لا يمكن أن تنتصر قضية ليس أصحابها مستعدين للتضحية من أجلها. غير أن هنالك فرقاً بين من يبحث عن المجد الشخصي، وإحراز الانتصار على أعدائه في حياته، وبين من يمتلك قضية، ويسعى من أجل انتصارها، حتى وإن أدى ذلك إلى التضحية بنفسه...
فالأول: إذا خسر، ستكون في خسارته نهايته.
والثاني: إذا خسر، فقد تكون في خسارته نجاحه.
فالأهداف العليا، كالمثل والقيم والدّين، ستجد من ينتصر لها يوماً، ولذلك فمن يموت دون قضية، يزيدها قوة ومناعة... فالتضحية بالنفس للقضايا... تقوّيها وتحييها.
بينما التضحية للنفس بالقضايا... تنهيها وتقضي عليها. وعلى أيّة حال فإن المغامرة من أجل الأهداف، وخوض الغمرات في الدفاع عنها، ضروة من ضرورات العمل للحق، وواجب من واجبات الإيمان بالقيم.
وأساساً كيف نعرف صدق المدّعين إلاّ حينما يُدعون إلى التضحية والفداء؟
إن أدعياء الحق كثيرون، ولكن المستعدين لبذل كل شيء له، هم الصادقون منهم، وهم الأقلون. (فالناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يدورونها ما درت معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون)، ويبدو أن ذلك من سنة الله في الخلق حتى يميز المجاهدين منهم عن الكاذبين. (احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون؟ ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).
إن الطريق إلى تحقيق المثل العليا، مليء بالأشواك كما هي الطريق إلى الجنة، فقد (حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات). وإذا كانت لنا برسول الله قدوة حسنة، فإن النبي (صلى الله عليه وآله)، (خاض إلى رضوان الله كل غمرة، وتجرع فيه كل غصّة وقد تلوّن له الأدنون، وتألّب عليه الأقصون، وخلعت إليه العرب أعنتها، وضربت إلى محاربته بطون رواحلها حتى أنزلت بساحته عدواتها، من أبعد الدار وأسحق المزار). إذن (لا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق). لقد أوصى الإمام ولده الحسن (عليه السلام) - وهو العزيز على قلبه - إن يخوض كأبيه، الغمرات للحق قائلاً: (جاهد في الله حق جهاده، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وخض الغمرات للحق حيث كان).
إن التضحية المطلوبة، لا تعني بالضرورة أن يموت الإنسان من أجل قضيته، ولكنها تعني حتماً الاستعداد للمغامرة من أجلها وعدم وضع حدّ لما تتطلبه من الغالي، والرخيص. وهكذا كان الإمام علي (عليه السلام) كان دائماً على استعداد للمغامرة بحياته في سبيل الرسالة، فما من غزوة إلاّ وهو أميرها، أو بطلها، وما من دعوة تتطلب التضحية إلاّ وهو أول من يستجيب لها.
وفيما يلي نموذج واحد من ذلك:
روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج ذات يوم الفجر، ثمّ قال: (معاشر الناس أيّكم ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلبوا بالّلات والعزَّى ليقتلوني، وقد كذبوا وربّ الكعبة)؟
فأحجم الناس وما تكلّم أحد، فقال (صلى الله عليه وآله): (ما أحسب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فيكم). فقال له عامر بن قتادة: إنّه وعك في هذه الليلة ولم يخرج يصلّي معك، فتأذن لي أن أخبره؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (شأنك) فمضى إليه فأخبره، فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) كأنه نشط من عقال، وعليه إزار قد عقد طرفيه على رقبته، فقال: يا رسول الله ما هذا الخبر؟ قال النبي (صلى الله عليه وآله): (هذا رسول ربّي يخبرني عن ثلاثة نفر قد نهضوا لقتلي) فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله أنا لهم سرية وحدي، هوذا أليس عليَّ ثيابي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (بل هذه ثيابي وهذا درعي وهذا سيفي) فدرّعه وعمّمه وقلّده وأركبه فرسه. وخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) فمكث النبي ثلاثة أيام لا يأتيه جبرئيل بخبره ولا خبر من الأرض، وأقبلت فاطمة بالحسن والحسين على وركيها تقول: أوشك أن يُيَتَّم هذان الغلامان.
فأسبل النبي (صلى الله عليه وآله) عينه، ثمّ قال: (معاشر الناس من يأتيني بخبر عليّ أبشّره بالجنّة)، وافترق الناس في الطلب لعظيم ما رأوا بالنبي (صلى الله عليه وآله) وخرج العواتق، فأقبل عامر بن قتادة يبشّر بعلي، وأقبل عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) معه أسيران ورأس وثلاثة أبعرة وثلاثة أفراس.
فسأله رسول الله عن قصته؟
فقال (عليه السلام): يا رسول الله، لمّا صرت في الوادي رأيت هؤلاء ركباناً على الأباعر فنادوني من أنت؟
فقلت: أنا علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقالوا: ما نعرف لله من رسول سواء علينا: وقعنا عليك أو على محمد، وشدَّ عليَّ هذا المقتول، ودار بيني وبينه ضربات فضربته، وقطعت رأسه وأخذت هذين أسيرين.
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (قدّم إليّ أحد الرجلين)، فقدّمه فقال: (قل: لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله)، فقال: لنقل جبل أبي قبيس أحبّ إليّ من أن أقول هذه الكلمة! فقال: يا عليّ أخره واضرب عنقه، ثمّ قدّم الآخر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) له: (قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله)، قال: يا محمد ألحقني بصاحبي فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي أخّره واضرب عنقه، وقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ليضرب عنقه فهبط جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: لا تقتله فإنه حسن الخلق سخيٌّ في قومه.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (يا عليُّ أمسك فإنّ هذا رسول ربّي عزّ وجلّ يخبرني أنّه حسن الخلق سخيّ في قومه).
فقال المشرك تحت السيف: هذا رسول ربّك يخبرك؟ قال: نعم. قال: والله ما ملكت درهماً مع أخ لي قطّ ولا قطبت وجهي في الحرب، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (هذا ممّن جرّه حسن خلقه وسخاؤه إلى جنّات النّعيم).
فالأول: إذا خسر، ستكون في خسارته نهايته.
والثاني: إذا خسر، فقد تكون في خسارته نجاحه.
فالأهداف العليا، كالمثل والقيم والدّين، ستجد من ينتصر لها يوماً، ولذلك فمن يموت دون قضية، يزيدها قوة ومناعة... فالتضحية بالنفس للقضايا... تقوّيها وتحييها.
بينما التضحية للنفس بالقضايا... تنهيها وتقضي عليها. وعلى أيّة حال فإن المغامرة من أجل الأهداف، وخوض الغمرات في الدفاع عنها، ضروة من ضرورات العمل للحق، وواجب من واجبات الإيمان بالقيم.
وأساساً كيف نعرف صدق المدّعين إلاّ حينما يُدعون إلى التضحية والفداء؟
إن أدعياء الحق كثيرون، ولكن المستعدين لبذل كل شيء له، هم الصادقون منهم، وهم الأقلون. (فالناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يدورونها ما درت معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون)، ويبدو أن ذلك من سنة الله في الخلق حتى يميز المجاهدين منهم عن الكاذبين. (احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون؟ ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).
إن الطريق إلى تحقيق المثل العليا، مليء بالأشواك كما هي الطريق إلى الجنة، فقد (حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات). وإذا كانت لنا برسول الله قدوة حسنة، فإن النبي (صلى الله عليه وآله)، (خاض إلى رضوان الله كل غمرة، وتجرع فيه كل غصّة وقد تلوّن له الأدنون، وتألّب عليه الأقصون، وخلعت إليه العرب أعنتها، وضربت إلى محاربته بطون رواحلها حتى أنزلت بساحته عدواتها، من أبعد الدار وأسحق المزار). إذن (لا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق). لقد أوصى الإمام ولده الحسن (عليه السلام) - وهو العزيز على قلبه - إن يخوض كأبيه، الغمرات للحق قائلاً: (جاهد في الله حق جهاده، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وخض الغمرات للحق حيث كان).
إن التضحية المطلوبة، لا تعني بالضرورة أن يموت الإنسان من أجل قضيته، ولكنها تعني حتماً الاستعداد للمغامرة من أجلها وعدم وضع حدّ لما تتطلبه من الغالي، والرخيص. وهكذا كان الإمام علي (عليه السلام) كان دائماً على استعداد للمغامرة بحياته في سبيل الرسالة، فما من غزوة إلاّ وهو أميرها، أو بطلها، وما من دعوة تتطلب التضحية إلاّ وهو أول من يستجيب لها.
وفيما يلي نموذج واحد من ذلك:
روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج ذات يوم الفجر، ثمّ قال: (معاشر الناس أيّكم ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلبوا بالّلات والعزَّى ليقتلوني، وقد كذبوا وربّ الكعبة)؟
فأحجم الناس وما تكلّم أحد، فقال (صلى الله عليه وآله): (ما أحسب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فيكم). فقال له عامر بن قتادة: إنّه وعك في هذه الليلة ولم يخرج يصلّي معك، فتأذن لي أن أخبره؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (شأنك) فمضى إليه فأخبره، فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) كأنه نشط من عقال، وعليه إزار قد عقد طرفيه على رقبته، فقال: يا رسول الله ما هذا الخبر؟ قال النبي (صلى الله عليه وآله): (هذا رسول ربّي يخبرني عن ثلاثة نفر قد نهضوا لقتلي) فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله أنا لهم سرية وحدي، هوذا أليس عليَّ ثيابي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (بل هذه ثيابي وهذا درعي وهذا سيفي) فدرّعه وعمّمه وقلّده وأركبه فرسه. وخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) فمكث النبي ثلاثة أيام لا يأتيه جبرئيل بخبره ولا خبر من الأرض، وأقبلت فاطمة بالحسن والحسين على وركيها تقول: أوشك أن يُيَتَّم هذان الغلامان.
فأسبل النبي (صلى الله عليه وآله) عينه، ثمّ قال: (معاشر الناس من يأتيني بخبر عليّ أبشّره بالجنّة)، وافترق الناس في الطلب لعظيم ما رأوا بالنبي (صلى الله عليه وآله) وخرج العواتق، فأقبل عامر بن قتادة يبشّر بعلي، وأقبل عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) معه أسيران ورأس وثلاثة أبعرة وثلاثة أفراس.
فسأله رسول الله عن قصته؟
فقال (عليه السلام): يا رسول الله، لمّا صرت في الوادي رأيت هؤلاء ركباناً على الأباعر فنادوني من أنت؟
فقلت: أنا علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقالوا: ما نعرف لله من رسول سواء علينا: وقعنا عليك أو على محمد، وشدَّ عليَّ هذا المقتول، ودار بيني وبينه ضربات فضربته، وقطعت رأسه وأخذت هذين أسيرين.
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (قدّم إليّ أحد الرجلين)، فقدّمه فقال: (قل: لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله)، فقال: لنقل جبل أبي قبيس أحبّ إليّ من أن أقول هذه الكلمة! فقال: يا عليّ أخره واضرب عنقه، ثمّ قدّم الآخر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) له: (قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله)، قال: يا محمد ألحقني بصاحبي فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي أخّره واضرب عنقه، وقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ليضرب عنقه فهبط جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: لا تقتله فإنه حسن الخلق سخيٌّ في قومه.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (يا عليُّ أمسك فإنّ هذا رسول ربّي عزّ وجلّ يخبرني أنّه حسن الخلق سخيّ في قومه).
فقال المشرك تحت السيف: هذا رسول ربّك يخبرك؟ قال: نعم. قال: والله ما ملكت درهماً مع أخ لي قطّ ولا قطبت وجهي في الحرب، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (هذا ممّن جرّه حسن خلقه وسخاؤه إلى جنّات النّعيم).