عندما يذوب القطب.. ماذا يحدث للأرض؟؟
تقرير دولي جديد يدق ناقوس الخطر ويحذر من أن الاحترار الكوني يسخن القطب الشمالي بمعدلات تصل إلى ضعف معدلات زيادة درجة حرارة بقية الكوكب. وهو أمر ينذر بعواقب وخيمة أقلها اختفاء أنواع من المخلوقات وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات. والتقرير الجديد, الذي صدر في الثامن من نوفمبر الماضي تحت عنوان (تقييم تأثير المناخ القطبي Arctic Climate Impact Assessment ACIA), خلاصة جهود ضخمة ودراسات متنوعة ومتعددة استمرت أربع سنوات وشارك فيها فريق دولي من 250 عالما. وقام بتمويل الدراسة (مجلس القطب الشمالي) Arctic Council, وهو منتدى يضم وزراء الدول الثماني التي تتقاسم القطب الشمالي البالغة مساحته 30 مليون كيلومتر مربع (وهي الولايات المتحدة وكندا وروسيا والدانمرك وأيسلندا والسويد والنرويج وفنلندا) وست منظمات غير حكومية تمثل السكان الأصليين في المنطقة, إلى جانب اللجنة العلمية الدولية للقطب الشمالي The International Arctic Science Committee, وهي منظمة علمية دولية أنشأتها أكاديميات العلوم الوطنية في 18 بلدا. ونظرا لطول الفترة الزمنية التي استغرقها إعداد التقرير والدراسات العلمية المرتبطة به, والمراجعات الصارمة التي خضع لها بسبب الحساسية السياسية للقضايا التي عالجها والتنقيحات الكثيرة التي أدخلت عليه, فإنه يعد الدراسة الأكبر والأكثر دقة وتفصيلية للكيفية التي يغير بها الاحترار الكوني الطبيعة والحياة في منطقة شديدة الحيوية بالنسبة لكوكبنا. نجم الشمال بولاريس, نجم الشمال, يكاد يقع مباشرة فوق القطب الشمالي. وتتجمع حوله النجوم التي تكون معا ما نسميه مجموعة الدب الأكبر. وتعبير أركتيك Arctic, الذي تسمى به منطقة القطب الشمالي, مشتق من الكلمة اليونانية Arktikos, التي تعني (بلاد الدب الأكبر) وتتكون منطقة القطب الشمالي في كوكبنا من محيط واسع تحيطه اليابسة, على النقيض من منطقة القطب الجنوبي التي هي عبارة عن قارة من اليابسة المغطاة بالثلوج يحيط بها محيط واسع. والسمة السائدة في القطبين هي الجليد والثلوج التي تغطي معظم اليابسة والمحيط في القطبين. ويلعب القطبان دورا بالغ الأهمية في استمرار الحياة على الأرض وفي الحفاظ على التوازن الطبيعي والبيئي لكوكبنا. وفي القطب الشمالي, الذي يسمى (أرض شمس منتصف الليل), تعكس الطبقة الجليدية التي تغطيه أشعة الشمس, ومع ذوبان المزيد من الثلوج القطبية نتيجة لارتفاع درجة حرارة الأرض تقل كمية الإشعاع الشمسي التي تعكسها الثلوج. وبدلا من ذلك يتم امتصاصها من خلال المحيطات واليابسة, وهو ما يعني المزيد من الارتفاع في درجة حرارة الأرض, الأمر الذي يعني مزيدا من ذوبان ثلوج القطبين وكذلك المزيد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب. وتنطلق الحلقة الجهنمية. تحذيرات مفزعة وقد كانت التحذيرات التي أطلقها تقرير تقييم تأثير المناخ القطبي مفزعة. وتشير تقديراته إلى أن ارتفاع درجة حرارة القطب بضعف ارتفاع درجة حرارة الأرض سيعني أنها ستقفز بنهاية القرن بين أربع وسبع درجات مئوية, وهو تقدير يزيد مرتين على توقعات تقارير الأمم المتحدة, علما بأن درجة حرارة سيبيريا وألاسكا قد ارتفعت ما بين درجتين وثلاث درجات مئوية منذ خمسينيات القرن العشرين. وتوقع التقرير أنه مع نهاية القرن الحادي والعشرين سيختفي بحر الجليد المحيط بالقطب الشمالي في فصل الصيف فضلا عن اختفاء معظم الغطاء الجليدي في جرينلاند, علما بأن الغطاء الجليدي قد تقلص بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة. وسيعني حدوث هذا اختفاء كائنات, مثل الدببة القطبية, من الوجود تماما. والحقيقة أن تأثير الاحترار الكوني يلقي بتأثيراته السلبية الآن على سكان القطب الشمالي. ويشهد القطب الشمالي بالفعل بعض أكثر التغيرات المناخية تسارعا في كوكبنا. ومن المتوقع أن تستمر تأثيرات تغير المناخ على المنطقة والعالم بأسره في التصاعد في السنوات القليلة القادمة. وفيما يلي بعض الإشارات المفزعة الواردة في تقرير (تقييم تأثير المناخ القطبي): المناخ القطبي يزداد احترارا ومن المتوقع ازدياد الارتفاع في درجة حرارته: من المتوقع أن تؤدي التركيزات الكونية المتزايدة لثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى الناتجة عن الأنشطة البشرية - أساسا حرق الوقود الأحفوري - إلى رفع درجة حرارة القطب الشمالي بين 4 و7 درجات بحلول نهاية القرن الحالي. أما التغيرات من قبيل زيادة معدلات ذوبان الجليد والأنهر الجليدية, وفصول الشتاء الأطول والأدفأ, وتقلص الغطاء الجليدي, فستستمر لقرون قادمة. ذوبان الغطاء الجليدي سيستمر بمعدلات كبيرة: من المتوقع أن تتراجع الطبقة الجليدية البحرية في القطب الشمالي بنسبة 50 في المائة على أقل تقدير بحلول نهاية القرن بينما توقعت بعض النماذج الرياضية اختفاء الطبقة الجليدية البحرية تماما. وهو ما سيؤدي إلى عواقب وخيمة على الكائنات الحية التي تعيش على الجليد مثل الدببة وحيوان الفقمة وعلى الناس والمجتمعات التي تحيا في المنطقة. والأسوأ من هذا أن ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي ربما تؤدي إلى ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند, ليسهم في رفع المستوى الكوني لسطح مياه البحار بمعدلات متزايدة. وإذا ذاب جليد جرينلاند وحده, فإنه قادر على المدى البعيد على رفع منسوب المياه في البحار بنحو سبعة أمتار (نحو 23 قدما). ستترتب على الاحترار القطبي وعواقبه تبعات كونية خطيرة: سيؤدي ذوبان الثلوج إلى امتصاص الأرض والمحيطات للمزيد من أشعة الشمس وبالتالي المزيد من الارتفاع في درجة حرارة الكوكب. وسيؤدي ذوبان الأنهر الجليدية وجريانها نحو المحيط إلى تدفق المزيد من المياه العذبة إلى المحيطات, الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى رفع المستوى الكوني لسطح البحر (من المتوقع أن يؤدي ذوبان الجليد إلى رفع منسوب البحار بمعدل نحو عشرة سنتيمترات بحلول نهاية القرن) بما يعنيه ذلك من غمر المزيد من اليابسة بالمياه واختفاء العديد من الجزر, وربما إلى إبطاء الدورة المائية للمحيطات التي تنقل الحرارة من المناطق الاستوائية إلى القطبين, وبالتالي إحداث خلل المناخ الإقليمي والكوني. ومن المرجح أن يؤدي المزيد من الاحترار الكوني إلى إحداث خلل في دورة انبعاث وامتصاص غازات الاحتباس الحراري من التربة والنباتات والكائنات الحية. منطقة الغطاء النباتي القطبية ستنتقل نحو الشمال لتزيل من الوجود بيئات طبيعية والكائنات التي تعيش فيها: سيؤدي الاحترار القطبي إلى تغير الخريطة النباتية في المنطقة مع انتقال الغابات القطبية إلى الشمال نحو الجو الأكثر برودة وزحف نباتات تنمو في جو أكثر دفئا إلى مناطق الغابات الحالية, الأمر الذي سيعني المزيد من الاختلال في دورة الغازات وانبعاثاتها في مناخ الأرض واختفاء بيئات طبيعية وأنواع كثيرة من الكائنات الحية. الاحترار القطبي سيؤدي إلى تغيير تنوع الأنواع الحيوانية وبيئاتها الطبيعية وتوزيعها: سيؤدي ذوبان الغطاء الجليدي إلى تقلص هائل في البيئة البحرية التي يعتمد عليها في حياته الدب القطبي وحيوان الفقمة القطبية والعديد من الطيور البحرية. وستتعرض حيوانات الرنة والوعول والغزلان القطبية والعديد من الحيوانات الأخرى التي تعيش على اليابسة لضغوط متزايدة مع تأثير تغير المناخ على مصادر غذائها ومواطن تكاثرها وطرق هجرتها. وستنتقل العديد من أشكال الحياة القطبية نحو الشمال وستختفي أخرى من الوجود, بينما ستقوم أنواع حية أخرى بغزو المناطق القطبية الأكثر دفئا, الأمر الذي ينطوي على مخاطر متعددة, بما في ذلك ظهور أمراض غريبة على المنطقة مثل فيروس غرب النيل. ارتفاع مستويات الأشعة فوق البنفسجية سيؤثر سلبا على الإنسان والحيوان والنبات: من غير المتوقع أن يحدث تحسن كبير على طبقة الأوزون فوق القطب الشمالي على الأقل في العقود القليلة القادمة, أساسا بسبب تأثير غازات الاحتباس الحراري على درجة حرارة طبقة الاستراتوسفير. وبالتالي فمن المتوقع أن تظل مستويات الأشعة فوق البنفسجية مرتفعة في القطب الشمالي خلال العقود القادمة, وهو ما يعني أن الجيل الحالي في المنطقة سيتلقى كمية من الأشعة فوق البنفسجية تزيد بنحو 30 في المائة عن أي جيل سابق. ومن المعروف أن الأشعة فوق البنفسجية المرتفعة تسبب سرطان الجلد والمياه البيضاء في العين فضلا عن اختلالات جهاز المناعة. الاختلالات الأرضية ستؤثر على الأبنية والنقل ومرافق البنية التحتية الأخرى: ستضطرب الصناعة وحركة النقل الأرض, بما في ذلك استخراج النفط والغاز ونقلهما, بسبب طول فترة ذوبان الطرق والممرات والأرض وقصر الفترة التي تتجمد فيها. الوقود الأحفوري في كل صفحة من صفحاته يلقي التقرير باللائمة في كل ما نتعرض له على التغير المناخي الناتج عن الغازات الناتجة عن حرقنا للوقود الأحفوري الذي نستهلكه في سياراتنا ومصانعنا ومحطات توليد الطاقة. وتعرف هذه الغازات - وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون - بغازات الاحتباس الحراري. ويبدو أن التقرير أثار بالفعل الخلاف بين الدول الثماني التي تتقاسم القطب الشمالي. وكالعادة, تملصت الولايات المتحدة من أي تعهدات ملزمة. وكما قال أحد الدبلوماسيين الأمريكيين: (نحن وضعنا بالفعل سياسة لمواجهة الاحترار الكوني, ولا يمكننا أن نضع سياسة جديدة.. فقط من أجل القطب الشمالي). وكان الرئيسي الأمريكي جورج دبليو بوش قد انسحب من المعاهدة الدولية للحد من الاحتباس الحراري, المعروفة باسم بروتوكول كيوتو, في العام 2001 زاعما أنها باهظة التكلفة بالنسبة للولايات المتحدة وأنها أخطأت باستثناء البلدان النامية من بنودها. بينما الدول السبع الأخرى التي تتقاسم القطب الشمالي, وآخرها روسيا, وافقت على الالتزام ببروتوكول كيوتو. ويطالب البروتوكول البلدان الصناعية المتقدمة بخفض انبعاثات ستة غازات, على رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون, يعتقد العلماء أنها تفاقم مشكلة التغير المناخي الطبيعي. وبحسب البروتوكول, يتعين أن تخفض البلدان الموقعة تلك الانبعاثات بمقدار 5.2% أقل من مستوياتها العام 1990, وذلك في الفترة بين 2008 و2012. ورغم الأهمية الكبيرة التي ينطوي عليها التقرير والنتائج الخطيرة التي توصل إليها, فإنه لم يسلم من الاتهامات, خاصة من جماعات المدافعين عن البيئة, التي عبرت عن قلقها من تجاهل حكومات الدول الثماني لنتائج التقرير. وجاءت أحد هذه الاتهامات من المنظمة البيئية (الصندوق العالمي للحياة البرية), التي اتهمت الدول الثماني بالنفاق نظرا لتبنيها تقرير (تقييم تأثير المناخ القطبي) بينما تعجز في الوقت ذاته عن الحد من انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري. وقالت جينيفر مورجان مديرة المنظمة: (لقد بدأ الذوبان الكبير بالفعل. والدول الثماني تستخدم القطب الشمالي كفأر تجارب تجري عليه تجارب منفلتة على تأثيرات تغير المناخ. إن الحياة على الأرض ستتغير دون أن ندرك إذا فقدنا الغطاء الجليدي للقطب الشمالي. وسيهدد ارتفاع منسوب مياه البحار مدنا كبرى مثل لندن ونيويورك). وأضافت: (هذا التقرير يبين لنا أن التغير المناخي يحدث الآن ويسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى تحرك عاجل, يبدأ بالدول الثماني التي تتقاسم القطب الشمالي, التي يتعين عليها أن تخفض من انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون). لكن رغم هذه الانتقادات يبقى تقرير (تقييم تأثير المناخ القطبي) وثيقة مهمة للغاية في أيدي صناع القرار وأنصار البيئة والرأي العام العالمي. وكما قال المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة كلاوس توبفر إن: (ظاهرة الاحترار الكوني ترتفع في أجواء القطب الشمالي, مما سوف يحدث تغييرات جذرية ويمثل تهديداً مربكاً للبشرية وذلك بسبب زيادة الغازات الدفئة نتيجة للنشاطات البشرية والتغييرات العالمية مثل ارتفاع منسوب مستوى البحر. ونحن نحتاج إلى جهود عالمية ودولية للتركيز على معالجة ظاهرة التغير المناخي). بارومتر كوني يبدو القطب الشمالي في الظاهر بعيدا عن التأثير المحسوس على ظروف الحياة التي يعيش في ظلها مليارات البشر في قارات العالم الست. لكن الحقيقة غير ذلك تماما, فالقطب الشمالي مثل بارومتر كوني يقيس التغير المناخي, بل هو أقرب إلى نظام إنذار بيئي للعالم أجمع. وما يحدث في القطب الشمالي لا يعني فقط الدول الثماني التي تتقاسمه, بل يعني كل إنسان على ظهر كوكبنا. فعندما يبدأ الجليد في الذوبان, وتعصف تأثيراته الكونية السلبية بمناخ كوكبنا وظروف الحياة فيه, ستكون الدول النامية والفقيرة, بإمكاناتها المادية والاقتصادية والعلمية المحدودة العاجزة عن مواجهة تأثيرات التغير المناخي, هي من سيعاني أوخم العواقب. وسيدفع الجميع الثمن, بمن في ذلك هؤلاء الذين يظنون أنهم بعيدون عن ما يحدث في القطب الشمالي, حتى القاطنون في غابات الأمازون وشبه القارة الهندية بل وهؤلاء الذين يعيشون عند خط الاستواء.
صحيفة القائم (ع)
تقرير دولي جديد يدق ناقوس الخطر ويحذر من أن الاحترار الكوني يسخن القطب الشمالي بمعدلات تصل إلى ضعف معدلات زيادة درجة حرارة بقية الكوكب. وهو أمر ينذر بعواقب وخيمة أقلها اختفاء أنواع من المخلوقات وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات. والتقرير الجديد, الذي صدر في الثامن من نوفمبر الماضي تحت عنوان (تقييم تأثير المناخ القطبي Arctic Climate Impact Assessment ACIA), خلاصة جهود ضخمة ودراسات متنوعة ومتعددة استمرت أربع سنوات وشارك فيها فريق دولي من 250 عالما. وقام بتمويل الدراسة (مجلس القطب الشمالي) Arctic Council, وهو منتدى يضم وزراء الدول الثماني التي تتقاسم القطب الشمالي البالغة مساحته 30 مليون كيلومتر مربع (وهي الولايات المتحدة وكندا وروسيا والدانمرك وأيسلندا والسويد والنرويج وفنلندا) وست منظمات غير حكومية تمثل السكان الأصليين في المنطقة, إلى جانب اللجنة العلمية الدولية للقطب الشمالي The International Arctic Science Committee, وهي منظمة علمية دولية أنشأتها أكاديميات العلوم الوطنية في 18 بلدا. ونظرا لطول الفترة الزمنية التي استغرقها إعداد التقرير والدراسات العلمية المرتبطة به, والمراجعات الصارمة التي خضع لها بسبب الحساسية السياسية للقضايا التي عالجها والتنقيحات الكثيرة التي أدخلت عليه, فإنه يعد الدراسة الأكبر والأكثر دقة وتفصيلية للكيفية التي يغير بها الاحترار الكوني الطبيعة والحياة في منطقة شديدة الحيوية بالنسبة لكوكبنا. نجم الشمال بولاريس, نجم الشمال, يكاد يقع مباشرة فوق القطب الشمالي. وتتجمع حوله النجوم التي تكون معا ما نسميه مجموعة الدب الأكبر. وتعبير أركتيك Arctic, الذي تسمى به منطقة القطب الشمالي, مشتق من الكلمة اليونانية Arktikos, التي تعني (بلاد الدب الأكبر) وتتكون منطقة القطب الشمالي في كوكبنا من محيط واسع تحيطه اليابسة, على النقيض من منطقة القطب الجنوبي التي هي عبارة عن قارة من اليابسة المغطاة بالثلوج يحيط بها محيط واسع. والسمة السائدة في القطبين هي الجليد والثلوج التي تغطي معظم اليابسة والمحيط في القطبين. ويلعب القطبان دورا بالغ الأهمية في استمرار الحياة على الأرض وفي الحفاظ على التوازن الطبيعي والبيئي لكوكبنا. وفي القطب الشمالي, الذي يسمى (أرض شمس منتصف الليل), تعكس الطبقة الجليدية التي تغطيه أشعة الشمس, ومع ذوبان المزيد من الثلوج القطبية نتيجة لارتفاع درجة حرارة الأرض تقل كمية الإشعاع الشمسي التي تعكسها الثلوج. وبدلا من ذلك يتم امتصاصها من خلال المحيطات واليابسة, وهو ما يعني المزيد من الارتفاع في درجة حرارة الأرض, الأمر الذي يعني مزيدا من ذوبان ثلوج القطبين وكذلك المزيد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب. وتنطلق الحلقة الجهنمية. تحذيرات مفزعة وقد كانت التحذيرات التي أطلقها تقرير تقييم تأثير المناخ القطبي مفزعة. وتشير تقديراته إلى أن ارتفاع درجة حرارة القطب بضعف ارتفاع درجة حرارة الأرض سيعني أنها ستقفز بنهاية القرن بين أربع وسبع درجات مئوية, وهو تقدير يزيد مرتين على توقعات تقارير الأمم المتحدة, علما بأن درجة حرارة سيبيريا وألاسكا قد ارتفعت ما بين درجتين وثلاث درجات مئوية منذ خمسينيات القرن العشرين. وتوقع التقرير أنه مع نهاية القرن الحادي والعشرين سيختفي بحر الجليد المحيط بالقطب الشمالي في فصل الصيف فضلا عن اختفاء معظم الغطاء الجليدي في جرينلاند, علما بأن الغطاء الجليدي قد تقلص بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة. وسيعني حدوث هذا اختفاء كائنات, مثل الدببة القطبية, من الوجود تماما. والحقيقة أن تأثير الاحترار الكوني يلقي بتأثيراته السلبية الآن على سكان القطب الشمالي. ويشهد القطب الشمالي بالفعل بعض أكثر التغيرات المناخية تسارعا في كوكبنا. ومن المتوقع أن تستمر تأثيرات تغير المناخ على المنطقة والعالم بأسره في التصاعد في السنوات القليلة القادمة. وفيما يلي بعض الإشارات المفزعة الواردة في تقرير (تقييم تأثير المناخ القطبي): المناخ القطبي يزداد احترارا ومن المتوقع ازدياد الارتفاع في درجة حرارته: من المتوقع أن تؤدي التركيزات الكونية المتزايدة لثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى الناتجة عن الأنشطة البشرية - أساسا حرق الوقود الأحفوري - إلى رفع درجة حرارة القطب الشمالي بين 4 و7 درجات بحلول نهاية القرن الحالي. أما التغيرات من قبيل زيادة معدلات ذوبان الجليد والأنهر الجليدية, وفصول الشتاء الأطول والأدفأ, وتقلص الغطاء الجليدي, فستستمر لقرون قادمة. ذوبان الغطاء الجليدي سيستمر بمعدلات كبيرة: من المتوقع أن تتراجع الطبقة الجليدية البحرية في القطب الشمالي بنسبة 50 في المائة على أقل تقدير بحلول نهاية القرن بينما توقعت بعض النماذج الرياضية اختفاء الطبقة الجليدية البحرية تماما. وهو ما سيؤدي إلى عواقب وخيمة على الكائنات الحية التي تعيش على الجليد مثل الدببة وحيوان الفقمة وعلى الناس والمجتمعات التي تحيا في المنطقة. والأسوأ من هذا أن ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي ربما تؤدي إلى ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند, ليسهم في رفع المستوى الكوني لسطح مياه البحار بمعدلات متزايدة. وإذا ذاب جليد جرينلاند وحده, فإنه قادر على المدى البعيد على رفع منسوب المياه في البحار بنحو سبعة أمتار (نحو 23 قدما). ستترتب على الاحترار القطبي وعواقبه تبعات كونية خطيرة: سيؤدي ذوبان الثلوج إلى امتصاص الأرض والمحيطات للمزيد من أشعة الشمس وبالتالي المزيد من الارتفاع في درجة حرارة الكوكب. وسيؤدي ذوبان الأنهر الجليدية وجريانها نحو المحيط إلى تدفق المزيد من المياه العذبة إلى المحيطات, الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى رفع المستوى الكوني لسطح البحر (من المتوقع أن يؤدي ذوبان الجليد إلى رفع منسوب البحار بمعدل نحو عشرة سنتيمترات بحلول نهاية القرن) بما يعنيه ذلك من غمر المزيد من اليابسة بالمياه واختفاء العديد من الجزر, وربما إلى إبطاء الدورة المائية للمحيطات التي تنقل الحرارة من المناطق الاستوائية إلى القطبين, وبالتالي إحداث خلل المناخ الإقليمي والكوني. ومن المرجح أن يؤدي المزيد من الاحترار الكوني إلى إحداث خلل في دورة انبعاث وامتصاص غازات الاحتباس الحراري من التربة والنباتات والكائنات الحية. منطقة الغطاء النباتي القطبية ستنتقل نحو الشمال لتزيل من الوجود بيئات طبيعية والكائنات التي تعيش فيها: سيؤدي الاحترار القطبي إلى تغير الخريطة النباتية في المنطقة مع انتقال الغابات القطبية إلى الشمال نحو الجو الأكثر برودة وزحف نباتات تنمو في جو أكثر دفئا إلى مناطق الغابات الحالية, الأمر الذي سيعني المزيد من الاختلال في دورة الغازات وانبعاثاتها في مناخ الأرض واختفاء بيئات طبيعية وأنواع كثيرة من الكائنات الحية. الاحترار القطبي سيؤدي إلى تغيير تنوع الأنواع الحيوانية وبيئاتها الطبيعية وتوزيعها: سيؤدي ذوبان الغطاء الجليدي إلى تقلص هائل في البيئة البحرية التي يعتمد عليها في حياته الدب القطبي وحيوان الفقمة القطبية والعديد من الطيور البحرية. وستتعرض حيوانات الرنة والوعول والغزلان القطبية والعديد من الحيوانات الأخرى التي تعيش على اليابسة لضغوط متزايدة مع تأثير تغير المناخ على مصادر غذائها ومواطن تكاثرها وطرق هجرتها. وستنتقل العديد من أشكال الحياة القطبية نحو الشمال وستختفي أخرى من الوجود, بينما ستقوم أنواع حية أخرى بغزو المناطق القطبية الأكثر دفئا, الأمر الذي ينطوي على مخاطر متعددة, بما في ذلك ظهور أمراض غريبة على المنطقة مثل فيروس غرب النيل. ارتفاع مستويات الأشعة فوق البنفسجية سيؤثر سلبا على الإنسان والحيوان والنبات: من غير المتوقع أن يحدث تحسن كبير على طبقة الأوزون فوق القطب الشمالي على الأقل في العقود القليلة القادمة, أساسا بسبب تأثير غازات الاحتباس الحراري على درجة حرارة طبقة الاستراتوسفير. وبالتالي فمن المتوقع أن تظل مستويات الأشعة فوق البنفسجية مرتفعة في القطب الشمالي خلال العقود القادمة, وهو ما يعني أن الجيل الحالي في المنطقة سيتلقى كمية من الأشعة فوق البنفسجية تزيد بنحو 30 في المائة عن أي جيل سابق. ومن المعروف أن الأشعة فوق البنفسجية المرتفعة تسبب سرطان الجلد والمياه البيضاء في العين فضلا عن اختلالات جهاز المناعة. الاختلالات الأرضية ستؤثر على الأبنية والنقل ومرافق البنية التحتية الأخرى: ستضطرب الصناعة وحركة النقل الأرض, بما في ذلك استخراج النفط والغاز ونقلهما, بسبب طول فترة ذوبان الطرق والممرات والأرض وقصر الفترة التي تتجمد فيها. الوقود الأحفوري في كل صفحة من صفحاته يلقي التقرير باللائمة في كل ما نتعرض له على التغير المناخي الناتج عن الغازات الناتجة عن حرقنا للوقود الأحفوري الذي نستهلكه في سياراتنا ومصانعنا ومحطات توليد الطاقة. وتعرف هذه الغازات - وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون - بغازات الاحتباس الحراري. ويبدو أن التقرير أثار بالفعل الخلاف بين الدول الثماني التي تتقاسم القطب الشمالي. وكالعادة, تملصت الولايات المتحدة من أي تعهدات ملزمة. وكما قال أحد الدبلوماسيين الأمريكيين: (نحن وضعنا بالفعل سياسة لمواجهة الاحترار الكوني, ولا يمكننا أن نضع سياسة جديدة.. فقط من أجل القطب الشمالي). وكان الرئيسي الأمريكي جورج دبليو بوش قد انسحب من المعاهدة الدولية للحد من الاحتباس الحراري, المعروفة باسم بروتوكول كيوتو, في العام 2001 زاعما أنها باهظة التكلفة بالنسبة للولايات المتحدة وأنها أخطأت باستثناء البلدان النامية من بنودها. بينما الدول السبع الأخرى التي تتقاسم القطب الشمالي, وآخرها روسيا, وافقت على الالتزام ببروتوكول كيوتو. ويطالب البروتوكول البلدان الصناعية المتقدمة بخفض انبعاثات ستة غازات, على رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون, يعتقد العلماء أنها تفاقم مشكلة التغير المناخي الطبيعي. وبحسب البروتوكول, يتعين أن تخفض البلدان الموقعة تلك الانبعاثات بمقدار 5.2% أقل من مستوياتها العام 1990, وذلك في الفترة بين 2008 و2012. ورغم الأهمية الكبيرة التي ينطوي عليها التقرير والنتائج الخطيرة التي توصل إليها, فإنه لم يسلم من الاتهامات, خاصة من جماعات المدافعين عن البيئة, التي عبرت عن قلقها من تجاهل حكومات الدول الثماني لنتائج التقرير. وجاءت أحد هذه الاتهامات من المنظمة البيئية (الصندوق العالمي للحياة البرية), التي اتهمت الدول الثماني بالنفاق نظرا لتبنيها تقرير (تقييم تأثير المناخ القطبي) بينما تعجز في الوقت ذاته عن الحد من انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري. وقالت جينيفر مورجان مديرة المنظمة: (لقد بدأ الذوبان الكبير بالفعل. والدول الثماني تستخدم القطب الشمالي كفأر تجارب تجري عليه تجارب منفلتة على تأثيرات تغير المناخ. إن الحياة على الأرض ستتغير دون أن ندرك إذا فقدنا الغطاء الجليدي للقطب الشمالي. وسيهدد ارتفاع منسوب مياه البحار مدنا كبرى مثل لندن ونيويورك). وأضافت: (هذا التقرير يبين لنا أن التغير المناخي يحدث الآن ويسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى تحرك عاجل, يبدأ بالدول الثماني التي تتقاسم القطب الشمالي, التي يتعين عليها أن تخفض من انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون). لكن رغم هذه الانتقادات يبقى تقرير (تقييم تأثير المناخ القطبي) وثيقة مهمة للغاية في أيدي صناع القرار وأنصار البيئة والرأي العام العالمي. وكما قال المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة كلاوس توبفر إن: (ظاهرة الاحترار الكوني ترتفع في أجواء القطب الشمالي, مما سوف يحدث تغييرات جذرية ويمثل تهديداً مربكاً للبشرية وذلك بسبب زيادة الغازات الدفئة نتيجة للنشاطات البشرية والتغييرات العالمية مثل ارتفاع منسوب مستوى البحر. ونحن نحتاج إلى جهود عالمية ودولية للتركيز على معالجة ظاهرة التغير المناخي). بارومتر كوني يبدو القطب الشمالي في الظاهر بعيدا عن التأثير المحسوس على ظروف الحياة التي يعيش في ظلها مليارات البشر في قارات العالم الست. لكن الحقيقة غير ذلك تماما, فالقطب الشمالي مثل بارومتر كوني يقيس التغير المناخي, بل هو أقرب إلى نظام إنذار بيئي للعالم أجمع. وما يحدث في القطب الشمالي لا يعني فقط الدول الثماني التي تتقاسمه, بل يعني كل إنسان على ظهر كوكبنا. فعندما يبدأ الجليد في الذوبان, وتعصف تأثيراته الكونية السلبية بمناخ كوكبنا وظروف الحياة فيه, ستكون الدول النامية والفقيرة, بإمكاناتها المادية والاقتصادية والعلمية المحدودة العاجزة عن مواجهة تأثيرات التغير المناخي, هي من سيعاني أوخم العواقب. وسيدفع الجميع الثمن, بمن في ذلك هؤلاء الذين يظنون أنهم بعيدون عن ما يحدث في القطب الشمالي, حتى القاطنون في غابات الأمازون وشبه القارة الهندية بل وهؤلاء الذين يعيشون عند خط الاستواء.
صحيفة القائم (ع)