رؤيا صادقه ............................ من كرامات الامام الرضا عليه افضل الصلاة والسلام
المريضة المعافاة: سميّة النوّاب ـ العمر13 سنة. من طهران. الحالة المرضيّة: تلف عظم الساق. تاريخ الشفاء 3 كانون الثاني 1993.
كلّه كان من تقصيري. دونما حذر كنت أجري في وسط الشارع بين السيارات المسرعة. وفجأة صَمّ أذني صوت بوق سيّارة يزعق طويلاً، وصوت كابح السيّارة المخيف. وما أحسست إلاّ بضربة شديدة في رجلي وظهري، وسقطت على الأرض فاقدة الوعي.
* * *
عند الصباح لمّا استيقظتُ من النوم قصَصتُ هذه الرؤيا على أبي وأمّي. لكنّي مهما حاولت أن أتذكّر أخرها ما استطعت.
وضع أبي كفّه على رأسي بمحبّة وقال:
ـ إنْ شاء الله خير. ولكنْ لا تنسَي أن تدفعي صدقة.
ثمّ ناولني ورقة نقديّة لأُلقيها في صندوق الصدقات بالشارع وأنا ذاهبة إلى المدرسة. خرجت من البيت وأنا أحاول أن أتذكر ما نسيت من الرؤيا. أستعيد بيني وبين نفسي الرؤيا، ثمّ لا أعثر على تكملتها. وقطعتُ الطريق إلى المدرسة على هذه الحالة، حتّى إنّي نسيت الصدقة.
عند الظهر حينما كنت أعود من المدرسة.. حَدَث أن مددتُ يدي في جيب (المانتو) فلمست الورقة النقديّة. تذكّرت.. وعزمت أن أضعها في أول صندوق أصادفه في الطريق. كانت كفّي تقبض ـ في جيبي ـ على الورقة النقدية، وعيناي تبحثان حولي عن صندوق للصدقات.. حينما وقع نظري على شحّاذ جالس وإلى جنبه طفل غافٍ. أردتُ أن أعطيه النقود، لكنّ مظهره الوسخ وحالته الغريبة جعلاني اشمئزّ منه.
عبرتُ أمامه بسرعة، ولمحت في الجانب الآخر من الشارع صندوق صدقات، فهرولت باتّجاهه. وما كدتُ أقطع منتصف الشارع حتّى سمعت فجأة صوت بوق سيارة طويل اختلط به صوت كابح مزعج. ما استطعت أن أفعل شيئاً. وجاءتني ضربة شديدة على ظهري ورجلي رَمَت بي على الأرض.
أجل.. كان كل شيء شبيهاً بالرؤيا التي رأيتها البارحة!
عُدت إلى الوعي، فوجدت نفسي في المستشفى. أبي وأمّي واقفان عند سريري ينظران إليّ بعيون دامعة. وأسرع أبي ـ حين فتحتُ عينيّ ـ إلى خارج الغرفة يستدعي الدكتور. ابتسامة باهتة ظهرت على وجه أمّي المبتلّ بالدموع. مَسحَت أمّي دموعها، وانحنت عليّ تقبّل جبيني.
* * *
سمعت أنّ الطبيب قال لأبي: لازم نأخذ صورة لظهرها ورجلها.
وسمعت أبي يقول وهو يتأوّه: إفعلْ كلّ ما تراه ضرورياً يا دكتور.
* * *
أسبوع وأنا راقدة في المستشفى، دون أن أستطيع وضع قدمي على الأرض. وضعوني على العربة النقّالة، وأخذوني إلى غرفة أخرى. وهناك صوّروا ظهري ورجلي عدّة صور.
ونظر الدكتور إلى الصور، فأكّد أنّ عظم رجلي قد اسوَدّ. التمَسَه أبي برجاء:
ـ دكتور، الله يخلّيك.. اعملْ شيئاً. بالله عليك خلِّصْ ابنتي.
أبدى الطبيب نوعاً من الأمل، فربّما استطاع أن يعمل شيئاً ليوقف انتشار اسوِداد العظم. لكنّي كنت ـ من كلّ وجودي ـ أشعر بالوجع يزداد ساعةً بعد ساعة ويوماً بعد يوم. تعبتُ من حالتي وازدادت آلامي، حتّى وصلت إلى حالة من اليأس. كيف يمكن أن أعيش بمثل هذه الحالة ؟! كنت أتمنّى أن أموت لأستريح من الألم والعذاب. غير أنّ أمّي كانت تسلّيني بالأمل وتدعو لي.
في كلّ يوم يأتي لعيادتي عدد من زميلاتي في الصف. ينظرنَ إلى وضعي فيصعب عليهنّ إخفاء الدموع. يحاولنَ أن يضحكن، لكنّي أعرف أن عالَماً من الأذى والحزن يختفي وراء هذه الضحكات المفتعلة.
الأطبّاء لم يتوانَوا عن كلّ محاولة ممكنة.. فاستطاعوا ـ بكلّ اختصاصهم وخبرتهم ـ أن يوقفوا انتشار اسوِداد عظم رجلي. ثمّ غادرتُ المستشفى دون أن أكون قادرة على وضع قدمي على الأرض. أمشي إذا مشيتُ مستندة إلى عصا. أسحب قدمي اليُمنى على الأرض وأخطو خطوات قليلة بمشقّة. أبي كان يأمل أن تتحسّن حالتي بالتدريج، وأن أمشي بشكل طبيعي. أمّا أنا فكان اليأس ينغرس في داخل قلبي.
ومضت عدّة أشهر.. دون أن يحصل عندي تغيّر في طريقة المشي. والمعاينة الطبيّة الشهريّة كانت تضاعف اليأس وتقوّيه. كنت أعلم أنّ الأمر قد انتهى، ولم يظلّ أيّ رجاء في التحسّن والشفاء، وعلَيّ أن أبقى مشلولة إلى آخر عمري وعاجزة عن العمل. في آخر مراجعة طبيّة سمعت هذا الإحساس الداخلي ـ بشكل مؤكَّد ـ من لسان الدكتور حين كان يقول لأبي:
ـ لا أمل.. مع الأسف. يعني أنّي لا أقدر أن أفعل أيّ شيء. فقدَتْ رِجل ابنتك فعّاليّتها. اسوَدّت تماماً وتَيبّسَتْ.
رأيت أبي ينهار. انحنى ووقع على قدمَي الطبيب:
ـ ما العمل يا دكتور، دُلَّني على طريق!
جلس الطبيب إلى جانب أبي وقال بيأس:
ـ مع الأسف لا يوجد.. لا يوجد أيّ طريق.
انفجر أبي باكياً، فاحتضنه الطبيب وأخذ يواسيه:
ـ توكّلْ على الله.. على الله.
* * *
عندما تركنا عيادة الطبيب، في ذلك اليوم، كانت حالة أبي قد تغيّرت. لم ينطق حتّى بحرف واحد. كان صامتاً تقطر دموع عينيه.. حتّى بلغنا المنزل. أنا أفهم حالته جيّداً. أدري أنّه يفكّر بعاقبة حياة صبيّة عليه أن يتحمّل تبعاتها عمراً بأكمله.
ولمّا وصلنا إلى الدار تناول القرآن وجلس في مقابل سريري. أطبق جفنيه لحظة وهمس بدعاء، ثمّ فتح القرآن ونظر إلى الصفحة، وقرأ آيةً بصوت مسموع. عرفتُ أنه يستخير الله. لكنْ.. لأيّ شيء يسستخير ؟! لَم أسأله.. وتطلّعتُ إلى وجهه. كانت أسارير وجهه تنفتح كلّ لحظة وهو يقرأ القرآن. ثمّ أطبق المصحف ونظر إليّ نظرة ضاحكة، وقال:
ـ غداً نذهب.. استعدّي.
سألت:
ـ إلى أين ؟
قال بحزم:
ـ إلى الطبيب الحقيقي. نذهب لنحصل على شفائك.
قلت:
ـ لا أفهم! عن أيّ شيء تتكلّم ؟
ضحك، ومال إليّ فقبّل جبيني، وقال:
ـ آخذك إلى مشهد. ومتى وصلنا إلى هناك فهمتِ كلّ شيء.
* * *
لم أكن قد رأيت (مشهد) حتّى ذلك الوقت. لكنْ.. ما إن دخلتُ الحرم ووقع نظري على قبّة الإمام ومزاره.. حتّى انخرطتُ في بكاء غير اختياري. بدا لي أني أعرف هذا المكان المقدّس، وكأنّي قد رأيته وزرته من قبل.
لكن.. متى ؟. لم أتذكّر. ولمّا عبرنا قريباً من حمَامات الحرم.. تذكّرت أنّي كنت قد ألقيت حبوب قمح لهذه الحمَامات في يوم من الأيّام! أيََّ يوم كان ؟ لا أدري. وأخذتني حيرة عجيبة: إنّ هذا الحرم وصحونه كلّها ليس غريباً عنّي. إنّي أُميّزه في ذاكرتي بوضوح، مع أنّي لم آتِ إلى مشهد مِن قبل!
وعندما أقعدني أبي عند الشبّاك الفولاذي العريض المُشرِف على ضريح الإمام، لأكون «دخيلة» عنده لاجئة إليه.. أحسستُ أني أشاهد هذه المناظر الحيّة للمرّة الثانية. ما الذي يجري يا إلهي ؟! أغمضتُ عينيّ وحاولت أن أتذكّر، فلم يحضر في ذاكرتي شيء. ولمّا كنت مستغرقة في التفكير والتفتيش عن جواب.. رأيت فجأة نوراً يسطع، وانفتح أمام عينيّ كتاب أخضر، رحت أتطلّع إليه. كان الكتاب قرآناً، أخضر اللون وعليه سطور نورانيّة بيضاء. ومن بين أوراق القرآن صدَرَ صوت يتلو هذه الآيات: « سَبِّحِ اسمَ ربِّكَ الأعلى. الذي خَلَقَ فسَوّى. والذي قَدَّرَ فهَدى. والذي أخرَجَ المرعى. فجَعلَهُ غُثاءً أحوى. سَنُقرِئُكَ فلا تنسى ».
على الفور فتحتُ عينيّ. لم يكن أبي إلى جانبي. وجدت الخيط الذي رُبِطَت فيه رِجلي إلى الشبّاك الفولاذي قد انحلّت عُقدته من رِجلي، فعَقَدتُه مرّة أخرى.
اتّكأتُ على الجدار، وأغمضت عينيّ. ومرّةً أخرى.. أخذ ينفتح أمام عينيّ ـ وهما مُغلَقتان ـ ذلك الكتاب. أشرق نوره الأخضر، ورأيت صورة رجل نُورانيّ على صفحة الكتاب. كان الرجل النُّوراني يبتسم لي. سلّمتُ عليه فأجابني بمحبّة ولطف، وسأل:
ـ لماذا عَقَدتِ الحبلَ الذي حَلَلتُه ؟
وبدون أن أُجيب عن سؤاله، أخرج يده النورانيّة وفتح عقدة الحبل من رِجلي. وفتحتُ عينيّ مضطربة.. فوجدتُ الناس قد تجمّعوا حولي، وكلّهم يُحدِّقون بي في دهشة. وانطلقَتْ في الفضاء أصوات الناس بالصلاة على النبيّ وآله. ورحت أتطلّع إلى وجوههم. هذه الوجوه أعرفها جميعاً.. كأنّي قد التقيت بها مِن قبلُ في مكان. وبغتةً سطع في ذاكراتي شيء: المناظر التي أراها الآن.. هي شبيهة بالمناظر التي رأيتها في منامي تلك الليلة قبل وقوع الاصطدام! هذه المناظر كانت في الجزء الذي نسيته من تلك الرؤيا! وها هو ذا يتحقق تفسير رؤياي!
ساعة الحرم.. دقّت أربع دقّات في آخر الليل؛ وأنا في أيدي الناس التي تتلقّفني من كلّ جهة، وتُلقي بي في ابتهاج نحو السماء.
غَمَزتْ لي آخر نجمة من نجوم الليل، وبدأ صوت (النَّقّارة) يبثّ أنغامه؛ احتفاءً بسروري وسعادتي
بنت الحسين ابن علي
بنت ايوب
منقول -
تعليق