اللهم صلِّ على محمد و آل محمد الطيبين الأشراف ..
كـــرامات الإمام الرضا عليه السلام
قصـــص واقعيــه
هذا العطر الملائكي الأخاذ
المريضة المعافاة: ماه شيرين ـ من الباكستان ـ الحالة المرَضيّة: صدمة دماغيّة
ألقى الليل عباءته السوداء على النهار، فغطّاه من أقصاه إلى أقصاه.. وحافلةُ الركّاب تمضي قُدُماً في الطريق المعبَّد، يتقدّمها ضوء مصابيحها كأنّما هو مَشوق إلى الوصول. ومِن بعيد.. تتلامع أنوار مصابيح المدينة الرابضة بين جبلَي طوس.
ركّاب الحافلة كانوا قد قطعوا المسافات، تسبقهم أشواقهم لهذه الزيارة التي كانت أُمنية في القلب: أحدهم يُتَمتِم بينه وبين نفسه بدعاء، وأخر لا يفتأ يُدير بيده المسبحة بالذكر والتهليل، وثالث يتلو ما يحفظ من آيات القرآن الكريم.
اتّكأت المسافرة الشابّة على كرسيّها، وراحت تتطلّع بنظراتها التَّعبى إلى المدى البعيد. ومع أنّ (ماه شيرين) لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها.. إلاّ أنّ مَن يراها يفتقد فيها بوضوحٍ النشاطَ والمرح المعهود في مثل سنّها. منذ سنوات لم يَعُد للحركة والسرور في حياتها من معنى؛ فقد سَلَبها الداء حيويّة الشباب. لَطالما تعذّب أبَواها وهما يدوران بها من طبيب إلى طبيب. فلمّا يئسا من الطبّ والأطبّاء وانقطعت كلّ الوسائل والسُّبل.. شدّا رحال السفر ليطرقا هذه المرّة باب سيّد عظيم لا يَرُدّ مَن قصده.
نظرت (فاطمة) إلى ابنتها (ماه شيرين) قائلة: هل تشعرين بالحرّ ؟ وكان الصمت هو جواب الفتاة. إنّ هذا الصمت الذي تعوّدت الأمّ أن تقابلها به ابنتُها منذ خمس سنوات ما أشدّ ما يؤجّج في قلبها نيران العذاب. فَتَحت الأمّ نافذة الحافلة فدغدغ النسيم وجه الفتاة.
* * *
الحرم الرضَويّ يموج بنفحات معنويّة آسِرة تجتذب إليها قلوب الوالهين الذين اجتمعوا لزيارة الإمام الرؤوف. وحينما دخل (غلام محمّد) وعائلته في صحن الحرم كان شوق الزيارة يزداد منهم في القلوب. وملأهم إحساس أنّ زيارة اليوم تختلف عن زياراتهم في الأيّام الخالية. ودفع الأب أمامه الكرسيّ المتحرّك الذي ارتمى عليه جسم (ماه شرين( السقيم، فكان كلّ مَن يراها يَرِقّ لها وترتسم على قَسَماته أمارات الشفقة والرحمة.
قالت المرأة وقد استبدّ بها القلق والحزن:
ـ أقول! إذا كان جواب الإمام هو الردّ.. فإلى أين نولّي وجوهنا ؟!
تأوّه الرجل وهو يقول:
ـ توكّلي على الله، كوني مطمئنّة. ما جاء بنا الإمام إلى هنا إلا وهو يريد أن يعطينا مِن عطاياه.
قال الأب هذا وقلبه يدقّ بسرعة. إنّه إنّما قال ما قال ليُطَمئن زوجته وليبعث في قلبها الآمال. أمّا هو فكان صدره يزخر بالاضطراب، وضغط بيديه على مقبض الكرسيّ المتحرّك ليسيطر على اضطرابه الذي بدا ظاهراً في ارتعاش يدَيه. ودخلوا الصحن المليء بالزائرين.. فمضت فاطمة على الفور إلى الشبّاك الفولاذيّ العريض، وأدخلت أصابع يدَيها في مُشبَّك الحبّ والرحمة.. وانهمرت من عينيها الدموع. كانت فاطمة تبكي بكاءً ينبعث من القلب، وهي تخاطب الإمام بهمس مُفعم بالتوسّل والرجاء:
ـ منذ شهر يا مولاي تركنا الوطن وجئنا لاجئين إليك. أتوسّل اليك أن تشفي ابنتنا.. أرجوك.
ثمّ أصدرت أنّات محزونة ضاعت في دَويّ أصوات الزائرين.
* * *
ألقى (غلام محمّد) نظرة صافية ـ من خلال أهدا به المبلولة ـ تلقاء القبّة الذهبيّة العالية. إنّ للقبّة في عتمة الليل لأْلاءً يَشدّ إليه الأبصار. وراح الأب يتضرّع في حضرة ثامن كواكب الإمامة والولاية الإلهيّة عليّ بن موسى الرضا سلام الله عليه، ويدعو الله تعالى بقلبٍ كسير أن يقضي له حاجته ويفرّج عنه كُربته. ثمّ اتّخذ سبيله إلى مكان قريب من الشبّاك الفولاذيّ حيث كانت ابنته قد غلب عليها النوم، فجلس إلى جوارها القُرْفُصاء. أمّا زوجته فكانت قد ذهبت إلى داخل الروضة المقدّسة.
أسند الرجل رأسه إلى يديه، وراح يفكّر جمله التفكير إلى أيّام الماضي: قبل خمس سنوات تماماً.. كان من عادة (ماه شيرين( أن تمضي مع زميلاتها في الطريق إلى المدرسة، ثمّ تعود إلى المنزل. كانت تقطع الطريق ذهاباً وإياباً وهي تعدو وتتواثب كأنّها غزالة صغيرة. حضورها في المنزل يبعث الحياة والنشاط في روح والدَيها المتعَبَين من أعمال اليوم. حياة الأسرة بسيطة طيّبة، وعلى الرغم من قلّة ذات اليد كانوا يُواسون المحتاجين ويمدّونهم بما يقدرون عليه. وحينما يُؤْثرن على أنفسهم ويَهَبون الفقراءَ من ثيابهم وطعامهم كان (غلام محمّد) يَستشهد بالمثَل القائل: إعمَلْ خيراً وألْقِه في البحر؛ فإنّ الله يأتيك به وأنت منقطع في الصحراء.
وتمضي الأيّام.. وتنمو معها (ماه شيرين( زهرةً صغيرة تتحوّل رويداً رويداً إلى وردة زاهية يعطّر حضورُها فضاء الدار. ولم يَطُل الزمان على هذه الحال؛ ففي أحد الأيّام.. وقع حادث في المدرسة أُصيبت فيه (ماه شيرين) إصابةً أضرّت بدماغها، ففقدت قدرتها على الاتّزان الفكريّ، وفقدت قدرتها على الكلام.
ومنذ ذلك اليوم غاب المرح والسرور من أجواء عائلة غلام محمّد، ولم يَعُد له من حضور على الإطلاق. إنّ معاناة مرض (ماه شيرين( من جهة، وما كانت فيه الأسرة من ضعف ماليّ.. قد حمّل الأسرة مشقّات متّصلة. ثمّ لمّا يئسوا من العلاج في الباكستان تهيّأت لهم فرصة السفر إلى مشهد الإمام الرضا عليه السّلام، بطريقة لم تكن تخطر لهم على بال. وها هو قد انقضى شهر كامل وهم يأملون العلاج، بَيْد أنّهم حتّى الآن لم يفوزوا بما يأملون. لم يبقَ الاّ هذه الليلة، ففي صباح غدٍ هم عازمون على العودة إلى الوطن من جديد. ترى.. ما الذي سيقولونه لمعارفهم وأصدقائهم الذين ينتظرون عودتهم هناك إذا رجعوا إليهم يائسين بائسين ؟! كان رأي الأطباء في إيران موافقاً لأقوال أطبّاء الباكستان: كلّهم قد أجمعوا على أنّ مرض الفتاة مرض مستعصٍ عُضال. ما ثَمّةَ سبيل إلاّ المعجزة تنقذها، لتضيء (ماه شيرين) مرةً أخرى حياةَ أسرتها وتبثّ فيها الطلاقةَ والسرور. كان الأب في خلوته عند الشبّاك الفولاذيّ يذرف الدمع بقلب منكسر وصدر منقبض، وهو يطلب من الإمام المَددَ والعون.
* * *
عادت الأمّ من زيارتها في داخل الروضة، وجلست قرب ابنتها على الأرض. أخذت برأس الفتاة على مهل ووضعته على ركبتها، ومسحت بطرفِ شال رأسها عَرَقاً كان ينقّط وجنات (ماه شيرين).. متضرّعةً بطلب العافية والشفاء. إلى جوارهم كان عدد من الزائرين يتلون بنبرةٍ حزينة دعاء َ (التوسّل)، فشاركتهم فاطمة من صميم قلبها في الدعاء.. تبكي وتبوح بأحزانها في محضر الإمام. كانت سفينةِ فاطمة المكسورة قد غرقت في بحر المحبوب الذي لا ساحل له.
أفاقت (ماه شيرين) من الرقاد. فتحت عينيها، فتلألأ فيهما بَريق الابتهاج. أرادت أن تنطق، فلم يُسعِفها اللسان. وبعد محاولات عديدة استطاع صوتها أن ينطلق بالنداء:
ـ يا رضا... يا رضا... يا رضا...
لقد بَرعَمتْ أغصانُ الأمل، وكانت نداءاتها مفعمة بمسرّة عميقة الجذور. ولفتت نداءاتُها إليها الأنظار. أمّا الأمّ فكان ما عايَنَت أكبر من قدرتها على التحمّل، فغُشي عليها في الحال. وكاد الأب ـ وهو يرى (ماه شيرين) ـ أن يطير من الفرح.. وتحدّرت الدموع. وكان الفضاء مغموراً وقتئذٍ بعطر سماويّ لذيذ.
لَكأنّ الصحن كلّه مفروش بسجاجيد الضراعة والتعبّد. وتشابكت أزهار الياسمين على مشبّك النافذة الفولاذية المطلّة على الضريح الرضويّ المقدّس.. رافعةً رؤوسها تلقاء سماء الحبّ والحنان. التفّت حولهم جموع الحاضرين، وكانت ماه شيرين وأبوها قد خرّا على الأرض في سجدة شكر وامتنان خاشعة.
لقد حدث إعجاز الحب: اصطبغت السماء الزرقاء بلون الحبّ، وأطلقت حمائم الحرم ـ في مهرجان الماء والمرايا والحبّ ـ أجنحتَها في عرض السماء
كـــرامات الإمام الرضا عليه السلام
قصـــص واقعيــه
هذا العطر الملائكي الأخاذ
المريضة المعافاة: ماه شيرين ـ من الباكستان ـ الحالة المرَضيّة: صدمة دماغيّة
ألقى الليل عباءته السوداء على النهار، فغطّاه من أقصاه إلى أقصاه.. وحافلةُ الركّاب تمضي قُدُماً في الطريق المعبَّد، يتقدّمها ضوء مصابيحها كأنّما هو مَشوق إلى الوصول. ومِن بعيد.. تتلامع أنوار مصابيح المدينة الرابضة بين جبلَي طوس.
ركّاب الحافلة كانوا قد قطعوا المسافات، تسبقهم أشواقهم لهذه الزيارة التي كانت أُمنية في القلب: أحدهم يُتَمتِم بينه وبين نفسه بدعاء، وأخر لا يفتأ يُدير بيده المسبحة بالذكر والتهليل، وثالث يتلو ما يحفظ من آيات القرآن الكريم.
اتّكأت المسافرة الشابّة على كرسيّها، وراحت تتطلّع بنظراتها التَّعبى إلى المدى البعيد. ومع أنّ (ماه شيرين) لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها.. إلاّ أنّ مَن يراها يفتقد فيها بوضوحٍ النشاطَ والمرح المعهود في مثل سنّها. منذ سنوات لم يَعُد للحركة والسرور في حياتها من معنى؛ فقد سَلَبها الداء حيويّة الشباب. لَطالما تعذّب أبَواها وهما يدوران بها من طبيب إلى طبيب. فلمّا يئسا من الطبّ والأطبّاء وانقطعت كلّ الوسائل والسُّبل.. شدّا رحال السفر ليطرقا هذه المرّة باب سيّد عظيم لا يَرُدّ مَن قصده.
نظرت (فاطمة) إلى ابنتها (ماه شيرين) قائلة: هل تشعرين بالحرّ ؟ وكان الصمت هو جواب الفتاة. إنّ هذا الصمت الذي تعوّدت الأمّ أن تقابلها به ابنتُها منذ خمس سنوات ما أشدّ ما يؤجّج في قلبها نيران العذاب. فَتَحت الأمّ نافذة الحافلة فدغدغ النسيم وجه الفتاة.
* * *
الحرم الرضَويّ يموج بنفحات معنويّة آسِرة تجتذب إليها قلوب الوالهين الذين اجتمعوا لزيارة الإمام الرؤوف. وحينما دخل (غلام محمّد) وعائلته في صحن الحرم كان شوق الزيارة يزداد منهم في القلوب. وملأهم إحساس أنّ زيارة اليوم تختلف عن زياراتهم في الأيّام الخالية. ودفع الأب أمامه الكرسيّ المتحرّك الذي ارتمى عليه جسم (ماه شرين( السقيم، فكان كلّ مَن يراها يَرِقّ لها وترتسم على قَسَماته أمارات الشفقة والرحمة.
قالت المرأة وقد استبدّ بها القلق والحزن:
ـ أقول! إذا كان جواب الإمام هو الردّ.. فإلى أين نولّي وجوهنا ؟!
تأوّه الرجل وهو يقول:
ـ توكّلي على الله، كوني مطمئنّة. ما جاء بنا الإمام إلى هنا إلا وهو يريد أن يعطينا مِن عطاياه.
قال الأب هذا وقلبه يدقّ بسرعة. إنّه إنّما قال ما قال ليُطَمئن زوجته وليبعث في قلبها الآمال. أمّا هو فكان صدره يزخر بالاضطراب، وضغط بيديه على مقبض الكرسيّ المتحرّك ليسيطر على اضطرابه الذي بدا ظاهراً في ارتعاش يدَيه. ودخلوا الصحن المليء بالزائرين.. فمضت فاطمة على الفور إلى الشبّاك الفولاذيّ العريض، وأدخلت أصابع يدَيها في مُشبَّك الحبّ والرحمة.. وانهمرت من عينيها الدموع. كانت فاطمة تبكي بكاءً ينبعث من القلب، وهي تخاطب الإمام بهمس مُفعم بالتوسّل والرجاء:
ـ منذ شهر يا مولاي تركنا الوطن وجئنا لاجئين إليك. أتوسّل اليك أن تشفي ابنتنا.. أرجوك.
ثمّ أصدرت أنّات محزونة ضاعت في دَويّ أصوات الزائرين.
* * *
ألقى (غلام محمّد) نظرة صافية ـ من خلال أهدا به المبلولة ـ تلقاء القبّة الذهبيّة العالية. إنّ للقبّة في عتمة الليل لأْلاءً يَشدّ إليه الأبصار. وراح الأب يتضرّع في حضرة ثامن كواكب الإمامة والولاية الإلهيّة عليّ بن موسى الرضا سلام الله عليه، ويدعو الله تعالى بقلبٍ كسير أن يقضي له حاجته ويفرّج عنه كُربته. ثمّ اتّخذ سبيله إلى مكان قريب من الشبّاك الفولاذيّ حيث كانت ابنته قد غلب عليها النوم، فجلس إلى جوارها القُرْفُصاء. أمّا زوجته فكانت قد ذهبت إلى داخل الروضة المقدّسة.
أسند الرجل رأسه إلى يديه، وراح يفكّر جمله التفكير إلى أيّام الماضي: قبل خمس سنوات تماماً.. كان من عادة (ماه شيرين( أن تمضي مع زميلاتها في الطريق إلى المدرسة، ثمّ تعود إلى المنزل. كانت تقطع الطريق ذهاباً وإياباً وهي تعدو وتتواثب كأنّها غزالة صغيرة. حضورها في المنزل يبعث الحياة والنشاط في روح والدَيها المتعَبَين من أعمال اليوم. حياة الأسرة بسيطة طيّبة، وعلى الرغم من قلّة ذات اليد كانوا يُواسون المحتاجين ويمدّونهم بما يقدرون عليه. وحينما يُؤْثرن على أنفسهم ويَهَبون الفقراءَ من ثيابهم وطعامهم كان (غلام محمّد) يَستشهد بالمثَل القائل: إعمَلْ خيراً وألْقِه في البحر؛ فإنّ الله يأتيك به وأنت منقطع في الصحراء.
وتمضي الأيّام.. وتنمو معها (ماه شيرين( زهرةً صغيرة تتحوّل رويداً رويداً إلى وردة زاهية يعطّر حضورُها فضاء الدار. ولم يَطُل الزمان على هذه الحال؛ ففي أحد الأيّام.. وقع حادث في المدرسة أُصيبت فيه (ماه شيرين) إصابةً أضرّت بدماغها، ففقدت قدرتها على الاتّزان الفكريّ، وفقدت قدرتها على الكلام.
ومنذ ذلك اليوم غاب المرح والسرور من أجواء عائلة غلام محمّد، ولم يَعُد له من حضور على الإطلاق. إنّ معاناة مرض (ماه شيرين( من جهة، وما كانت فيه الأسرة من ضعف ماليّ.. قد حمّل الأسرة مشقّات متّصلة. ثمّ لمّا يئسوا من العلاج في الباكستان تهيّأت لهم فرصة السفر إلى مشهد الإمام الرضا عليه السّلام، بطريقة لم تكن تخطر لهم على بال. وها هو قد انقضى شهر كامل وهم يأملون العلاج، بَيْد أنّهم حتّى الآن لم يفوزوا بما يأملون. لم يبقَ الاّ هذه الليلة، ففي صباح غدٍ هم عازمون على العودة إلى الوطن من جديد. ترى.. ما الذي سيقولونه لمعارفهم وأصدقائهم الذين ينتظرون عودتهم هناك إذا رجعوا إليهم يائسين بائسين ؟! كان رأي الأطباء في إيران موافقاً لأقوال أطبّاء الباكستان: كلّهم قد أجمعوا على أنّ مرض الفتاة مرض مستعصٍ عُضال. ما ثَمّةَ سبيل إلاّ المعجزة تنقذها، لتضيء (ماه شيرين) مرةً أخرى حياةَ أسرتها وتبثّ فيها الطلاقةَ والسرور. كان الأب في خلوته عند الشبّاك الفولاذيّ يذرف الدمع بقلب منكسر وصدر منقبض، وهو يطلب من الإمام المَددَ والعون.
* * *
عادت الأمّ من زيارتها في داخل الروضة، وجلست قرب ابنتها على الأرض. أخذت برأس الفتاة على مهل ووضعته على ركبتها، ومسحت بطرفِ شال رأسها عَرَقاً كان ينقّط وجنات (ماه شيرين).. متضرّعةً بطلب العافية والشفاء. إلى جوارهم كان عدد من الزائرين يتلون بنبرةٍ حزينة دعاء َ (التوسّل)، فشاركتهم فاطمة من صميم قلبها في الدعاء.. تبكي وتبوح بأحزانها في محضر الإمام. كانت سفينةِ فاطمة المكسورة قد غرقت في بحر المحبوب الذي لا ساحل له.
أفاقت (ماه شيرين) من الرقاد. فتحت عينيها، فتلألأ فيهما بَريق الابتهاج. أرادت أن تنطق، فلم يُسعِفها اللسان. وبعد محاولات عديدة استطاع صوتها أن ينطلق بالنداء:
ـ يا رضا... يا رضا... يا رضا...
لقد بَرعَمتْ أغصانُ الأمل، وكانت نداءاتها مفعمة بمسرّة عميقة الجذور. ولفتت نداءاتُها إليها الأنظار. أمّا الأمّ فكان ما عايَنَت أكبر من قدرتها على التحمّل، فغُشي عليها في الحال. وكاد الأب ـ وهو يرى (ماه شيرين) ـ أن يطير من الفرح.. وتحدّرت الدموع. وكان الفضاء مغموراً وقتئذٍ بعطر سماويّ لذيذ.
لَكأنّ الصحن كلّه مفروش بسجاجيد الضراعة والتعبّد. وتشابكت أزهار الياسمين على مشبّك النافذة الفولاذية المطلّة على الضريح الرضويّ المقدّس.. رافعةً رؤوسها تلقاء سماء الحبّ والحنان. التفّت حولهم جموع الحاضرين، وكانت ماه شيرين وأبوها قد خرّا على الأرض في سجدة شكر وامتنان خاشعة.
لقد حدث إعجاز الحب: اصطبغت السماء الزرقاء بلون الحبّ، وأطلقت حمائم الحرم ـ في مهرجان الماء والمرايا والحبّ ـ أجنحتَها في عرض السماء