إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حكاية اسماعيل الهرقلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكاية اسماعيل الهرقلي

    (حكاية إسماعيل بن الحسن الهرقلي):
    كان في البلاد الحلّية شخص يقال له إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل؛ مات في زماني وما رأيته، حكى لي ولده شمس الدين، قال: حكى لي والدي:
    إنه خرج فيه _ وهو شباب _ على فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله؛ وكان مقيماً في هرقل، فحضر الحلة يوما ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين عليّ بن طاوس رحمه الله وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أريد أن أداويها.
    فاُحضر له أطباء الحلة، وأراهم الموضع؛ فقالوا : هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر، ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.
    فقال له السعيد رضي الدين (قدست روحه): أنا متوجه إلى بغداد، وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء، فاصحبني.
    فاصعد معه، وأحضر الأطباء، فقالوا كما قال أولئك.
    فضاق صدره، فقال له السعيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تغرر بنفسك، فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله، فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك، وقد وصلت إلى بغداد، فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسر من رأى على مشرفه السلام، ثم أنحدر إلى أهلي.
    فحسّن له ذلك، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين، وتوجه.
    قال: فلما دخلت المشهد، وزرت الأئمّة عليهم السلام ، ونزلت السرداب، واستغثت بالله تعالى وبالإمام عليه السلام، وقضيت بعض الليل في السرداب، وبتُّ في المشهد إلى الخميس، ثم مضيت إلى دجلة، واغتسلت، ولبست ثوباً نظيفاً، وملأت إبريقاً كان معي، وصعدت أريد المشهد.
    فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم، فالتقينا، فرأيت شابين أحدهما: عبدٌ مخطوط، وكل واحد منهم متقلد بسيف، وشيخاً منقباً بيده رمح، والآخر متقلد بسيف، وعليه فرجية ملونة فوق السيف، وهو متحنك بعذبته.
    فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعب الرمح في الأرض.
    ووقف الشابان عن يسار الطريق، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي؛ ثمّ سلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: أنت غداً تروح إلى أهلك؟
    فقال: نعم.
    فقال له: تقدم حتى أبصر ما يوجعك.
    قال: فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة، وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول؛ ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده، ومدني إليه، وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة، فعصرها بيده، فأوجعني؛ ثم استوى في سرجه كما كان.
    فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل.
    فعجبت من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله.
    قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام.
    قال: فتقدمت إليه فاحتضنته، وقبّلت فخذه.
    ثم إنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه، فقال: ارجع.
    فقلت: لا أفارقك أبداً.
    فقال: المصلحة رجوعك.
    فأعدت عليه مثل القول الأوّل؛ فقال الشيخ: يا إسماعيل! ما تستحي يقول لك الإمام مرتين ارجع وتخالفه؟!
    فجبهني بهذا القول، فوقفت فتقدم خطوات، والتفت إليّ، وقال: إذا وصلت بغداد فلا بدّ أن يطلبك أبو جعفر (يعني الخليفة المستنصر رحمه الله)، فإذا حضرت عنده، وأعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضى ليكتب لك إلى عليّ بن عوض، فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد.
    ثم سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم إلى أن غابوا عنّي، وحصل عندي أسف لمفارقته، فقعدت إلى الأرض ساعة، ثم مشيت إلى المشهد؛ فاجتمع القوّام حولي وقالوا: نرى وجهك متغيّراً، أوجعك شيء؟
    قلت: لا.
    قالوا: أخاصمك أحد؟
    قلت: لا؛ ليس عندي مما تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟
    فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم.
    فقلت: لا؛ بل هو الإمام عليه السلام.
    فقالوا: الإمام هو الشيخ، أو صاحب الفرجية؟
    فقلت: هو صاحب الفرجية.
    فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟
    فقلت: هو قبضه بيده، وأوجعني.
    ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثراً، فتداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الأخرى فلم أرَ شيئاً؛ فانطبق الناس عليّ ومزقوا قميصي، فأدخلني القوّام خزانة، ومنعوا الناس عني.
    وكان ناظراً بين النهرين بالمشهد، فسمع الضجّة وسأل عن الخبر، فعرّفوه، فجاء إلى الخزانة، وسألني عن اسمي، وسألني منذ كم خرجت من بغداد؛ فعرفته: إني خرجت في أوّل الأسبوع.
    فمشى عنّي، وبتّ في المشهد وصليت الصبح وخرجت، وخرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد، ورجعوا عنّي، ووصلت إلى أوانا، فبتّ بها، وبكرت منها أريد بغداد، فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون مَنْ ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان؛ فسألوني عن اسمي ومن أين جئت، فعرّفتهم فاجتمعوا عليَّ، ومزّقوا ثيابي، ولم يبقَ لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد، وعرّفهم الحال، ثم حملوني إلى بغداد، وازدحم الناس عليّ، وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام، وكان الوزير القمي(7)رحمه الله قد طلب السعيد رضي الدين رحمه الله وتقدم أن يعرّفه صحة هذا الخبر.
    قال: فخرج رضي الدين، ومعه جماعة، فوافينا باب النوبي، فرّد أصحابه الناس عنّي، فلما رآني قال: أعنك يقولون؟
    قلت: نعم.
    فنزل عن دابته، وكشف عن فخذي، فلم يرَ شيئاً، فغشي عليه ساعة، وأخذ بيدي، وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا! هذا أخي، وأقرب الناس إلى قلبي.
    فسألني الوزير عن القصة، فحكيت له، فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها، وأمرهم بمداواتها، فقالوا: ما دوائها إلا القطع بالحديد، ومتى قطعها مات.
    فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع، ولا يموت؛ في كم تبرأ؟
    فقالوا: في شهرين، وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر.
    فسألهم الوزير: متى رأيتموه؟
    قالوا: منذ عشرة أيام.
    فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلاً، وصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح.
    فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم، فنحن نعرف من عملها.
    ثم أنه اُحضر عند الخليفة المستنصر رحمه الله ، فسأله عن القصة، فعرّفه بها كما جرى؛ فتقدم له بألف دينار، فلما حضرت قال: خذ هذه فأنفقها.
    فقال: ما أجسر آخذ منه حبة واحدة.
    فقال الخليفة: ممن تخاف؟
    فقال: من الذي فعل معي هذا؛ قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً.
    فبكي الخليفة وتكدّر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.
    قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته عليّ بن عيسى عفا الله عنه: كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي؛ وكان هذا شمس الدين محمّد ولده عندي، وأنا لا أعرفه، فلما انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه.
    فعجبت من هذا الاتفاق، وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟
    فقال: لا، لأني أصبوا عن ذلك، ولكنّي رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها، وقد نبت في موضعها شعر.
    وسألت السيد صفي الدين محمّد بن محمّد بن بشر العلوي الموسوي، ونجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما الله ، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيآت منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي؛ فأخبراني بصحة هذه القصة، وإنهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها.
    وحكى لي ولده هذا أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه عليه السلام، حتّى أنه جاء إلى بغداد، وأقام بها في فصل الشتاء، وكان كل يوم يزور سامراء، ويعود إلى بغداد، فزارها في تلك السنة أربعين مرّة طمعاً أن يعود له الوقت الذي مضى ويقضي له الحظ بما قضى، ومن الذي أعطاه دهره الرضا، أو ساعده بمطالبه صرف القضاء، فمات رحمه الله بحسرته، وانتقل إلى الآخرة بغصته، والله يتولاه وإيّانا برحمته بمنِّه وكرامته
    التعديل الأخير تم بواسطة عارف الحق; الساعة 18-03-11, 10:09 PM.
    قال الامام علي {ع} {إعرف الحق تعرف أهله}
يعمل...
X