دراسة حول رؤية الامام المهدي القضية المهدوية من القضايا المركزية والمهمة في الفكر الإسلامي، ولها أبعاد متعددة وقد اهتم بها الباحثون الإسلاميون فكتبوا فيها الكثير وطرحوا خلال بحوثهم مواضيع متعددة مرتبطة بهذه القضية، سواء ما يتعلق بالجانب العقائدي أو الجانب التاريخي أو الجوانب الأخرى.
وحديثنا هنا، حول الفائدة من الكتابة والتأليف في قضية رؤية الإمام المهدي عليه السلام، وهل يمكن رؤيته في الغيبة الكبرى؟ وكيف يمكننا أن نصدق مدّعي الرؤية؟ وهل هناك سبيل لرؤيته؟
أولاً: ما هي الفائدة في التأليف في رؤية الإمام عليه السلام؟
في الواقع أن قصص الرؤية تثبت حقائق دينية وتاريخية كثيرة؛ من جملتها إنها تؤكد ولادته عليه السلام خلافاً لزعم المنكرين.
ومنها: إنها تؤكد بقاءه وحياته.. ويتم ذلك من خلال التعرف على القصص والروايات التي تتحدث عن رؤيته في العصور القريبة.
ومن ثم كان اهتمام الروايات والأدعية الشريفة بموضع رؤية ومشاهدة الإمام عليه السلام والالتقاء به، وكذلك نعرف التفسير العملي لاهتمام أهل البيت عليهم السلام بهذا الموضوع بحيث ربّوا أتباعهم على الاهتمام الكبير للسعي لرؤية من تشرأب إلى رؤيته الأعناق كما ورد ذلك في دعاء الندبة وفي دعاء العهد وفي روايات كثيرة لسنا الآن بصدد استقصائها.
ومنها: إنها تعطي صورة صحيحة لمعرفة كيفية وجوده الشريف، فإن الإنسان الغريب عن الفكر الإمامي بعقيدته المهدوية يتصور: أن الإمامية يؤمنون بأن الإمام المهدي عليه السلام يعيش حالة غيبية محضة لا مساس لها بالواقع والحاضر من حين اختفائه عن الناس عندما كانت الغيبة الكبرى.
وقد يتصورون إنه عليه السلام يعيش الحياة التي يعيشها المسيح بن مريم عليهما السلام أو إلياس النبي عليه السلام؛ كما يتصورون أيضاً بأنه لا تؤثر فيه الحوادث السياسية والاجتماعية التي تحدث في العالم في طول التاريخ الذي يعاصره.
وبتعبير آخر يتصورون إنه يعيش حياة خاصة به منعزلاً عن المجتمعات الإنسانية والأحداث التاريخية بعيداً في غور عميق عن كل ذلك.. مختفياً وراء أستار لا يُعرف منها شيء ولا عن ما وراءها إلا أنها غيب فوق الادراكات العادية للإنسان.
وتبقى هذه التصورات اللا واقعية تصور أشياء لا وجود لها في الفكر الإمامي بعقيدته المهدوية.
ومهما يجاب عن هذه التصورات الخاطئة فإن أقرب تلك الأجوبة الصحيحة هو ما يمكننا أن نحصل عليه بواسطة دراسة ما جاء في كثير من قصص الرؤية له عليه السلام دراسة علمية دقيقة، فمثلاً إننا يمكننا معرفة طريقة حياته.
من خلال ما جاء في بعض قصص المشاهدة التي أكدت أنه حي موجود في الأرض يعيش حياة عادية طبيعية كما يعيشها باقي الآدميين، وتجري عليه مخلفات الأحداث السياسية والاجتماعية كما تجري علينا بالضبط تماماً.
ونعرف أيضاً إنه يمكنه أن يحتمي من شر تلك الأحداث باحتمائه بالوسائل الطبيعيةكالابتعاد عن موقع الحدث _أو الاستعداد الطبيعي لمواجته أو غير ذلك) كما يحتمي بها غيره من الناس.
ومن هذا المنطلق جاء استحباب التصدق عنه عليه السلام لأجل دفع الضرر عنه. وكذلك يمكننا أن نستشهد على إن حياته عليه السلام طبيعية بما ورد في كثير من الأدعية الشريفة التي يدعى بها في زمان الغيبة لطلب دفع البلاء والآلام عنه، كما يقرأ الداعي ذلك في دعاء الندبةبأبي أنت وأمي ونفسي لك الوقاء والحمى..).
ويقرأ أيضاًليت شعري أين استقرت بك النوى بل أي أرض تقلّك أو ثرى، أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى.. عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى، ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى.. عزيز علي أن تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى..).
إذا أردنا أن نفهم القضايا المهدوية جميعها سواء أكانت المفاهيم النظرية منها أو تطبيقات القضايا المهدوية أو دور هذه القضايا الواقعية فعلينا أن ننطلق لتكوين تصوراتنا المهدوية من المحور المركزي للفهم الواقعي لحقيقة طبيعة حياة الامام عليه السلام التي يعيشها في غيبته.
وبكلمة أدق إننا إذا أردنا أن نفهم القضايا المهدوية على واقعها وحقيقتها كما أرادت العقيدة الدينية أن نفهمها.. فعلينا أن تكون تصوراتنا منسجمة مع التصورات الواقعية الطبيعية العادية ولا نحتاج إلى حشر بعض المفاهيم الغيبية التي لم تؤكد عليها النصوص الدينية، وإنما هي من صنع الخيال والذي يصنّف ضمن الخرافة.
نعم للقضايا الغيبية موقعها الكبير في المفاهيم الدينية، وسوف تدخل القضايا المهدوية ضمن دائرتها. ولكننا لا يمكننا أن نؤمن بالقضية الغيبية الا اذا قام الدليل الشرعي على صحتها.
وتنبثق من هذه القاعدة عدة أسس عقائدية وسلوكية؛ مثل: أن العقيدة المهدوية عند الإمامية تنص على إن الامام المهدي عليه السلام حي يرزق في الأرض يعيش بكامل الظروف الحياتية الطبيعية التي يعيشها الإنسان في الأرض، ولم يرفع عنه شيء منها الا ما يؤثر بإدامة حياته كالموت، والمؤثرات الأخرى التي تؤدي إلى الموت؛ فإنها مرفوعة عنه لاقتضاء الحكمة الإلهية أن يبقى حياً إلى يومه الموعود.
وأما سائر الظروف الطبيعية التي تمر وتؤثر على حياة الإنسان في الأرض فهي تمر وتؤثر على حياة الإمام المهدي عليه السلام كما كانت مؤثرة في حياته قبل الغيبة، وكما كانت مؤثرة أيضاً في حياة آبائه المعصومين عليهم السلام.
وتأسيساً على هذا الفهم الصحيح لطبيعة حياته فقد بيّنت النصوص الشريفة طريقة تعامل الإنسان مع إمامه المهدي الذي يعيش معه ويحس به ويؤثر به ويتأثر بما حوله.. فليس الإمام المهدي عليه السلام مسلوب الإرادة والحركة، كما إنه لم يفقد تأثيره في حياة المجتمع المسلم بشكل خاص أو المجتمع الإنساني بشكل عام، بالإضافة إلى ذلك فإنه لم يبق الإمام المهدي عليه السلام مجرد فكرة تعيش في أذهان المسلمين ويعتقدون به، كما إنه لم يبق مجرد مثال جامد شاخص أمام أنظارهم خال من الحركة، يرتقبون ظهوره ليخلصهم من المعاناة والعذاب الذي يعيشونه.
بل العكس من ذلك جميعه فإن الفهم الصحيح لطبيعة حياته عليه السلام تفرض الإيمان بتأثيره المباشر بمجريات الأمور طبق القوانين الاجتماعية والتغييرية الطبيعية الكونية، وأنه عليه السلام مهتم جداً للدفاع عن شيعته والحفاظ على الكيان الإسلامي؛ وإنه يحقق كل ذلك ضمن الأصول الطبيعية، وإنه لا يستخدم القوانين الغيبية الا في الموارد التي تحتاج إلى الأمور الخارقة للعادة وإقامة المعجز.
ولأجل توضيح الفكرة يمكننا الاستفادة من الحكايات والقصص التي تحدثت عن لقاءاته وظهوره لأشخاص أو لجماعات بمناسبات متعددة.
كما أن نفس مفهوم المهدوية الصحيح يؤثر في حركة الإنسان المؤمن. وتتضح هذه الحقيقة من خلال معرفة مفهوم الانتظار الذي يجعل الانسان المؤمن متحركاً دائماً نحو الأحسن، وتكمن مفاهيم الانتظار المهدوي وراء دوافع حركة هذا الإنسان، فإن من ينتظر الموعود عليه أن يهيئ الظروف المناسبة لظهوره.. وبما إن القاعدة الدينية للعقيدة المهدوية نصت على أن التغيير لا يتحقق بالطريقة الغيبية وإنما يحتاج إلى تحرك جاد وجهد عملي لتوفير الأرضية القادرة على إيجاد المجتمع المؤهل لتحمل مسؤولية القيام بالنهضة المهدوية. فلزم من هذه القاعدة أن يكون المنتظر لتلك الحركة العالمية الكبرى باذلاً كل طاقته ووقته من أجل الإعداد لتلك المرحلة الضخمة التي ينتظرها.
وعلى كل حال فإن قضية معرفة طبيعة حياته ومعيشته إنما هي قضية مهمة تحتاج إلى وقفة مفصلة لا يمكن أن نتوافر على جميع تفصيلاتها إلا من خلال بحث مستقل نأمل من الله عز وجل أن يوفقنا في المستقبل.
وأما تفسير هذه الاهتمام فله أوجه غير الأوجه المتقدمة، فهناك التفسير الديني العقائدي حيث تؤكد الأحاديث الشريفة على ضرورة الاعتقاد بوجود إمام حي يقوم بوظائف الإمامة التي كان يقوم بها آباؤه عليهم السلام.
وإن أشكل مشكل بأن آباءه كانوا ظاهرين يتصل بهم الناس ويسألونهم ويمكن لأتباعهم أن يصلوا إليهم عليهم السلام ويسألوهم ويعرفوا منهم الحلال والحرام بخلاف الحجة المنتظر عليه السلام فإنه غائب عن الأبصار لا يمكن الوصول إليه، بل هناك نص مروي عنه عليه السلام بلزوم تكذيب مدعي الرؤية.
فيجاب عليه بعدة أجوبة منها: إن وظيفة الأئمة عليهم السلام لم تنحصر في التصدي العلمي وتعريف الناس الحلال والحرام وتفصيل الأحكام، خصوصاً إنهم كانوا يعرضون أحياناً عن الاجوبة الواقعية ويستخدمون التقية في ذلك، وفي هذه الحالة يكون عدم الظهور أولى من الأجوبة التقوية خصوصاً في مثل هذه الظروف التي عاشها الإمام المهدي عليه السلام من بداية ولادته إلى وقت قريب...
بل إن للإمام المعصوم عليه السلام وظائف أخرى يستفيد منها الخلق.
ويجاب أيضاً: إن بعض الأئمة المعصومين عليهم السلام لم يظهروا الا نادراً للناس ولشيعتهم في الأوقات الأخيرة التاريخية التي سبقت ولادة الامام المهدي عليه السلام ووضحت بدايات الغيبة وهذا يفسر ندرة الظهور المباشر للإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام ولذلك قلّ الرواة عنهما عليهما السلام وندرت الرواية عنهما؛ بل إن الدارس لحياة الامام العسكري عليه السلام يجد أنه قد غيّر طريقة ارتباطه مع شيعته وحولها من المشاهدة إلى المكاتبة والوكالة، واستمرت هذه الطريقة في الغيبة الصغرى، وكان الامامان الهادي والعسكري عليهما السلام يرجعون أصحابهم إلى وكلائهم ويجيبون على الأسئلة من خلال المكاتبة، وصار طبيعياً أن تتحدد حتى كانت تنحصر لقاءات الناس بالإمام المعصوم عليه السلام بموقع الضرورة.
ونجد أن نفس الطريقة استمرت في زمان الغيبة الصغرى فمع أنه عليه السلام فسح المجال لبعض خواص شيعته ومقربيه من اللقاء به والاتصال به مباشرة، ولكنه كان يرجع غالباً إلى وكلائه الذين عينهم لهذه الوظيفة ليكون الاتصال بين الشيعة وإمامهم عليه السلام من خلال نوابه ووكلائه.
ويُجاب أيضاً أن مهمة آبائه المعصومين عليهم السلام تختلف عن مهمته هو ولذلك انحصرت مدة حياة آبائه بسنين معدودة لم تزد على 74 سنة طبق أكثر الروايات التي شخصت هذا الرقم بحياة الإمام الصادق عليه السلام، بينما عاش باقي الأئمة بأعمار أقل من ذلك حتى وصلت بعض أعمارهم عليهم السلام إلى 25 سنة كما في حياة الامام الجواد عليه السلام والامام الهادي عليه السلام.
وان اختلاف أعمار الأئمة عليهم السلام لم يخضع للقوانين الطبيعية كالمرض والصحة وإنما أعمارهم مقدرة طبق التقدير الإلهي الذي خضع لملاك المصلحة والضرورة التي تحتاجها الخليقة من ذلك الإمام عليه السلام، ولذلك نجدها تطول في إمام وتقصر في إمام آخر.
وعلى هذا كان طول عمر الإمام المهدي عليه السلام لأنه أعد لأكبر مهمة تحتاجها الخليقة، ولا يمكن تحققها الا على يديه الشريفتين، ولذلك جاءت البشارة في جميع الأديان بولادته وطول عمره المتميز وظهوره المعجز، وبتتبع الروايات الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الأئمة عليهم السلام من خلال طرق الرواية عند جميع المسلمين نجد التأكيد الكبير الذي ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في ولادته وغيبته وطول عمره _ حتى في النص الذي رواه السنة في مصادرهم_ وأُرجع السبب في ذلك: لأنه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
وإن تلك الأجوبة ترجع إلى عقيدة الشيعة بالإمامة، وعليه فمن الطبيعي أن نجد الاختلاف في هذه القضية كما في القضايا العقائدية الأخرى بينهم وبين غيرهم، فيكون الحكم حينئذٍ الأسس العقلية والنص الصحيح، وقد استخدمهما الشيعة بقوة لإثبات عقائدهم الدينية وتميزوا عن غيرهم بقوة الحجة والبرهان لاعتمادهم الدليل إلى جنب نص المعصوم الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
وحديثنا هنا، حول الفائدة من الكتابة والتأليف في قضية رؤية الإمام المهدي عليه السلام، وهل يمكن رؤيته في الغيبة الكبرى؟ وكيف يمكننا أن نصدق مدّعي الرؤية؟ وهل هناك سبيل لرؤيته؟
أولاً: ما هي الفائدة في التأليف في رؤية الإمام عليه السلام؟
في الواقع أن قصص الرؤية تثبت حقائق دينية وتاريخية كثيرة؛ من جملتها إنها تؤكد ولادته عليه السلام خلافاً لزعم المنكرين.
ومنها: إنها تؤكد بقاءه وحياته.. ويتم ذلك من خلال التعرف على القصص والروايات التي تتحدث عن رؤيته في العصور القريبة.
ومن ثم كان اهتمام الروايات والأدعية الشريفة بموضع رؤية ومشاهدة الإمام عليه السلام والالتقاء به، وكذلك نعرف التفسير العملي لاهتمام أهل البيت عليهم السلام بهذا الموضوع بحيث ربّوا أتباعهم على الاهتمام الكبير للسعي لرؤية من تشرأب إلى رؤيته الأعناق كما ورد ذلك في دعاء الندبة وفي دعاء العهد وفي روايات كثيرة لسنا الآن بصدد استقصائها.
ومنها: إنها تعطي صورة صحيحة لمعرفة كيفية وجوده الشريف، فإن الإنسان الغريب عن الفكر الإمامي بعقيدته المهدوية يتصور: أن الإمامية يؤمنون بأن الإمام المهدي عليه السلام يعيش حالة غيبية محضة لا مساس لها بالواقع والحاضر من حين اختفائه عن الناس عندما كانت الغيبة الكبرى.
وقد يتصورون إنه عليه السلام يعيش الحياة التي يعيشها المسيح بن مريم عليهما السلام أو إلياس النبي عليه السلام؛ كما يتصورون أيضاً بأنه لا تؤثر فيه الحوادث السياسية والاجتماعية التي تحدث في العالم في طول التاريخ الذي يعاصره.
وبتعبير آخر يتصورون إنه يعيش حياة خاصة به منعزلاً عن المجتمعات الإنسانية والأحداث التاريخية بعيداً في غور عميق عن كل ذلك.. مختفياً وراء أستار لا يُعرف منها شيء ولا عن ما وراءها إلا أنها غيب فوق الادراكات العادية للإنسان.
وتبقى هذه التصورات اللا واقعية تصور أشياء لا وجود لها في الفكر الإمامي بعقيدته المهدوية.
ومهما يجاب عن هذه التصورات الخاطئة فإن أقرب تلك الأجوبة الصحيحة هو ما يمكننا أن نحصل عليه بواسطة دراسة ما جاء في كثير من قصص الرؤية له عليه السلام دراسة علمية دقيقة، فمثلاً إننا يمكننا معرفة طريقة حياته.
من خلال ما جاء في بعض قصص المشاهدة التي أكدت أنه حي موجود في الأرض يعيش حياة عادية طبيعية كما يعيشها باقي الآدميين، وتجري عليه مخلفات الأحداث السياسية والاجتماعية كما تجري علينا بالضبط تماماً.
ونعرف أيضاً إنه يمكنه أن يحتمي من شر تلك الأحداث باحتمائه بالوسائل الطبيعيةكالابتعاد عن موقع الحدث _أو الاستعداد الطبيعي لمواجته أو غير ذلك) كما يحتمي بها غيره من الناس.
ومن هذا المنطلق جاء استحباب التصدق عنه عليه السلام لأجل دفع الضرر عنه. وكذلك يمكننا أن نستشهد على إن حياته عليه السلام طبيعية بما ورد في كثير من الأدعية الشريفة التي يدعى بها في زمان الغيبة لطلب دفع البلاء والآلام عنه، كما يقرأ الداعي ذلك في دعاء الندبةبأبي أنت وأمي ونفسي لك الوقاء والحمى..).
ويقرأ أيضاًليت شعري أين استقرت بك النوى بل أي أرض تقلّك أو ثرى، أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى.. عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى، ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى.. عزيز علي أن تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى..).
إذا أردنا أن نفهم القضايا المهدوية جميعها سواء أكانت المفاهيم النظرية منها أو تطبيقات القضايا المهدوية أو دور هذه القضايا الواقعية فعلينا أن ننطلق لتكوين تصوراتنا المهدوية من المحور المركزي للفهم الواقعي لحقيقة طبيعة حياة الامام عليه السلام التي يعيشها في غيبته.
وبكلمة أدق إننا إذا أردنا أن نفهم القضايا المهدوية على واقعها وحقيقتها كما أرادت العقيدة الدينية أن نفهمها.. فعلينا أن تكون تصوراتنا منسجمة مع التصورات الواقعية الطبيعية العادية ولا نحتاج إلى حشر بعض المفاهيم الغيبية التي لم تؤكد عليها النصوص الدينية، وإنما هي من صنع الخيال والذي يصنّف ضمن الخرافة.
نعم للقضايا الغيبية موقعها الكبير في المفاهيم الدينية، وسوف تدخل القضايا المهدوية ضمن دائرتها. ولكننا لا يمكننا أن نؤمن بالقضية الغيبية الا اذا قام الدليل الشرعي على صحتها.
وتنبثق من هذه القاعدة عدة أسس عقائدية وسلوكية؛ مثل: أن العقيدة المهدوية عند الإمامية تنص على إن الامام المهدي عليه السلام حي يرزق في الأرض يعيش بكامل الظروف الحياتية الطبيعية التي يعيشها الإنسان في الأرض، ولم يرفع عنه شيء منها الا ما يؤثر بإدامة حياته كالموت، والمؤثرات الأخرى التي تؤدي إلى الموت؛ فإنها مرفوعة عنه لاقتضاء الحكمة الإلهية أن يبقى حياً إلى يومه الموعود.
وأما سائر الظروف الطبيعية التي تمر وتؤثر على حياة الإنسان في الأرض فهي تمر وتؤثر على حياة الإمام المهدي عليه السلام كما كانت مؤثرة في حياته قبل الغيبة، وكما كانت مؤثرة أيضاً في حياة آبائه المعصومين عليهم السلام.
وتأسيساً على هذا الفهم الصحيح لطبيعة حياته فقد بيّنت النصوص الشريفة طريقة تعامل الإنسان مع إمامه المهدي الذي يعيش معه ويحس به ويؤثر به ويتأثر بما حوله.. فليس الإمام المهدي عليه السلام مسلوب الإرادة والحركة، كما إنه لم يفقد تأثيره في حياة المجتمع المسلم بشكل خاص أو المجتمع الإنساني بشكل عام، بالإضافة إلى ذلك فإنه لم يبق الإمام المهدي عليه السلام مجرد فكرة تعيش في أذهان المسلمين ويعتقدون به، كما إنه لم يبق مجرد مثال جامد شاخص أمام أنظارهم خال من الحركة، يرتقبون ظهوره ليخلصهم من المعاناة والعذاب الذي يعيشونه.
بل العكس من ذلك جميعه فإن الفهم الصحيح لطبيعة حياته عليه السلام تفرض الإيمان بتأثيره المباشر بمجريات الأمور طبق القوانين الاجتماعية والتغييرية الطبيعية الكونية، وأنه عليه السلام مهتم جداً للدفاع عن شيعته والحفاظ على الكيان الإسلامي؛ وإنه يحقق كل ذلك ضمن الأصول الطبيعية، وإنه لا يستخدم القوانين الغيبية الا في الموارد التي تحتاج إلى الأمور الخارقة للعادة وإقامة المعجز.
ولأجل توضيح الفكرة يمكننا الاستفادة من الحكايات والقصص التي تحدثت عن لقاءاته وظهوره لأشخاص أو لجماعات بمناسبات متعددة.
كما أن نفس مفهوم المهدوية الصحيح يؤثر في حركة الإنسان المؤمن. وتتضح هذه الحقيقة من خلال معرفة مفهوم الانتظار الذي يجعل الانسان المؤمن متحركاً دائماً نحو الأحسن، وتكمن مفاهيم الانتظار المهدوي وراء دوافع حركة هذا الإنسان، فإن من ينتظر الموعود عليه أن يهيئ الظروف المناسبة لظهوره.. وبما إن القاعدة الدينية للعقيدة المهدوية نصت على أن التغيير لا يتحقق بالطريقة الغيبية وإنما يحتاج إلى تحرك جاد وجهد عملي لتوفير الأرضية القادرة على إيجاد المجتمع المؤهل لتحمل مسؤولية القيام بالنهضة المهدوية. فلزم من هذه القاعدة أن يكون المنتظر لتلك الحركة العالمية الكبرى باذلاً كل طاقته ووقته من أجل الإعداد لتلك المرحلة الضخمة التي ينتظرها.
وعلى كل حال فإن قضية معرفة طبيعة حياته ومعيشته إنما هي قضية مهمة تحتاج إلى وقفة مفصلة لا يمكن أن نتوافر على جميع تفصيلاتها إلا من خلال بحث مستقل نأمل من الله عز وجل أن يوفقنا في المستقبل.
وأما تفسير هذه الاهتمام فله أوجه غير الأوجه المتقدمة، فهناك التفسير الديني العقائدي حيث تؤكد الأحاديث الشريفة على ضرورة الاعتقاد بوجود إمام حي يقوم بوظائف الإمامة التي كان يقوم بها آباؤه عليهم السلام.
وإن أشكل مشكل بأن آباءه كانوا ظاهرين يتصل بهم الناس ويسألونهم ويمكن لأتباعهم أن يصلوا إليهم عليهم السلام ويسألوهم ويعرفوا منهم الحلال والحرام بخلاف الحجة المنتظر عليه السلام فإنه غائب عن الأبصار لا يمكن الوصول إليه، بل هناك نص مروي عنه عليه السلام بلزوم تكذيب مدعي الرؤية.
فيجاب عليه بعدة أجوبة منها: إن وظيفة الأئمة عليهم السلام لم تنحصر في التصدي العلمي وتعريف الناس الحلال والحرام وتفصيل الأحكام، خصوصاً إنهم كانوا يعرضون أحياناً عن الاجوبة الواقعية ويستخدمون التقية في ذلك، وفي هذه الحالة يكون عدم الظهور أولى من الأجوبة التقوية خصوصاً في مثل هذه الظروف التي عاشها الإمام المهدي عليه السلام من بداية ولادته إلى وقت قريب...
بل إن للإمام المعصوم عليه السلام وظائف أخرى يستفيد منها الخلق.
ويجاب أيضاً: إن بعض الأئمة المعصومين عليهم السلام لم يظهروا الا نادراً للناس ولشيعتهم في الأوقات الأخيرة التاريخية التي سبقت ولادة الامام المهدي عليه السلام ووضحت بدايات الغيبة وهذا يفسر ندرة الظهور المباشر للإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام ولذلك قلّ الرواة عنهما عليهما السلام وندرت الرواية عنهما؛ بل إن الدارس لحياة الامام العسكري عليه السلام يجد أنه قد غيّر طريقة ارتباطه مع شيعته وحولها من المشاهدة إلى المكاتبة والوكالة، واستمرت هذه الطريقة في الغيبة الصغرى، وكان الامامان الهادي والعسكري عليهما السلام يرجعون أصحابهم إلى وكلائهم ويجيبون على الأسئلة من خلال المكاتبة، وصار طبيعياً أن تتحدد حتى كانت تنحصر لقاءات الناس بالإمام المعصوم عليه السلام بموقع الضرورة.
ونجد أن نفس الطريقة استمرت في زمان الغيبة الصغرى فمع أنه عليه السلام فسح المجال لبعض خواص شيعته ومقربيه من اللقاء به والاتصال به مباشرة، ولكنه كان يرجع غالباً إلى وكلائه الذين عينهم لهذه الوظيفة ليكون الاتصال بين الشيعة وإمامهم عليه السلام من خلال نوابه ووكلائه.
ويُجاب أيضاً أن مهمة آبائه المعصومين عليهم السلام تختلف عن مهمته هو ولذلك انحصرت مدة حياة آبائه بسنين معدودة لم تزد على 74 سنة طبق أكثر الروايات التي شخصت هذا الرقم بحياة الإمام الصادق عليه السلام، بينما عاش باقي الأئمة بأعمار أقل من ذلك حتى وصلت بعض أعمارهم عليهم السلام إلى 25 سنة كما في حياة الامام الجواد عليه السلام والامام الهادي عليه السلام.
وان اختلاف أعمار الأئمة عليهم السلام لم يخضع للقوانين الطبيعية كالمرض والصحة وإنما أعمارهم مقدرة طبق التقدير الإلهي الذي خضع لملاك المصلحة والضرورة التي تحتاجها الخليقة من ذلك الإمام عليه السلام، ولذلك نجدها تطول في إمام وتقصر في إمام آخر.
وعلى هذا كان طول عمر الإمام المهدي عليه السلام لأنه أعد لأكبر مهمة تحتاجها الخليقة، ولا يمكن تحققها الا على يديه الشريفتين، ولذلك جاءت البشارة في جميع الأديان بولادته وطول عمره المتميز وظهوره المعجز، وبتتبع الروايات الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الأئمة عليهم السلام من خلال طرق الرواية عند جميع المسلمين نجد التأكيد الكبير الذي ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في ولادته وغيبته وطول عمره _ حتى في النص الذي رواه السنة في مصادرهم_ وأُرجع السبب في ذلك: لأنه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
وإن تلك الأجوبة ترجع إلى عقيدة الشيعة بالإمامة، وعليه فمن الطبيعي أن نجد الاختلاف في هذه القضية كما في القضايا العقائدية الأخرى بينهم وبين غيرهم، فيكون الحكم حينئذٍ الأسس العقلية والنص الصحيح، وقد استخدمهما الشيعة بقوة لإثبات عقائدهم الدينية وتميزوا عن غيرهم بقوة الحجة والبرهان لاعتمادهم الدليل إلى جنب نص المعصوم الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
تعليق