أسباب الغيبة ومقدار استمرارها
لابد قبل الخوض في ذلك أن نتوجه إلى أمر مهم وهو أن الله تعالى وعد نبيّه أن يظهر دينه على الدين كله (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف9، والتوبة33. وفي سورة الفتح 38 آخرها (ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً).
ومن جانب آخر قال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) آل عمران 85.
وقال تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران19، (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة3، وخلاصة الآيات أن الله تعالى ارتضى الإسلام ديناً بعد أن اكمله ولن يقبل غيره ويريد أن يظهره على الأديان كلها.. فهذه المطالب في الآيات نراها لم تتحقق لحد الآن وكان الله تعالى وعد بها واراد أن يجعل أهل الدين في امان ولهم الإمامة في الأرض كما قال تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً) النور55، فانظر إلى الوعد الإلهي وقال تعالى (ولن يخلف الله وعده) الحج47، فلابد لهذا الدين الحنيف أن ينتصر على الاديان كلها ويسود الأرض ويكون الكل تابعين له دون منازع كما قال (على الدين كله) فلابد لتطبيق هذا الوعد الإلهي من خليفة يقوم بذلك فكما أن النبوة جاءت بأصل الدين فلابد أن يكون إظهار الدين بقيادة تنوب مناب النبوة وهي الخلافة القرينة للقرآن والذي يمثلها الإمام الثاني عشر هذا من جانب الوعد الإلهي ومن جانب آخر أن القيادة المحتاج إليها لتحقيق النصر الإلهي تسير وفق الضوابط الظاهرية كما جاء الرسول(ص) بذلك ولن يخرق القوانين بل يتفوق عليها بالتأييد الإلهي وبالقاء الرعب في قلوب الأعداء.
وكما قال تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) سورة محمد(ص) 7، وبيّن جريان القواعد العامة؟ البشرية في الطرفين (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) آل عمران 140، (إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) آل عمران 104، وليس معنى ذلك أن الله تعالى ترك دينه أو نبيّه (ما ودعك ربك وما قلى) الضحى3، ولكن التأييد مصحوب معه (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) الروم 3-4، وعليه فلابد أن يكون القائد سائراً على نهج رسول الله(ص) ولابد أن يكون عالماً بدقائقه ولا يتأتى ذلك لأحد إلا لخليفته فلابد أن تكون المؤهلات في القيادة لثورة عالمية قوية بقوة الطرح الذي يشمل كل بقاع العالم هذا من جانب ثان. ومن جانب ثالث انه لابد أن يصل النضوج البشري إلى حد يستوعبون فهم الغاية وهي العدالة على الأرض والحكومة الموحدة ليتعاونوا معها حتى يكون العالم قرية واحدة والقرية عالم كبير ولابد أن يدرك الناس أن تحقيق هذه الامنية العظيمة لا تصلح لأحد إلا إذا كان مؤيداً من الله تعالى ومرتبطاً به روحاً حتى يستظلوا تحت قيادته الحكيمة وهذا يساعد على فهم بُعد امتداد الغيبة بعد معرفة اسبابها الآتية
فلذا ورد في بعض الأحاديث الشريفة كما في باب العقل في أصول الكافي إذا قام القائم مسح الله يده على رؤوس العباد فتكتمل عقولهم، وهذه إشارة إلى اللطف الرباني والعناية بالناس بحيث يساعدهم باعطائهم الاستعداد والقوى لفهم القيادة المسددة من قبله تعالى.
ونجمع هذه التمهيدات في مقدمات حتى تتبيّن أسباب الغيبة بوضوح.
إن الوعد الإلهي محتم بنصرة الدين الذي ارتضاه واظهاره على الدين كله في كل المعمورة.
استخلاف المؤمنين الذين عملوا الصالحات.
احتياج هذا الأمر إلى قيادة عالمية تستوعب جميع المعارضات.
إن هذه القيادة لا تكون إلا بمستوى النبوة أو ما يقوم مقامها وهي الخلافة.
بما أن الوعد حق ولم يتحقق سابقاً فلابد أن يتحقق لاحقاً ومستقبلاً دون شك وريب.
ومن جانب آخر لابد من ملاحظة الظروف التي كانت محيطة بالإمام من حيث الحكام ومن حيث مهام الإمامة فاما الظروف والملابسات عند الحكام فان بني العباس كانوا قد احاطوا ببيت الإمام الحسن العسكري وكانوا قد وضعوا عليه العيون حتى يتعرفوا على وجود الأولاد عنده فلذا كانت ولادة ولده في خفاء شديد مع ملاحظة تجبر الحكومات الطاغية في ذلك الزمان حتى عرف الحكام بالخمر والمجون واللهو واللعب وترك المسلمين في جانب آخر وهذا واضح لمن راجع تاريخهم فلو عثروا على الإمام لقتلوه مع ملاحظة الظرف الظاهري الذي تحتاجه القيادة لتحقيق النصر الإلهي حيث مر الناس بتجربة سابقة في عهد الإمام الجواد حيث تصدى للإمامة وهو طفل في السابعة وكذا الإمام الهادي(ع) حيث كان في الثامنة من عمره كان ذلك تهيئة لنفوس الناس للإمام الحجة(عج) ومع ذلك حصل الاختلاف لعدم تقبلهم للقيادة ولو كانت مؤيدة من قبل الله تعالى وهذا ملاحظ في العصور السابقة حيث قد رأى اليهود من مريم(ع) ذلك الطفل المعجزة وهو ينطق في المهد فمع ذلك لم يقبلوا بل طاردوه وحاولوا قتله حتى ادعوا انهم قتلوه وصلبوه ونفى القرآن ذلك وهو دليل على إيجاد الأذى له قصد التعدي عليه وقد لوحظ أيضا في يحيى بن زكريا حيث قتل وهو شاب وهكذا حصل لكثير من أنبياء الله تعالى فلابد أن يلاحظ الجو العام للقيادة وان تهيأ النفوس له فكونه بذلك السنّ الظاهري يوجب النزاع وقد حصل قبل ذلك في قيادة اسامة بن زيد وتأميره على الجيش من قبل النبي(ص) وعارض ذلك جماعة بل رفض جماعة تسلّم علي(ع) لزمام الأمور محتجين بأنه شاب ويوجد من هو اكبر منه فلابد إذن من تكميل النفوس وذلك يحصل بالتسليم لأمر السماء والنضوج الفكري والصحوة العامة.
فإذا كان الإمام ظاهراً في ذلك الوقت فما عسى أن يفعل به؟ هل يترك؟ لا شك تجري عليه السنن التي جرت على آبائه فكان من الحكمة الإلهية أن يخرج من بين الناس لئلا يقتلوه فإن قلت قد ادخره الله لنصره فكيف يقتلوه قلنا إن هذا الأمر طبيعي فلذا خرج رسول الله(ص) من مكة حين احس بالخطر كما خرج موسى من ذي قبل حينما جاءه رجل من اقصى المدينة واعلمه بنوايا القوم ولابد للانتباه أن خروج الإمام مع عدم توفر بقية الشروط يكون خلافاً للحكمة إذ الحكمة الإلهية اقتضت ادخاره لنصرة الدين والنصر لا يتم إلا بعد وجود العدة والعدد فقد قال تعالى (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) فلاجل تطبيق العدالة في الأرض لابد من وجود انصار له. لهم الكفاية بمقدار الطلب الذي تحتاجه الأرض بمعنى انه لابد أن يكون هناك عدد كاف من قبل الإمام ليتسنى لهم استلام زمام الأمور حتى لا يخالفوا الإمام في شيء ليتمكن من بسط العدالة على الأرض كما ورد في الحديث النبوي الشريف (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً) فلابد من أفراد مكتملين في الإيمان والعقل والتسليم لطاعة الله ورسوله وأولي الأمر لئلا يجري في زمانه ما جرى في الازمنة السابقة من مخالفة النبي من قبل بعضهم مع أن الله تعالى قال لهم (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيها شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)
فعارضوا النبي في بعض امورهم، ولأجل بسط العدالة في كل المعمورة فلا يمكن كل يوم تنصيب شخص ثم عزله وتعيين آخر محله وهكذا بل لابد أن يكونوا راسخين في الإيمان والتقوى والتسليم حتى يتحقق الهدف المرسوم لهم مع ملاحظة مستوى فهم الناس ومعرفتهم باحتياجهم الأكيد لتلك القيادة حتى يسلموا لها.
وخلاصة ما تقدم يكون في نقاط مترابطة وهي:
الوعد الإلهي المحتم لنصر دينه الذي ارتضاه واظهاره على الأديان كلها.
استخلاف المؤمنين.
احتياج الأمة إلى قيادة عالمية تستوعب كل المعمورة.
لا تتسنى القيادة لأي شخص بل لابد أن يكون بمستوى النبوة أو ما يقوم مقامها.
عدم تحقق المواعيد الإلهية للأمور الماضية مع صدقها فلابد من تحققها في المستقبل.
الملابسات والظروف للحكام كانت تقتضي القضاء عليه لو كان ظاهراً.
عدم استيعاب الأمة للقيادة كما مرت التجارب السابقة بها.
عدم توفر أفراد لقيادة الولاية من قبل الإمام على اطراف المعمورة.
عدم وجود نضوج عام لمستوى البشر حتى يمكن استيعاب الجميع.
ومع ملاحظة هذه الأمور فلابد من أن تقضي الحكمة الإلهية الغيبة حتى تتوفر الشروط المطلوبة ولو كان غير ذلك لكان خلاف الحكمة الإلهية فادخار الإمام لهذا الأمر العظيم حتى يقف عيسى بن مريم يصلي خلفه يقتضي الغيبة كما اقتضى رفع عيسى بن مريم فلذا ورد في بعض الروايات انه يعطى الرجل من أصحابه قوة أربعين رجلاً وهذه إشارة إلى التكامل المطلوب لهذه المهمة العظمى وبهذا يتضح أن قضية الغيبة ليست امراً خلاف الحكمة أو امراً غريباً بل لابد منها ويستمر هذا الأمر حتى تقتضي الحكمة الإلهية الظهور بتوفر الشروط بشكل طبيعي أو بلطف رباني ولا يتحدد ذلك بأمد بل هو تابع لصحوة العالم اجمع وتوجههم نحو ذلك الهدف باعداد النفوس وهو معنى الانتظار.
لابد قبل الخوض في ذلك أن نتوجه إلى أمر مهم وهو أن الله تعالى وعد نبيّه أن يظهر دينه على الدين كله (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف9، والتوبة33. وفي سورة الفتح 38 آخرها (ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً).
ومن جانب آخر قال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) آل عمران 85.
وقال تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران19، (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة3، وخلاصة الآيات أن الله تعالى ارتضى الإسلام ديناً بعد أن اكمله ولن يقبل غيره ويريد أن يظهره على الأديان كلها.. فهذه المطالب في الآيات نراها لم تتحقق لحد الآن وكان الله تعالى وعد بها واراد أن يجعل أهل الدين في امان ولهم الإمامة في الأرض كما قال تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً) النور55، فانظر إلى الوعد الإلهي وقال تعالى (ولن يخلف الله وعده) الحج47، فلابد لهذا الدين الحنيف أن ينتصر على الاديان كلها ويسود الأرض ويكون الكل تابعين له دون منازع كما قال (على الدين كله) فلابد لتطبيق هذا الوعد الإلهي من خليفة يقوم بذلك فكما أن النبوة جاءت بأصل الدين فلابد أن يكون إظهار الدين بقيادة تنوب مناب النبوة وهي الخلافة القرينة للقرآن والذي يمثلها الإمام الثاني عشر هذا من جانب الوعد الإلهي ومن جانب آخر أن القيادة المحتاج إليها لتحقيق النصر الإلهي تسير وفق الضوابط الظاهرية كما جاء الرسول(ص) بذلك ولن يخرق القوانين بل يتفوق عليها بالتأييد الإلهي وبالقاء الرعب في قلوب الأعداء.
وكما قال تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) سورة محمد(ص) 7، وبيّن جريان القواعد العامة؟ البشرية في الطرفين (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) آل عمران 140، (إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) آل عمران 104، وليس معنى ذلك أن الله تعالى ترك دينه أو نبيّه (ما ودعك ربك وما قلى) الضحى3، ولكن التأييد مصحوب معه (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) الروم 3-4، وعليه فلابد أن يكون القائد سائراً على نهج رسول الله(ص) ولابد أن يكون عالماً بدقائقه ولا يتأتى ذلك لأحد إلا لخليفته فلابد أن تكون المؤهلات في القيادة لثورة عالمية قوية بقوة الطرح الذي يشمل كل بقاع العالم هذا من جانب ثان. ومن جانب ثالث انه لابد أن يصل النضوج البشري إلى حد يستوعبون فهم الغاية وهي العدالة على الأرض والحكومة الموحدة ليتعاونوا معها حتى يكون العالم قرية واحدة والقرية عالم كبير ولابد أن يدرك الناس أن تحقيق هذه الامنية العظيمة لا تصلح لأحد إلا إذا كان مؤيداً من الله تعالى ومرتبطاً به روحاً حتى يستظلوا تحت قيادته الحكيمة وهذا يساعد على فهم بُعد امتداد الغيبة بعد معرفة اسبابها الآتية
فلذا ورد في بعض الأحاديث الشريفة كما في باب العقل في أصول الكافي إذا قام القائم مسح الله يده على رؤوس العباد فتكتمل عقولهم، وهذه إشارة إلى اللطف الرباني والعناية بالناس بحيث يساعدهم باعطائهم الاستعداد والقوى لفهم القيادة المسددة من قبله تعالى.
ونجمع هذه التمهيدات في مقدمات حتى تتبيّن أسباب الغيبة بوضوح.
إن الوعد الإلهي محتم بنصرة الدين الذي ارتضاه واظهاره على الدين كله في كل المعمورة.
استخلاف المؤمنين الذين عملوا الصالحات.
احتياج هذا الأمر إلى قيادة عالمية تستوعب جميع المعارضات.
إن هذه القيادة لا تكون إلا بمستوى النبوة أو ما يقوم مقامها وهي الخلافة.
بما أن الوعد حق ولم يتحقق سابقاً فلابد أن يتحقق لاحقاً ومستقبلاً دون شك وريب.
ومن جانب آخر لابد من ملاحظة الظروف التي كانت محيطة بالإمام من حيث الحكام ومن حيث مهام الإمامة فاما الظروف والملابسات عند الحكام فان بني العباس كانوا قد احاطوا ببيت الإمام الحسن العسكري وكانوا قد وضعوا عليه العيون حتى يتعرفوا على وجود الأولاد عنده فلذا كانت ولادة ولده في خفاء شديد مع ملاحظة تجبر الحكومات الطاغية في ذلك الزمان حتى عرف الحكام بالخمر والمجون واللهو واللعب وترك المسلمين في جانب آخر وهذا واضح لمن راجع تاريخهم فلو عثروا على الإمام لقتلوه مع ملاحظة الظرف الظاهري الذي تحتاجه القيادة لتحقيق النصر الإلهي حيث مر الناس بتجربة سابقة في عهد الإمام الجواد حيث تصدى للإمامة وهو طفل في السابعة وكذا الإمام الهادي(ع) حيث كان في الثامنة من عمره كان ذلك تهيئة لنفوس الناس للإمام الحجة(عج) ومع ذلك حصل الاختلاف لعدم تقبلهم للقيادة ولو كانت مؤيدة من قبل الله تعالى وهذا ملاحظ في العصور السابقة حيث قد رأى اليهود من مريم(ع) ذلك الطفل المعجزة وهو ينطق في المهد فمع ذلك لم يقبلوا بل طاردوه وحاولوا قتله حتى ادعوا انهم قتلوه وصلبوه ونفى القرآن ذلك وهو دليل على إيجاد الأذى له قصد التعدي عليه وقد لوحظ أيضا في يحيى بن زكريا حيث قتل وهو شاب وهكذا حصل لكثير من أنبياء الله تعالى فلابد أن يلاحظ الجو العام للقيادة وان تهيأ النفوس له فكونه بذلك السنّ الظاهري يوجب النزاع وقد حصل قبل ذلك في قيادة اسامة بن زيد وتأميره على الجيش من قبل النبي(ص) وعارض ذلك جماعة بل رفض جماعة تسلّم علي(ع) لزمام الأمور محتجين بأنه شاب ويوجد من هو اكبر منه فلابد إذن من تكميل النفوس وذلك يحصل بالتسليم لأمر السماء والنضوج الفكري والصحوة العامة.
فإذا كان الإمام ظاهراً في ذلك الوقت فما عسى أن يفعل به؟ هل يترك؟ لا شك تجري عليه السنن التي جرت على آبائه فكان من الحكمة الإلهية أن يخرج من بين الناس لئلا يقتلوه فإن قلت قد ادخره الله لنصره فكيف يقتلوه قلنا إن هذا الأمر طبيعي فلذا خرج رسول الله(ص) من مكة حين احس بالخطر كما خرج موسى من ذي قبل حينما جاءه رجل من اقصى المدينة واعلمه بنوايا القوم ولابد للانتباه أن خروج الإمام مع عدم توفر بقية الشروط يكون خلافاً للحكمة إذ الحكمة الإلهية اقتضت ادخاره لنصرة الدين والنصر لا يتم إلا بعد وجود العدة والعدد فقد قال تعالى (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) فلاجل تطبيق العدالة في الأرض لابد من وجود انصار له. لهم الكفاية بمقدار الطلب الذي تحتاجه الأرض بمعنى انه لابد أن يكون هناك عدد كاف من قبل الإمام ليتسنى لهم استلام زمام الأمور حتى لا يخالفوا الإمام في شيء ليتمكن من بسط العدالة على الأرض كما ورد في الحديث النبوي الشريف (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً) فلابد من أفراد مكتملين في الإيمان والعقل والتسليم لطاعة الله ورسوله وأولي الأمر لئلا يجري في زمانه ما جرى في الازمنة السابقة من مخالفة النبي من قبل بعضهم مع أن الله تعالى قال لهم (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيها شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)
فعارضوا النبي في بعض امورهم، ولأجل بسط العدالة في كل المعمورة فلا يمكن كل يوم تنصيب شخص ثم عزله وتعيين آخر محله وهكذا بل لابد أن يكونوا راسخين في الإيمان والتقوى والتسليم حتى يتحقق الهدف المرسوم لهم مع ملاحظة مستوى فهم الناس ومعرفتهم باحتياجهم الأكيد لتلك القيادة حتى يسلموا لها.
وخلاصة ما تقدم يكون في نقاط مترابطة وهي:
الوعد الإلهي المحتم لنصر دينه الذي ارتضاه واظهاره على الأديان كلها.
استخلاف المؤمنين.
احتياج الأمة إلى قيادة عالمية تستوعب كل المعمورة.
لا تتسنى القيادة لأي شخص بل لابد أن يكون بمستوى النبوة أو ما يقوم مقامها.
عدم تحقق المواعيد الإلهية للأمور الماضية مع صدقها فلابد من تحققها في المستقبل.
الملابسات والظروف للحكام كانت تقتضي القضاء عليه لو كان ظاهراً.
عدم استيعاب الأمة للقيادة كما مرت التجارب السابقة بها.
عدم توفر أفراد لقيادة الولاية من قبل الإمام على اطراف المعمورة.
عدم وجود نضوج عام لمستوى البشر حتى يمكن استيعاب الجميع.
ومع ملاحظة هذه الأمور فلابد من أن تقضي الحكمة الإلهية الغيبة حتى تتوفر الشروط المطلوبة ولو كان غير ذلك لكان خلاف الحكمة الإلهية فادخار الإمام لهذا الأمر العظيم حتى يقف عيسى بن مريم يصلي خلفه يقتضي الغيبة كما اقتضى رفع عيسى بن مريم فلذا ورد في بعض الروايات انه يعطى الرجل من أصحابه قوة أربعين رجلاً وهذه إشارة إلى التكامل المطلوب لهذه المهمة العظمى وبهذا يتضح أن قضية الغيبة ليست امراً خلاف الحكمة أو امراً غريباً بل لابد منها ويستمر هذا الأمر حتى تقتضي الحكمة الإلهية الظهور بتوفر الشروط بشكل طبيعي أو بلطف رباني ولا يتحدد ذلك بأمد بل هو تابع لصحوة العالم اجمع وتوجههم نحو ذلك الهدف باعداد النفوس وهو معنى الانتظار.