بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
هذهِ رسالة سيدنا ومولانا ومولى كل مؤمن الإمــــام الصادق (عليه السلام) الى شيعته الكرام/
جاء فيها:
روي عن إسماعيل بن جابر ، عن أبى عبد الله ( عليه السلام ) أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها .
وعن إسماعيل بن مخلد السراج ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : خرجت هذه الرسالة من أبي عبد الله ( عليه السلام ) إلى أصحابه : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاسألوا ربكم العافية وعليكم بالدعة ( 4 ) والوقار والسكينة وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، تحملوا الضيم منهم وإياكم ومماظتهم ( 5 ) دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام ، فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقية التى أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم فإذا ابتليتم
ـــــــــــــــــ
( هامش ) *
( 1 ) هذا قول احد رواة الكافي ، النعماني أو الصفواني أو غيرهما . ( 2 ) معطوف على ابن فضال لان ابراهيم بن هاشم من رواته . ( آت ) .
( 3 ) اي قال ابراهيم بن هاشم : وحدثني . . . الخ .
( 4 ) الدعة : الخفض والطمأنينة .
( 5 ) المجاملة : المعاملة بالجميل . والضيم : الظلم . والمماظة - بالمعجمة - : شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم . وقوله : " بالتقية " متعلق " بدينوا " وما بينهما معترض . ( في )
( * ) / صفحة 3 / ـــــــــــــــــ
بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم وتعرفون في وجوههم المنكر ولو لا أن الله تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم ( 1 ) وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم ، مجالسكم ومجالسهم واحدة وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف ، لا تحبونهم أبدا ولا يحبونكم غير أن الله تعالى أكرمكم بالحق وبصركموه ولم يجعلهم من أهله فتجاملونهم وتصبرون عليهم وهم لا مجاملة لهم ولا صبر لهم على شئ ( 2 ) وحيلهم وسواس بعضهم إلى بعض فإن أعداء الله إن استطاعوا صدوكم عن الحق ، فيعصمكم الله من ذلك فاتقوا الله وكفوا ألسنتكم إلا من خير . وإياكم أن تزلقوا ألسنتكم ( 3 ) بقول الزور والبهتان والاثم والعدوان فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكرهه الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من أن تزلقوا ألسنتكم به فإن زلق اللسان فيما يكره الله وما [ ي ] نهى عنه مرداة ( 4 ) للعبد عند الله ومقت من الله وصم وعمي وبكم يورثه الله إياه يوم القيامة فتصيروا كما قال الله : " صم بكم عمي فهم لا يرجعون ( 5 ) " يعني لا ينطقون " ولا يؤذن لهم فيعتذرون " ( 6 ) .
ـــــــــــــــــــــ
( هامش ) * ( 1 ) السطو : القهر اي وثبوا عليكم وقهروكم .
( 2 ) قال العلامة المجلسي - رحمه الله - : اعلم انه يظهر من بعض النسخ المصححة انه قد اختل نظم هذا الحديث وترتيبه بسبب تقديم بعض الورقات وتاخير بعضها وفيها قوله : " ولا صبر لهم " متصل بقوله فيما بعد : " من اموركم " هكذا : " ولا صبر لهم على شئ من اموركم تدفعون انتم السيئة - إلى آخر ما سيأتي - " وهو الصواب وسيظهر لك مما سنشير إليه في كل موضع من مواضع الاختلاف صحة تلك النسخة واختلال النسخ المشهورة اه . اقول : نقل هذه الرسالة صاحب الوافي - رحمه الله - عن الكافي في روضة الوافي عن مثل تلك النسخة التي اشار إليها العلامة المجلسي ولكن لم نعثر عليها مع كثرة ما لدينا من النسخ ولا يسعنا تغييرها عن هذه الصورة المشوشة فاثبتناها هكذا واوردناها بتمامها عن الوافي في آخر هذا المجلد مشفوعة بتفسير غريبها وتوضيح مشكلها .
( 3 ) " ان تزلقوا " بالزاي المعجمة - بمعنى النصر والفرح . وفي بعض النسخ بالذال المعجمة اخت الدال والمعنى ظاهر .
( 4 ) في بعض النسخ [ وفيما ينهى ] والمرداة بغير الهمزة مفعلة من الردى بمعنى الهلاك .
( 5 ) في بعض النسخ [ لا يعقلون ] وكلاهما في سورة البقرة : 18 و 171 .
( 6 ) المرسلات : 36 .
( * ) / صفحة 4 / ـــــــــــــــــــ
وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويأجركم عليه وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرع إليه والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه أحد ، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التى تعقب أهلها خلودا في النار من مات عليها ولم يتب إلى الله ولم ينزع عنها ، وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة [ له ] فارغبوا فيما رغبكم الله فيه وأجيبوا له
إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله وإياكم أن تشره أنفسكم ( 1 ) إلى شئ مما حرم الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لاهل الجنة أبد الآبدين . واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر الله بترك طاعة الله وركوب معصيته فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها ، ويل لاولئك ما أخيب حظهم وأخسر كرتهم وأسوأ حالهم عند ربهم يوم القيامة ، استجيروا الله أن يجيركم ( 2 ) في مثالهم ابدا وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ولا قوة لنا ولكم إلا به . فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية إن أتم الله لكم ما أعطاكم به ( 3 ) فإنه لا يتم الامر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم وحتى تبتلوا في أنفسكم
ــــــــــــــــــــــ
( هامش ) *
( 1 ) في بعض النسخ [ لتفلحوا وتنجحوا من عذاب الله الخ ] . وشره - كفرح - : غلبه حرصه .
( 2 ) اي استعيذوا بالله من ان يكون اجارته تعالى اياكم على مثال اجارته لهم فانه لا يجيرهم من عذابه في الاخرة وانما اجارهم في الدنيا . وفي بعض النسخ [ ان يجريكم ] وفي بعضها [ من مثالهم ] فالمراد استجيروا بالله لان يجيركم من مثالهم اي من ان تكونوا مثلهم . ( آت ) .
( 3 ) لعل المراد : اتقوا الله ولا تتركوا التقوى عن الشرك والمعاصي عند ارادة الله اتمام ما أعطاكم من دين الحق ، ثم بين ( عليه السلام ) الاتمام بانه انما يكون بالابتلاء والافتتان وتسليط من يؤذيكم عليكم . فالمراد الامر بالتقوى عند الابتلاء بالفتن وذكر فائدة الابتلاء بانه سبب لتمام الايمان فلذا يبتليكم . ( آت ) .
( * ) / صفحة 5 / ــــــــــــ
وأموالكم وحتى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيرا فتصبروا وتعركوا ( 1 ) بجنوبكم وحتى يستذلوكم ويبغضوكم وحتى يحملوا [ عليكم ] الضيم فتحملوا منهم تلتمسون بذلك وجه الله والدار الآخرة وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الاذى في الله عز وجل يجترمونه ( 2 ) إليكم وحتى يكذبوكم بالحق ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم ومصداق ذلك كله في كتاب الله الذي أنزله جبرئيل ( عليه السلام ) على نبيكم ( صلى الله عليه وآله ) سمعتم قول الله عز وجل لنبيكم ( صلى الله عليه وآله ) : " فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ( 3 ) " ثم قال : " وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا ( 4 ) " فقد كذب نبي الله والرسل من قبله وأوذوا مع التكذيب بالحق فإن سركم أمر الله ( 5 ) فيهم الذي خلقهم له في الاصل - أصل الخلق - من الكفر الذي سبق في علم الله أن يخلقهم له في الاصل ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله : " وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار " ( 6 ) فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه فإنه من يجهل هذا وأشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر الله به ونهى عنه ترك دين الله وركب معاصيه فاستوجب سخط الله فأكبه الله على وجهه في النار .
وقال : أيتها العصابة المرحومة المفلحة إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شئ وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقائيس أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم
ــــــــــــــــــــــ
( هامش ) *
( 1 ) يقال : عرك الاذى بجنبه اي احتمله .
( 2 ) في القاموس : اجترم عليهم واليهم جريمة : جنى جناية .
( 3 ) الاحقاف : 35 .
( 4 ) الانعام : 34 . وفيها " ولقد كذبت . . الخ " .
( 5 ) في النسخة المصححة التي اومأنا إليها قوله : " أن سركم " متصل بما سيأتي في آخر الرسالة : " أن تكونوا مع نبي الله محمد ( صلى الله عليه وآله ) " إلى آخر الرسالة وهو الاصوب . ( آت )
( 6 ) القصص : 41 . وفيها " وجعلناهم ائمة يدعون . . . الخ " .
( * ) / صفحة 6 /ـــــــــــــ
تعليق