رواه سلمان وأبو ذر، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: مَنْ كان ظاهره في ولايتي أكثر من باطنه خفّت موازينه؛ يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يعرفني بالنورانية، وإذا عرفني بذلك فهو مؤمن، امتحن اللَّه قلبه للإيمان، وشرح صدره للإسلام، وصار عارفاً بدينه مستبصراً، ومن قصر عن ذاك فهو شاك مرتاب، يا سلمان ويا جندب، إن معرفتي بالنورانية معرفة اللَّه، ومعرفة اللَّه معرفتي، وهو الدين الخالص، بقول اللَّه سبحانه: 'وما أمروا إلّا لِيَعْبُدوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِيْنَ ' (البينة:5) وهو الإخلاص، وقوله: 'حنفاء' وهو الإقرار بنبوّة محمد صلى الله عليه و آله و سلم، وهوالدين الحنيف، وقوله: 'ويقيموا الصلاة'، وهي ولايتي، فمن والاني فقد أقام الصلاة، وهو صعب مستصعب.
'ويؤتوا الزكاة'، وهو الإقرار بالأئمة، 'وذلك دين القيمة' أي وذلك دين اللَّه القيم.
شهد القرآن أن الدين القيم الإخلاص بالتوحيد، والإقرار بالنبوّة والولاية، فمن جاء بهذا فقد أتى بالدين.
يا سلمان ويا جندب، المؤمن الممتحن الذي لم يرد عليه شي ء من أمرنا، إلّا شرح اللَّه صدره لقبوله، ولم يشك ولم يرتَبْ، ومن قال لِمَ وكيفَ فقد كفر، فسلموا للَّه أمره، فنحن أمر اللَّه، يا سلمان ويا جندب، إنّ اللَّه جعلني أمينه على خلقه، وخليفته في أرضه وبلاده وعباده، وأعطاني ما لم يصفه الواصفون، ولا يعرفه العارفون، فإذا عرفتموني هكذا فأنتم مؤمنون، يا سلمان قال اللَّه تعالى: 'وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ' فالصبر محمد، والصلاة ولايتي، ولذلك قال: 'وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ'، ولم يقل وإنهما، ثم قال: 'إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ' (البقرة:45) ، فاستثنى أهل ولايتي الذين استبصروا بنور هدايتي، يا سلمان، نحن سرّ اللَّه الذي لا يخفى، ونوره الذي لا يطفى، ونعمته التي لا تجزى، أوّلنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد، فمن عرفنا فقد استكمل الدين القيم.
يا سلمان ويا جندب، كنت ومحمداً نوراً نسبِّح قبل المسبّحات، ونشرق قبل المخلوقات، فقسم اللَّه ذلك النور نصفين: نبي مصطفى، ووصي مرتضى، فقال اللَّه عز وجل لذلك النصف: كن محمداً، وللآخر كن علياً، ولذلك قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:أنا من علي، وعلي منّي، ولا يؤدي عنّي إلّا أنا أو علي. وإليه الإشارة بقوله: 'وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ' (آل عمران: 61)، وهو إشارة إلى اتحادهما في عالم الأرواح والأنوار، ومثله قوله: 'أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ'(آل عمران: 144)، والمراد هنا مات أو قُتل الوصي، لأنّهما شي ء واحد، ومعنى واحد، ونور واحد، اتّحدا بالمعنى والصفة، وافترقا بالجسد والتسمية، فهما شي ء واحد في عالم الأرواح 'أنت روحي التي بين جنبيّ' ، وكذا في عالم الأجساد: 'أنت منّي وأنا منك ترثني وأرثك' ، 'أنت منّي بمنزلة الروح من الجسد'. وإليه الإشارة بقوله: 'صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً' (الأحزاب: 56) ، ومعناه صلّوا على محمد، وسلّموا لعلي أمره، فجمعهما في جسد واحد جوهري، وفرّق بينهما بالتسمية والصفات في الأمر، فقال: 'صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً '، فقال: صلّوا على النبي، وسلّموا على الوصي، ولا تنفعكم صلواتكم على النبي بالرسالة إلّا بتسليمكم على علي بالولاية.
يا سلمان ويا جندب، وكان محمد الناطق، وأنا الصامت، ولابد في كل زمان من صامت وناطق، فمحمد صاحب الجمع، وأنا صاحب الحشر، ومحمد المنذر، وأنا الهادي، ومحمد صاحب الجنة، وأنا صاحب الرجعة، محمد صاحب الحوض، وأنا صاحب اللواء، محمد صاحب المفاتيح، وأنا صاحب الجنة والنار، ومحمد صاحب الوحي، وأنا صاحب الإلهام، محمد صاحب الدلالات، وأنا صاحب المعجزات، محمد خاتم النبيين، وأنا خاتم الوصيين، محمد صاحب الدعوة، وأنا صاحب السيف والسطوة، محمد النبي الكريم، وأنا الصراط المستقيم، محمد الرؤوف الرحيم، وأنا العلي العظيم .
يا سلمان، قال اللَّه سبحانه: 'يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ' (غافر: 15) ، ولا يعطي هذا الروح إلّا من فوّض إليه الأمر والقدر، وأنا أُحيي الموتى، واعلم ما في السَّموَات والأرض، وأنا الكتاب المبين، يا سلمان، محمد مقيم الحجّة، وأنا حجّة الحق على الخلق، وبذلك الروح عرج به إلى السماء، أنا حملت نوحاً في السفينة، أنا صاحب يونس في بطن الحوت، وأنا الذي حاورت موسى في البحر، وأهلكت القرون الأولى، أعطيت علم الأنبياء والأوصياء، وفصل الخطاب، وبي تمّت نبوّة محمد، أنا أجريت الأنهار والبحار، وفجّرت الأرض عيوناً، أنا كاب الدنيا لوجهها، أنا عذاب يوم الظلة، أنا الخضر معلِّم موسى، أنا معلم داود وسليمان، أنا ذو القرنين، أنا الذي دفعت سمكها بإذن اللَّه عز وجل، أنا دحوت أرضها، أنا عذاب يوم الظلة، أنا المنادي من مكان بعيد، أنا دابة الأرض، أنا كما يقول لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:أنت يا علي ذو قرنيها، وكلا طرفيها، ولك الآخرة والأولى، يا سلمان إن ميّتنا إذا مات لم يمت، ومقتولنا لم يقتل، وغائبنا إذا غاب لم يغب، ولا نلد ولا نولد في البطون، ولا يقاس بنا أحد من الناس، أنا تكلّمت على لسان عيسى في المهد، أنا نوح، أنا إبراهيم، أنا صاحب الناقة، أنا صاحب الراجفة، أنا صاحب الزلزلة. أنا اللوح المحفوظ، إليَّ انتهى علم ما فيه، أنا أنقلب في الصور كيف شاء اللَّه، من رآهم فقد رآني، ومن رآني فقد رآهم، ونحن في الحقيقة نور اللَّه الذي لا يزول ولا يتغيّر.
يا سلمان، بنا شرف كل مبعوث، فلا تدعونا أرباباً، وقولوا فينا ما شئتم، ففينا هلك وبنا نجي. يا سلمان، من آمن بما قلت وشرحت فهو مؤمن، امتحن اللَّه قلبه للإيمان، ورضي عنه، ومن شك وارتاب فهو ناصب، وإن ادعى ولايتي فهو كاذب.
يا سلمان أنا والهداة من أهل بيتي سرّ اللَّه المكنون، وأولياؤه المقرّبون، كلّنا واحد، وسرّنا واحد، فلا تفرّقوا فينا فتهلكوا، فإنّا نظهر في كل زمان بما شاء الرحمن، فالويل كل الويل لمن أنكر ما قلت، ولا ينكره إلّا أهل الغباوة، ومن ختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة،
يا سلمان، أنا أبو كل مؤمن ومؤمنة، يا سلمان، أنا الطامة الكبرى، أنا الآزفة إذا أزفت، أنا الحاقة، أنا القارعة، أنا الغاشية، أنا الصاخة، أنا المحنة النازلة، ونحن الآيات والدلالات والحجب ووجه اللَّه، أنا كتب اسمي على العرش فاستقر، وعلى السَّموَات فقامت، وعلى الأرض ففرشت، وعلى الريح فذرت، وعلى البرق فلمع، وعلى الوادي فهمع، وعلى النور فقطع، وعلى السحاب فدمع، وعلى الرعد فخشع، وعلى الليل فدجى وأظلم، وعلى النهار فأنار وتبسّم .
(الحافظ رجب البرسي في مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين ص: 162-160 / يونس رمضان في بغية الطالب في معرفة علي بن ابي طالب ص: 444-446)