القُرب والبُعد من الله تعالى .. هي مسألة معنوية خالصة، لا يمكن أن تكون مسألة مكانيّة أو جغرافيّة. ذلك أنّ الله سبحانه خالق المكان والزمان، لا يقيّده منهما شيء على الإطلاق.
فالقرب يعني الاقتراب من مصدر الخير والنور، والدنوّ من رحمة واهب السعادة والإيمان واليقين. وهذا القرب يعني ـ في الوقت نفسه ـ البُعد والتنائي عن الشقاء وظلمة الشك وأوحال العصيان.
مَن فاز بالقرب الإلهي فاز بالسعادة العظمى والخلود في النعيم الذي لا يبلغه حتّى الخيال.. « ما لا عينٌ رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خَطَر على قلب ».
وللقُرب أبواب.. فتحها الله تعالى لنا، لندخل منها، ونفوز فوزَ الأبد، وننجو نجاةً تناسب كرم ربِّنا وكماله المقدّس.
إنّ الذين يدخلون في أبواب القُرب الإلهي.. يجدون أمامهم النبيَّ واهل بيته الطاهرين قد دخلوا قبلهم وسَبقوهم إلى هذا المقام، فكانوا عليهم السّلام قد مهّدوا لنا الطريق، وأوضحوا لنا المعالم.
يقول الحقّ جلّ وعلا: « والسابقون السابقون * أولئك المقرَّبون ». ويوضح لنا رسول الله صلّى الله عليه وآله المعنى، فيقول: "أنزلها الله في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله، وعليّ بن أبي طالب وصيِّي، أفضلُ الأوصياء."
والآن.. دَعُونا نلهج مع أئمّة اهل البيت عليهم السّلام وهم يُناجون ربّهم طلباً لهذا القرب النفيس. يقول الإمام عليّ عليه السّلام: "إلهي، هَبْ لي كمال الانقطاع إليك، وأنِرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك.. حتّى تَخرِقَ أبصارُ القلوبِ حُجُبَ النور، فتَصِلَ إلى مَعدِنِ العَظَمة."
وهذه مناجاة سجّادية رفيعة يفيض علينا فيها من نور الإمام زين العابدين عليه السّلام: "سبحانك! ما أضيَقَ الطرقَ على مَن لم تكن دليلَه! وما أوضحَ الحقَّ عند مَن هديتَه سبيلَه! إلهي، فآسلُكْ بنا سبلَ الوصولِ إليك، وسَيِّرْنا في أقرب الطرق للوفود عليك."
نسالكم الدعاء