إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الراعي - قصة قصيرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الراعي - قصة قصيرة

    لطالما ابهرتني الطبيعة بسحرها وجمالها وخضرتها التي تبعث في النفس البهجة والراحة فكأنها تدعوني بين الفينة والأخرى للانغماس في أعماق فيافيها بعيدا عن مظاهر المدنية والعمارة طلبا للاسترخاء وتناسي مشاغل الحياة وزحام الأفكار المشوشة بين ما فعلت وما سافعل وما فعل سواي من اجل مستقبل مبهم .
    وبينما تتراقص الخطى فوق الأرض التي كساها خالقها حلة خضراء تزينها ما شاء ربي من الألوان في الازاهير المنتشرة في كل مكان تبعث في النفس اجمل الاحاسيس واذا انا بذلك الراعي يجلس مزهوا على طرف جذع نخلة مطروح هناك وهو ينقل بصره متفحصا الى اطراف البقعة التي ينتشر فيها قطيعه وهو يرتع آمنا في ظل وجود راعيه المتفاني لاجله في هذه الناحية المتطرفة عن الحي حيث لا زارع للأرض يتهمه بتجاوز حرمة مزروعاته .. فلم اتمالك الا ان دنوت تجاهه وفي نفسي الكثير لاسال عنه وكانني أرى فيه مصدر الإجابة الوحيد عليها حيث لا ثالث لنا في هذه الانحاء..
    لم يتضايق من ظهوري فجأة هناك، حيث المكان ليس في اقصى الأرض والمارة هنا ولاريب اكثر من القليل وهو على مايبدو قد اعتاد المارة من قبل فرد علي تحيتي برحابة صدر واوسع لي مكانا الى جنبه على ذلك الجذع فبادرت قائلا:
    - ماشاء الله لا قوة الا بالله
    - احسنت أيها الرجل
    - لا بد انك هنا منذ فترة قصيرة
    - منذ الفجر .. ولكني اتيت هذا الموضع منذ ساعة او اكثر
    - لا يبدو عليك أي نوع من الإرهاق
    - هذا القطيع مصب اهتمامي ومصدر رزقي وفي رعايته راحتي لا ارهاقي
    - ولكني وجدتك تمعن النظر الى اطرافه مطولا .. واحسبك تجتهد في ذلك
    - ( في ثقة بالغة ) ليس له من يرعاه بعد الله سواي
    - اراه مصدر تعب لراع منفرد
    - ( فسارع للبيان ) مائة وسبعة عشرة رأس
    - وتعلم عددهم بالضبط؟
    - وكيف لا افعل
    - ولكنهم يتوالدون
    - فان لم اعلم متى ستلد فساعلم حتما عندما تلد
    - الا تبيع منها؟
    - لذلك اجتهد في رعايتها
    - الا يؤلمك ذلك؟
    - يعوضني الله عنها بتوالدها
    - فان طلب اليك المشتري ان تذبحها له؟
    - لطالما فعلت ذلك.. ولطالما ذبحت منها لاهلي وضيوفي
    - فهل يهون عليك؟
    - تلك سنة الحياة .. فهي تذبح لغاية سامية اذ ستطعم بطنا جائعة
    - فلا تكترث؟
    - اكترث .. ولكن لا احزن
    - فان علمت ان من يشتريها سيلقي بجلها في الكناسة؟
    - ( باستغراب ) ولم قد يفعل؟
    - كثير مال .. ولا يأبه لما زاد عن طعامه.
    - شأنه وما يفعل .. له رب يحاسبه على ما يبذر
    - فان علمت انه سيلقي بها لكلابه الجائعة .. لا لطعامه ولا لطعام ضيوفه ؟
    - قد قلتها .. لكلابه الجائعة .. والجائع يستحق الاطعام ، ولو كان كلبا او هرا او ماسواه
    - ( فتماديت .. ) فان علمت انه سيلقي بها كما هي دون ان يطعمها أحدا؟
    - ويفعل الناس مثل ذلك؟
    - لرهان او لتغير راي .. او أي من هذا القبيل
    - ( مغضبا ) لو دفع لي ضعف ما تستحق .. واعلم عنه ما تقول .. مابعته إياها.. فانا لا ارعاها لما ساجني منها فقط .. هذه أيها الرجل مهنتي ومهنة ابي وجدي من قبل.
    - وما الفرق في ذلك؟
    - ان ذبحها بلا سبب .. كقتل انسان بلا سبب
    - فلا يهون عندك قتل الانسان؟
    - وهل يهون قتل الانسان؟؟؟
    - ما اكثر من يقتلون ..
    - ان كان لشيء يستحق ذلك بامر الله فهو كائن ولا اعتراض عليه .. ورغم ذلك فهو ليس بالهين .. فقتل الانسان لا يشبع بطنا جائعة.
    - يوجد في بعض انحاء العالم المنعزل قبائل يقال لها آكلي لحوم البشر
    - لو كان فعلهم سنة لتفشى في العالم.
    - فسواهم يقتل للقتل ليس الا..
    - فآكلي لحوم البشر اهون من هؤلاء
    ووجدت نفسي حينها قد اوغلت بعيدا في الخوض عن الدماء.. فعدت الى حيث بدأت
    - دعنا من ذلك .. لنعد الى قطيعك .. انت تحسن رعايته؟
    - ابذل قصارى جهدي
    - وهل يقصر جهدك؟
    - افقد بين الحين والأخر شيئا منها
    - وكيف ذلك؟؟
    - تاكل احداها نبتة مسمومة في غفلة مني ..ويجترئ الذئب على احداها في غفلة مني وتتوه احداها عن القطيع في غفلة مني وتمرض احداها حد الموت في غفلة مني ويموت وليد احداها لغفلة مني
    - ويسوؤك ذلك؟
    - كأن ولدا لي هلك، اذ لاحول لها ولا قوة وانا المسؤول عنها والمتضرر بفقدها
    - وهل يطول حزنك؟
    - الوم نفسي كلما تداركت احداها فاقول في نفسي لو تنبهت ذلك اليوم كما فعلت اليوم لما هلكت عني تلك
    - ذلك امر الله سبحانه
    - فلم اجلس هنا اذن .. ان مشيئة الله لا تبرر غفلتي يارجل
    واظنه سمعني عندما قلت متمتما ( اختار الله لانبيائه ان يكونوا رعاة اغنام لمثل هذا )
    رب إني مغلوب فانتصر
يعمل...
X