الحلقة الاولى
البداية
البداية
لم اكن سوى فتى ترعرع في بيت من بيوتات الشيعة في بغداد ومن عائلة بسيطة الى ابعد الحدود ، وكالعادة كانت تغذي اولادها حب اهل البيت(ع)منذ نعومة اظفارهم، وتعلمهم معنى الانتماء لمدرسة اهل البيت(ع) على الرغم من ان والداي بعيدين نوعا ما عن التفاصيل الدينية الا بمقدار الواجبات كالصلاة والصيام ونحوها ، اما الباقي من عقائد وتشريعات ونهج تفصيلي فكان غائبا عن الاذهان ، حب اهل البيت(ع) كان مكانه في القلب ، لكن وجد الى جنبه حب آخر الا وهو حب المراجع العظام ورجال الدين الشيعة الذين هم سبب بقاء الدين والمذهب-بزعمنا- الى تلك الأيام ومن خلالهم وصل الينا غضا" طريا كما خرج من بين وحي رسول الله(ص).
وعلى اية حال فلم يكن عمري ولا مستوى تفكيري يسمح لي بالغوص في معالم الامور الحقيقية ولا السؤال عن حقيقة الدين الذي وصل الينا هل هو نفس دين رسول الله(ص) او غيره ؟، فقد عشت لسنوات وانا اندرج تحت تفسير الآية الكريمة او احد انطباقاتها حين ذكر القرآن(وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) ..نعم ..انه التقليد الاعمى الذي لم اكن لأسمح لنفسي يوما بالتخلي عنه ولا حتى التفكير بمدى صحته او صدقه ، كيف اجرؤ على ذلك من دون آباءي واجدادي الذين هم تحت التراب ؟!!...وحتى حين من الله علينا حين اكتحلت عيوننا بمشهد سقوط طاغية العراق في عام 2003 ، لم يتغير فكري بل على العكس ازداد هذه المرة بعد ان زال السبب الذي كان يكمم الافواه ويختزل الروح الدينية لدى الشباب امثالي ، فأنطلقت نفسي نحة ما كانت محرومة منه من التعبير عن الحرية الدينية فأخذت حنجرتي تصدح بحب الدين ورجاله العظماء في كل محفل معتبرا هذا الامر واجبا رباني لنصرة للمذهب .ورحت استبق في امتلاك الصور وتعليقها على مختلف جدران وزوايا بيتنا الذي كنا نعيش فيه لسنوات دون ان نضع صورةمرجع او فقيه ما.
شاءت الظروف والاقدار ان التحق بتيار ديني ربما يعد مخالفا نوعا ما للنهج التقليدي الذي كنت عليه حين وجدت نفسي اميل اليه شيئا فشيئا حتى اندمجت فيه كليا واصبحت جزءا لا يتجزأ منه ، وكان ذلك التيار محط امتعاض ومصدر ازعاج كبير للمؤسسة الدينية التقليدية آنذاك لانه كان يعزف لحنا مغايرا نوعا ما للنهج التقليدي على الرغم من تمسكه ب(أصووووول) المؤسسة ذاتها التي تقوم على اساس التقليد منذ عقود من الزمان ، ولم يكن ذلك التيار سوى التيار(الصرخي) ان صح التعبير ، نعم ...اصبحت جزءا من هذا النهج او هذا الفكر الجديد -كما اعتقدت- في وقتها انه الفكر المنقذ لي وهو ضالتي المنشودة التي ابحث عنها منذ سنون عديدة ، خصوصا مع حبي وعشقي لأمام الزمان(عج) الذي كان وقتها يزداد في كياني مع بدأ ملامح التغيير القادمة نحو العالم ليس الشرقي وحده بل الغربي وسائر الكون ، لأن كتابات السيد الحسني كانت تذكر الملتحقين دوما بالأمام الغائب المنسي(عج) ، حتى وان كانت الملحمة او الحركة تدافع عن امام الأمة ومرجعها على حد سواء ، كان ذلك يجول في خاطر اكثر الناس حتى من غير المنتظرين للفرج الكل يحس ان حدث عالميا ما سيحدث قريبا وسيكون له اكبر الاثر في تغيير التأريخ وليس سقوط الطاغية الا علامة كبيرة وبداية النهاية كما يصح ان تسمى .
كان كل كياني وجوارحي تسير مع صوت محمود الصرخي ولم يكن نقد المجتمع والبيئة التي حولي له اي مؤثر كبير في زعزعة ايمان شاب في مثل عمري ، حتى وان وصل الامر الى النقاشات الحادة مع الاهل والاقارب والاصدقاء والناس في كل آن وزمان ، كانت درجة الهيام تصل الى الحد الذي فيه اتوسل الى الله واهل البيت(ع) بمقمام السيد الحسني نفسه من غير ان يخامرني اي شعور باني انما ارتكب خطئا فادحا حين انصب رجل ما بمقام الحجة(عج) ان لم يكن اكثر .!!...عشق المرجع وصل الى حد اني اتوسل بفاطمة الزهراء(ع) حين مرض اخي مرضا شديدا جعله طريح الفراش لأشهر عديدة في مستشفيات بغداد واذكرها(ع) بحبي للمرجع الاوحد !!، كل هذا كان بلمح البصر بين ليلة وضحاها واستمر قلبي وكياني على هذا الحال ..على هذا الحال ..حتى ...حتى ...حدث امر عظيم كنت احسبه صغير في نظري الجاهل ، وقتها ربما كنت معذورا فمن كان يرى حالي بين اروقة وزاوايا مدينة الطب ببغداد يبكي لا شك ، ليس علي فقط بل على حال اخي الذي كان يكبرني بخمس سنين ومن يراه يرى ان الدنيا لا تساوى جناح بعوضة ، نعم هكذا يظن ويتيقن حين يرى شابا في العشرينات من عمره فاقدا للوعي تماما كالميت لمدة شهور بل سنتان تقريبا . الحالة تلك اقول غطت نظري ولو للحظات عن حقيقة ما كان يجري حولي من تغيير في احداث العالم والعراق خاصة ، لكن الحدث العظيم كان حين كنت انزل الى شارع باب المعظم بحثا عن متنفس من اجواء المستشفى الصعبة المريرة ، وقتها وقع بصري على الامل ...الامل ..لي في الخلاص.
تعليق