يتفاوت الناس في فهمهم لأمر الله تعالى وأولياءه وبسبب الفهم الخاطئ شذ قوم وارتد آخرون عن أنبياءهم لأنهم جعلوا لهم إرادة مع إرادة الله وأمر مع أمر الله .
وهنا نسأل سؤال هل جميع ما أخبر به الأنبياء (ع) أقوامهم وقع كما قالوا وفي الزمان الذي حددوا أم لا؟؟ وإذا لم يتحقق قولهم يكون ذلك دليلا على إنحرافهم وكذبهم حاشاهم من ذلك ؟؟
لندع الكلام لسيرة بعض الأنبياء مع أقوامهم تخبرنا بجواب هذا السؤال ونتناول أمر ثلاثة من الأنبياء أولي العزم كمثال على ذلك :
1- نبي الله نوح وإخباره لأصحابه بأن الهلاك للظالمين آتٍ في وقت حدده لهم حيث ورد في قصص الأنبياء للجزائري - ص 94 - 95
عن أبى عبد الله عليه السلام قال : سأل نوح ربه ان ينزل على قومه العذاب فأوحى الله إليه ان يغرس نواة من النخل فإذا بلغت وأثمرت هلك قومه ، فغرس نوح النواة وأخبر أصحابه بذلك فلما أثمرت واطعم أصحابه قالوا له يا نبي الله الوعد الذي وعدتنا ، فأوحى الله إليه ان يعيد الغرس ثانية ، حتى إذا بلغ النخل وأثمر فأكل منه نزل عليهم العذاب ، فأخبر نوح أصحابه بذلك فصاروا ثلاث فرق ، فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت مع نوح عليه السلام ، ففعل نوح عليه السلام ذلك حتى إذا بلغت النخلة وأثمرت واكل منها واطعم أصحابه قالوا يا نبي الله الوعد الذي وعدتنا ، فدعا نوح ربه فأوحى الله إليه : ان يغرس الغرسة الثالثة فإذا بلغ وأثمر أهلك قومه . فأخبر أصحابه ، فافترقوا ثلاث فرق ، فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت معه حتى فعل نوح ذلك عشر مرات وفعل الله بأصحابه الذين يبقون معه فيفترقون كل فرقة ثلاث فرق على ذلك فلما كان في العاشرة جاء إليه رجل من أصحابه فقال : يا نبي الله فعلت بنا ما وعدت أو لم تفعل ، فأنت صادق نبي مرسل لا نشك فيك ولو فعلت ذلك بنا ، قال فعند ذلك من قولهم أهلكهم الله لقول نوح ، وادخل الخاص معه السفينة فنجاهم الله تعالى ونجى نوحا معهم بعد ما صفوا وذهب الكدر منهم .
2- قصة نبي الله موسى (ع) عندما ذهب إلى ميقات ربه فمعلومة لدى الجميع قال تعالى {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ }الأعراف 142
فإخبر موسى (ع) قومه بأنه سوف يغيب عنهم ثلاثون ليلة وإذا به يتأخر عن الحضور بعد إتمام المدة لأن الله أراد أن يتم هذه المدة بعشر ليال وحدث أن عبد بنو اسرائيل العجل خلال هذه العشرة أيام إلا القليل الذين بقوا مع هارون على دينهم .
3- أما المثال الخاتم فهو من سيرة النبي الخاتم ( صلوات الله عليه وآله ) عندما رأى النبي في الرؤيا بأن فتح مكة سوف يكون في هذا العام وأخبر المسلمين بذلك وفعلا سار المسلمون أكثر من اربعة عشر الف نسمة للحج وإذا بقريش تمنعهم من الدخول ووقع صلح الحديبية بين النبي وقريش فوقع في نفوس بعض المسلمين الشك وارتد آخرون لأن ما قاله النبي لم يتحقق فأنزل الله تعالى هذه الآية {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً }الفتح27
فتم فتح مكة بعد رؤيا النبي (ص) بالفتح بعد عامين أي في عام 8 هـ
والذي نود أن ننبه عليه بعد هذا العرض الموجز بأن إخبار رسل الله عن المغيبات تدخل فيها أمور كثيرة قد لا نعلمها فيمكن حدوثها مثلما قالوا بالضبط ويمكن أن يؤجل ويمكن أن لا يحدث أصلا لذلك علينا أن نفهم هذا الموضوع ولا نكون أول كافر به لأن الله تعالى ارسل الأنبياء والرسل تمهيدا لدولة العدل الإلهي لتكون تجارب الأنبياء والوقائع التي حدثت معهم دروسا لنا لكي لا نقع فيما وقعت فيه أممهم من سوء فهم لأمر السماء