروف).
بينما يرى الشيخ أبو علي الحائري (ت/ 1216هــ)، والشيخ عبد الله المامقاني (ت/ 1315هــ) أن العلامة الحلي قد وقع في اشتباه عظيم عندما عدّ العمري من أصحاب أبي جعفر الثاني عليه السلام، وهذا الاشتباه نشأ من الاستعجال في التصنيف، أو لعلة سهو من قلمه رحمه الله، لأنك قد رأيت تصريح الشيخ الطوسي: أنه خدم الهادي عليه السلام وله إحدى عشرة سنة، فكيف يعقل أن يكون من أصحاب أبي جعفر الجواد عليه السلام، ومنشأ اشتباهه رحمه الله جعله إياه خادماً للجواد عليه السلام وقد كان حق التعبير إبدال أبي جعفر بأبي الحسن عليه السلام.
وعلى هذا يكون الشيخ العمري قد ابتدأ أمره وكيلاً خاصاً بالإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام، وبقي في خدمة الإمام الهادي عليه السلام طوال حياته، وعندما التحق الإمام الهادي عليه السلام بقافلة الأنبياء والمرسلين والأئمة عليهم السلام عام (254هــ)، انتقل عثمان إلى خدمة ابنه الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام.
فكان وكيله العام في تدبير الأمور والشؤون الدينية للطائفة من قبض الحقوق، وتسليم الوجوه الشرعية، والصدقات، واستلام الكتب وإيصالها، وغير ذلك.
بل يظهر أنه كان الوكيل لخزانة الإمام عليه السلام، إذ كان هناك وكلاء آخرون في الولايات والنواحي، كل يعمل حسب توكيله في منطقته، ولو أرادوا إرسال الأموال إلى الإمام عليه السلام فإنهم يرسلونها إلى أبي عمرو السمان، فهو وساطتهم إلى الإمام عليه السلام.
وهذا ما جاء في توقيع خرج من الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري وهو توقيع طويل فيه شرح وتفصيل، أورده الكشي (ت/ 340هــ)، في رجاله، والذي يهمّنا منه ما جاء في آخره من قوله عليه السلام:
((والحمد لله فما بعد الحق إلاّ الضلال فلا تخرجن من البلد حتى تلقى العَمري رضي الله عنه برضائي عنه فتسلّم عليه وتعرفه ويعرفك فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منّا وإلينا، فكل ما يحمل إلينا من شيء من النواحي فإليه يصير آخر أمره، ليوصل ذلك إلينا، والحمد لله كثيراً)).
وحين يلبّي الإمام الحسن العسكري عليه السلام نداء ربه ويلتحق بأبيه وجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام (260هــ)، يتولى عثمان بن سعيد العمري جثمانه عليه السلام، فقد روى الشيخ الطوسي عن أبي نصر هبة الله بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر العمري رحمه الله _عن شيوخه أنه لمّا مات الحسن بن علي عليه السلام حضر غسله عثمان بن سعيد رضي الله عنه وأرضاه _ وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره، مأموراً بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلاّ بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها.
ومن خلال التدقيق في الرواية يتّضح أن عبارة الشيخ الطوسي بأن العمري رضي الله عنه كان مأموراً بذلك، ناظراً إلى أمر التكفين والتحنيط والدفن فقط،وليس الغسل في ضمنها، فالمقطع الأول من الرواية يشير بوضوح إلى أنه حضر غسله عليه السلام بمعنى أن الإمام المهدي عليه السلام هو من باشر غسله بحضور العَمري، كما أقام عليه الصلاة، لأن الإمام لا يغسله ولا يصلي عليه إلاّ الإمام.
ثم عطف بالواو جملة ثانية بأنه تولى أمره أي قام العَمري رضي الله عنه هو مباشرة بتكفين الامام وتحنيطه ودفنه مأمورا بذلك.
أما المقطع الأخير من الرواية فيشير الى اختفاء (غيبة) الامام المهدي عليه السلام.
وعلى الرغم من اختفائه فإنه عليه السلام لم يتخلف عن مباشرة تغسيله، وإقامة الصلاة عليه، وهذا ما أشار إليه السيد محمد محمّد صادق الصدر (ت/ 1419هــ) في كتابه تاريخ الغيبة الصغرى.
وبهذا فقد حظي العَمري بشرف تكفين الامام العسكري عليه السلام وتحنيطه وإقباره، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جلالة قدره وعظيم منزلته.
ثم حظي بشرف عظيم آخر ليصبح من ذلك الحين وكيلاً خاصاً بالإمام المهدي عليه السلام وبنص من الامام العسكري عليه السلام.
وعليه، فهو النائب الأول للإمام المهدي عليه السلام، وبهذا يكون رضي الله عنه قد واكب ثلاثة من الأئمة الطاهرين عليهم السلام، وتشرف بخدمتهم طوال حياته الشريفة، أي منذ كان ابن إحدى عشرة سنة حتى توفاه الله.
أولاد عثمان بن سعيد العَمري:
له من الأولاد: محمد وهو النائب الثاني، وأحمد.
وثاقته:
كان عثمان بن سعيد العمري ثقة، جليل القدر وصفه شيخ الطائفة رحمه الله بأنه: جليل القدر، ثقة.
وقال عنه: (هو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري).
فهو من أفاضل علماء الشيعة الإمامية، ومن ثقات المحدثين، عُرف بحسن السيرة والعدالة والأمانة، مع جلالة القدر وعظيم المنزلة، حسبما نصّت عليه جميع مصادر التراجم، وكان ممدوحاً، وموضع اعتماد الأئمة عليهم السلام.
وهناك توقيعات عديدة صدرت عن الامامين العسكريين عليهما السلام بحق أبي عمرو، كلها تصفه بالوثاقة والأمانة والعدالة.
وإليك هذه النصوص في توثيقه:
1_ روي عن أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: (دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقولُ من نقبل وأمر من نمتثل؟ فقال لي عليه السلام: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله، وما أداه إليكم فعني يؤديه.
فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت الى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه، فقال لي: هذا ابو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه).
حتى اشتهر حاله وجلالة شأنه بين الشعب الموالي. قال أبو العباس الحميري: (فكنا كثيراً ما نتذكر هذا القول، يعني مدح الامام العسكري عليه السلام له، ونتواصف جلالة محل أبي عمرو).
2_ وفي رواية أخرى رواها محمد بن يعقوب الكليني (ت/ 329هــ) بسند صحيح عن أبي علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن الهادي عليه السلام.
قال: (سألته وقلت: من أعامل وعمّن آخذ؟ وقولَ من أقبلُ؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون).
3_ وروي عن محمد بن إسماعيل، وعلي بن عبد الله الحسنيان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدرٌ _خادمه_ فقال: يا مولاي بالباب قوم شُعثٌ غُبرٌ، فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن، في حديث طويل يسوقانه الى أن ينتهي الى أن قال الحسن عليه السلام لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا الا يسيراً حتى دخل عثمان فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام: امض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة والمأمون على مال الله واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال.
ثم ساق الحديث الى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا والله إن عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وإنك وكيلك وثقتك على مال الله تعالى.
وخلاصة ما تقدم أن العمري كان من أوثق الناس وأشدهم حريجة في الدين، فقد كان من النوابغ فكراً وعقلاً، إضافة الى مزاياه الخاصة كالتقوى والورع والأمانة، وغيرها من الصفات التي جعلته أهلاً للنيابة الخاصة عن الامام الحجة عليه السلام.
ومن الواضح أن الأئمة عليهم السلام إنما اختاروه وانتخبوه لهذا المنصب الخطر والمكانة السامية لوجود المؤهلات فيه.
نيابته عن الامام الحجة ومدتها:
تولى الشيخ العمري، الثقة المأمون هذه المهمة العظمى (منصب النيابة الخاصة) عن الإمام المنتظر عليه السلام، فأصبح حلقة وصل بين الإمام الغائب عليه السلام وبين قواعده الشعبية، إذ أخذ على عاتقه تبليغ توجيهاته وتعاليمه إليهم، وإيصال أسئلتهم واستفساراتهم وأموالهم، وجميع قضاياهم الدينية إليه، وتنفيذ أوامر الإمام وتوجيهاته فيهم.
وقد حظي العمري رضي الله عنه بهذه النيابة التي لم يحظ بها غيره من ثقات الشيعة.
وقد استمرت مدة نيابته عن الإمام الحجة عليه السلام قرابة الخمس سنوات، على اعتبار أن مبدأ النيابة كان بعد استشهاد الإمام العسكري عليه السلام عام (260هـ)، وتولي الإمام المهدي عليه السلام منصب الإمامة في نفس العام، إلى حين وفاة عثمان بن سعيد العمري المجهول تاريخ وفاته، على أنه ورد في رجال السيد بحر العلوم (ت/ 1212هـ) أنه توفي سنة (264أو 265هـ). وبهذا تكون مدة نيابته ما يقارب الخمس سنوات، وكان ذلك إبّان خلافة المعتمد العباسي الذي تولى الخلافة عام (256هـ).
أدلة إثبات نيابته:
لكي نثبت نيابة عثمان بن سعيد العمري، لابد لنا من مثبتات لإقامة الحجة على صدقه، وصحة نيابته، حتى ينقطع لسان الطاعن يزداد يقين المتيقن.
تعليق