بسم الله الرحمن الرحيم
وصل يارب على محمد واله الطاهرين
وابارك لكم جميعا ونحن على اعتاب شهر رمضان
حلول هذا الشهر الفضيل
واود ان الفت نظركم جميعا واذكركم بالنية واهميتها
وستجدون في هذا الموضوع اهمية النية والاخلاص في العمل
واذكركم كما هو الحال في هذا الشهر من كل عام بموضوع
بر الوالدين
وهو كل ما نقدمه من عمل صالح وما يخرج من ايدينا برا لوالدينا
قربة الى الله تعالى في هذا الشهر المبارك وفقنا الله واياكم
لصيامه وقيامه
قيمة العمل
النية
وهي أول ركن في كل عمل بل هي التي ترسم وتحدد هوية العمل. فعن الإمام السجاد (ع) أنه قال:
"لا عمل إلا بنية"[1].
وفي رواية عن الرسول الأكرم (ص) قال:
"إنما الأعمال بالنيات"[2].
وأما التعبيرات الأخرى الملاحظة في المصادر الإسلامية حول النية فعبارة عن:
"لكل امرئ ما نوى"[3].
"يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة"[4].
"لا دين لمن لا نية له"[5].
"ولتكن لك في كل شيء نية حتى في النوم والأكل"[6].
بديهي أن المراد من النية في العبادة ليس ترديد ألفاظ معينة، بل هي أمر قلبي، وهوية عينية تخص العمل... إنها تحدد سلامة الدافع، وانحصاره في طاعة الله ورضاه... إنها تعني العمل عن وعي والشوق إلى المعبود.
دور الإخلاص في النية
1 ـ الإخلاص عامل فوز: عبر عن الإخلاص في كلمات أمير المؤمنين بالفوز[7]، وقال في حديث آخر له: "في الإخلاص يكون الخلاص"[8].
2 ـ الإخلاص هدف الأديان والشرائع: في حديث آخر لعلي (ع) قال: "الإخلاص غاية الدين"[9]. أي هدفه.
3 ـ الإخلاص ملاك التفاضل: جاء في رواية عن رسول الله (ص) قال: "بالإخلاص تتفاضل مراتب المؤمنين"[10].
4 ـ الإخلاص خير النعم: وفي رواية عن الصادق (ع) قال:
"ما أنعم الله عز وجل على عبد أجلّ من ألا يكون في قلبه مع الله غيره"[11].
وقال الله تعالى في الحديث القدسي:
"الإخلاص سر من أسراري، استودعته قلب من أحببت من عبادي"[12].
5 ـ الإخلاص طريق كسب المودة: إن تحصيل المودة والمحبة الاجتماعية من آمال الإنسان المتأصلة في القدم، فكم هي المحاولات والمساعي والجهود التي تبذل من أجل إرضاء بعض العناصر في المجتمع وكسب مودتهم. لكن الله سبحانه وتعالى رسم طريقاً لكسب المودة إذ قال جل وعلا في القرآن الكريم:
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان وداً)[13].
وقد فسر العمل الصالح في الروايات والتفاسير بأنه ما يكون مقصوداً لله سبحانه. ففي رواية عن رسول الله (ص) قال:
"اعمل لوجه واحد يكفيك الوجوه كلها"[14].
6 ـ الإخلاص ملاك الشرف والكرامة الإنسانية:
يتوقع الله من الإنسان الذي سخر له كل شيء[15] أن يثبت فضله على سائر الموجودات، وإلاّ كانت الكرامة والميزة التي خصّ بها الإنسان أمراً لا طائل من ورائه. ففي رواية عن الصادق (ع) قال": "ولابد للعبد من خالص النيّة في كل حركة وسكون، لأنه إذا لم يكن هذا المعنى يكون غافلاً، والغافلون وصفهم الله تعالى، فقال: (إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضل سبيلا) وقال: (وأولئك هم الغافلون)".
فالنية هي الملاك لا تصاف الإنسان بالإنسانية، وافتراقه عن الحيوانية.
7 ـ الإخلاص خير وسيلة للإحسان:
يمكن للإنسان أن يستثمر كل الإمكانيات المالية والمادية التي وهبها الله إياه، واستغلال العمر والحياة والفرص المتاحة له، واستفراغ جهوده وقدراته العملية لأداء الطاعات وإتيان العبادات، لكن كلّ هذه الأمور تعترضها جملة من القيود، ويحدّها عدد من الحدود، بحيث لا تدع الإنسان حراً لينتفع منها بنحو مطلق وبلا حدود، فالإنسان يملك مقداراً من المال، وليس بمقدوره إلاّ أن ينفق بعضاً منه في إعانة الناس، وله عمر لا يتجاوز بضع سنين، ولا يمكنه إلاّ أن يخصص قدراً منه للعبادة والطاعة. فالنية وسيلة الإحسان الوحيدة التي تتيح للإنسان استثمارها أبداً بلا حدود ولا قيود.
فعن الإمام الصادق (ع) قال: "إن العبد المؤمن الفقير ليقول: يا ربّ ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير، فإذا علم الله عزّ وجل ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله إن الله واسع كريم".
وفي رواية أخرى قال: "من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً، ويضاعف الله لمن يشاء إلى سبعمائة" وفي الحديث المروي عن رسول الله (ص) أنه قال:
"أكثر شهداء أُمتي أصحاب الفرش، وربّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيّته"[16]
8 ـ الإخلاص قوام الدين:
إن أفعال البشر وانفعالاتهم لا يكون لها معنى إلاّ في ضوء النية، فبالنية يصبح لفعل الإنسان قيمة ومعنى، وعلى أساس نيته يجازى العامل. فسكين الجراح والشرير واحدة بحسب الظاهر، ومن حيث العمل، لكن النية تجعل الموقف المتخذ من أحدهما غير الموقف المتخذ من الآخر. وكما تؤثر النية في قيمة أفعال الإنسان، كذلك الدين، والتأثير الروحي والعقائدي له يقوم على أساس النية أيضاً فعن أمير المؤمنين (ع): "لا يقوم الدين إلاّ بالنية الصادقة، كما لا يقوم الجسم بغير الحياة".
فأيما عمل يقوم به الإنسان ـ خاصة العمل العبادي ـ لا يشترط فيه نيّة وجه الله وقصد الخير فحسب، بل يجب أن تكون النية خالصة أيضاً.
فالعامل إذا أراد بعمله مع الله شيئاً غيره فقد أحبط عمله مهما بلغ ما قصده من الضآلة، وأبى الله أن يتقبله منه. ففي الحديث القدسي قال الله سبحانه وتعالى (أنا خير شريك ومن أشرك معي غيري في عمل عمله، لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصاً)[17].
وقد تقدمت الإشارة إلى أن النية أمر قلبي، لا يكفي فيها ترديد ألفاظها باللسان، وأن قصد القربة لا يتحقق باللفظ، بل يجب أن يكون التقرب إلى الله ـ قلباً وعملاً ـ هو العامل المحرّك نحو العمل، وأن يكون أداؤه بنحو يحقق القرب من الله سبحانه.
طريق تحصيل النية الخالصة:
هناك تحذيرات وتأكيدات كثيرة جداً وردت في الروايات تدعو الإنسان إلى الإخلاص في النية في الوقت الذي يشبه نفوذ الشرك الخفي، وإشراك غير الله في العمل العبادي في الروايات بحركة النملة في قلب الليل على الحجر الأسود. فبلوغ مقام الإخلاص والتخلص من الشرك الخفي أمر غير يسير ولا سهل، ويفتقر إلى الدقة والتأمل اللازمين. ونحن سنسعى فيما يأتي للتعرف على طرق إدراك قيمة هذا المقام من خلال المطالعة والتفحص في مصادر المعرفة.
1 ـ اليقين بالمبدأ والمعاد:
جميعنا يؤمن بالله ويوم القيامة، لكن اعتقادنا هذا لم يبلغ حدّ اليقين. فقد آمنا أنا لله وأن الأوب إليه حق. ونعلم أيضاً أن الله عادل، وهو القاضي في ملف أعمال جميع العباد يوم القيامة، كما نعلم أن جميع إمكانياتنا الدنيوية هي منذ بدء الخليقة وإلى يومنا الحاضر رهينة فيض مبدئ الوجود، وأن الله ربنا رحمن رحيم، وأن كل القوى غيره إنما تمثل انعكاساً ضعيفاً جداً لقدرته وقوته، وأنها خاضعة لإرادته ومشيّته. ونعلم أن أنفاسنا تقودنا نحو بوابة الموت، لكنا لا نعتقد بهذه الأمور عن علم ويقين. فلذا نعقد آمالنا على غير الله، ونعتمد عليه ونشركه في عملنا. وهذه الحقيقة قد أشير إليها في كلمات ائمة الدين. فعن أمير المؤمنين (ع) قال: "سبب الإخلاص اليقين".
وفي حديث آخر قال:
"على قدر قوة الدين يكون خلوص النية"[18].
فلكي نفهم وندرك الإخلاص لابد أن نزيد في معرفتنا واعتقادنا العملي بالله ويوم الجزاء، ونسعى قبل طلب الإخلاص إلى الاقتراب من مقام اليقين.
2 ـ اليأس من الناس:
بالرغم من أن المجتمع وعموم الناس يشكلان في الرؤية الإسلامية المحرم الأساس في استقرار النظام العلّي والمعلولي للخلقة إلاّ أنه لا يمكن اعتبارها ركيزة مناسبة لروح البشر. إذ أن منزلة الإنسان في نظام الخلقة ليس الموجه الحقيقي للتعلق والارتباط الروحي بين أفراد المجتمع، فإن الإنسان وإن كان خليفة الله في الأرض، وخلق الله الكائنات لأجله، ورغم أن روح الانزواء والانعزالية فاشلة ولا قيمة لها، لكن الإنسان من العجز بمكانٍ ما جعل القرآن الكريم يصفه. بقول:
(لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه)[19].
فمع أن كل ما لدى الإنسان هو هبة لله سبحانه وتعالى له. وأن جميع ما ينفقه في سبيله سيعيده مضاعفاً من عشرة إلى سبعمائة ضعف إليه غير أنه كما قال تعالى.
(إذا مسّه الخير منوعاً)[20].
فلو أن الله أعرض عن الناس، وأرادوا أنفسهم تقديم العون لغيرهم لما احتملوا أن يقوموا أنفسهم باعداد قطرة ماء ثم يهبوها لغيرهم أو ينتفع بها. فعلى الإنسان أن يقطع أمله عن جميع العاجزين البخلاء هذا، ليكون يأس هذا خطوة أولى نحو الارتباط الوثيق بالله سبحانه، وإخلاص العمل له، فعن المعصوم (ع) قال: "أوّل الإخلاص اليأس مما في أيدي الناس"[21].
3 ـ تجنّب تنمية الاهواء واتباعها:
إن ما يدفع الإنسان إلى التملق والتزلف والسكع على أبواب الخلائق ليس إلاّ الآمال والأهواء، والشهوات، وحب الدنيا، والتعلق بزخارفها، فلو حدّ الأمل، وقمع الهوى، وذلل حبّ الدنيا لما تعلق الإنسان بالغير. إذ كيف ستسمح له حريته أن يعلق آماله على غير الله، ويشوب عبادته ـ وهي أفضل الأعمال الإنسانية ـ بإشراك من ليس بخليق بهذا الأمر.
يقول الغزالي في بيان حقيقة الإخلاص:
"فالذي يغلب على نفسه حبُّ الدنيا، والعلو والرئاسة وبالجملة حبُّ غير الله اكتسبت جميع حركاته الاعتادية تلك الصفة فلم تسلم له عباداته. فلابد من قطع الطمع من الدنيا، والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب فإذ ذاك يتيسر الإخلاص"[22].
4 ـ استخدام العقل:
إن العاقل الملتفت إلى ضعف الناس، ودرجة تأثيرهم في مساعدة أفراد المجتمع إذا قارن بين ذلك وبين القدرة والمحبة والكرامة الإلهية، لن يكون مستعداً أبداً لأن يبيع عمله الآخرين، فإنهم إما يأبون شراءه، أو يشترونه بثمن بخس، أو يرضونه مع المنّة وآلاف القيود والشروط الأخرى، فعن الإمام الباقر (ع) أنه قال: "ما بين الحق والباطل إلاّ قلة العقل. قيل: وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: إن العبد يعمل العمل الذي هو لله رضىً، فيريد به غير الله، فلو أنه أخلص لله لجاءه الذي يريد في أسرع من ذلك"[23] وعبّر في رواية أخرى عن أداء العمل من أجل الغير بخسران الدنيا والآخرة، والشقاء العظيم حيث يكون العامل لغير الله قد انفق من الدنيا ولم يحصل على شيء من الأجر في الآخرة[24].
[1] وسائل الشيعة، ج1، ص33.
[2] بحار الأنوار ج70، ص210.
[3] بحار الأنوار ج70، ص210.
[4] وسائل الشيعة ج1، ص34.
[5] قصار الجمل.
[6] وسائل الشيعة ج1، ص35.
[7] الحديث هو "الاخلاص فوز" (غرر الحكم ـ الفهرس ـ كلمة الاخلاص).
[8] تنبيه الخواطر ص390.
[9] غرر الحكم.
[10] تنبيه الخواطر ص36.
[11] مستدرك الوسائل ج1، ص10.
[12] بحار الأنوار ج70، ص249.
[13] سورة مريم، الآية: 96.
[14] كنز العمال ج3، ص23.
[15] (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض) (سورة الحج، الآية:65).
[16]المحجة البيضاء ج8، ص103.
[17] المستدرك ج1، ص101.
[18] غرر الحكم.
[19] سورة الحج، الآية:73.
[20] سورة المعارج، الآية:21.
[21] غرر الحكم.
[22] المحجة البيضاء ج8، ص131.
[23] بحار الأنوار ج72، ص299.
[24] بحار الأنوار ج72، ص300.
وصل يارب على محمد واله الطاهرين
وابارك لكم جميعا ونحن على اعتاب شهر رمضان
حلول هذا الشهر الفضيل
واود ان الفت نظركم جميعا واذكركم بالنية واهميتها
وستجدون في هذا الموضوع اهمية النية والاخلاص في العمل
واذكركم كما هو الحال في هذا الشهر من كل عام بموضوع
بر الوالدين
وهو كل ما نقدمه من عمل صالح وما يخرج من ايدينا برا لوالدينا
قربة الى الله تعالى في هذا الشهر المبارك وفقنا الله واياكم
لصيامه وقيامه
قيمة العمل
النية
وهي أول ركن في كل عمل بل هي التي ترسم وتحدد هوية العمل. فعن الإمام السجاد (ع) أنه قال:
"لا عمل إلا بنية"[1].
وفي رواية عن الرسول الأكرم (ص) قال:
"إنما الأعمال بالنيات"[2].
وأما التعبيرات الأخرى الملاحظة في المصادر الإسلامية حول النية فعبارة عن:
"لكل امرئ ما نوى"[3].
"يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة"[4].
"لا دين لمن لا نية له"[5].
"ولتكن لك في كل شيء نية حتى في النوم والأكل"[6].
بديهي أن المراد من النية في العبادة ليس ترديد ألفاظ معينة، بل هي أمر قلبي، وهوية عينية تخص العمل... إنها تحدد سلامة الدافع، وانحصاره في طاعة الله ورضاه... إنها تعني العمل عن وعي والشوق إلى المعبود.
دور الإخلاص في النية
1 ـ الإخلاص عامل فوز: عبر عن الإخلاص في كلمات أمير المؤمنين بالفوز[7]، وقال في حديث آخر له: "في الإخلاص يكون الخلاص"[8].
2 ـ الإخلاص هدف الأديان والشرائع: في حديث آخر لعلي (ع) قال: "الإخلاص غاية الدين"[9]. أي هدفه.
3 ـ الإخلاص ملاك التفاضل: جاء في رواية عن رسول الله (ص) قال: "بالإخلاص تتفاضل مراتب المؤمنين"[10].
4 ـ الإخلاص خير النعم: وفي رواية عن الصادق (ع) قال:
"ما أنعم الله عز وجل على عبد أجلّ من ألا يكون في قلبه مع الله غيره"[11].
وقال الله تعالى في الحديث القدسي:
"الإخلاص سر من أسراري، استودعته قلب من أحببت من عبادي"[12].
5 ـ الإخلاص طريق كسب المودة: إن تحصيل المودة والمحبة الاجتماعية من آمال الإنسان المتأصلة في القدم، فكم هي المحاولات والمساعي والجهود التي تبذل من أجل إرضاء بعض العناصر في المجتمع وكسب مودتهم. لكن الله سبحانه وتعالى رسم طريقاً لكسب المودة إذ قال جل وعلا في القرآن الكريم:
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان وداً)[13].
وقد فسر العمل الصالح في الروايات والتفاسير بأنه ما يكون مقصوداً لله سبحانه. ففي رواية عن رسول الله (ص) قال:
"اعمل لوجه واحد يكفيك الوجوه كلها"[14].
6 ـ الإخلاص ملاك الشرف والكرامة الإنسانية:
يتوقع الله من الإنسان الذي سخر له كل شيء[15] أن يثبت فضله على سائر الموجودات، وإلاّ كانت الكرامة والميزة التي خصّ بها الإنسان أمراً لا طائل من ورائه. ففي رواية عن الصادق (ع) قال": "ولابد للعبد من خالص النيّة في كل حركة وسكون، لأنه إذا لم يكن هذا المعنى يكون غافلاً، والغافلون وصفهم الله تعالى، فقال: (إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضل سبيلا) وقال: (وأولئك هم الغافلون)".
فالنية هي الملاك لا تصاف الإنسان بالإنسانية، وافتراقه عن الحيوانية.
7 ـ الإخلاص خير وسيلة للإحسان:
يمكن للإنسان أن يستثمر كل الإمكانيات المالية والمادية التي وهبها الله إياه، واستغلال العمر والحياة والفرص المتاحة له، واستفراغ جهوده وقدراته العملية لأداء الطاعات وإتيان العبادات، لكن كلّ هذه الأمور تعترضها جملة من القيود، ويحدّها عدد من الحدود، بحيث لا تدع الإنسان حراً لينتفع منها بنحو مطلق وبلا حدود، فالإنسان يملك مقداراً من المال، وليس بمقدوره إلاّ أن ينفق بعضاً منه في إعانة الناس، وله عمر لا يتجاوز بضع سنين، ولا يمكنه إلاّ أن يخصص قدراً منه للعبادة والطاعة. فالنية وسيلة الإحسان الوحيدة التي تتيح للإنسان استثمارها أبداً بلا حدود ولا قيود.
فعن الإمام الصادق (ع) قال: "إن العبد المؤمن الفقير ليقول: يا ربّ ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير، فإذا علم الله عزّ وجل ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله إن الله واسع كريم".
وفي رواية أخرى قال: "من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً، ويضاعف الله لمن يشاء إلى سبعمائة" وفي الحديث المروي عن رسول الله (ص) أنه قال:
"أكثر شهداء أُمتي أصحاب الفرش، وربّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنيّته"[16]
8 ـ الإخلاص قوام الدين:
إن أفعال البشر وانفعالاتهم لا يكون لها معنى إلاّ في ضوء النية، فبالنية يصبح لفعل الإنسان قيمة ومعنى، وعلى أساس نيته يجازى العامل. فسكين الجراح والشرير واحدة بحسب الظاهر، ومن حيث العمل، لكن النية تجعل الموقف المتخذ من أحدهما غير الموقف المتخذ من الآخر. وكما تؤثر النية في قيمة أفعال الإنسان، كذلك الدين، والتأثير الروحي والعقائدي له يقوم على أساس النية أيضاً فعن أمير المؤمنين (ع): "لا يقوم الدين إلاّ بالنية الصادقة، كما لا يقوم الجسم بغير الحياة".
فأيما عمل يقوم به الإنسان ـ خاصة العمل العبادي ـ لا يشترط فيه نيّة وجه الله وقصد الخير فحسب، بل يجب أن تكون النية خالصة أيضاً.
فالعامل إذا أراد بعمله مع الله شيئاً غيره فقد أحبط عمله مهما بلغ ما قصده من الضآلة، وأبى الله أن يتقبله منه. ففي الحديث القدسي قال الله سبحانه وتعالى (أنا خير شريك ومن أشرك معي غيري في عمل عمله، لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصاً)[17].
وقد تقدمت الإشارة إلى أن النية أمر قلبي، لا يكفي فيها ترديد ألفاظها باللسان، وأن قصد القربة لا يتحقق باللفظ، بل يجب أن يكون التقرب إلى الله ـ قلباً وعملاً ـ هو العامل المحرّك نحو العمل، وأن يكون أداؤه بنحو يحقق القرب من الله سبحانه.
طريق تحصيل النية الخالصة:
هناك تحذيرات وتأكيدات كثيرة جداً وردت في الروايات تدعو الإنسان إلى الإخلاص في النية في الوقت الذي يشبه نفوذ الشرك الخفي، وإشراك غير الله في العمل العبادي في الروايات بحركة النملة في قلب الليل على الحجر الأسود. فبلوغ مقام الإخلاص والتخلص من الشرك الخفي أمر غير يسير ولا سهل، ويفتقر إلى الدقة والتأمل اللازمين. ونحن سنسعى فيما يأتي للتعرف على طرق إدراك قيمة هذا المقام من خلال المطالعة والتفحص في مصادر المعرفة.
1 ـ اليقين بالمبدأ والمعاد:
جميعنا يؤمن بالله ويوم القيامة، لكن اعتقادنا هذا لم يبلغ حدّ اليقين. فقد آمنا أنا لله وأن الأوب إليه حق. ونعلم أيضاً أن الله عادل، وهو القاضي في ملف أعمال جميع العباد يوم القيامة، كما نعلم أن جميع إمكانياتنا الدنيوية هي منذ بدء الخليقة وإلى يومنا الحاضر رهينة فيض مبدئ الوجود، وأن الله ربنا رحمن رحيم، وأن كل القوى غيره إنما تمثل انعكاساً ضعيفاً جداً لقدرته وقوته، وأنها خاضعة لإرادته ومشيّته. ونعلم أن أنفاسنا تقودنا نحو بوابة الموت، لكنا لا نعتقد بهذه الأمور عن علم ويقين. فلذا نعقد آمالنا على غير الله، ونعتمد عليه ونشركه في عملنا. وهذه الحقيقة قد أشير إليها في كلمات ائمة الدين. فعن أمير المؤمنين (ع) قال: "سبب الإخلاص اليقين".
وفي حديث آخر قال:
"على قدر قوة الدين يكون خلوص النية"[18].
فلكي نفهم وندرك الإخلاص لابد أن نزيد في معرفتنا واعتقادنا العملي بالله ويوم الجزاء، ونسعى قبل طلب الإخلاص إلى الاقتراب من مقام اليقين.
2 ـ اليأس من الناس:
بالرغم من أن المجتمع وعموم الناس يشكلان في الرؤية الإسلامية المحرم الأساس في استقرار النظام العلّي والمعلولي للخلقة إلاّ أنه لا يمكن اعتبارها ركيزة مناسبة لروح البشر. إذ أن منزلة الإنسان في نظام الخلقة ليس الموجه الحقيقي للتعلق والارتباط الروحي بين أفراد المجتمع، فإن الإنسان وإن كان خليفة الله في الأرض، وخلق الله الكائنات لأجله، ورغم أن روح الانزواء والانعزالية فاشلة ولا قيمة لها، لكن الإنسان من العجز بمكانٍ ما جعل القرآن الكريم يصفه. بقول:
(لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه)[19].
فمع أن كل ما لدى الإنسان هو هبة لله سبحانه وتعالى له. وأن جميع ما ينفقه في سبيله سيعيده مضاعفاً من عشرة إلى سبعمائة ضعف إليه غير أنه كما قال تعالى.
(إذا مسّه الخير منوعاً)[20].
فلو أن الله أعرض عن الناس، وأرادوا أنفسهم تقديم العون لغيرهم لما احتملوا أن يقوموا أنفسهم باعداد قطرة ماء ثم يهبوها لغيرهم أو ينتفع بها. فعلى الإنسان أن يقطع أمله عن جميع العاجزين البخلاء هذا، ليكون يأس هذا خطوة أولى نحو الارتباط الوثيق بالله سبحانه، وإخلاص العمل له، فعن المعصوم (ع) قال: "أوّل الإخلاص اليأس مما في أيدي الناس"[21].
3 ـ تجنّب تنمية الاهواء واتباعها:
إن ما يدفع الإنسان إلى التملق والتزلف والسكع على أبواب الخلائق ليس إلاّ الآمال والأهواء، والشهوات، وحب الدنيا، والتعلق بزخارفها، فلو حدّ الأمل، وقمع الهوى، وذلل حبّ الدنيا لما تعلق الإنسان بالغير. إذ كيف ستسمح له حريته أن يعلق آماله على غير الله، ويشوب عبادته ـ وهي أفضل الأعمال الإنسانية ـ بإشراك من ليس بخليق بهذا الأمر.
يقول الغزالي في بيان حقيقة الإخلاص:
"فالذي يغلب على نفسه حبُّ الدنيا، والعلو والرئاسة وبالجملة حبُّ غير الله اكتسبت جميع حركاته الاعتادية تلك الصفة فلم تسلم له عباداته. فلابد من قطع الطمع من الدنيا، والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب فإذ ذاك يتيسر الإخلاص"[22].
4 ـ استخدام العقل:
إن العاقل الملتفت إلى ضعف الناس، ودرجة تأثيرهم في مساعدة أفراد المجتمع إذا قارن بين ذلك وبين القدرة والمحبة والكرامة الإلهية، لن يكون مستعداً أبداً لأن يبيع عمله الآخرين، فإنهم إما يأبون شراءه، أو يشترونه بثمن بخس، أو يرضونه مع المنّة وآلاف القيود والشروط الأخرى، فعن الإمام الباقر (ع) أنه قال: "ما بين الحق والباطل إلاّ قلة العقل. قيل: وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: إن العبد يعمل العمل الذي هو لله رضىً، فيريد به غير الله، فلو أنه أخلص لله لجاءه الذي يريد في أسرع من ذلك"[23] وعبّر في رواية أخرى عن أداء العمل من أجل الغير بخسران الدنيا والآخرة، والشقاء العظيم حيث يكون العامل لغير الله قد انفق من الدنيا ولم يحصل على شيء من الأجر في الآخرة[24].
[1] وسائل الشيعة، ج1، ص33.
[2] بحار الأنوار ج70، ص210.
[3] بحار الأنوار ج70، ص210.
[4] وسائل الشيعة ج1، ص34.
[5] قصار الجمل.
[6] وسائل الشيعة ج1، ص35.
[7] الحديث هو "الاخلاص فوز" (غرر الحكم ـ الفهرس ـ كلمة الاخلاص).
[8] تنبيه الخواطر ص390.
[9] غرر الحكم.
[10] تنبيه الخواطر ص36.
[11] مستدرك الوسائل ج1، ص10.
[12] بحار الأنوار ج70، ص249.
[13] سورة مريم، الآية: 96.
[14] كنز العمال ج3، ص23.
[15] (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض) (سورة الحج، الآية:65).
[16]المحجة البيضاء ج8، ص103.
[17] المستدرك ج1، ص101.
[18] غرر الحكم.
[19] سورة الحج، الآية:73.
[20] سورة المعارج، الآية:21.
[21] غرر الحكم.
[22] المحجة البيضاء ج8، ص131.
[23] بحار الأنوار ج72، ص299.
[24] بحار الأنوار ج72، ص300.