إن الإحساس بأن الإمام ينتظرنا هو الذي يحركنا في هذه الحياة.. ولا شك أن الإمام لو أراد أن يخرج خروجا إعجازيا، معتمدا على قوى ما وراء الطبيعة، لآثار أن يخرج منذ أن وُلد .. ولكن سنته هي سنة جده المصطفى ، وسنة آبائه ، فرغم المصاعب التي كانوا يمرون بها، إلا أنهم كانوا يشكون أمرهم لله عز وجل، ويصبرون على الأذى في سبيله.. وهذه المقولة لأحد المعصومين تعكس عظمة المعصوم، وعظمة الخالق: (إن الله أقدرنا على ما نريد) ونحن نعلم أن المعصوم، لا يريد إلا ما يريده الله سبحانه وتعالى.. فإذن، إن السنّة الطبيعية هي أن تكون دعوة البشر ضمن القواعد الطبيعية، وأما الأمور الإعجازية، فهي لإثبات صحة الدعوة.
إن إمامنا (عج) منتظِرٌ ومنتظَرٌ.. إن انتظار خروجه يتوقف على عناصر مادية في حياة الأمة، وقد قال (عج): (وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج!.. فإنّ ذلك فرجكم).. فإذا كانت الدعوة لا أثر لها في التعجيل، فلماذا دُعينا إلى ذلك؟.. وعليه، فإن كل دعوة للمؤمن لها أثرها في تعجيل الفرج، فالفرج مقدَّرٌ محتومٌ في أصله، ولكن {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}.. ولهذا ندعو ونقول: (اللهم!.. لا تحبس عنا النصر)، أي هناك نصر مؤزَّر، ولكنه ممنوع، وذلك لسوء أعمالنا، فنحن الذين نؤخّر في فرجه (عج).. ومضمون كلمته المسجلة في التاريخ تدل على ذلك: (ولولا ما يتصل بنا مما نكرهه منكم، لما تأخّر عنكم اليُمن بلقائنا، ولتعجلت لكم السعادة بمشاهدتنا).
كان الإمام الصادق دائما يستشهد بهذا البيت:
لكل أناس دولة يرقبونها *
ودولتنا في آخر الدهر تظهر..
فالإمام (عج) لا يظهر إلا عندما تعيش البشرية الإحساس العميق بوجوب وجوده، وتتلهف لظهوره، لأنه ليست هناك قوة في الوجود تسد مسده (عج).. فلا بد أن يصل أنين الشرق والغرب، ولا بد أن يصل أنين المستضعفين، من اليهود والنصارى قبل المسلمين إلى العرش، ليأتي النداء من جانب العرش بالفرج للمؤمنين.
إن الله عز وجل لا حاجة له أن يمنّ على الناس، ولكن هناك موضعين في القرآن الكريم يمنّ فيهما على الناس:
المرحله الأولى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً}.
والمنة الثانية: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}.
أي منة بالبعثة، ومنة أخرى بقيام المهدي (عج).. ولولا هذا القيام، لما أعطت البعثة ثمارها الكاملة.. فالنبي لم يقطف ثمار دعوته في حياته كما ينبغي، بل ذهب من هذه الدنيا وهو ساخط، كما ذكر ابن عباس: (إن الرزية كل الرزية، رزية يوم الخميس).. فلا بد من ذلك اليوم الذي يمنّ الله به على المؤمنين، كما ذكر في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}..
فمنذ خلُق آدم والأرض لم تشهد العدل إلا في مرحلتين:
المرحلة الأولى: قبل خلقة قابيل.. فآدم وحواء وهابيل، كانوا مؤمنين، ولكن بمجرد أن قتل قابيلُ هابيلَ، انتكست الحركة البشرية.
والمرحلة الثانية: عندما أغرق الله عز وجل الأرض ومَن عليها.. فكانت سفينة نوح هي التي تحمل المؤمنين، ولكن ما القيمة الكبرى لهذه الدولة الإسلامية التي في السفينة، المتمثلة بمجموعة من الدواب والحيوانات، ومجموعة من المؤمنين؟.. ليس هذا هو العدل المطلق الذي تنتظره البشرية!.. إن العدالة المطلقة، لا تتحقق إلا بفرجه وظهوره (عج).
إن الإمام هو مظهر العبادة الإلهية، ومظهر التوحيد، ومظهر الطاعة، ومظهر التقوى.. والذي يريد أن يكون معه، هو الذي ينسجم مع خطه، ولا بد أن يكون بهذا المستوى من التجانس.. إن البعض مغرم بجمع روايات الظهور، فهل نحن مكلفون بذلك؟..
لا بل يجب علينا أن نهيأ أنفسنا، لنكون على أهبة الاستعداد دائما: علما وعملا، قلبا وظاهر.. فإن ظهر في زماننا نور على نور، وإن تأخر فرجه وذهبنا من هذه الدنيا، فنحن مكتبون في سجل أنصاره وأعوانه.. نعم، علينا أن نفكر في ما ينبغي فعله!..
إن مسألة اللقاء به (عج)، بين إفراط وتفريط.. فهناك من ينفي اللقاء العابر نفيا شديدا، فلماذا هذا النفي؟..
نعم، إن دعوى السفارة، هذا هو الأمر المرفوض، بينما هناك كتب متعددة قد ألفها العلماء الأبرار فيمن فاز بلقائه (عج).. ولكن لا ينبغي أن نجعل هذا همنا الشاغل، وإنما علينا أن نكون على مستوى اللقاء، وعلى مستوى العناية.
هناك نوعان من الظهور في زمان الغيبة: ظهور عام، وظهور خاص:
الظهور العام: بيد الله عز وجل، يقرره متى يشاء، فهو مرتبط بظروف لا نعلمها.
الظهور الخاص: إن الإمام (عج) مظهر الرحمة الإلهية، ورحمة الله عز وجل رحمتان: الرحمة الرحيمية، والرحمة الرحمانية.. {بسم الله الرحمن الرحيم}.. فالرحمن بالجميع، والرحيم بالخصوص: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء}.. والإمام في زمان الغيبة له عناية ببعض محبيه والمنتظرين له، الذين لا فرق لدهم بين زمن الظهور وغيره.. فهو بالنسبة لهم بمثابة ملك حاكم في المنفى، وهذا الحاكم يعيش مع أهله.. فأهل بيته، وأولاده، وزوجته، وذريته، وأرحامه، متمتعون بحكومته، وإن لم يحكم.. ولئن كان محجوبا عنا في زمان الغيبة، إلا أن البعض يعيش عناية الإمام (عج). إن من يكثر ذكره (عج) -فذكره ذكر الله عز وجل- ومن يعيش الأسى لفقده، ويعيش هذا المعنى من القرب والأذى.. فهذا إنسان قريب إلى قلب إمامه، وحاشى أن يهمله مولاه!.. وعلينا أن نعيش هذا الهاجس دائما، فالإمام مظهر الرأفة الإلهية.. فما الذي يجري على إمامنا في هذه الأزمنة، عندما ينظر إلى أوضاع الأرض، فيرى الناس بين منكر لوجود الله، وبين منكر لرسالة النبي ، وبين منكر لإمامة جده علي .. وبين معترف بذلك كله، ولكنه لا يعمل بما يعتقد به، ولا يعمل بما أُلزم به.. فينظر في أوقات الفريضة من الذي يصلي في أول وقته، ومن الذي يصلي في أول وقته بتوجه وإقبال؟!.. قلائل هم الذين يتوجون إلى ربهم، وكلما اقترب زمان الفرج، كلما صار هناك انحسار في المجال الديني.. فاحذروا فتنة آخر الزمان!.. إن الإمام (عج) سمي قائما لأنه يقوم بعد ارتداد أكثر القائلين بإماماته، فيصبح أحدهم مسلما، وإذا بأزمة بسيطة تسلبه إيمانه فيمسي كافرا، ويصبح مؤمنا ويمسي فاسقا.. بينما المؤمنون الأوائل كم صبروا في ذات الله عز وجل؟!.. فالجاهليون كانوا يئدون بناتهم، ويشربون الخمر، ويتعاملون بالربا، ويقتتلون على أتفه الأمور.. فحولهم الإسلام إلى أمة صابرة مجاهدة، ونحن لا نتحمل أدنى البلاء.. {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}؟.. نعم، هذه سنّة الله عز وجل في أرضه وفي عباده.
ماذا علينا أن نعمل في زمان الغيبة؟..
التقوى.. هي التي تقرّب الإنسان من قلب إمامه.. أما أن نقول فيه شعرا، وأن نقرأ دعاء الندبة في صباح الجمعة، أو دعاء العهد أربعين صباحا، فهذه الأمور جيدة، ولكن لا تغني عن التقوى..الخ
همسه
إن المنتظر لفرج الإمام -عليه السلام- هو الذي يقوم بدور ما في زمان الغيبة، ولو كان دوراً بسيطاً.. أما الإنسان الذي يبدي أشواقهُ من دون عمل؛ هذا الإنسان إنسان لهُ منطق شعري، شاعري، هذا ليس لهُ واقع أبداً.. فالانتظار الحقيقي، هو ذلك الانتظار الذي يستتبع العمل.
منقول
تعليق