هل ستترك كل شيء ورائك لتلحق بالحجة ؟
لم يكن البشر على مر التأريخ دوما" سوادها الأعظم يكره الحجة او لا يرغب بنصرته ، اذ يتحدث لنا الزمان السحيق عن قصص كثيرة لرجال كانوا يرومون النصرة واحبوا الخير وتمنوا ان يلحقوا وكرهوا الشر، لكن ثمة موانع دنيوية ونفسية منعتهم منن اتخذا الموقف الرجولي ، فالنصرة على شكل مراحل ، اول مرحلة هي الأيمان القلبي او لنقل (النظري) ثم يأتي من بعدها الأيمان التطبيقي او العملي ، ويتمثل الأخير في سرعة اتخاذ المواقف وعدم التردد ، لأن التردد ربما يؤدي للهلاك كما حصل مع العديد ممن نصر الأمام الحسين(ع) في الكتب والمواثيق لكنه خذله بالعمل والفعل فكان عاقبته الخسران المبين ، فالحق يحتاج الى موقف جريء ورجولي في لحظات الحسم التي تكشف فيها معادن الرجال وتتزلزل القلوب ، وقد يكون التردد في اتخاذ الموقف من اتباع الحجة او الداعي او الرسول تأريخيا" سببه تعلقات دنيوية وروابط دنيوية مثل حب العائلة والمال وسائر السلاسل التي تسحب الانسان نحو الأرض وتقعده عن تسجيل اسمه في سجل الأنصار الحقيقيين الفعليين وهذا المثال نجده في زمن المسيح (ع) حين سأله شاب من اتباعه ان يأذن له في المضي معه لكن قبل ذلك عليه ان يقوم بحق الوالد الذي توفي ، وان كان هذا الحق هو من الواجبات على الأنسان في عمره وتكليفه لكن مراحل الدعوة الالهية احيانا "لا تسمح حتى بهذه الامور التي يخيل للكثيرين انها حقوق وواجبات ، حيث يكون التخلي عنها وغض الطرف ليس تقصيرا" او استهانة" كما يعتقد الجهلة ولكنه يندرج تحت بوابة تقديم الاهم على المهم ، أذ تمر مرحلة الدعوة الالهية باوقات تحتاج الى كل رجالاتها دون استثناء لأحد في ساعة الشدة ، فالرجل الحقيقي هو الذي ينزع من قلبه حب الاهل والأولاد والمال والدنيا عموما" ليقدمها رخيصة وكثمن وقربان بين يدي ربه لينال بذلك الدرجة الرفيعة والثواب الجزيل في يوم الجزاء ، ونفس الكلام السابق ينطبق على ذلك الشاب الغني الذي سأل معمله يسوع المسيح ان يدليه على الطريق الذي ينال به الحياة الأبدية والنعيم الذي لا يزول فما كان من المسيح الا ان امره ان يوزع كل امواله على الفقراء ثم يتبعه ، والواقع ان الانسان حين يكون ثريا" ذا مال ليس كمن يكون فقيرا" معدما" ، لانه لا شك قد شقي وتحمل العناء والجهد في جمع تلك الثروة التي تضمن له العيش الهانيئ طوال عمره فكيف تاتي اللحظة التي يعطيها لأنسان على الجاهز دون تعب او عناء ، هذا الامتحان واقعا" يظهر معادن الرجال كما اسلفنا فالايمان قول وفعل وليس لقلقة باللسان بين يدي حجة الله على الخلائق ، ومن هنا اوجه السؤال الى نفسي هل ستاتي اللحظة التي اعطي كل ما املك واوزع كل ما جمعت كله في سبيل نصرة صاحب الأمر الألهي المنتظر(عج) ؟...هل حقا" في قلبي مصداق ما اناجي به امامي المعصوم في الزيارة (بأبي انت وامي ونفسي ومالي وولدي يا بن رسول الله ) ؟!... هل سأجرؤا عى مواجهة الأعداء الحقيقيين (نفسي والدنيا والشيطان) وارمي توافه الحياة خلفي واخرج شبه العاري لأسجل موقف مشرف يحسب لي يوم الجزاء بين يدي رسول الله (ص) وفاطمة الزهراء (ع) ؟...هل سأرفض موانع المجتمع والقيود التي يكبلني فيها منذ ان ابصرت عيني النور والى اليوم لأكون مثل الطائر الذي حطم باب القفص الذهبي الذي وضع فيه رغما" عنه وتم خداعه ان هذه هي الجنة لا غيرها ؟!..هل سأتخلى عن اهلي وعائلتي وهي اعز ما املك واكثر ما اخاف عليه الضياع في دنياي هذه كل ذلك لأجل تحقيق حلم الأنبياء في قيام دولة عادلة يسود فيها معنى الأنسان والأخلاق والمثل ؟...لا شك ان هذه كلها ستهون اذا ما تذكرت ان الجنة الحقيقية هي ليست هذه النعم الفانية المشحونة بالآفات ، بل ان جنة الخلد انما هي في رحاب دولة العدل الأهلي بمعية بقية آل محمد (ع) وما عدا ذلك فهي لا تعدو كونها خدعة كبيرة ونعيم زائل وجحيم في غيبة نور الله وحجته وخليفته الموعود .
تعليق