ما هي حقيقة عالم الذر
________________________________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخوة الاعزاء احببت ان انقل لكم موضوع جميل جدا ومهم جدا كان يجول في خاطري من فترة بعيدة
اليوم وجدت تفصيلا كاملا عن هذا الموضوع
وهو الحديث عن احد اهم العوالم التي يمر بها الانسان وهو عالم الذر وساقوم بالنقل على قسمين
لمحاولة تسهيل القراءة لكم باعتبار اذا كان الموضوع طويل سيكون فيه نوع من الملل واسئل الله ان تنتفعوا من هذه المعلومات
القسم الاول
قال النبي :﴿ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء وإنما تنقلون من دار إلى دار ﴾
يمر الإنسان خلال حياته الطويلة –أي من بداية خلقه وحتى وصوله إلى مرحلة الخلود في الجنة أو النار – في عدة مراحل أو عوالم مختلفة منها عالم الأرواح (ويسمى أيضاً بعالم الأشباح أو الظلال)وعالم الذر وعالم الأصلاب وعالم الأرحام وعالم الدنيا وعالم البرزخ وعالم القيامة ثم في الأخير عالم الخلود في الجنة أو النار ، ولا تشكل الحياة الدنيا التي نعيش فيها إلا مرحلة صغيرة جداً قياساً بتلك المراحل والعوالم المتعددة .
فعلى سبيل المثال إذا لاحظنا عالم البرزخ (القبر)ومدة مكوثه نجد أنه قد يمتد لمئات أو آلاف من السنين أو ربما أكثر من ذلك ، حيث أنه يبدأ بموت الإنسان وينتهي بقيام الساعة أو النفخ في الصور وكما قال سبحانه وتعالى :﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ وكذلك يوم القيامة فهو وحده يشكل أيضاً عالم طويل جداً بالنسبة لحياتنا الدنيوية حيث يقول عنه سبحانه وتعالى :﴿ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة ﴾ ، وأما حياتنا الآخرة في الجنة أو النار فلا يمكن قياسها ببقائنا في الدنيا فهي سنوات لا تعد ولا تحصى وخلود إلى مالانهاية .
ومع الأسف الشديد فإن أكثر الناس قد شغلوا بزخرف هذه الدنيا القصيرة الأمد مع ما فيها من بلايا وأمراض ومصائب متعددة عما ينتظرهم من عوالم طويلة وحياة خالدة في الآخرة ، كما نسينا أو غفلنا عن عوالم سابقة كنا قد مررنا بها وربما عشنا فيها لعشرات أو مئات من السنين وذلك حسب ما جاء في بعض الروايات من أن الإنسان يخلق قبل أن يولد بألفي عام ..!
فعن الإمام الصادق (ع )قال إن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام ) ، وعن أبي جعفر قال إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالأقرارله بالربوبية ولمحمد بالنبوة، وعرض الله عز وجل على محمد أمته في الطين وهم أظلة وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم ، وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام ، وعرضهم عليه وعرفهم رسول الله وعرفهم عليا ونحن نعرفهم في لحن القول).
ومن تلك العوالم المهمة التي مررنا بها أو عشنا فيها هو عالم الذر الذي نحن بصدد البحث فيه ، فما هو حقيقة عالم الذر؟ ولأي شيء كان ذلك العالم ؟ وما الذي كان قبله ثم كيف إنتقلنا منه إلى عالم الدنيا ؟ وكيف نسينا بأجمعنا ذلك العالم ولم نعد نتذكر حوادثه المختلفة ؟
هذه الأسئلة وكثير من الأسئلة المشابهة لها تدور في ذهن الكثيرين منا ولا نجد لها الإجابة المحددة والصحيحة أو الشافية ، وهذا ما سنبحثه إنشاء الله تعالى في هذه السطور القليلة لعلنا نتوصل لبعض الإجابات لتلك الأسئلة المتعددة.
أدلة وجود عالم الذر :
قال تعالى :﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).
وعن أبي جعفر الباقر في تفسير الآية الآنفة الذكر قال أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة ، فخرجوا كالذر فعرفهم وأراهم نفسه -أي برؤية القلب -ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه ، ثم قال (ع ):قال رسول الله :" كل مولود يولد على الفطرة " يعني على المعرفة بأن الله خالقه ، وذلك قوله ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ )
وعن ابن بكير عن زرارة قال سألت أبا عبدالله عن قول الله :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ….﴾فقال ثبتت المعرفة في قلوبهم ونسوا الموقف وسيذكرونه يوماً ما ، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه ، فمنهم من أقر بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال الله ( فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ)
وعن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله كيف أجابوه وهم ذر ؟ فقال جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه يعني الميثاق.
وعن أبي جعفر قال( لما أخرج ذرية آدم من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له وبالنبوة لكل نبي ، فكان أول من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته محمد بن عبدالله).
إذن نستنتج مما مضى من آيات وروايات -وهناك من أمثلتها الشيء الكثير ربما تتجاوز العشرات أوالمئات من الأحاديث -أن هناك عالم يسبق عالمنا هذا ويطلق عليه اسم عالم الذر نسبة إلى أن الناس كانوا فيه على شكل ذر ولكنهم كانوا يملكون كافة المشاعر والأحاسيس العقلية والفكرية والنفسية التي نملكها اليوم وربما أكثر .
ونورد هنا قول العاملي في تفسير حديث النبي صلى الله عليه وآله لميسرة الفجر وذلك حينما سأله متى كنت نبياً فأجاب وآدم بين الروح والجسد )، فقال العاملي وهو أحد العلماء المعاصرين ضمن ما قال إن عدداً من الأحاديث الشريفة تدل على وجود عدة عوالم كنا فيها قبل عالمنا هذا ، منها عالم الذر الذي أخذه الله من ظهر آدم وبنيه .. ومنها عوالم كانت فيها روح آدم قبل أن تحل في قالب التراب .. ومنها عالم النور والظلال الذي كان قبل خلق روح آدم وجسده وفيه خلق نور نبينا صلى الله عليه وآله ، بل ورد أن أول شيء خلقه الله تعالى نور محمد ، وبما أن كل ذلك غيب لاعلم لنا فيه إلا ما أخبرنا المتصل بالغيب ، فلا ننفيه بل نبقيه في عالم الإمكان ونعتقد بما ثبت منه).
ماهية عالم الذر :
السؤال الذي يدور في ذهن الكثيرين منا ويحتاج إلى إجابة هو هل كنا في عالم الذر أرواح وأجساد أم أرواح فقط أم ماذا؟
اختلف علمائنا الكرام بشأن عالم الذر كثيراً وتعددت آرائهم في ذلك، فمنهم من أنكر وجود عالم الذر جملة وتفصيلا وفسر آية الذر وإشهاد الناس وإقرارهم فيها لله بالربوبية ، بإنه تعبير مجازي عن تكوينهم الذي يهديهم إلى ربهم تعالى، أي إعترافهم في الحياة الدنيا بلسان الحال لا بلسان المقال بربهم سبحانه، وذلك حينما يرون عظيم صنعه وآثاره في خلقه وبديع آياته، ومن بين هؤلاء العلماء الأكارم السيد الشريف المرتضى (قدس سره ) حيث استبعد رحمه الله أن ينسى جميع الناس ماجرى في عالم الذر لو كان ذلك صحيحاً، ويأول الروايات الواردة بشأن عالم الذر بتأويلات أخرى حيث يقول فهذه الأخبار إما أن تكون باطلة مصنوعة، أو يكون تأويلها –إن كانت صحيحة – ما ذكرناه في مواضع كثيرة من تأويل قوله ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ …﴾ وهو أن الله تعالى لما خلق الخلق وركبهم تركيباً وأراهم الآيات والدلائل والعبر في أنفسهم وفي غيرهم يدل الناظر فيها المتأمل لها على معرفة الله وإلهيته ووحدانيته ووجوب عبادته وطاعته ، جاز أن يجعل تسخيرها له وحصولها على هذه الصفات الداله على ما ذكرناه ، إقراراً منها بالوحدانية ووجوب العبادة).
وأما القسم الثاني من العلماء فقد اعتبر أن عالم الذر هو نفس عالم الأرواح والأظله حيث لم يكن هناك أجساد أو مانسميه بعالم المادة وإنما كان عالم أرواح أو أشباح فقط لاغير ، وفيه تم أخذ الميثاق على الناس بالربوبية له سبحانه وللأنبياء بالنبوة وكذلك باقي العقائد الأساسية .
وأما القسم الثالث من العلماء فقد فرق بين عالم الذر وعالم الأرواح واعتبر أن عالم الأرواح هو عالم سابق لعالم الذر وقال بأن عالم الذر هو عالم أجساد وأن الله عز وجل استخرج نطف أبناء آدم من ظهره ثم من ظهور أبنائه إلى آخر أب ثم كونهم بشكل معين وأشهدهم فأقروا ، ثم أعادهم إلى حالتهم الأولى في ظهر آدم ، ويقول السيد الجزائري بهذا الخصوص(إن خلق الأرواح قد كان قبل خلق عالم الذر وقد أجج سبحانه ناراً وكلف تلك الأرواح بالدخول ، فمنهم من بادر إلى الإمتثال ومنهم من تأخر عنه ولم يأت به ، فمن هناك جاء الأيمان والكفر ولكن بالأختيار ، فلما أراد سبحانه أن يخلق لتلك الأرواح أبداناً تعلق لكل نوع من الأرواح نوعاً مناسباً له من الأبدان ، فيكون ما صنع بها سبحانه جزاءً لذلك التكليف السابق).
بل ذهب البعض من العلماء لأبعد من ذلك واعتبر أن الحياة في عالم الذر امتدت لفترة غير قصيرة من الزمان ، وجرى في ذلك العالم الكثير من الحوادث والقضايا على بني آدم وجرى بينهم الصداقات والعداوات أيضاً ، وربما يدل على ذلك حديث النبي الأرواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها أختلف )، وقال بعضهم أنه كان هناك أيضاً إرتكاب المعاصي من البعض فكان هناك المطيع والعاصي لله تبارك وتعالى ، وان كثيراً من الأحداث التي نواجهها الآن ما هي إلا عبارة عن طبعة ثانية لأحداث ذلك العالم ، ولذلك تمر على الإنسان أحياناً بعض المواقف أو الأحاديث فيتذكر أنه قد رآها من قبل أو مرت عليه من قبل مع أنها تحصل له لأول مرة .
__________________
اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم
________________________________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخوة الاعزاء احببت ان انقل لكم موضوع جميل جدا ومهم جدا كان يجول في خاطري من فترة بعيدة
اليوم وجدت تفصيلا كاملا عن هذا الموضوع
وهو الحديث عن احد اهم العوالم التي يمر بها الانسان وهو عالم الذر وساقوم بالنقل على قسمين
لمحاولة تسهيل القراءة لكم باعتبار اذا كان الموضوع طويل سيكون فيه نوع من الملل واسئل الله ان تنتفعوا من هذه المعلومات
القسم الاول
قال النبي :﴿ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء وإنما تنقلون من دار إلى دار ﴾
يمر الإنسان خلال حياته الطويلة –أي من بداية خلقه وحتى وصوله إلى مرحلة الخلود في الجنة أو النار – في عدة مراحل أو عوالم مختلفة منها عالم الأرواح (ويسمى أيضاً بعالم الأشباح أو الظلال)وعالم الذر وعالم الأصلاب وعالم الأرحام وعالم الدنيا وعالم البرزخ وعالم القيامة ثم في الأخير عالم الخلود في الجنة أو النار ، ولا تشكل الحياة الدنيا التي نعيش فيها إلا مرحلة صغيرة جداً قياساً بتلك المراحل والعوالم المتعددة .
فعلى سبيل المثال إذا لاحظنا عالم البرزخ (القبر)ومدة مكوثه نجد أنه قد يمتد لمئات أو آلاف من السنين أو ربما أكثر من ذلك ، حيث أنه يبدأ بموت الإنسان وينتهي بقيام الساعة أو النفخ في الصور وكما قال سبحانه وتعالى :﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ وكذلك يوم القيامة فهو وحده يشكل أيضاً عالم طويل جداً بالنسبة لحياتنا الدنيوية حيث يقول عنه سبحانه وتعالى :﴿ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة ﴾ ، وأما حياتنا الآخرة في الجنة أو النار فلا يمكن قياسها ببقائنا في الدنيا فهي سنوات لا تعد ولا تحصى وخلود إلى مالانهاية .
ومع الأسف الشديد فإن أكثر الناس قد شغلوا بزخرف هذه الدنيا القصيرة الأمد مع ما فيها من بلايا وأمراض ومصائب متعددة عما ينتظرهم من عوالم طويلة وحياة خالدة في الآخرة ، كما نسينا أو غفلنا عن عوالم سابقة كنا قد مررنا بها وربما عشنا فيها لعشرات أو مئات من السنين وذلك حسب ما جاء في بعض الروايات من أن الإنسان يخلق قبل أن يولد بألفي عام ..!
فعن الإمام الصادق (ع )قال إن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام ) ، وعن أبي جعفر قال إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالأقرارله بالربوبية ولمحمد بالنبوة، وعرض الله عز وجل على محمد أمته في الطين وهم أظلة وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم ، وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام ، وعرضهم عليه وعرفهم رسول الله وعرفهم عليا ونحن نعرفهم في لحن القول).
ومن تلك العوالم المهمة التي مررنا بها أو عشنا فيها هو عالم الذر الذي نحن بصدد البحث فيه ، فما هو حقيقة عالم الذر؟ ولأي شيء كان ذلك العالم ؟ وما الذي كان قبله ثم كيف إنتقلنا منه إلى عالم الدنيا ؟ وكيف نسينا بأجمعنا ذلك العالم ولم نعد نتذكر حوادثه المختلفة ؟
هذه الأسئلة وكثير من الأسئلة المشابهة لها تدور في ذهن الكثيرين منا ولا نجد لها الإجابة المحددة والصحيحة أو الشافية ، وهذا ما سنبحثه إنشاء الله تعالى في هذه السطور القليلة لعلنا نتوصل لبعض الإجابات لتلك الأسئلة المتعددة.
أدلة وجود عالم الذر :
قال تعالى :﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).
وعن أبي جعفر الباقر في تفسير الآية الآنفة الذكر قال أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة ، فخرجوا كالذر فعرفهم وأراهم نفسه -أي برؤية القلب -ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه ، ثم قال (ع ):قال رسول الله :" كل مولود يولد على الفطرة " يعني على المعرفة بأن الله خالقه ، وذلك قوله ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ )
وعن ابن بكير عن زرارة قال سألت أبا عبدالله عن قول الله :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ….﴾فقال ثبتت المعرفة في قلوبهم ونسوا الموقف وسيذكرونه يوماً ما ، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه ، فمنهم من أقر بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال الله ( فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ)
وعن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله كيف أجابوه وهم ذر ؟ فقال جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه يعني الميثاق.
وعن أبي جعفر قال( لما أخرج ذرية آدم من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له وبالنبوة لكل نبي ، فكان أول من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته محمد بن عبدالله).
إذن نستنتج مما مضى من آيات وروايات -وهناك من أمثلتها الشيء الكثير ربما تتجاوز العشرات أوالمئات من الأحاديث -أن هناك عالم يسبق عالمنا هذا ويطلق عليه اسم عالم الذر نسبة إلى أن الناس كانوا فيه على شكل ذر ولكنهم كانوا يملكون كافة المشاعر والأحاسيس العقلية والفكرية والنفسية التي نملكها اليوم وربما أكثر .
ونورد هنا قول العاملي في تفسير حديث النبي صلى الله عليه وآله لميسرة الفجر وذلك حينما سأله متى كنت نبياً فأجاب وآدم بين الروح والجسد )، فقال العاملي وهو أحد العلماء المعاصرين ضمن ما قال إن عدداً من الأحاديث الشريفة تدل على وجود عدة عوالم كنا فيها قبل عالمنا هذا ، منها عالم الذر الذي أخذه الله من ظهر آدم وبنيه .. ومنها عوالم كانت فيها روح آدم قبل أن تحل في قالب التراب .. ومنها عالم النور والظلال الذي كان قبل خلق روح آدم وجسده وفيه خلق نور نبينا صلى الله عليه وآله ، بل ورد أن أول شيء خلقه الله تعالى نور محمد ، وبما أن كل ذلك غيب لاعلم لنا فيه إلا ما أخبرنا المتصل بالغيب ، فلا ننفيه بل نبقيه في عالم الإمكان ونعتقد بما ثبت منه).
ماهية عالم الذر :
السؤال الذي يدور في ذهن الكثيرين منا ويحتاج إلى إجابة هو هل كنا في عالم الذر أرواح وأجساد أم أرواح فقط أم ماذا؟
اختلف علمائنا الكرام بشأن عالم الذر كثيراً وتعددت آرائهم في ذلك، فمنهم من أنكر وجود عالم الذر جملة وتفصيلا وفسر آية الذر وإشهاد الناس وإقرارهم فيها لله بالربوبية ، بإنه تعبير مجازي عن تكوينهم الذي يهديهم إلى ربهم تعالى، أي إعترافهم في الحياة الدنيا بلسان الحال لا بلسان المقال بربهم سبحانه، وذلك حينما يرون عظيم صنعه وآثاره في خلقه وبديع آياته، ومن بين هؤلاء العلماء الأكارم السيد الشريف المرتضى (قدس سره ) حيث استبعد رحمه الله أن ينسى جميع الناس ماجرى في عالم الذر لو كان ذلك صحيحاً، ويأول الروايات الواردة بشأن عالم الذر بتأويلات أخرى حيث يقول فهذه الأخبار إما أن تكون باطلة مصنوعة، أو يكون تأويلها –إن كانت صحيحة – ما ذكرناه في مواضع كثيرة من تأويل قوله ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ …﴾ وهو أن الله تعالى لما خلق الخلق وركبهم تركيباً وأراهم الآيات والدلائل والعبر في أنفسهم وفي غيرهم يدل الناظر فيها المتأمل لها على معرفة الله وإلهيته ووحدانيته ووجوب عبادته وطاعته ، جاز أن يجعل تسخيرها له وحصولها على هذه الصفات الداله على ما ذكرناه ، إقراراً منها بالوحدانية ووجوب العبادة).
وأما القسم الثاني من العلماء فقد اعتبر أن عالم الذر هو نفس عالم الأرواح والأظله حيث لم يكن هناك أجساد أو مانسميه بعالم المادة وإنما كان عالم أرواح أو أشباح فقط لاغير ، وفيه تم أخذ الميثاق على الناس بالربوبية له سبحانه وللأنبياء بالنبوة وكذلك باقي العقائد الأساسية .
وأما القسم الثالث من العلماء فقد فرق بين عالم الذر وعالم الأرواح واعتبر أن عالم الأرواح هو عالم سابق لعالم الذر وقال بأن عالم الذر هو عالم أجساد وأن الله عز وجل استخرج نطف أبناء آدم من ظهره ثم من ظهور أبنائه إلى آخر أب ثم كونهم بشكل معين وأشهدهم فأقروا ، ثم أعادهم إلى حالتهم الأولى في ظهر آدم ، ويقول السيد الجزائري بهذا الخصوص(إن خلق الأرواح قد كان قبل خلق عالم الذر وقد أجج سبحانه ناراً وكلف تلك الأرواح بالدخول ، فمنهم من بادر إلى الإمتثال ومنهم من تأخر عنه ولم يأت به ، فمن هناك جاء الأيمان والكفر ولكن بالأختيار ، فلما أراد سبحانه أن يخلق لتلك الأرواح أبداناً تعلق لكل نوع من الأرواح نوعاً مناسباً له من الأبدان ، فيكون ما صنع بها سبحانه جزاءً لذلك التكليف السابق).
بل ذهب البعض من العلماء لأبعد من ذلك واعتبر أن الحياة في عالم الذر امتدت لفترة غير قصيرة من الزمان ، وجرى في ذلك العالم الكثير من الحوادث والقضايا على بني آدم وجرى بينهم الصداقات والعداوات أيضاً ، وربما يدل على ذلك حديث النبي الأرواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها أختلف )، وقال بعضهم أنه كان هناك أيضاً إرتكاب المعاصي من البعض فكان هناك المطيع والعاصي لله تبارك وتعالى ، وان كثيراً من الأحداث التي نواجهها الآن ما هي إلا عبارة عن طبعة ثانية لأحداث ذلك العالم ، ولذلك تمر على الإنسان أحياناً بعض المواقف أو الأحاديث فيتذكر أنه قد رآها من قبل أو مرت عليه من قبل مع أنها تحصل له لأول مرة .
__________________
اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم
تعليق