كما يقال في المثل إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة ,فالمسير نحو هداية النفس البشرية في طريق الله تستوجب أن تكون الخطوة الأولى فيها أن ندرس سير الأولين في القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى وهذ ه الدراسة لم تأتي جزافا وإنما هذا ما يدلنا عليه الهادي جل وعلا {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ }السجدة26 إذا هذا الطلب المقدم لنا من الله سبحانه أن نرى حال من قبلنا أي نأخذ العبرة مما جرى عليهم لكي نقف على الخلل وأيضا يطلب منا دراسة السلب والإيجاب من حياتهم لما في ذلك من فائدة كبيرة نحو الهداية لان ذلك يعني إن معرفة الخطأ يقود إلى عدم ارتكابه أو الوقوع فيه وعلينا أن لاننسى أن العدو ألأول للإنسان هو إبليس الذي لايفترق لحظة عن ألإنسان محاولا أن يوقعه في المعصية لكن لايستدعي ذلك أن نلقي اللوم على الشيطان ونترك أنفسنا ونستسلم للخطيئة أيضا يجب أن نعي السبب الحقيقي الذي يجعل ألإنسان لايؤمن بالله وبما بعثه من أنبياء ورسل وكذلك السبب الذي يؤدي بألإنسان إلى ألإشراك بالله وحتى إلى نكران وجوده يعني أن نؤكد على الجوانب السلبية في حياتهم التي أدت إلى سقوطهم وانعكاس ذلك في نفوسنا محاولين أن نبدأ من أول خطيئة على ألأرض ودراسة السبب أو الدافع الحقيقي وراء ذلك لأن المعالجة الصحيح التي تبدأ بالأصغر ثم ألأكبر منه شيئا فشيئا لكن ما نتوخاه هو ذكر ألأسباب الكبيرة والصغيرة أي عرض هذه المسببات على شاشة أمام ألعين لكي لاتقع أنفسنا في أحداها فنقوم بدراسة الخطوة أو تبيانها على مجموعة دروس وفي كل درس عبرة من ألأولين وكما سنبين ذلك:
الدرس ألأول
قال سبحانه وتعالى {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة38 هذه هي البداية أي بداية الشقاء عندما أمر الله سبحانه آدم عليه السلام أن يخرج من الجنة وما فيها وينزل ألي ألأرض وما ينتظره عليها من بؤس وأيضا ما يحيكه عدوه له و نراه سبحانه يؤكد أنه سيأتيكم مني هدى أي ستأتيكم الرسل والأنبياء ليذكروكم بوعد الله وليرشدونكم إلى الطريق الصحيح فدرسنا ألأول سيكون حول قصة أبني آدم التي كانت البداية التي فتحت باب الشر على الدنيا فلابد أن ألأسباب التي كانت وراء هذه البداية مؤكد هي رأس ألأفعى كما يقال أو بتعبير آخر هي الخلل الرئيسي أو المصدر الحقيقي للشر الذي لو وضعنا اليد عليه كنا من الناجين : فكلنا يعرف أن قابيل وهابيل هما ابني آدم عليه السلام أي أنهما أبني نبي وتربى في حجره وكان من المؤكد أن مصدر التربية لايفرق بين أحد منهم بالتعليم لكن الخلل في المستلم نفسه فأحدهم زكى نفسه أي أجبل نفسه على الفضيلة ظاهرا وباطنا أما ألأخر فأن ظاهره غير باطنه أي أن ظاهر قابيل كان صالحا لكن باطنه كان القبح وأن مسألة أظهار شيء وإخفاء شيء أخر لايمكن أن تدوم لأن ألله سبحانه حكمته من قوله تعالى{مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }آل عمران179 فهذا يعني أن ألابتلاء هو طريق ألله الذي يفرق به بين المؤمنين والكافرين أي المنافقين فجاءت اللحظة التي حسمت الموقف كما بينها سبحانه {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27 فانكشف الآخر لأنه لو كان عمله لله لتقبل منه فعظم ذلك في نفسه أي دخل الحسد لأخيه على ما آتاه الله من نعمه فما كان من قابيل إلا أن أصبح من حزب الشيطان لأن الآخر هو الذي حسد آدم (ع) على ما فضله الله حتى أدى به ذلك إلى الخروج من طاعة الله والطرد واللعن وكان عاقبته خسرناً . يتضح من ذلك إن النفس الانسانيه هي وعاء وهذا الوعاء بيد صاحبه فأما إن يجعله نظيفا براقا أو يجعله خلاف ذلك ومصداقا لقوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا }الشمس9 , فالتزكية هي النماء أي الترفع عن الدنئ فالذي يزكي نفسه أي ينمي صالح الإعمال فيها وكأن النفس هي كمستقيم الإعداد الحقيقية الذي يكون باتجاهين إما إيجابا أو سلبا فهابيل صعد بها إلى أعلى والآخر نزل بها أسفل فخسر الدنيا والآخرة , فالعجيب بالأمر كيف نسي قابيل إن الشيطان عدو لهم وهو الذي اخرج أبويهم من الجنة , أم انه جهل ذلك فمن المؤكد انه كان يعرف انه مخطئ لكنه يصر لأن في نفسه بذرة شر زرعها بيده فأمده عدوه فكبرت إلى الحد الذي تبينه ألآية {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }المائدة28 فالذي زكى نفسه ولم يجعل للشيطان عليها سبيلا لا يفعل الشر لأنه يخاف الله سبحانه ويرى أن ذلك مخالف لشريعة الله ويعلم أن الله لا يريد أن يسفك احدنا دم الآخر وإنما أراد منا عمارة الأرض بصالح الأعمال , فمن هذا الدرس عرفنا أن الداء الأول وهو داء إبليس اللعين هو الحسد والذي لا يجعل صاحبه يهدأ حتى يخرجه من طاعة الله إلى معصيته.
تعليق