دور بطلة كربلاء
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
***
الدور الذي قامت به العقيلة زينب في تلك الثورة لا يقل صعوبة ولا تأثيراً في نصرة الدين من دور الحسين (عليه السّلام( وأصحابه ؛ فهي بحقّ بطلة كربلاء ، ظهرت على مسرح تلك الحوادث المؤلمة والمواقف الرهيبة بأجلى مظاهر البطولة ، وأعلى مستويات الشجاعة ؛ من حيث الصبر والاستقامة ، ورباطة الجأش وامتلاك الأعصاب ، تماماً كما وصفها هذا السيّد الأديب ، [حيث] قال :
بـأبي التي ورثتْ مصائبَ أمها فـغدتْ تـقابلُها بصبر أبيها
لمْ تلهو عن جمعِ العيالِ و حفظِهمْ بـفراقِ إخـوتِها وفـقدِ بـنيها
وقال الآخر :
قـد ورثتْ زينب عن أمها كلّ الذي جرى عليها وصار
وزادتِ الـبنتُ عـلى أمها من دارِها تُهدى إلى شرّ دار
وإنْ شئت هلمّ معي لنستعرض آيات باهرات عن بطولة العقيلة زينب (عليها السّلام) وشجاعتها :
لمّا صرع الحسين (عليه السّلام ) خرجت السيّدة زينب متوجّهة إليه تشقّ طريقها بين الجماهير ، وتتخطّى القتلى والجرحى حتّى وصلت إلى مصرع أخيها الحسين (عليه السّلام) فوجدته بحالة تفتت القلوب ، وتقطّع الأكباد ، وتجري الدموع دماً . فكان المتوقّع منها طبعاً وهي أخته الثكلى وشقيقته المفجعة به ، أقول كان المتوقّع منها أنْ تفقد كلّ تماسك وتوازن ، وتشقّ جيبها ، وتنشغل بالصراخ والعويل ، واللطم والبكاء وما شاكل ذلك .
ولكنّها لمْ تفعل شيئاً من هذا القبيل أبداً ؛ بل جلست عند رأس الحسين (عليه السّلام) بهدوء ووقار ، ومدّت يديها تحت ظهر الحسين (عليه السّلام) ورفعت رأسه عن الأرض ، وأسندته إلى صدرها ، ورفعت طرفها نحو السماء وقالت وهي خاشعة خاضعة بين يدي الله تعالى : اللّهمَّ تقبّل منّا هذا القربان . اللّهمَّ تقبّل منّا هذا الفداء .
يوم الحادي عشر :
الأسير عادة يظهر عليه آثار الذلّ والاستكانة أمام آسره ، وخاصّة المرأة مهما كانت عظيمة وقويّة ، ولكنّها [إذا] وقعت في أسر العدو تلين الكلام معه وتطلب عطفه وشفقته ؛ أمّا عقيلة آل أبي طالب وبنت أمير المؤمنين (عليه السّلام) فإنّها ما ذلّت ولا خضعت بالقول لأيّ من أولئك الطغاة الغالبين .
تخاطب القائد الفاتح عمر بن سعد
يوم الحادي عشر عندما قدّم النياق إلى النساء للركوب ، قالت : ويلك يبن سعد ! سوّد الله وجهك ، أتأمر الأجانب أن يركبونا ونحن بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؟! قل لهم فليتباعدوا عنّا حتّى يركب بعضنا بعضاً .
وقالت لعبيد الله بن زياد ، ذلك الطاغي المتكبر لمّا سألها قائلاً : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهلك ؟ فأجابته قائلة : ما رأيت إلاّ جميلاً ؛ أولئك قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم ، فانظر لمَنْ الفلج يومئذ ، ثكلتك اُمّك يابن مرجانة !
وقالت ليزيد بن معاوية وهي أسيرة بين يديه وفي المجلس العام : أمن العدل يابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبايا ؟! ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك إنّي لأستصغر قدرك ، واستعظم تقريعك ، واستكبر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرّى ، فاسعَ سعيك ، وكد كيدك ، وناصب جهدك ؛ فوالله لا تمحو ذكرنا . . . .
والله يا يزيد ، ما فريت إلاّ جلدك ، ولا حززت إلاّ لحمك ، وهل رأيك إلاّ فند ، وجمعك إلاّ بدد ، وأيامك إلاّ عدد ، وسيعلم مَنْ سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين ، بأس للظالمين بدلاً !
ألا فالعجب كلّ العجب من قتل حزب الله النجباء بأيدي حزب الشيطان الطلقاء ! وهذه الأيدي تنطق من دمائنا ، والأفواهُ تحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفّرها أمهات الفر اعل . . . اللّهمَّ خذ لنا بحقّنا ، وانتقم لنا ممّن ظلمنا ، واحلل غضبك على مَنْ سفك دماءنا وقتل حُماتنا .
والخلاصة : إنّها (سلام الله عليها) ما ظهر عليها ذلّ الأسر وضعف السبي أبداً ؛ لقد قابلت الحوادث الجسام والمصائب العظام بشجاعة فائقة ورباطة جأش .
ومن الجدير بالذكر إضافة إلى ما سبق : أنّ رجلاً من الشخصيات كان حاضراً في مجلس يزيد ، فنظر إلى فاطمة بنت الحسين (عليها السّلام)، فالتفت إلى يزيد وقال : يا أمير ، أطلب منك أنْ تهب لي هذه الجارية تكون خادمة عندي .
وقبل أنْ يردّ عليه يزيد بشيء قامت إليه الحوراء زينب (عليها السّلام) ، وقالت له : صه يا لكع الرجال ! ما جعل الله ذلك لك ولا لأميرك .
فقال يزيد : إنّ ذلك لي ، ولو شئت أنْ أفعل لفعلت .
فقالت له العقيلة (عليها السّلام) : كلاّ ، إلاّ أنْ تخرج عن ملّتنا ، وتدين بدين غير ديننا .
فغضب يزيد وقال : إنّما خرج عن الدين أبوك وأخوك .
فردّت عليه السيّدة زينب (عليها السّلام) قائلة : بدين الله ودين جدّي وأبي وأخي اهتديت أنت وأبوك وأخوك إنْ كنت مسلماً .
ولمّا لم يجد يزيد جواباً قال لها : كذبت يا عدوة الله .
فقالت (عليها السّلام) : أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك .
فسكت يزيد وما ردّ عليها ، وسكتت زينب (عليها السّلام( .
فأعاد الرجل الشامي مقالته وقال : يا أمير ، هب لي هذه الجارية تكون خادمة لي .
فقال له يزيد : وهب الله لك حتفاً قاضياً ، ويلك ! أتعرفها والتي تنهاك عنها ؟
فقال الرجل : لا ، ولكنّك تقول هؤلاء خوارج خرجوا عليّ فقتلت الرجال وسبيت النساء .
فقال يزيد : ويلك ! أمّا التي تريدها خادمة في بيتك فهي فاطمة بنت الحسين بن علي ؛ وأمّا التي تمنعك عنها فهي عمّتها زينب بنت علي بن أبي طالب .
فلمّا سمع الرجل ذلك قال : ويلك يا يزيد ! أتقتل آل بيت رسول الله وتسبي نساءهم ؟!
وهكذا وبمثل هذه المواقف الرائعة أعطت السيّدة زينب (عليها السّلام) المثل الأعلى للمرأة المسلمة المثالية ، كيف تتغلّب على عواطفها في اللحظات الحرجة ، وكيف تسيطر على غرائزها بقوّة العقل والتفكير الواعي ؛ فتساهم بذلك في خدمة الدين والعدل والمصلحة العامّة ، مع الحفاظ على عزّتها وكرامتها .
أخضعت عواطفها لإرادة العقل والتفكير الواعي ، وجنّدت قواها لخدمة المصلحة الحقيقية ، وأنّها تكون أضرّ وأخطر عنصر في الحياة إذا جعلت من نفسها آلة طيّعة
للشهوات والغرائز الحيوانية ، وسارت وراء عواطفها بدون قيد من عقل ، ولا رادع من ضمير ، ولا وازع من دين ؛ فتكون بذلك أقوى سلاح بيد الشيطان
السلام عليكِ يابنت سلطان الأوصياء
تعليق