إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حديث عن الزهد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حديث عن الزهد







    لقد كنت منذ صغري أحب الزهّاد، وأتمنّى أن أنخرط في سلكهم، حيث نشأت على ازدراء الدنيا بما أتيح لي من والد (رحمه الله) كان ميّالاً إلى الإعراض عن الدنيا والاشتغال بالآخرة، وكان يرغّبني في عدم الاكتراث بزخارف الدنيا.
    التربية الصالحة
    عشق الزهد وأسبابه
    كان الوالد(رحمه الله) ينقل لي قصة والدته وقد رأيتها أنا بالذات في صغري، فكان يقول:
    إنها كانت عابدة، وكانت تواظب على صلاة الليل، وكانت إذا قامت في جوف الليل المظلم نبّهتني وأنا طفل صغير فتقول: قم يا مهدي، وأنا لا أكاد أشعر من غلبة النوم، خصوصاً في أيام الصيف..
    فكانت تنزل من السطح إلى سرداب البيت حيث إن حوض الماء كان هناك، وذلك لأجل أن تتوضأ ثم تتهجد، وكانت المسافة بين الطابق الأعلى والحوض أكثر من خمسين درجة وارتفاع كل درجة أكثر من شبر.
    قال الوالد: فكنت أكاد أسقط من الدرج لشدّة النعاس، لكن الوالدة كانت تتلافى الأمر بإعطائي بعض الحمصات المقلاة وما أشبه وتقول: لتبق مستيقظاً حتى طلوع الشمس.
    قيام الليل
    وقد كان الوالد(رحمه الله) مواظباً على قيام الليل إلى آخر أيام حياته، كما أنه كان كثير الدعاء والابتهال والضراعة وقراءة القرآن وما أشبه...
    نموذج في القمة
    وما أتيح لي من عم حيث كان هو الآخر مثالاً للزّهد، وكان يرى الآخرة وكأنها في غد، وكان معرضاً عن الدنيا وزخارفها.
    أستاذ زاهد
    وما أتيح لي من(أستاذ) كان يحبّب إليَّ الزهد والإعراض عن الدنيا، وكان هو زاهدا ً أيضاً، إقتنع بالأقل من الأمور الضرورية للمعاش، ولم يتزوّج إلاّ في أخريات أيّام حياته حيث لم يُكتب له البقاء الطويل، فالتحق بالرفيق الأعلى
    مجتمع العلم والزهد
    بالإضافة إلى أن مجتمع أهل العلم كان يوحي بالزهد والإعراض عن بهارج الحياة العاجلة الفانية، وحيث كان أقرباؤنا كلهم تقريباً من رجال العلم، فالجو العام بالنسبة لنا كان جوّاً زهديّاً بمختلف ألوانه
    مطالعة سيرة النبي (ص)
    وأهل بيته‎(ع)
    هذا بالإضافة إلى ما كان يحفّزني نحو الزهد، من مطالعة أحوال النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الطاهرين(عليهم السلام) ، ، والاشتياق الأكيد إلى قراءة قصص العبّاد والزهّاد


    الكتب المرغبة للزهد
    وزاد في حبّي للزّهادة مطالعتي لكتاب (النجم الثاقب) للحاج النوري (قدس سره) ، حيث كان من أسباب تطلّعي إلى رجاء الوصول والتشرّف بخدمة ولي الله الأعظم الإمام المهدي المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، حيث كنت أعلم أنّ ذلك لا يتسنّى إلاّ لمن أخلص لله إخلاصاً كاملاً وزهد في الحياة الدنيا زهداً يعلمه الله تعالى من قلبه، وكنت أعلم كم هو صعب أن يتقبّل الله سبحانه إنساناً تقبّلاً كاملاً (فإن الناقد بصير بصير)).
    وكذلك أخذت في مطالعة كتاب (مجموعة ورّام) و (جامع السعادات) وما أشبه..، لعلّي أتمكن من الوصول إلى تلك المقامات العالية.
    اثر الصديق
    وكان لي صديق يحبّب إليّ الزهد، ويحبّب لي الدراسة، وكنت أتلمّذ عنده ويتلمَّذ عندي ـ متبادلاً ـ، كنت أجتمع به كل يوم ثلاث ساعات تقريباً، وأتذكر منه إلى الآن توجيهات وقضايا وقصص، أذكر منها هذا البيت:
    صمت وجوع وسهر وعزلت وذكر به دوام ناتمامان جهــان را كند اين ينج تمام
    ومعناه: الصمت والجوع والسهر والعزلة والذكر الدائم، توجب تكامل من كان غير متكامل في هذه الدنيا.
    ملازمة بعض الأعمال
    كما أني كنت ألازم(التمشّي) والخلوة بنفسي في الخلوات: كفترة ما بين الطلوعين، أو أواخر العصر، أو أوائل الليل، أو قبل الصبح، وكنت أُفكّر في المبدأ والمعاد والإنسان والكون وما أشبه، فأرى جمال الزهد، وقبح التكالب على الحياة الدنيا.
    وكنت ألازم الذهاب إلى المقابر في كل أسبوع مرّة أو أكثر، لأعتبر بحال الأموات، خصوصاً في أوقات كانت المقابر خالية، فأتمثّل مصيري والنهاية التي يؤول إليها أمري، فيتأجّج حبّ الزهد ــ من جرّاء ذلك ــ في قلبي أكثر فأكثر
    الاعتزال المطلق
    وذات مرّة قرّرت الفرار عن البلاد والالتحاق بمنقطع جبل،أو مغارة كهف، أو ما أشبه، لكن حال بيني وبين ذلك الخوف من أن يكون هذا العمل مبغوضاً لله سبحانه، لما فيه من ترك العمل بواجب الدرس والإرشاد، بالإضافة إلى أن فيه قطع الرحم بالنسبة إلى الوالدين الذين كانا يتألّمان لذلك قطعاً..
    كما أنني قرّرت ـ في مرّة أخرى ـ الزهادة بتطبيق البنود الخمسة الآنفة الذكر في البيت الفارسي أعني:
    1: الصمت.
    2: الجوع.
    3: السهر.
    4: العزلة.
    5: ذكر الله سبحانه باستمرار.
    لما ورد في ذلك من روايات كثيرة
    فأقللت من الأكل والنوم واللباس وما أشبه..، ولكن أثار عملي هذا ضجّة الوالدة بكل شدّة، وتأثر الوالد بذلك تأثراً كبيراً، وأظهرا أنّهما يتأذّيان بعملي، مما الجئت إلى ترك ذلك بعدما استمرّ ما يقارب أربعين يوماً ـ على ما أذكر ـ .
    وأنا متأسف إلى الآن لعدم توفيقي للاستمرار مما حال دون وصولي إلى الهدف المنشود ولكن رعاية الوالدين كانت أهم.
    قال الامام علي {ع} {إعرف الحق تعرف أهله}

  • #2
    تابع

    زيارة مسجد السهلة
    وقد زاد في حبّي للزهد ما واظبت عليه من الذهاب إلى(مسجد السهلة) أربعين ليلة أربعاء متتالية، بقصد التشرّف إلى لقاء وليّ الله سبحانه(عجل الله تعالى فرجه الشريف) …
    فقد كنت أضغط على نفسي للبقاء في مسجد السهلة، أو مسجد الكوفة طول الليل ساهراً جائعاً، والمواظبة على الذكر والصلاة والعبادة.
    وهناك في جوف الليل المظلم الذي تنعكس فيه روحانية نفسيّة ـ تدرك ولا توصف ـ تتقوّى ملكة الزهد في الإنسان، فيرى الحياة لهواً ولعباً ، رؤية حسية لا رؤية فكرية.
    فإنه وإن كان من الجرأة أن أقول ذقت حلاوة العبادة هناك، لكن قد لا يكون من الجرأة أن أقول: أدركت هناك بعض حلاوة المعنويات، إذ في باطن الإنسان حسٌ يحسّ بشيء غير المادّة، وله لذّة لا تقايس بلذّة المادّة، وقد شعرت هناك مرّات ومرّات أني محروم من هذا الحس، وأنّ تحصيله من الصعوبة بمكان، وقد أدركت معنى قول(سعدي) في أبياته الطريفة:
    اكر لذ ّت تـــــرك لذ ّت بـدانى دكَر لذ ّت دهر لذّت نخواني
    هزاران در از خلق برخود ببندي اكر بـاز شد يك در آسماني
    ومضمونها:
    (إذا كنت تشعر وتعلم بطعم ترك اللذّة.. عندها لا تعد لذ ّة الدهر لذ ّة.. توصد على نفسك آلافاً من أبواب الناس، إذا ما فتح لك رب العالمين بابا من السماء).
    وإني إلى الآن أغبط نفسي على تلك الحالة التي كانت حالة مثالية.أما الوصول إلى ما وصل إليه الزهّاد فكان بيني وبينه ـ بَعدُ ـ مراحل.
    الزهد سعادة الدارين
    لكني مع ذلك كله، وأكثر من ذلك ممّا أصرف عنان الكلام عنه، لم أتمكن من( الزهد) الذي كنت والى الآن أرغب فيه، لعلمي أن فيه:
    خير الدنيا.. وذلك بإسعاد الروح وحصولها على اللذّة المعنوية، التي هي أفضل من لذّة الجسم المادّية ألف ألف مرّة.
    وخير الآخرة.. فإنّ الآخرة هي الأمر الذي يلزم على العاقل أن يتطلبه ويسعى لنيله بكل ثمن، فإن الحياة الدنيا ليست إلاّ دار غرور وما هي إلاّ جيفة وطلابها كلاب، كما في الحديث الشريف، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أقبلوا على جيفة قد أفتضحوا بأكلها واصطلحوا على حبها»
    تحصيل الدارين في الزهد
    وهناك من ينبري ليقول: إنّ اللازم أن نتكلم عن الحياة، فإنّ تأخر المسلمين سببه هو تأخرهم عن ركب الحياة، فكيف تتكلّم عن الموت؟
    والجواب: إنّا نتكلّم عن الحياة في النشأتين:
    قال الله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم)
    وقال تعالى: (وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون)
    والحياتان إنما تحصلان بالزهد، فقد قال الإمام المرتضى(عليه السلام) في وصف المتقين: ( شاركوا أهلَ الدنيا في دنياهم، ولم يشارِكوا أهل الدنيا في آخرتهم)
    معنى الزهد ومغزاه
    إنّ الزهد ليس معناه الانعزال وترك الحياة، وإنما معناه:« الإقبال على الحياة ولكن من الطريق المستقيم الصحيح»، ولذا كان النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الطاهرون(عليهم السلام) أزهد الناس جميعاً غير أنّهم كانوا يزاولون الحياة ـ بجميع جوانبها ـ .
    وفي الدعاء: (بعد أن شرطتَ عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنيّة، وزخرفها وزبرجها).
    وفي الحديث الشريف: (الزهد كلّه في كلمتين من القرآن، قال الله تعالى: (لكيلا تأسوا عـــلى مــا فاتكم ولا تفـــرحوا بما آتـــاكــم) فمن لـــم يــأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فهو الزاهد)
    وقيل: ليس الزهد أن لا تملك شيئاً بل أن لا يملكك شيء.
    من أسباب تأخر المسلمين
    وأنا أرى أن المسلمين إنما فاتتهم الحياة، حين فاتهم الزهد بمعناه الحقيقي واتخذوا التكالب شعاراً، وقد قال أحد زعماء الإلحاد: (إنّ المسلمين حينما كانوا للسماء أتتهم الأرض منقادة، وحين انصرفوا إلى الأرض فاتتهم الأرض والسماء).
    إنّ المادّة ببهرجتها غزت محلّ الروح، ولذا صارت المادّة آلة للهدم، وحينما تأخذ الروح مجراها وتوضع المادّة في محلها لابدّ أن تكون المادّة آلة للبناء..
    ولو شبّهت الدنيا والآخرة، بإنسان يريد الزواج من فتاة جميلة لها مهر غال، عندئذٍ يكدّ هذا الشخص ويعمل ليل نهار، لتحصيل ذلك المهر المعيّن والذي يراه مناسباً..
    فكما أنّ الرجل يكدح ليل نهار لكن فكره في الفتاة، كذلك الزاهد إنه طالب للآخرة.. إنه يعمل ويشتغل لكن كل فكره في الآخرة، يكدح لأجلها، ويعمل ويكسب لعياله لأن:
    (الكاسب حبيب الله) ..
    و( الكاد على أهله كالمجاهد في سبيل الله).
    فالزاهد يعمر ويزرع ويصنع لأن الله أمر بذلك..
    ويأكل ويشرب وينكح للقوّة على الطاعة والتعفّف عن الحرام..
    ويفتح البلدان ويدعو البشرية للصراط المستقيم لتكون (كلمة الله هي العليا)
    وهكذا دواليك..
    لماذا حديث الزهد؟
    وهناك جواب آخر عن السؤال المتقدم..
    وهو أنه: كيف لا نتوجه إلى الموت وما بعده فنزهد في الدنيا؟
    فإنّ الحياة قصيرة جداً، والآخرة لا أمد لها ولا انقطاع، أفلا يحق للإنسان أن يوجّه وجهته إلى هناك ويقضي الدنيا ـ التي هي لهو ولعب ـ كيفما انقضت ولا يكترث بها؟.
    قال عزّ وجل: ( يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون).
    فالدنيا مثلاً (خمسون سنة) أو أكثر بقليل، بينما موقف الحساب فقط مقداره خمسون ألف سنة كما في الآية الكريمة:
    )تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) .
    أرأيت كيف يحرم طالب المدرسة نفسه من الراحة واللذّة طيلة عشرين سنة تقريباً، للمستقبل الذي لا يتجاوز أكثر من ثلاثين سنة في الغالب، وأي مستقبل هو؟ مستقبل فيه بعض الراحة فقط.
    ألا يجدر بمن عرف الآخرة الطويلة الأمد أن يشتغل خمسين سنة لأجل تحصيلها؟.
    نماذج للزهد
    وإني أرى أن المجتمع الإسلامي اليوم بحاجة ماسّة إلى أمثلة حيّة من الزهّاد الذي يعزفون عن الحياة الدنيا عزوفاً كاملاً، حتى يقتدي بهم أناس لم تمت في أنفسهم غريزة حب العروج والسموّ الروحي.
    وانعدام مثل هؤلاء الزهّاد نقص كبير في مجتمعنا، فقد أصبح كثير من الناس مصداقاً لما قاله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشعر المنسوب إليه، الذي خاطب به ولده:

    أبنيَ إنَّ من الرجال بهيمـــةً في صورة الرجل السميعِ المبصر)
    فأيّ فرق بين البهيمة، وبين الشخص الذي همّه المأكل، والمشرب، والمسكن، والمركب، والمنكح، والمنصب؟
    بل البهيمة أفضل، فإنها لا تحمل ما يحمله الإنسان من عقل وإرادة، فلا تلام على اختلافها بين النثيل والمعتلف، ولذا قال سبحانه(ولئك كالأنعام بل هم أضل)نعوذ بالله تعالى.
    الزهد سهل ممتنع
    ومن الجدير بالذكر أني لم أجد كالزهد أمراً (سهلاً ممتنعاً ) فهل رأيت أسهل من:
    ( قلّة الكلام).
    و( قلّة الطعام).
    و( قلّة المنام).
    و( قلّة الاختلاط بالأنام) ـ فيما لا ينفع ـ.
    و( التذكّر لله والآخرة على الدوام)!.
    إنها كلها أمور ليست بمثابة الإقدام على الحرب أو ما أشبه من الأمور الشاقّة.
    ولكن هل ذلك من الميسور؟
    إنّ من الحق أن نقول: (مشكل جدا)،.
    ولكن الزهد مهما كان شاقاً فمن اللازم على الإنسان أن يحصله، وإلاّ سوف يعضُّ الإنسان على يديه من الندم يوم يرى مقامات الزاهدين، ولات ينفع الندم!.


    منقول
    التعديل الأخير تم بواسطة عارف الحق; الساعة 17-09-11, 02:09 PM.
    قال الامام علي {ع} {إعرف الحق تعرف أهله}

    تعليق

    يعمل...
    X