القوى الكامنة في الإنسان والاتحاد((الإنسي ـ ملكوتي))
إن للإنسان وجودان وجود مادي , ووجود ذاتي . ونرى أن الوجودين متداخلان متناسقان على الرغم من النقص الموجود فيهما , ولكن حكمية الجعل الإلهي رتبت هذا الأمر بهذه الصيغة ليكلف الإنسان في معرفة ذاته وعلة وجوده , ومن خلال معرفة الذات تتم معرفة الله تعالى.
ليسير من خلال ذلك إلى الكمال المنشود في الوجودين لان الوجود المادي له طبيعته التكوينية الخاصة التي ينتقل الإنسان خلالها من الجسدية الكثيفة إلى الجسمانية الشفافة وهذه غاية الكمال الجسدي , أما بالنسبة إلى الوجود الذاتي فعلى الإنسان أن يسبر أغواره ليستدل من خلاله على عظمة المعبود وإبداع الله تعالى في الخلق والإيجاد وجعل الإنسان الخليفة الإلهي الذي يرث الأرض, وكذلك معرفة ما أودع الله تعالى فيه من طاقة عظيمة ومن خلال إتباع ما أمرت به السماء من الأوامر والنواهي لتحرير تلك الطاقة إلى الوجود كما أن الله تعالى جعل ارتباط الذات الإنسانية بهذا العالم عن طريق تلبس الأرواح بالأبدان فجعل النفس صلة ذات الإنسان بهذا العالم والذي من خلالها يكتشف هذا الوجود ويتصل ويتفاعل معه ويؤثر فيه ويتأثر به حسب مرتبته الوجودية ومرحلته الإيمانية .
لذلك فالإنسان محتاج إلى فهم ثلاثة عوالم : عالم الذات الإنسانية , وعالم الطبيعة , وعالم ما وراء الطبيعة ليسعى إلى التنسيق بما أودع الله تعالى فيه من القدرة النفسية على التوفيق بين المثالية المودعة في فطرة ذاته وبين مستلزمات الوجود ومقتضياته وضرورياته , ليسير هذا الإنسان إلى دار المقام بما يضمن له الحصول على رضا الله تعالى .
إن فهم الإنسان لذاته ولعلة وجوده يمَكنه ذلك من معرفة طاقته الكامنه وتحريرها والسعي إلى الاتحاد مع العوالم من اجل تهيئة القاعدة لتحقيق أطروحة العدل الإلهي في الظهور المقدس الشريف .
وهنا لابد أن نعرف إن عالم الأرواح المقدس والتي هي أهم هذه العوالم لها مستلزماتها ومقتضباتها وضرورياتها وتتمتع بقوانين خاصة أنهم مع كثرة عبادتهم و عدم إقدامهم على الزلات يكونون خائفين وجلين حتى كأن عباداتهم معاصي قال تعالى (( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ويفعلون مايؤمرون )) وقال (( وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)) قوله تعالى (( حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ)) ومن الممكن جمع القانون الإلهي المتحكم بهذا العالم الملكوتي بقاعدة النص القرآني الذي قال الله تعالى فيه (( لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ )) وقوله تعالى (( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)).
وتقتضي عملية الاتحاد الإنسي الملكوتي معرفة هذه المقتضيات والضروريات والقوانين التي تحيط بهذا العالم من اجل تهيئة القاعدة الإنسانية لعملية الاتحاد والاتصال بحيث لا يحصل خرق لهذه النظم ونحرص على أن لا يحصل خلل في هذه العملية , كما أن عدم معرفة هذه المقتضيات والقوانين تعد مانعا لعملية الاتحاد والاتصال .
إن عملية الاتحاد والاتصال لا تتم إلا أن يسمو الإنسان بنفسه إلى النفس القديسة المطمئنة وعلى أن يتماثل تماثل تطابقي مع الملائكة وفق النص القرآني ((لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ )) وقوله تعالى (( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)).
فإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة من الطهارة والطاعة والنقاء أزاح بذلك الحجب الظلمانية التي تغشى الفطرة كما يزيح الفجر الصادق غشاوة الليل المظلم وهنا يبزغ فجر الفطرة وتشرق عليها الأنوار الربوبية فيضحى الإنسان في عالم الكشف والشهود والتعريف الإلهي كما قال الحديث الحاكي عن أصحاب القائم ((يبايعونه بين الركن والمقام اسعد الناس أهل الكوفة ويقيم المال بالسوية ويعدل في الرعية ويفصل في القضية يخرج على فترة من الدين ومن أبى قتل ومن نازعه خذل يظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ما لو كان رسول الله (ص) كان يحكم به وأعدائه الفقهاء والمقلدون يدخلون تحت حكمه خوفا من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه يبايعه العارفون بالله تعالى من أهل الحقائق عن شهود وكشف وتعريف الهي وله رجال يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء يحملون أثقال المملكة........ الخ. بشارة ألإسلام : ص : 333)).
ليضحى بذلك هذا الإنسان الخليفة الإلهي الوارث لهذه الأرض المباركة وليحقق عليها أطروحة العدل الإلهي وهنا يكون الإنسان المبارك محط ومزار الملائكة (( إن الذين قالوا ربنا الله ثم إستقاموا تتنزل عليهم الملائكة )) فعملية التنقية من الشوائب تجعل قلب الإنسان كعبة وحرما لله تعالى كما حكى لنا الحديث القدسي الشريف (( لولا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات)).
إذن عملية الاتحاد والاتصال مع الملكوت تحتاج منا إلى طهارة بالغة الدرجة والى النقاء القلبي .إن عملية الاتحاد والاتصال تعود بفوائد لا تحصى منها أنها تعطي الإنسان القوة الخارقة لمجابهة الظلم المتفشي في أرجاء المعمورة بحيث تتصاغر أمام هذا الإنسان(( الذي يمثل سطوة الله تعالى )) التكنولوجيا الحديثة للأسلحة , على شرط أن يكون هذا المشروع مشروع سماوي بإشراف المصلح الغيبي ليستطيع الإنسان من خلاله خدمة المشروع الإلهي وليس خدمة المصلحة الشخصية وإلا لم نخرج من دائرة الظلم. كما لا يخفى أن الملائكة أولو قوة في دحر مردة الشياطين والجن وهوام الأرض كما ذكر لنا أمير المؤمنين (ع) (( وإن الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم أي الملائكة بعباده يذّبون عنهم مردة الشياطين وهوام الأرض وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله تعالى إلى أن يجئ أمر الله تعالى )) , وهنالك تأييد لله تعالى لمن رقى بنفسه إلى الخلوص والطاعة والانقياد بحيث أضحى هذا الإنسان عارفا بنفسه وبربه محترقا بالشوق إلى الله تعالى يسلبه هذا الشوق راحة فؤاده حتى يطمئن بأن أصبح في ساحة القرب إلى الله تعالى بعد أن طهر ذاته وكشف حيل إبليس (لع) في إغوائه حتى آيس من غوايته , فعن أبي عبد الله(ع) قال (( ما من مؤمن إلا ولقلبه أذنان في جوفه أذن ينفث فيها الوسواس الخناس وأذن ينفث فيها ملك فيؤيد الله المؤمن بالملك فذلك قوله( فأيدهم بروح منه)).
ولا بد هنا من أن نعرج على عملية التأييد التي حصلت في معركة بدر وما علة عدم حصول الاتحاد والاتصال ؟
أيد الله تبارك وتعالى المسلمين في معركة بدر بثلاثمائة وثلاثة عشر ملكا نصروا المسلمين في هذه المعركة فقد ذكر لنا التاريخ هذا الإرث المبارك ألا أنه لم تحصل حالة الاتحاد والاتصال مع الملائكة وكان في الحقيقة أن المسلمين لم يبلغوا من مكارم الأخلاق ما كان مطلوبا منهم في تلك الفترة كما أن الإرث الجاهلي كان من الصعوبة الخلاص منه والانتقال إلى ما يطلبه الإسلام من رجولة إلهية خالية من الرجولة البيئية الموروثة والتي كانت محل تفاخر وتناحر بين الناس والطبيعة الخاصة بالرقعة الجغرافية كان لها قسوتها أيضا والعادات القبلية الموروثة حيث كان الثأر والقتل والغزو عادة عندهم وكانت هذه الظروف أو تلك مانعا من عدم التكامل والوصول إلى أعلى مراحل التهذيب والتكامل التي كانت شرطا رئيسيا في عملية الاتحاد والاتصال كما أن مكارم الأخلاق لم تثبت عند البعض وهذا مما وثقه التاريخ لنا من خلال معركة أحد حيث ترك المسلمون الجبل ولهثوا وراء الغنائم وكانت سببا في خسارة الحرب ولهذه الأسباب كان نزول الملائكة تأييدا لا إتحادا. وعودة إلى ذي بدء نرى من خلال ما تحقق من علامات الظهور المقدس الشريف وقرب مستوى الظهور كان من الواجب علينا بناء القاعدة الإنسانية للرجل الإلهي من خلال البناء الأخلاقي والروحي لننقل أنفسنا من خلاله من النفس اللوامة إلى النفس المطمئنة القدسية لتكون راضية مرضية متنورة بالأنوار الربوبية مشرقة عليها الفيوضات القدسية الإلهية وبها نستطيع الاتحاد والاتصال مع العوالم المختلفة لنكون وحدة لهذه الذات مع ذوات الموجودات لنحصل من خلاله على خلاصة (( عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشئ كن فيكون)).
فإذن عملية الاتحاد والاتصال التي بها يرقى الرجل الإلهي الأسباب تحصل الخوارق من العادات ومن خلال التخلية من الرذائل والتحلي بالفضائل وهذا يكون سببا في تحرر الطاقة الكامنة وتوهجها وهو بالتأكيد كما ذكرنا راجع إلى بلوغ أعلى درجة من الكمال الموهوب بحيث تتم عملية الاتحاد والاتصال مع العوالم المختلفة وبالتأكيد إن هذا الفعل متوقف في القضية الإلهية الكبرى على ساعة الصفر التي يأذن بها الرب للمولى في الخروج بعدما يكتمل النصاب العددي والأخلاقي والروحي لدى الأصحاب وندرج هنا أحداث مستقبلية على ضوء ما ذكر التاريخ على لسان الأشهاد من أهل البيت عليهم السلام لتكون لنا منارا وعلامة نعمل بموجبها :
1- عن أمير المؤمنين(ع) قال (( ..... ثم يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا إلى الآفاق كلها فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم فلا يتعابون في قضاء....))
بشارة الإسلام ص308
2- عن أبي جعفر(ع)((.... أنه لو قد كان ذلك أعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلا وجعل قلوبكم كزبر الحديد ، لو قذف بها الجبال لقلعتها وكنتم قوام الأرض وخزانها)) روضة الكافي ص240 ح229وبشارة الإسلام ص321.
3- قال أبي جعفر(ع) ((إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم)) بشارة الإسلام ص328
4- الخسف في البيداء :
عن أمير المؤمنين(ع)أنه قال المهدي أقبل جعد بخده خال يكون مبدؤه من قبل المشرق و إذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلا طوائف من المقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه و يأتي المدينة بجيش جرار حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به و ذلك قول الله عز و جل في كتابه وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ الغيبة للنعماني ص : 305
5- قال أبو عبد الله(ع) إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاثمائة و ثلاثة عشر قزع كقزع الخريف فهم أصحاب الألوية منهم من يفقد من فراشه ليلا فيصبح بمكة ومنهم من يرى يسير في السحاب نهارا يعرف باسمه و اسم أبيه و حليته ونسبه قلت جعلت فداك أيهم أعظم إيمانا قال الذي يسير في السحاب نهارا وهم المفقودون وفيهم نزلت هذه الآية أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً الغيبة للنعماني .
6- طي الأرض : قال أبو عبد الله جعفر بن محمد(ع) بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام إذ توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد فيصبحون بمكة . الغيبة للنعماني ص : 317
7- السير على الماء .ولا يستشكل عليهم شئ في القضاء عن محمد بن جعفر بن محمد(ع)عن أبيه(ع) قال (( إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلا يقول عهدك في كفك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك و اعمل بما فيها قال و يبعث جندا إلى القسطنطينية فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا و مشوا على الماء فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها ما يشاءون)) الغيبة للنعماني.
إن للإنسان وجودان وجود مادي , ووجود ذاتي . ونرى أن الوجودين متداخلان متناسقان على الرغم من النقص الموجود فيهما , ولكن حكمية الجعل الإلهي رتبت هذا الأمر بهذه الصيغة ليكلف الإنسان في معرفة ذاته وعلة وجوده , ومن خلال معرفة الذات تتم معرفة الله تعالى.
ليسير من خلال ذلك إلى الكمال المنشود في الوجودين لان الوجود المادي له طبيعته التكوينية الخاصة التي ينتقل الإنسان خلالها من الجسدية الكثيفة إلى الجسمانية الشفافة وهذه غاية الكمال الجسدي , أما بالنسبة إلى الوجود الذاتي فعلى الإنسان أن يسبر أغواره ليستدل من خلاله على عظمة المعبود وإبداع الله تعالى في الخلق والإيجاد وجعل الإنسان الخليفة الإلهي الذي يرث الأرض, وكذلك معرفة ما أودع الله تعالى فيه من طاقة عظيمة ومن خلال إتباع ما أمرت به السماء من الأوامر والنواهي لتحرير تلك الطاقة إلى الوجود كما أن الله تعالى جعل ارتباط الذات الإنسانية بهذا العالم عن طريق تلبس الأرواح بالأبدان فجعل النفس صلة ذات الإنسان بهذا العالم والذي من خلالها يكتشف هذا الوجود ويتصل ويتفاعل معه ويؤثر فيه ويتأثر به حسب مرتبته الوجودية ومرحلته الإيمانية .
لذلك فالإنسان محتاج إلى فهم ثلاثة عوالم : عالم الذات الإنسانية , وعالم الطبيعة , وعالم ما وراء الطبيعة ليسعى إلى التنسيق بما أودع الله تعالى فيه من القدرة النفسية على التوفيق بين المثالية المودعة في فطرة ذاته وبين مستلزمات الوجود ومقتضياته وضرورياته , ليسير هذا الإنسان إلى دار المقام بما يضمن له الحصول على رضا الله تعالى .
إن فهم الإنسان لذاته ولعلة وجوده يمَكنه ذلك من معرفة طاقته الكامنه وتحريرها والسعي إلى الاتحاد مع العوالم من اجل تهيئة القاعدة لتحقيق أطروحة العدل الإلهي في الظهور المقدس الشريف .
وهنا لابد أن نعرف إن عالم الأرواح المقدس والتي هي أهم هذه العوالم لها مستلزماتها ومقتضباتها وضرورياتها وتتمتع بقوانين خاصة أنهم مع كثرة عبادتهم و عدم إقدامهم على الزلات يكونون خائفين وجلين حتى كأن عباداتهم معاصي قال تعالى (( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ويفعلون مايؤمرون )) وقال (( وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)) قوله تعالى (( حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ)) ومن الممكن جمع القانون الإلهي المتحكم بهذا العالم الملكوتي بقاعدة النص القرآني الذي قال الله تعالى فيه (( لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ )) وقوله تعالى (( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)).
وتقتضي عملية الاتحاد الإنسي الملكوتي معرفة هذه المقتضيات والضروريات والقوانين التي تحيط بهذا العالم من اجل تهيئة القاعدة الإنسانية لعملية الاتحاد والاتصال بحيث لا يحصل خرق لهذه النظم ونحرص على أن لا يحصل خلل في هذه العملية , كما أن عدم معرفة هذه المقتضيات والقوانين تعد مانعا لعملية الاتحاد والاتصال .
إن عملية الاتحاد والاتصال لا تتم إلا أن يسمو الإنسان بنفسه إلى النفس القديسة المطمئنة وعلى أن يتماثل تماثل تطابقي مع الملائكة وفق النص القرآني ((لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ )) وقوله تعالى (( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)).
فإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة من الطهارة والطاعة والنقاء أزاح بذلك الحجب الظلمانية التي تغشى الفطرة كما يزيح الفجر الصادق غشاوة الليل المظلم وهنا يبزغ فجر الفطرة وتشرق عليها الأنوار الربوبية فيضحى الإنسان في عالم الكشف والشهود والتعريف الإلهي كما قال الحديث الحاكي عن أصحاب القائم ((يبايعونه بين الركن والمقام اسعد الناس أهل الكوفة ويقيم المال بالسوية ويعدل في الرعية ويفصل في القضية يخرج على فترة من الدين ومن أبى قتل ومن نازعه خذل يظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ما لو كان رسول الله (ص) كان يحكم به وأعدائه الفقهاء والمقلدون يدخلون تحت حكمه خوفا من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه يبايعه العارفون بالله تعالى من أهل الحقائق عن شهود وكشف وتعريف الهي وله رجال يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء يحملون أثقال المملكة........ الخ. بشارة ألإسلام : ص : 333)).
ليضحى بذلك هذا الإنسان الخليفة الإلهي الوارث لهذه الأرض المباركة وليحقق عليها أطروحة العدل الإلهي وهنا يكون الإنسان المبارك محط ومزار الملائكة (( إن الذين قالوا ربنا الله ثم إستقاموا تتنزل عليهم الملائكة )) فعملية التنقية من الشوائب تجعل قلب الإنسان كعبة وحرما لله تعالى كما حكى لنا الحديث القدسي الشريف (( لولا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات)).
إذن عملية الاتحاد والاتصال مع الملكوت تحتاج منا إلى طهارة بالغة الدرجة والى النقاء القلبي .إن عملية الاتحاد والاتصال تعود بفوائد لا تحصى منها أنها تعطي الإنسان القوة الخارقة لمجابهة الظلم المتفشي في أرجاء المعمورة بحيث تتصاغر أمام هذا الإنسان(( الذي يمثل سطوة الله تعالى )) التكنولوجيا الحديثة للأسلحة , على شرط أن يكون هذا المشروع مشروع سماوي بإشراف المصلح الغيبي ليستطيع الإنسان من خلاله خدمة المشروع الإلهي وليس خدمة المصلحة الشخصية وإلا لم نخرج من دائرة الظلم. كما لا يخفى أن الملائكة أولو قوة في دحر مردة الشياطين والجن وهوام الأرض كما ذكر لنا أمير المؤمنين (ع) (( وإن الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم أي الملائكة بعباده يذّبون عنهم مردة الشياطين وهوام الأرض وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله تعالى إلى أن يجئ أمر الله تعالى )) , وهنالك تأييد لله تعالى لمن رقى بنفسه إلى الخلوص والطاعة والانقياد بحيث أضحى هذا الإنسان عارفا بنفسه وبربه محترقا بالشوق إلى الله تعالى يسلبه هذا الشوق راحة فؤاده حتى يطمئن بأن أصبح في ساحة القرب إلى الله تعالى بعد أن طهر ذاته وكشف حيل إبليس (لع) في إغوائه حتى آيس من غوايته , فعن أبي عبد الله(ع) قال (( ما من مؤمن إلا ولقلبه أذنان في جوفه أذن ينفث فيها الوسواس الخناس وأذن ينفث فيها ملك فيؤيد الله المؤمن بالملك فذلك قوله( فأيدهم بروح منه)).
ولا بد هنا من أن نعرج على عملية التأييد التي حصلت في معركة بدر وما علة عدم حصول الاتحاد والاتصال ؟
أيد الله تبارك وتعالى المسلمين في معركة بدر بثلاثمائة وثلاثة عشر ملكا نصروا المسلمين في هذه المعركة فقد ذكر لنا التاريخ هذا الإرث المبارك ألا أنه لم تحصل حالة الاتحاد والاتصال مع الملائكة وكان في الحقيقة أن المسلمين لم يبلغوا من مكارم الأخلاق ما كان مطلوبا منهم في تلك الفترة كما أن الإرث الجاهلي كان من الصعوبة الخلاص منه والانتقال إلى ما يطلبه الإسلام من رجولة إلهية خالية من الرجولة البيئية الموروثة والتي كانت محل تفاخر وتناحر بين الناس والطبيعة الخاصة بالرقعة الجغرافية كان لها قسوتها أيضا والعادات القبلية الموروثة حيث كان الثأر والقتل والغزو عادة عندهم وكانت هذه الظروف أو تلك مانعا من عدم التكامل والوصول إلى أعلى مراحل التهذيب والتكامل التي كانت شرطا رئيسيا في عملية الاتحاد والاتصال كما أن مكارم الأخلاق لم تثبت عند البعض وهذا مما وثقه التاريخ لنا من خلال معركة أحد حيث ترك المسلمون الجبل ولهثوا وراء الغنائم وكانت سببا في خسارة الحرب ولهذه الأسباب كان نزول الملائكة تأييدا لا إتحادا. وعودة إلى ذي بدء نرى من خلال ما تحقق من علامات الظهور المقدس الشريف وقرب مستوى الظهور كان من الواجب علينا بناء القاعدة الإنسانية للرجل الإلهي من خلال البناء الأخلاقي والروحي لننقل أنفسنا من خلاله من النفس اللوامة إلى النفس المطمئنة القدسية لتكون راضية مرضية متنورة بالأنوار الربوبية مشرقة عليها الفيوضات القدسية الإلهية وبها نستطيع الاتحاد والاتصال مع العوالم المختلفة لنكون وحدة لهذه الذات مع ذوات الموجودات لنحصل من خلاله على خلاصة (( عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشئ كن فيكون)).
فإذن عملية الاتحاد والاتصال التي بها يرقى الرجل الإلهي الأسباب تحصل الخوارق من العادات ومن خلال التخلية من الرذائل والتحلي بالفضائل وهذا يكون سببا في تحرر الطاقة الكامنة وتوهجها وهو بالتأكيد كما ذكرنا راجع إلى بلوغ أعلى درجة من الكمال الموهوب بحيث تتم عملية الاتحاد والاتصال مع العوالم المختلفة وبالتأكيد إن هذا الفعل متوقف في القضية الإلهية الكبرى على ساعة الصفر التي يأذن بها الرب للمولى في الخروج بعدما يكتمل النصاب العددي والأخلاقي والروحي لدى الأصحاب وندرج هنا أحداث مستقبلية على ضوء ما ذكر التاريخ على لسان الأشهاد من أهل البيت عليهم السلام لتكون لنا منارا وعلامة نعمل بموجبها :
1- عن أمير المؤمنين(ع) قال (( ..... ثم يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا إلى الآفاق كلها فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم فلا يتعابون في قضاء....))
بشارة الإسلام ص308
2- عن أبي جعفر(ع)((.... أنه لو قد كان ذلك أعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلا وجعل قلوبكم كزبر الحديد ، لو قذف بها الجبال لقلعتها وكنتم قوام الأرض وخزانها)) روضة الكافي ص240 ح229وبشارة الإسلام ص321.
3- قال أبي جعفر(ع) ((إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم)) بشارة الإسلام ص328
4- الخسف في البيداء :
عن أمير المؤمنين(ع)أنه قال المهدي أقبل جعد بخده خال يكون مبدؤه من قبل المشرق و إذا كان ذلك خرج السفياني فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلا طوائف من المقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه و يأتي المدينة بجيش جرار حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به و ذلك قول الله عز و جل في كتابه وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ الغيبة للنعماني ص : 305
5- قال أبو عبد الله(ع) إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاثمائة و ثلاثة عشر قزع كقزع الخريف فهم أصحاب الألوية منهم من يفقد من فراشه ليلا فيصبح بمكة ومنهم من يرى يسير في السحاب نهارا يعرف باسمه و اسم أبيه و حليته ونسبه قلت جعلت فداك أيهم أعظم إيمانا قال الذي يسير في السحاب نهارا وهم المفقودون وفيهم نزلت هذه الآية أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً الغيبة للنعماني .
6- طي الأرض : قال أبو عبد الله جعفر بن محمد(ع) بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام إذ توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد فيصبحون بمكة . الغيبة للنعماني ص : 317
7- السير على الماء .ولا يستشكل عليهم شئ في القضاء عن محمد بن جعفر بن محمد(ع)عن أبيه(ع) قال (( إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلا يقول عهدك في كفك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك و اعمل بما فيها قال و يبعث جندا إلى القسطنطينية فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا و مشوا على الماء فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها ما يشاءون)) الغيبة للنعماني.